"رسائل من المحب إلى الأحب"..رسائل للشهيد صلاح خلف أبو إياد

-

صدر في القاهرة، مؤخراً، كتاب "رسائل المحب إلى الأحب".
والكتاب هو عبارة عن مجموعة من الرسائل كتبها الشهيد صلاح خلف أبو إياد، وجمعها إبنه منير صلاح خلف، وقدم لها أحمد صدقي الدجاني.


إلى كل أم و زوجة وأخت شهيد ...
إلى أبناء الشهداء ...
أهدي لكم هذه المعاني الصافية
التي تخترق القلب لتملأه نورا و ضياء
وأملا في المستقبل رغم كل الجراح


منير صلاح خلف

تتبوأ الشخصية القيادية مكانا متميزا في الاجتماع الإنساني، بما تتصف به من شمائل وما تملكه من قدرات وما تقوم به من أعمال وما تتخذه من مواقف. وهذا ما يجعل دائرة واسعة من الناس ترتبط بها وتعني بتتبع أخبارها وتحتفظ بذكريات عنها وتتطلع إلى الاستزادة من معرفتها وبخاصة بعد انتقالها إلى دار البقاء.

كان أخونا صلاح خلف "أبو إياد" شخصية قيادية مذ تفتح شاباً وهو في العشرينات من العمر. وبرز أثناء دراسته في القاهرة عاصمة مصر في أوساط أقرانه من الطلاب الجامعيين الفلسطينيين، فشارك في تأسيس رابطة الطلاب الفلسطينيين مع عدد من أصدقائه وزملائه ثم تولى رئاستها عام 1956م.

ولم يلبث أن تابع انشغاله بالعمل العام حين غدا مدرسا بعد حصوله علي شهادة العالمية مع الإجازة في التدريس من الجـامع الأزهر عام 1958م، وعمل في قطاع غزة ثم في الكويت. وهناك شارك في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) أواخر الخمسينات وأصبح واحدا من قادتها.

ودخل دوره القيادي فيها وفي ساحة العمل الفلسطيني بعامة مرحلة أخرى حين تفرغ للعمل العام عام 1967م وتولى من خلال عضويته في لجنة فتح المركزية مهام إنشاء جهاز أمن الثورة الفلسطينية التي انطلقت في منتصف الستينات.

وأصبح أحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية حين تولت فتح قيادة المنظمة في مطلع عام 1969م في وحدة وطنية مع فصائل فلسطينية أخرى. وهكذا تألق أبو إياد في عمله القيادي في مؤسسات المنظمة والثورة، واشتهر اسمه فلسطينياً وعربياً ودولياً، ونهض بمهام كثيرة حيوية، إلى أن أكرمه ربه بالاستشهاد في 14/1/1991م والعالم يعيش أزمة الخليج ثم زلزاله.

جوانب كثيرة في حياة أبى إياد تعرف عليها إخوانه وزملاؤه وأبناء شعبه وأمته. وقد رسموا له من خلالها صورة مشرقة بقيت معهم حين انتقل إلى دار البقاء. ويصدر هذا الكتاب ليعرّفَ بجانب آخر هو جانب الحياة الأسرية من خلال رسائل كتبها أبو إياد الزوج والأب لزوجه الكريمة ولأولاده الأعزاء.

هي اثنتا عشرة رسالة وثلاث وصايا جمعها المهندس منير أصغر أبنائه وهيأها للنشر وأسماها "رسائل المحب إلى الأحب". أهداها إلى كل "أم وزوجة وأخت شهيد وإلى أبناء الشهداء ... أهدي لكم هذه المعاني الصافية التي تخترق القلب لتملأه نورا وضياء أملا في المستقبل رغم كل الجراح" ...

وكتب تمهيدا لها ضمنه مشاعر كريمة وأفكاراً موحيةً تنتمي إلى ما أسماه أجدادنا "أشرف الحديث" علي حد قول صاحب العقد الفريد. ثم دعاني إلى كتابة تقديم للكتاب فاستجبت. وذلك لما للإبن منير من منزلة عالية عندي، ولما لأخي الشهيد أبى إياد من ذكرى عطرة لدي، ولحماسي لأدب الرسائل وعنايتي به.

فأما المهندس منير صلاح خلف صاحب الفضل في إصدار هذا الكتاب، فقد عرفته منذ سنوات. وتحديدا حين التقيت به في أعقاب محاضرة ألقيتها في لندن في صيف عام 1993م بدعوة من النادي العربي حول "مواجهة نظام الشرق الأوسط".

