العرب والتحدي القادم - "مستقبل الثورة الرقمية"

العرب والتحدي القادم -
تأليف: مجموعة من الباحثين

الفضاء الإلكتروني الذي شيدته وسائل الاتصال والمعلومات، قد أنتج بالضرورة الكثير من المصطلحات العلمية الجديدة، وأحدث جملة من التغيرات الثقافية والاجتماعية والنفسية والاتصالية، كان الموضوع الذي شغل الدارسين المشاركين في السلسلة الخامسة والخمسين من كتاب العربي التي صدرت حديثا تحت عنوان «مستقبل الثورة الرقمية العرب والتحدي القادم»


ومجموعة الدراسات التي يضمها الكتاب بين دفتيه كانت قد نشرتها مجلة العربي في أعدادها السابقة، أو قُدمت إلى ندوة العربي عام 2001، وهي تندرج ضمن ثلاثة محاور هي . «العرب وقضايا النشر الإلكتروني» ، «العرب ومستقبل الإنترنت ملامح عالم جديد» و «العرب وتكنولوجيا المعلومات... قضايا» .


في المحور الأول المتعلق بالنشر الإلكتروني أشار دعماد بشير إلى أن صحيفة «الحياة» كانت الصحيفة الأولى في العالم التي صدرت معتمدة على نظام نشر مكتبي متكامل في الثالث من اكتوبر عام 1988، وأن أول نظام نشر مكتبي بالعربية كان نظام «الناشر المكتبي» الذي عربته «شركة العلوم والتكنولوجيا» المعروفة باسم « ديوان»


في نفس العام عن نظام النشر المكتبي الأميركي « ريدي سيت غو» وهو يعمل على نظام ابل ماكنتوش، كذلك فإن أول تجارب إنتاج الصحف على قرص مدمج جاء من قبل صحيفة «الحياة» 1995 .


وفي نفس المحور تناول د. روحي البعلبكي موضوع الترجمة الآلية، وعرّفها بأنها «ترجمة محوسبة تؤمن انتقالا شبه فوري من لغة تسمى لغة الأصل إلى لغة تسمى لغة الهدف دون تدخل بشري» ، ثم ألقى الضوء على تاريخ ولادتها وتطورها، فذكر أنه في العام 1949 أدلى وارن ويفر نائب رئيس مؤسسة روكفلر الأميركية بتصريح رسمي حول الترجمة بواسطة الحاسوب، نُشر في كتيب ووُزَّع على الجهات العلمية في الولايات المتحدة،


وما لبثت أن أعقبتهُ دراسات وأبحاث تولتها مراكز مرموقة من مثل معهد شةح (ماساتشوستس للتكنولوجيا)، كما عقد المؤتمر الأول للترجمة الآلية First Conference on machine Translation عام 1952، الذي نجم عنه تشكيل لجنة عمل في جامعة جورج تاون مهمتها إجراء أول تجربة عملية تضع مبدأ الترجمة الآلية موضع التنفيذ، وفي عام 1954 أُقيمت التجربة وعرضت،


ولكنها كانت بالطبع بدائية بل جنينية، وبعد عشرة أعوام (1964) ، شكلت اللجنة الاستشارية لمعالجة اللغات آليا Automated Language Processing Advisory Committee في رحاب الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم َّمكَميكس نُ ؟ٍملفكء ٌفَُيُّفخ َفكيْمٍء لدراسة مدى الحاجة إلى هذا النوع اللا بشري من الترجمة وجدواه الاقتصادية، وطلعت اللجنة بتقرير سلبي اللهجة، سوداوي التوقعات،


الأمر الذي ألقى ظلالاً قاتمة على الفكرة، لا سيما بعد أن كانت وكالة الاستخبارات الأميركية ءة قد أنفقت قرابة العشرين مليون دولار لتغطية أبحاث مماثلة، على أن الثمانينيات أعادت الحياة إلى المشروع، فمع نشوء علم الألسنيات الحاسوبية أو المحوسبة Computational Linguistics ، انتقل التعامل مع الترجمة الآلية من الأسلوب المباشر الذي يكتفي بالاعتماد على تحليل بسيط للعبارات مبني على القواميس الثنائية اللغة،


إلى الأسلوب غير المباشر أو التجريدي حيث يجري تحليل النص الأصلي بلغته المصدر توصلاً إلى تجريد المعاني أو تفتيت النص وفقاً للتحليل (أو التركيب) الصرفي morphology، والتحليل النحوي (أو تركيب العبارsyntaxI )، والتحليل المعنوي (أو الغموض التعبيرsemanticsة )، بحيث يِزال كل التباس محتمل، ويصبح في الإمكان القيام بعملية استيلاد متناسق في لغة هدف واحدة أو أكثر،


ويسعى الأسلوب غير المباشر إلى أن يكوِّن لغة وسيطة كأداة قياسية مجردة، متحرراً بواسطتها من الارتباط الكلي بأية لغة، فتصبح هذه اللغة القياسية الوسيطة Interlingua مجاله الرحب وصلة وصله بين سائر اللغات، ومؤدى ذلك في سياق التطور العالمي، أنه حصل ابتكار للغة قياسية تجريدية عالمية يحال إليها كل نص تُطلب ترجمته مهما كانت لغة المصدر ومهما كانت لغة الهدف أيضاً.


