04/09/2023 - 19:20

حركة "جيل البِيت" الأدبيّة: خمسينات وستّينات اليأس والجنون الأميركيّ

مصطلح جيل البيت أو "جيل الإيقاع" تمّت صياغته لأوّل مرّة من قبل جاك كيرواك، أحد الشخصيّات المركزيّة فيه، في محادثة مع الكاتب جون كليلون هولمز، حيث كان مصطلحًا يشير إلى التعب، ويعني في الأصل الإرهاق أو الضرب أو السحق

حركة

الشاعر آلين جينسبيرج (Getty)

تركت حركة "جيل البيت"، وهي حركة ثقافيّة وأدبيّة ظهرت في الولايات المتّحدة في منتصف القرن العشرين، بصمة لا تمحى على المجتمع والسياسة والأدب الأمريكيّ، حيث كانت هذه الحركة الثقافيّة المضادّة، الّتي اتّسمت برفضها للمعايير والقيم التقليديّة، بمثابة استجابة للتوافق الخانق والمادّيّة في فترة ما بعد الحرب العالميّة الثانية، حيث ظهر "جيل البيت" ردًّا على التبعيّة الخانقة والمادّيّة في حقبة ما بعد الحرب العالميّة الثانية، ممّا أعطى صوتًا لجيل سعى إلى الأصالة والحرّيّة.

وكانت فترة الخمسينيّات فترة من التغيير والتوتّر الهائلين في الولايات المتّحدة، حيث جلبت آثار الحرب العالميّة الثانية الرخاء والنموّ الاقتصاديّ للأمّة، ممّا أدّى إلى تحضّر أمريكا في الضواحي، كما تميّزت هذه الحقبة بالمجتمع الملتزم، حيث كان الناس يتطلّعون إلى عيش "الحلم الأمريكيّ" والذي يتمحور حول وظيفة مستقرّة، ومنزل في الضواحي، وعائلة نوويّة.

ومع ذلك، فإنّ أسلوب الحياة المثاليّ الّذي يبدو ظاهريًّا أخفى السخط وعدم الرضا الكامن، حيث كان سباق التسلّح النوويّ مع الاتّحاد السوفييتيّ، والامتثال الّذي فرضته المكارثيّة والخوف الأحمر، والفصل العنصريّ والتمييز ضدّ الأميركيّين من أصل أفريقيّ مجرّد عدد قليل من القضايا الملحّة الّتي أقلقت النفسيّة الأميركيّة.

مصطلح جيل البيت أو "جيل الإيقاع" تمّت صياغته لأوّل مرّة من قبل جاك كيرواك، أحد الشخصيّات المركزيّة فيه، في محادثة مع الكاتب جون كليلون هولمز، حيث كان مصطلحًا يشير إلى التعب، ويعني في الأصل الإرهاق أو الضرب أو السحق، ومع ذلك، فإنّ تفسير كيرواك لكلمة "إيقاع" تجاوز الاستخدام التقليديّ، إذ كان يمثّل جيلًا تعرّض للهزيمة بسبب توقّعات المجتمع المتوافقة، وهو جيل سعى إلى الأصالة والحرّيّة وسط المعايير الخانقة في ذلك الوقت.

وكان لجيل البيت العديد من الشخصيّات الرئيسيّة الّتي لعبت أدوارًا محوريّة في تشكيلها وتطويرها، مثل الكاتب جاك كيرواك، والذي كان أحد أشهر كتّاب الحركة، حيث أصبحت رواية كيرواك "على الطريق (1957) العمل المميّز للحركة، وكان أسلوبه النثري العفويّ يجسّد روح هذه الحركة، بالإضافة إلى الشاعر آلين جينسبيرج، والذي صدم الحركة الأدبيّة السائدة في أميركا آنذاك، بقصيدة "عواء"، من خلال تحدّيه للأعراف المجتمعيّة، وسرعان ما تحوّلت هذه القصيدة إلى نشيد جيل البيت، وكذلك ويليام بوروز، صاحب رواية "الغداء العاري"، والذي دفع من خلال روايته حدود الأدب، وكان استكشافه لإدمان المخدّرات والكتابة عنها، بالإضافة إلى أسلوبه في الكتابة التجريبيّة، رمزًا للحركة.