أذكر يومها أنه علق على المحاضرة وعرفني بنفسه، فقامت بيني و بينه علاقة مباركة سعدت بها واغتنيت. هي علاقة بين جيلين من أبناء هذه الأمة كان الشيخ فيها حريصا علي التزود بحدس الشاب في تعامله مع قضايا أمته وشعبه. ولجيل الشباب حدسه الذي أشاد به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما نقل الماوردي في"أدب الدنيا والدين" وما أسرع ما اكتشف الشيخ أن هذا الشاب الطُلُّعة مقبل علي العلم، مَعنيٌ بلقاء العلماء، جمع بين العناية بعلم الهندسة، وهو مهندس قدير، والعناية بعلوم الدين والدنيا من فقه وتصوف وتفسير وفلسفة وتاريخ. ومن خلال حوارات متصلة منتظمة ازداد الشيخ معرفة بشيم الشاب وقيمه المستلهمة من حضارتنا العربية الإسلامية، ومن بينها "الترابط الأسري" و"إجلال الوالدين" و"محبة الأخوة والأخوات"، ومن ثم كل من في الدائرة المحيطة. وكما أن من بينها عزم على "تحرير الوطن" من المستعمرين المستوطنين الصهاينة الذين قاتلونا في الدين وأخرجونا من ديارنا. وكم كان الشيخ يكبر في الشاب هدوءاً قوامه العقل وحسن خلق آسر. وهكذا تعمقت معرفتي بأخي الشهيد أبي إياد بعد رحيله إلى دار البقاء من خلال معرفتي بغرسه، ابنه الأصغر منير.

وأما ما لأبي إياد من ذكرى عطرة لدى، فقد تجمعت من خلال وجودنا معا في ساحة العمل العام واشتغالنا بقضية فلسطين. وأذكر أنني سمعت عنه وعن نشاطه حين جئت القاهرة عام 1959م لأسجل لدراسة الماجستير في التاريخ. فقد تردد اسمه علي ألسنة من تعرفت عليهم من الزملاء من أبناء فلسطين مع أسماء ياسرعرفات وفاروق قدومي وخالد الحسن. وحين توليت مسؤولية مدير عام التنظيم الشعبي في منظمة التحرير الفلسطينية وباشرت الاتصال بالتنظيمات الفلسطينية تردد اسمه واحدا من قيادات "فتح". وكنت التقيت في المؤتمر الفلسطيني الأول الذي انعقد بالقدس في آيار من عام 1964م وأنشأ منظمة التحرير الفلسطينية بالأخوة خليل الوزير "أبي جهاد" وكمال عدوان ومحمد غنيم "أبي ماهر" من فتح. وجاء أول لقاء جمعني بأخي أبي إياد في القاهرة في ربيع عام 1968م حين شاركت معه في ندوة نظمها اتحاد المرأة الفلسطينية حول مستقبل المقاومة التي بدأت تشق طريقها في فلسطين بين أبناء شعبنا. ويومها رأيت شخصية أبي إياد القيادية وتعرفت على بعض أفكاره. وأذكر أننا تشوفنا معا ما سيحدث من تطور في أساليب المقاومة وصَدَّقت الأيام ما تشوفناه.

شهدت السبعينيات والثمانينات التنامي المطرد لدور أبي إياد القيادي. وقد نهض بمسؤولية تأسيس جهاز الرصد للثورة الفلسطينية وتأمين حمايتها. وغدا عاملا فاعلا في تحقيق اللحمة بين الفصائل الفلسطينية المشاركة في قيادة المنظمة إلي جانب فتح وبرز ناطقا مبينا باسم فتح والمنظمة في اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني وبات المسؤول الأول عن العلاقات الأمنية مع الدول العربية والدول الصديقة. ومن خلال ذلك قام بدور سياسي مؤثر. وقد رأيت أمثلة حية على هذا الدور حين عدت إلى المشاركة في مؤسسات المنظمة عضوا في المجلس الوطني وفي المجلس المركزي منذ عام 1972م ثم عضوا في اللجنة التنفيذية بين عامي 1977م وآخر عام 1984م. وهكذا ظهر وصف "الرجل الثاني" عند الإشارة إلى أبى إياد في كثير من الأوساط.

