06/09/2023 - 19:46

الوجه الآخر لعالم الفنون: غسيل أموال وعصابات إجرام عابرة للقارّات

مع تشديد الهيئات التنظيميّة قبضتها على سوق الفنّ، طوّر غاسلو الأموال طرقًا أكثر ابتكارًا في أساليبهم، ومع ذلك، قد توفّر التكنولوجيا أيضًا حلولًا لمكافحة غسيل الأموال

الوجه الآخر لعالم الفنون: غسيل أموال وعصابات إجرام عابرة للقارّات

لوحة للفنّان فان جوخ(Getty)

في "عالم التمويل عالي المخاطر" يعدّ غسيل الأموال "فنًّا أسود" كما يطلق عليه، وغالبًا ما تكون هذه الممارسة غير المشروعة مختبئة وراء طبقات من التعقيد، حيث برز غسيل الأموال من خلال شراء اللوحات الفنّيّة باعتباره جانبًا مثيرًا للاهتمام ومثيرًا للقلق من الجرائم الماليّة.

ويشتهر عالم الفنّ ببذخه وثقافته الّتي قد تبدو أحيانًا بعيدة كلّ البعد عن رتابة الحياة اليوميّة، إذ إنّه عالم حيث يدفع فيه باللوحات أسعارًا فلكيّة، وتجتمع النخبة في المعارض والمزادات الكبيرة، ومع ذلك، تحت السطح، فإنّ هذا العالم ليس منيعًا أمام جاذبيّة الجرائم الماليّة.

وقد أصبح الفنّ أداة مفضّلة لغاسلي الأموال لعدّة أسباب، منها الافتقار إلى التنظيم والشفافيّة، حيث يعرف سوق الفنّ منذ فترة طويلة بافتقاره إلى الشفّافيّة والحدّ الأدنى من التنظيم، ممّا يجعله بيئة مناسبة لمبيّضي الأموال للعمل في الظلّ، وغالبًا ما تتمّ المعاملات بشكل خاصّ، مع القليل من الإشراف، بالإضافة إلى التقييم الذاتيّ، حيث تكون قيمة الفنّ ذاتيّة إلى حدّ كبير، ممّا يجعل من الصعب على السلطات تحديد ما إذا كانت المعاملة مشروعة أم لا، وتسمح هذه الذاتيّة بالتلاعب الكبير بالأسعار، كذلك الأمر مع قابليّة النقل وعدم الكشف عن الهويّة، حيث إنّ هذه اللوحات قابلة للنقل بسهولة عبر الحدود، وهو ما يمكّن غاسلي الأموال من تحريك أموالهم بسهولة، كما يمكن للمشترين والبائعين أن يظلّوا مجهولي الهويّة نسبيًّا.

وهناك مبادئ أساسيّة لغسيل الأموال من خلال بيع وشراء اللوحات الثمينة، ويتمّ ذلك من خلال ثلاث مراحل، أوّلها تعرف باسم "التنسيب"، وهي المرحلة الأولى التي يتمّ إدخال الأموال فيها في النظام الماليّ، حيث يهدف غاسلو الأموال إلى إبعاد أنفسهم عن العائدات غير القانونيّة، غالبًا من خلال أساليب مثل الودائع النقديّة، أو الشركات الوهميّة، أو الاحتيال (تقسيم المبالغ الكبيرة إلى معاملات أصغر وأقلّ مشبوهة)، ثمّ تأتي مرحلة التصفيف، وفي هذه المرحلة، الهدف هو إخفاء مصدر الأموال، حيث يتمّ إجراء المعاملات المعقّدة لخلق ارتباك، ممّا يجعل من الصعب على جهات إنفاذ القانون تتبّع أصول الأموال، ويمكن أن يتضمّن ذلك تحويلات متعدّدة بين الحسابات، أو فواتير مزيّفة، أو معاملات دوليّة، ثمّ المرحلة الأخيرة والتي تعرف باسم التكامل، وتتضمّن هذه المرحلة إعادة إدخال الأموال "النظيفة" في الاقتصاد الشرعيّ، حيث يمكن للمجرمين القيام بذلك عن طريق شراء الأصول أو الاستثمارات، مثل العقارات أو العناصر الفاخرة أو اللوحات الفنيّة.