استوحى جيل البيت الإلهام من مصادر مختلفة، بما في ذلك الأدب والفلسفة والموسيقى، وكان لكتابات الفلاسفة الوجوديّين مثل جان بول سارتر وألبير كامو تأثير عميق على الحركة، حيث أنّ تأكيد الوجوديّة على الحرّيّة الفرديّة والمسؤوليّة كان له صدى مع روح البيت المتمثّلة في البحث عن طريق الفرد، كما لعبت موسيقى الجاز دورًا حاسمًا في تشكيل الحركة، حيث عكست الطبيعة الارتجاليّة والعفويّة لموسيقى الجاز رغبة كتاب البيت في الحرّيّة الإبداعيّة والأصالة، وكان العديد من كتاب الحركة، بما في ذلك كيرواك، من عشّاق موسيقى الجاز المتحمّسين، ويمكن الشعور بإيقاع وطاقة موسيقى الجاز في كتاباتهم.

وعلى الرغم من أنّ "جيل البيت" كان في البداية حركة مضادّة للثقافة، إلّا أنّه سرعان ما تطوّر إلى قوّة أدبيّة مهمّة تحدّت الأشكال والأعراف الأدبيّة التقليديّة، وقد ساهمت عوامل كثيرة في هذا التحوّل، مثل "النثر العفويّ"، إذ كان مفهوم جاك كيرواك عنه على أنّه محوريّ، حيث أكّدت تقنيّة الكتابة هذه على روايات تيّار الوعي غير المفلترة الّتي تتدفّق بحرّيّة دون قيود القواعد النحويّة والبنية التقليديّة.

لم يكن كتاب البيت خائفين من استكشاف الموضوعات المحظورة الّتي غالبًا ما كانت تعتبر محظورة في الأدب السائد، إذ يعدّ كتاب "الغداء العاري" لوليام س. بوروز مثالًا ساطعًا، لأنّه يتعمّق في عالم إدمان المخدّرات، كما تناول ألين جينسبيرج في كتاباته موضوعات المرض العقليّ وتعاطي المخدّرات والتحرّر الجنسيّ، حيث دفعت هذه الأعمال حدود ما يمكن مناقشته في الأدب وفتحت آفاقًا جديدة للتعبير عن الذات.

ولم تكن العديد من أعمال حركة البيت عبارة عن روايات شخصيّة فحسب، بل كانت أيضًا تعليقات اجتماعيّة حول قضايا ذلك الوقت، وكان كتاب "عواء" لجينسبيرج بمثابة نقد لاذع للآثار اللاإنسانيّة للمجتمع الحديث والامتثال الّذي خنق الفرديّة، وقد ضرب بيت القصيدة الشهير، "رأيت أفضل العقول في جيلي وقد دمّرتهم الجنون، ويتضوّرون جوعًا وهم عراة بشكل هستيريّ"، على وتر حسّاس لدى جيل يتصارع مع الضغوط المجتمعيّة في تلك الحقبة.

وامتدّ تأثير حركة البيت إلى ما بعد الخمسينيّات والستّينيّات، حيث ألهمت كتاباتهم وروحهم الأجيال اللاحقة من الكتّاب والشعراء والفنّانين، واستمدّت الحركات الثقافيّة المضادّة في الستّينيّات، بما في ذلك حركة الهيبيز وصعود اليسار الجديد، بشكل كبير من مثل البيت المتمثّلة في عدم المطابقة، والمشاعر المناهضة للمؤسّسة، والسعي وراء الحرّيّة الشخصيّة.

وترك "جيل البيت" علامة لا تمحى على الأدب الأمريكيّ، حيثمهّد احتضانهم لأساليب الكتابة التجريبيّة وغير التقليديّة الطريق للأجيال اللاحقة من الكتّاب لاستكشاف أشكال جديدة للتعبير عن الذات، كما وضعوا الأساس للحركات الثقافيّة المضادّة في الستّينيّات وما بعدها، وكانت المثل العليا للحرّيّة الشخصيّة، والمشاعر المناهضة للمؤسّسة، ورفض الأعراف المجتمعيّة، محوريّة في روح البيت واستمرّت في صدى لدى الأجيال اللاحقة من النشطاء والمصلحين الاجتماعيّين، بالإضافة إلى انخراطهم السياسيّ واستخدام منصّتهم للدفاع عن التغيير الاجتماعيّ والسياسيّ.،على سبيل المثال، كانت مشاركة جينسبيرج في الحركات المناهضة للحرب والحقوق المدنيّة مثالًا على التزام البيت بالعدالة الاجتماعيّة.

التعليقات