هذه الشخصية القيادية التي تميز بها أخونا أبو إياد هي التي دعتني إلى الاستعانة به في ختام أعمال المجلس الوطني آخر عام 1984م ليتولى إقناع زملائي وأخوتي في اللجنة التنفيذية والقيادة الفلسطينية بالاستجابة إلى طلبي بعدم المشاركة في اللجنة التنفيذية بعد سبع سنوات ونصف عضوا فيها. وذلك كي أتفرغ لدور فكري أنهض به وأتابع التعبير عنه في المجلسين الوطني والمركزي. وأذكر أنه تفهم جيدا وجهة نظري، وحين طرحتها في اجتماع مشترك للجنة التنفيذية والقيادة مرة أخرى قام بتعزيزها، فإذا بالاخوة يتفهمونها ويستجيبون لطلبي.

بقي أن أشير وأنا أستحضر ما لأبى إياد من ذكرى عطرة عندي إلى منزلته العالية عند إخوانه. وقد خبرت أثناء صحبتي لأخي أبى اللطف فاروق قدومي في العمل الخارجي مدى المحبة التي تقوم بينه وبين أخيه أبى إياد.

يعرف ابننا المهندس منير حماسي لأدب الرسائل وعنايتي به. ويعرف أنني أصدرت فيه ثلاثة كتب تضمنت خواطر وتأملات كتبتها في رسائل "لأحبائي". وكنت أعكف على كتابتها غالبا في "لحظات ممتدة" أبث فيها لزوجتي وأولادي شجوني وأعلمهم بحالي وأشركهم أفكاري. وقد أبرزت "اللحظات الممتدة" في عنوان الكتاب الأول وعرفتها في مقدمته بأنها "لحظة تمتد طولا وعرضا وعمقا".

لقد كتب أبو إياد هذه الرسائل في لحظات اشتد فيها حنينه لإلفه ولأبنائه، واستشعر حاجته إلى أن يكون معهم عبر السطور التي يخطها، فعمد إلى استحضار صورهم وأطيافهم، وتحدث إليهم بمكنون نفسه. وفي الرسالة الأولى وهي بلا تاريخ _ يتجلى "حزن الثائر" بسبب "تحطم القيم"، مما يشير إلى انه كتبها في لحظة ضيق. وقد أشار فيها إلى مأساة الفشل ومأساة ضياع الوفاء، وهو يخاطب فيها العزيزة أم إياد، وأترك للقارئ الكريم أن يعيش مع الرسالة بنفسه. وكان أبو إياد قد بنى بابنة عمته أم إياد في 31/7/1959م كما جاء في سيرة حياته. واختار مُصدر الكتاب "عنوانا لهذه الرسالة "حزن الثائر"، كما اختار عنوانا لكل من الرسائل الباقية. ونقرأ من خلال العناوين المختارة هذه تفاعل الابن البار مع حديث الأب المعطاء.

لن أعمد إلى "قراءة" الرسائل في هذا التقديم، مفسحا المجال لقارئها أن يستمتع بالدخول إلى عالمها. وأكتفي بالإشارة إلى أن جميع الرسائل الباقية مؤرخة عدا الثانية التي ذكر المهندس أنها كُتبِِت بين عامي 78 و79 وتواريخ تلك الرسائل يمتد من عام 63 إلى عام 79. والوقوف أمام تاريخ الرسالة مفيد. وحبذا استحضار الأحداث التي وقعت فيه.

وسوف يتعرف القارئ الكريم من خلال قراءة هذه الرسائل إلى جوانب من الحياة الأسرية لهذه الشخصية القيادية. كما سيطل على عالم أبى إياد الداخلي وهو يعيش ناذرا نفسه لقضيته، يعاني غربة، ويتابع نمو أسرته وقد أكرمه الله وزوجه المصون بالبنات والبنين.

يبقى أن اذكر أن الرسائل تتضمن إشارات إلى أحداث كان لها تأثيرها المباشر على حياة الأسرة. وهي إشارات موجزة يود القارئ عند المرور بها أن يستزيد من الحديث عنها. ولعل ابننا المهندس منير يأخذ ذلك في الاعتبار فيزود الرسائل بهوامش شارحة لهذه الإشارات، أو يفصل الحديث عنها في كتاب آخر يضم مزيدا من أوراق الشهيد الخاصة، وشهادات أبنائه وإخوانه الخلص.

رحم الله أخانا القائد صلاح خلف أبا إياد، وهو حي عند ربه يرزقه شأن الشهيد. وحفظ الله ابننا المهندس منير ذخرا. وأعان شعبنا البطل في مقاومته العظيمة في انتفاضة الأقصى وتوجها بالتحرير.



