التجانس اليهودي والشخصية اليهودية/ تأليف: د. عبد الوهاب المسيري

التجانس اليهودي والشخصية اليهودية/ تأليف: د. عبد الوهاب المسيري
يسعى هذا الكتاب «التجانس اليهودي والشخصية اليهودية» إلى إلقاء مزيد من الضوء على بعض الجوانب الأساسية المتعلقة باليهود واليهودية والصهيونية، وذلك من خلال تناول بعض الأحداث الجارية في مسار الصراع العربي الصهيوني. وذلك عبر رصد الباحث وهو المفكر المصرى د. عبدالوهاب المسيري للأحداث ومراكمة المعلومات الخاصة بها، ووضع الحدث داخل نمط متكرر متجاوزا للحدث نفسه وأكثر عمومية منه، بالإضافة إلى وضعه في سياقه التاريخي والثقافي حتى يمكن فهمه ودرسه في أبعاده المركبة.


واستنادا إلى هذا المنهج، يتناول الدكتور المسيري في الفصل الأول من الكتاب: الموضوعات التي تدور حول وهم الهوية اليهودية، تحت عنوان «خرافة القومية اليهودية». أما الفصلان الثاني والثالث فيضمان الموضوعات التي تدور حول موضوعين مرتبطين، هما التجانس اليهودي والشخصية اليهودية،


حيث يتم الكشف من خلال الأمثلة المحددة أنه لايوجد أي تجانس بين أعضاء الجماعات اليهودية وأن الحديث عن الشخصية اليهودية هو خرافة ابتدعها الصهاينة والمعادون لليهود واليهودية على حد سواء.


ويتناول الفصل الرابع قضية إعادة بناء الهيكل ويركز الفصل الخامس على بعض الأكاذيب الصهيونية مثل الإدعاء بأن الدولة الصهيونية تهدف إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط. ويضم الفصل السادس بعض الموضوعات ذات الطابع الفكاهي والتي تكشف بعض التناقضات التي تسم حياة المستوطنين الصهاينة.


في الفصل يشير المؤلف إلى أن الصهيونية تدعى أنها «القومية اليهودية» وأنها بالتالي حركة لتحرير يهود العالم، لذا يجب في البداية إلقاء الضوء على الدين اليهودي وبعض سماته الأساسية فالملاحظ أن الدين اليهودي، على خلاف الديانات السماوية الأخرى، يمزج على مستوى المصطلح على الأقل، بين فكرة «الشعب» بالمعنى العرقي وفكرة «الأمة» بالمعنى الديني.


وعلى الرغم من تداخل «الزمني» بالمقدس و«القومي» بالديني في اليهودية، فقد ظلت فكرة «القومية اليهودية» إمكانية فكرية كامنة تعبر عن نفسها بشكل روحي وعاطفي لا يتعدى نطاق الصلوات والدعوات..


ولعل إحساس اليهود بواقع حياتهم هو الذي أخمد الشعور بالانتماء القومي الوهمي، فلم يسجل تاريخ الجماعات اليهودية أية حركات منظمة للعودة لأرض الميعاد إلا بعد بزوغ عصر الاستعمار وتحول الجماعات اليهودية في العالم الغربي إلى جماعة وظيفية،


ومن هنا حاول الصهاينة ممثلي العقلية الجيتوية أن يعملوا على تحويل «الإحساس الديني إلى شعور قومي وبرنامج سياسي موظفين في ذلك فهماً خاصاً ورؤية أيديولوجية لليهودية.


وتوظيف ما أطلقوا عليه معاداة اليهود، حيث يرى بعض الصهاينة أن «معاداة اليهود» هي التي خلقت الوعي «القومي» اليهودي.


ولم يظهر ما يسمى بالوعي «القومي» إلا بعد عام 1881 عقب تصاعد موجات الاضطهاد ضد اليهود في شرق أوروبا، ويختلف تفسير ظاهرة معاداة اليهود من تيار صهيوني لآخر، فيرى دعاة الصهيونية السياسية أنها ظاهرة أزلية لأن كره الأغيار لليهود مسألة لصيقة بطبيعتهم البشرية، بينما يحاول الصهاينة العماليون تفسيرها تفسيرا تاريخيا فيشيرون إلى التطور الاقتصادي الشاذ لليهود وتحولهم إلى جماعات هامشية غير منتجة والاستجابة لذلك من قبل الصهيونية هو الهجرة لأرض الميعاد.