وفي المحور الثاني تناول الباحث المصري د. حنا جريس الكتابة الإلكترونية فتطرق إلى مصطلح «الهيبرتكست» بوصفه التعبير الوصفي لأحدث أشكال الكتابة الإلكترونية، فهو يمثل نصا إلكترونيا يرتبط بنصوص أخرى، والترجمة الحرفية له «النص الفائق» ،


وإذا كان المؤرخون يعتبرون عام 1501 بداية للكتاب المطبوع أو النص المطبوع الذي تتم كتابته وقراءته بطريقة متتابعة أو خطية، فإن الهيبرتكست الذي قدمه تيد نلسون من هارفرد في بداية السبعينيات، يمكن قراءته على الشاشة بطريقة غير متتابعة، ويمكن ربطه بملفات الصوت والصورة والرسوم المتحركة.


أما الباحث المصري أحمد محمد صالح فقد أكد في نفس المحور أنه مع قيام الفضاء الافتراضي أو الإلكتروني، تكونت الكيانات الاجتماعية الرقمية في هيئة جماعات رقمية يتم التحاور عبرها من أشهرها خدمة «يوزنت» والمجموعات الإخبارية «نيوز غروب» وحجرات الدردشة «تشات روم» ولوحة الرسائل والبريد الإلكتروني ومؤتمرات الفيديو «فيديو كونفرنسينغ»


وهذا استدعى من علماء النفس والاجتماع التركيز على الكيفية التي تغيرت بها صيغ وحدود الزمن والمثيرات الحسية، وكل ما هو مرتبط بأشكال الاتصال الإنساني في الحياة الرقمية الجديدة، والدراسات أثبتت أن الناس في الاتصالات الإلكترونية أكثر حرية وغير مقيدين بالعادات والتقاليد والأخلاق، وفي هذا السياق ألح الباحث على أن الوسائط الإلكترونية ليست شخصا له مسئولية الفعل بل وسيط للفاعل، لذلك يجب مراعاة القيم الإنسانية في تصميم التكنولوجيا وفي استخدامها.


في المحور الأخير من الكتاب تناول الباحث المصري د. نبيل علي موضوع عنف عصر المعلومات وإرهابه، وذكر بهذا الخصوص أن القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية عملت بصورة مباشرة وغير مباشرة على توليد خطاب معرفي يخدم أغراضها سعيا لتثبيت سلطانها، وهو ما أسماه بالعنف المعلوماتي الذي يُمارس من خلال ما يمكن أن نطلق عليه «القوى الرمزية اللينة» التي تختلف جوهريا عن «القوى التقليدية الصلدة»


فهي تعمل بالجذب لا بالضغط، وتستخدم لغة تخاطب العقول والقلوب لاكتساب الآراء لا الأرض، وهي تُمارس بصورة مستمرة ودائمة، وتزداد ضراوتها كلما رهفت واستترت وخفت فيها نبرة القوة وفجاجتها، وبخصوص الإرهاب المعلوماتي ذكر الدكتور علي أنه ينقسم إلى ثلاثة أنواع: أولها إرهاب ضد الأفراد، فكل فعل يقوم به الفرد من خلال تعامله مع الإنترنت هو فعل مسجل، ويمثل هذا هتكا للخصوصية، لاسيما بعد أن أصبح من الممكن النفاذ إلى ما يتبادله البشر عبر الشبكة،


وتهديدهم بالوثائق المزورة والصور الفاضحة المزيفة، وثانيا إرهاب ضد المؤسسات، ويتمثل في اختراق شبكات الاتصال والنفاذ إلى قواعد البيانات وإسقاط المواقع، وأخيرا إرهاب ضد الدول، ويتمثل في إمكانية النفاذ إلى شبكات التحكم في المرافق العامة، و التسبب في شلل البنى التحتية الأساسية واحتمال تدميرها بالكامل .


وحول الأمراض التي يتسبب بها استخدام الحاسوب يفيدنا د. عادل ريان بأنها متنوعة وتبدأ من حالات الإجهاد البصري وإصابة العين بالمياه الزرقاء وتشوهات الجنين لدى الحوامل وارتفاع ضغط الدم والضيق والتوتر العصبي وآلام الرقبة والأكتاف والمفاصل. يكتب د. حنا جريس أن قصة الهاكرز (المتسللون إلى برامج الكمبيوتر) تبدأ منذ نهاية الخمسينيات، حين أدرك المبرمجون الأوائل أنهم الفاتحون الجدد لصفحة جديدة من تاريخ البشرية،


وأطلقوا على أنفسهم المبرمجون الحقيقيون، وشكلوا نخبة تتعامل مع هذا العالم الجديد دون استئثار للمعرفة، وقد تضخمت هذه النخبة منذ منتصف السبعينيات، ويعود إلى هذه الفترة ظهور أول وثيقة تحدد من هم الهاكرز وتبرز أهم مبادئهم وهي:


المعرفة والمعلومات ينبغي أن تكون في متناول من يريدها دون قيود، وكل مصادر المعرفة ينبغي أن تكون مفتوحة بما في ذلك الدخول إلى الشبكات وأجهزة الكمبيوتر الأخرى، والهاكرز لا يضعون ثقتهم بالسلطات أيا كانت، وكان لهم الفضل في تشكيل تكنولوجيا المعلومات والبرامج المجانية، وهم يقومون بنسخ برامج الكمبيوتر ذات الأسعار العالية وتوزيعها مجانا، مما حمل المنتجون على محاربتهم ووصفهم بالإرهابيين .


وفي ختام هذا العرض الموجز لأهم الأفكار التي توقف عندها كتاب » مستقبل الثورة الرقمية» ، لا يسعنا إلا نتذكر كلمات العالم بريجوجين «إن القرن العشرين قد حول كوكبنا بأكمله من عالم متناه من الحقائق اليقينية إلى عالم لا متناه من الشكوك»


تهامة الجندي


الكتاب: مستقبل الثورة الرقمية


العرب والتحدي القادم


الناشر مجلة العربي ـ الكويت 2004


الصفحات: 208 صفحات من القطع المتوسط


التعليقات