أحمد صدقي الدجاني
صيف 2002م

ما أصعب أن تكتب عن رجل حمل في قلبه وعقله حبا لبلده وشعبه، ولم يستنكف عن خدمتهما طوال حياته ... باذلا أغلى ما يملك، مدافعا مقاتلا عن حقوق شعبه ... إنه بكل فخر وإعتزاز والدي صلاح خلف "أبو إياد" ... رحل عنا أبو إياد في أصعب الأوقات ... لم نبكه من هول الدمار الذي لحق بالأمة إبان زلزال الخليج ... رحل صامتا على غير عادته وكأن لسان حاله يقول ... لا أريد أن أكون شاهد زور على ما ستأتي به الأيام ...

ولطالما شعرت بحرج شديد كلما تكلمت أو كتبت عن الوالد ... حرج موروث منشؤه الحساسية المفرطة من أي مديح أو إطراء ... فقد كان رحمه الله يستصغر دوره الذي يقوم به بالمقارنة مع الذين يقدمون أرواحهم فدى الوطن ... وقد كان دوما يرجو الشهادة حتى نالها ... لعل دمائنا ... كما كان يقول ... تكون زيتا يضئ شعلة النضال والكفاح والمقاومة.

قد يستغرب البعض أنني قد أكون من أقل الناس معرفة به .. ولا أبالغ إن قلت أنني أكتشف مع مرور الأيام جوانب كثيرة في حياته كانت خفية عنا كعائلة تعيد إلى قلوبنا نبض الحياة الذي توقف برحيله ... إنني منذ رحيله أحاول جاهدا التعرف عليه ... لقد حرمت منه في أحلك الظروف ... وفي وقت كنت في أشد الحاجة إلى إرشاداته وتوجيهاته ... لكن لا حسرة لأنه ترك لنا رسالة تحرير الأوطان بما تحمله من قيم ومثل ... وقد أخذت على عاتقي ترتيب أوراقه الخاصة وإذ بي أكتشف زوايا جديدة في شخصية هذا القائد الذي تكمن عظمته في حبه وإخلاصه لأبناء شعبه والتزامه المبادئ.

وقصة هذا الكتيب بدأت لي منذ حوالي عام أو أكثر عندما كنت أفرز أوراقا بدت لي قديمة وبالية ... وإذا بمغلف يقع بيدي فيه بعض قصاصات الصحف وبعض الأوراق المطوية. لم أنتبه بادئ الأمر للمغلف وخاصة أنه قد مرّ عليّ من ذي قبل عشرات المظاريف التي أتممت حرقها بعد التأكد من عدم وجود أي شيء ذا أهمية بها ... ولكن لا أدري ما الذي شدني إلي هذا المغلف فأخذت أدقق في محتوياته ... وإذ بها رسائل خطها والدي لنصفه الآخر – أمي الحبيبة السيدة العظيمة صاحبة الفضل الأكبر علينا ... فعقدت العزم أن أجمع تلك الرسائل في كتاب أسميته "رسائل المحب إلى الأحب".

إن هذه الرسائل ما هي إلا ما تبقى من جملة ما كتبه الوالد لشريكة حياته والتى للأسف ضاع أغلبها إبان احتلال الكويت ... نحلق في آفاق أبي إياد الإنسان و نصل إلى أن جوهر قوته يكمن في إيمانه بقضيته وبأخلاقه العالية التي أعطته الرؤية الواضحة في ليل كالبحر متتابع الظلمة، ولهذا السبب كان يخافه أعداؤه حتى وهو في قبره لما يجسده من مثل وقيم. و بحكم المهام التي شغلها في حماية أمن الثورة، عرف أبو إياد بقوته وصرامته وصلابته، وقد يستغرب البعض أن هذه الصلابة كانت تخبئ أنهارا من الحب والحنان والدفء ... كان يحاول جاهدا أن يخفيها حتى لا تشغله عن هدفه ورسالته في الحياة.

كان الوفاء بالنسبة له أس الحياة وركيزته ... فلا حياة بلا وفاء ... وقد تمثل ذلك في مواقفه اليومية ... فقد كان سباقا لأن يوفي الشهيد حقه وذلك بإحياء ذكراه والاطمئنان على ذويه وبتأمين الحياة الكريمة لهم ... وما كان يمر عيد إلا ويبدؤه بزيارة مقابر الشهداء يتبعها بزيارة لأطفال الصمود ... وهم أطفال فقدوا أهليهم في معارك الثورة حيث يتناول طعام الغداء ويقضي بعض الوقت معهم ... كان وفيا لرفاق دربه وإن اختلفت الرؤى ... يقف مدافعا عنهم إن مسهم سوء ...