ويدلل الباحث على أن مقولة «الشعب اليهودي» و«القومية اليهودية» هي في حقيقة الأمر مفهوم إصلاحي فاشي أو رؤية للمستقبل وليست وصفا لما هو قائم بالفعل، ولعل أكبر دليل على ذلك أن غالبية «الشعب اليهودي» لا تزال في أنحاء العالم الذي يسميه الصهاينة «المنفى»


وهي في النهاية مقولة ترفض بإصرار مفهوم العودة لأرض «الوطن القومي» ولعل المقارنة بين يهود الولايات المتحدة ويهود الفلاشا على سبيل المثال، تبين مدى ابتعاد الرؤية الصهيونية عن الواقع،


فالاختلافات بينهما في جميع المجالات عميقة، وجذرية وذلك يرجع لاختفاء المركز من زمن بعيد مما سمح باستقلال الأطراف اليهودية عن «التيار الأساسي» في اليهودية.


أما في الفصل الثاني والثالث والذي يحمل عنوان خرافة التجانس والشخصية اليهودية فيشير د. المسيري إلى أن التجمع الصهيوني يضم جماعات يهودية وغير يهودية تجعل من أسطورة «أتون الصهر» أكذوبة كبرى..


وكان علم الاجتماع الإسرائيلي يذهب إلى أن التجمع الصهيوني يضم مجموعتين أساسيتين هما الأشكناز والسفارديم ومجموعات صغيرة أخرى.


وهذا في حد ذاته تزييف، فالمجموعة الأشكنازية ليست كيانا متجانسا، إذ تضم داخلها يهودا من شرق أوروبا ويهودا من وسط أوروبا ويهودا من غربها، بالإضافة إلى يهود من الولايات المتحدة وكندا واستراليا وأميركا اللاتينية


وتضم كل من تلك الجماعات أقليات مختلفة، فجماعة يهود غرب أوروبا تضم يهودا من فرنسا وهؤلاء مختلفون عن يهود هولندا ويهود إيطاليا ويهود انجلترا.


وما ينطبق على الأشكناز ينطبق كذلك على السفارديم، حيث هو اصطلاح ديني ووثني في ذات الوقت، ويشير الى اليهود الذين يتبعون التقاليد السفارديمية في العبادة (ومن بينهم يهود هولنديون وإيطاليون وإنجليز) ويشير أيضا إلى اليهود الذين جاءوا من شبه جزيرة أيبريا، ويهود الفلاشاه والعبرانيين السود. ومن هنا يرى المؤلف أنه يجب أن يتم الحديث عن الجماعات اليهودية بدلا من تعبير الشعب اليهودي.


وتنقسم أعضاء الجماعات اليهودية إلى عدة أقسام أساسية ولعل ذلك لا يوجد التجانس ولا يوجد «الشخصية اليهودية» وتستخدم تلك الجماعات «لغات يهودية عديدة» ـ وهذا ما تستخدمه بعض المراجع الصهيونية ـ فهناك لغات ورطانات ولهجات حيث لم يتحدث اليهود اللغة التي تعرف بالعبرية إلا لفترة قصيرة للغاية،


فلغة الآباء (إبراهيم وإسحق ويعقوب) (2100 ؟ 1200) ق.م كانت لهجة سامية قريبة من العربية أو الآرامية، أما العبرية فكانت لهجة من اللهجات الكنعانية ولم يتخذها اليهود لسانا لهم إلا بعد إقامتهم في كنعان (ابتداء من 1250ق.م)


ويبدو أن العبرية قد اختفت بوصفها لغة الحديث بين اليهود مع التهجير البابلي (567 ق.م) وثمة نظرية تذهب إلى أن الآرامية (كانت لغة المسئولين في بلاط ملوك مملكة يهود الجنوبية) ورغم أنه بقي بعض اليهود في فلسطين يتحدثون العبرية،


إلا أن الآرامية حلت تماما محل العبرية نحو 250 ق.م أما اللغات التي كان يستخدمها أعضاء الجماعات اليهودية في تعاملهم مع الآخرين بعد انتشارهم في العالم، فكانت في معظم الأحيان لغة الوطن الذي استقروا فيه وانتموا إليه أو إحدى اللغات الدولية السائدة.