ويستخدم غاسلو الأموال أساليب مختلفة لاستخدام الفنّ في مخطّطاتهم غير القانونيّة، من خلال عدّة طرق، مثل المبالغة في الأسعار وانخفاضها، إذ قد يتلاعب المجرمون بأسعار الأعمال الفنّيّة لتسهيل غسل الأموال، كما أنّ المبالغة في تسعير العمل الفنّيّ يسمح بنقل الأموال إلى البائع بينما تظهر كعمليّة بيع مشروعة، وعلى العكس من ذلك، يمكن استخدام التسعير المنخفض لنقل الأصول عبر الحدود سرًّا.

ويعدّ استخدام الشركات الوهميّة تكتيكًا سائدًا في غسيل الأموال القائم على الفنّ، حيث ينشئ المجرمون هذه الكيانات المزيّفة لإجراء معاملات فنّيّة، ممّا يؤدّي إلى حجب الملكيّة الحقيقيّة للعمل الفنّيّ، بالإضافة إلى العمولات المتضخّمة، حيث يمكن لتجّار الأعمال الفنّيّة والوسطاء أن يلعبوا دورًا حاسمًا في مخطّطات غسيل الأموال، ومن خلال تضخيم عمولاتهم، فإنّهم يسهّلون حركة الأموال غير المشروعة بينما يبدو أنّهم يقومون بأعمال مشروعة، بالإضافة إلى إجراء مزادات رفيعة المستوى، والتي تجتذب المشترين الأثرياء وتوفّر منصّة مثاليّة لغاسلي الأموال، حيث أنّ عدم الكشف عن الهويّة الّذي توفّره المزادات، إلى جانب إثارة الحدث، يمكن أن يجعل من الصعب على السلطات فحص المعاملات، وغالبًا ما ينشئ غاسلو الأموال هياكل ملكيّة معقّدة تتضمّن صناديق ائتمانيّة وحسابات خارجيّة وكيانات مجهولة المصدر، لزيادة إخفاء الملكيّة الحقيقيّة للأعمال الفنيّة.

وتعدّ فضيحة 1MDB واحدة من أبرز القضايا في السنوات الأخيرة تتعلّق باختلاس مليارات الدولارات من صندوق 1Malaysia Development Berhad (1MDB) الماليزيّ، حيث تمّ استخدام بعض هذه الأموال المسروقة لشراء عقارات وأعمال فنّيّة فاخرة، بما في ذلك قطع لفنّانين مثل ليوناردو دافنشي وفنسنت فان جوخ، وكذلك قضيّة بوفييه الشهيرة، حيث كان إيف بوفييه، تاجر الأعمال الفنّيّة السويسريّ، في قلب فضيحة تتعلّق ببيع أعمال فنّيّة للملياردير الروسيّ ديمتري ريبولوفليف، وقد اتّهم فيها بتضخيم الأسعار والحصول على عمولات كبيرة، ممّا أثار تساؤلات حول شرعيّة المعاملات.

وفي عام 2018، صادرت السلطات الماليزيّة سلعًا فاخرة بقيمة ملايين الدولارات، بما في ذلك أعمال فنيّة اقتناها رئيس الوزراء الماليزيّ السابق نجيب رزاق، حيث زعم أنّه تمّ الحصول على هذه الأصول باستخدام الأموال المختلسة من فضيحة 1MDB.

ومع تشديد الهيئات التنظيميّة قبضتها على سوق الفنّ، طوّر غاسلو الأموال طرقًا أكثر ابتكارًا في أساليبهم، ومع ذلك، قد توفّر التكنولوجيا أيضًا حلولًا لمكافحة غسيل الأموال، حيث يمكن أن يؤدّي استخدام العملات المشفّرة وتقنيّات البلوكشين وسجّلّات المصدر الرقميّ إلى تعزيز الشفّافيّة وإمكانيّة التتبّع في المعاملات الفنّيّة، ممّا يجعل من الصعب على المجرمين العمل في الظلّ.

التعليقات