فكان يهود بابل يتحدثون الآرامية لغة التجارة الدولية في الشرق الأدنى القديم. وكان يهود الاسكندرية في العصر الهليني يتحدثون اليونانية، كما أن يهود فلسطين كانوا يتكلمون الآرامية أو اليونانية ويهود الإمبراطورية الغربية يتحدثون اللاتينية ويبدو أن بعض يهود الإمبراطورية الإيرانية كانوا يتحدثون باللهجات الفارسية.


ويهود العالم العربي بالعربية ويهود أسبانيا اللادينو ويهود أوروبا الشرقية فكانوا يتحدثون اليديشية وهي رطانة ألمانية وغيره كثير. وتحت عنوان خرافات الهيكل يوضح د. المسيري أنه قد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الهيكل، هيكل داود ـ هيكل سليمان ـ هيكل هيرود ـ الهيكل الثالث ـ بناء الهيكل ـ نهب الهيكل.


والهيكل كلمة كنعانية يقابلها في العبرية «بيت همقداش» أي «بيت المقدس» أو «هيخال» وهي كلمة تعني «البيت الكبير» في كثير من اللغات السامية مثل الأكادية والكنعانية وغيرهما والبيت الكبير أو العظيم هو الطريقة التي كان يشار بها إلى مسكن الإله، فكلمة «فرعون» تعني «البيت الكبير» وهي تشبه عبارة «البيت العالي» .


ومن المعروف أن القصيدة اليهودية لم تتبلور إلا في مرحلة متأخرة (ربما في القرن الخامس الميلادي) ولهذا لا يمثل الهيكل جزءا من القصيدة اليهودية وإنما هو جزء من «العبادة القربانية المركزية» وهي النمط الديني الذي ساد في فلسطين ابتداء من حكم سليمان التوراتي (وهو حسب العقيدة اليهودية ليس نبيا وإنما ملك)


واستمر هذا النمط بعض الوقت إلى أن هدم الرومان الهيكل في عام 70 ميلادية ويشير التراث اليهودي إلى ثلاثة هياكل: أما الهيكل الأول فهو هيكل سليمان.


وحسب التصور اليهودي قام سليمان ببنائه فوق جبل موريا، وهو جبل بيت المقدس، وتم إعادة بنائه من قبل زوربابل (أحد كبار الكهنة الذين سمح لهم الإمبراطور الفارسي قورش بالعودة إلى فلسطين) بعد أن كان هيكل سليمان قد تهدم على يد قوات نبوخذ نصر البابلي عام 586 ق.م وتم إعادة بناء هيكل زوربابل في الفترة 520 ـ 515ق.م


والهيكل الآخر هو «هيكل هيرود» الذي بناه الملك هيرود (27ق.م- 4م) الذي عينه الرومان ملكا ويشار إلى هذا الهيكل بأنه الهيكل الثاني. ويذهب الفقه اليهودي إلى أن الهيكل لابد أن يعاد بناؤه وتقام شعائر العبادة القربانية فيه مرة أخرى حينما يعود اليهود إلى صهيون (أي فلسطين) بقيادة الماشيح في آخر الأيام. أي أن إعادة بناء الهيكل مرتبط بالرؤى الأخروية لا بالتاريخ الإنساني.


وفي الفصل الخامس والسادس حيث الخرافات والفكاهات يأخذ الباحث على عاتقه كف الزيف والتزوير والأساطير في الحياة الصهيونية منذ أن استوطنت واستعمرت أرض فلسطين فما زال الولاء مزدوجا عند اليهودي،


ومازال الصراع قائما بين العلماني واليهودي في التجمع الاستيطاني ودولة الاحتلال الصهيوني ومازالت الرؤى الأسطورية تتحكم في مستقبل تحركاتهم ومستقبل صراعاتهم وتصنع حروبهم.


(أمين اسكندر - "البيان")

التعليقات