تتدافع الأفكار والذكريات كالنهر الهادر ... تريد أن ترسم كل ما هو جميل في هذا الرجل ... ويعجز القلم واللسان عن مسايرة تدفق القلب ويقفان حائرين ... فمهما كتبت ومهما قلت فلن أوفيه حقه ... إنما هي لمحات سريعة تراها عيون القلب فيتكشف لها إنسان صاحب رسالة ... أتمها وهو راض مطمئن ...

وأبو إياد أشبه بالزهرة التي يتداعى عليها النحل ... فهكذا كنا نحن أبناؤه ننهل منه ونُخرج من رحيقه رموزاً من القيم والمثل ... والقاسم المشترك التي تجتمع عليه الأسرة هو أن بذور الخير والعطاء التي غرسها فينا نمت - على الرغم من قلة اللقاءات – وقد أينعت حسن خلق ومحبة الناس والتزاما بمبادئ ... فقد كنا بالنسبة له أكثر من أبناء يشاورنا في الأمور العامة والقضايا السياسية ويصغي باهتمام ويفخر لمخالفته بعض مواقفه أو أرائه لأنه يرى فيها نبض الشارع.

ولكل منا ذكريات وعيون يرى بها الوالد ... فأختي إيمان تعيش فيها صلابته والتزامه بالمبدأ، فكم كان فخورا بموقفها الثابت في البقاء في عملها كطبيبة لخدمة أهلها في الكويت المحتلة حتى تتحرر ... أما جيهان فيسكنها بريق عينيه وما فيهما من عطف وحنان وحزن وأسى من شعور بالتقصير والذنب لمرض أصابها في طفولتها فحاولت جاهدة ... وقد نجحت ... أن تبدد الأسى وتزيل آثار الحزن بإرادتها المستمدة من ثقتها بالله ومحبته وشغفه بها ... أما في عيون علياء فهو الرجل المتواضع وخير الجليس ونعم المحاور الذي يشيع بمهارة فائقة جواً من خفة الظل يدهش له البعض ... أما الوالدة الغالية والأحبة إياد وزياد فقد حالت قلوبهم دون تسجيل شهادتهم وكفى بدموع القلب والعين شاهدا ًعلى ما يكنون من مشاعر وما تحمله عقولهم من مشاهد.

رحمك الله يا والدي في هذا اليوم وكل يوم ... ورحم الله شهداء فلسطين وكل من سار على دربكم من الأحياء حتى النصر والتحرير ... فلم يكن اختيار جيلك لشعار "ثورة حتى النصر" شعلة لانطلاقتكم إلا وعيا منكم وإيمانا بحتمية انتصار الحق مهما كلف من تضحيات ... فالنصر عزيز والعزة لا بد لها من دماء زكية تبدد ظلمة الاستبداد و الجبروت ... وهاهم أطفالنا وشبابنا في فلسطين الأبية يجسدون بطهرهم وشجاعتهم شعار الفتح ويذكرون من نسي من اخوتنا العرب بأنها ما زالت ثورة حتى النصر ...



منير صلاح خلف

· صلاح خلف "أبو إياد" من مواليد يافا 31/8/1933م. هاجر عام النكبة مع أهله إلى قطاع غزة حيث انهى دراسته الثانوية، ثم انتقل إلى القاهرة حيث حصل على الشهادة العالية لكلية اللغة العربية عام 1956م من الجامع الأزهر ومن ثم الشهادة العالمية مع الإجازة فى التدريس عام 1958م.


· أحد القادة الرموز الذين حملوا عبء القضية الفلسطينية، ومن القلة الشجاعة التى كان هدفها فك الشعب الفلسطيني من أسره وتحطيم مقولة شعب بلا وطن التى حاولت الغطرسة الصهيونية فرضها.


· شارك فى تأسيس وقيادة رابطة الطلاب الفلسطينين فى القاهرة وعمل مدرسا فى قطاع غزة فى مدرستى الزهراء للبنات ومن ثم فى مدرسة خالد بن الوليد للبنين.


· تزوج من ابنة عمته فى القاهرة فى 31/7/1959م وله ستة ابناء – إيمان، جيهان، إياد، زياد، علياء ومنير.


· شارك فى الكويت فى تأسيس حركة فتح لحين تفرغه عام 1967م حيث تولى مهام إنشاء ورئاسة أول جهاز أمنى للثورة الفلسطينية عرف بجهاز الرصد.


· شارك فى جميع معارك الثورة الفلسطينية ابتداء بالكرامة عام 1968م وانتهاء بحصار بيروت عام 1982م.


· لم يكن ذات يوم باحثا عن منصب، بل جاءت الزعامة منقادة اليه، ألهب حماس مستمعيه بالكلمة، فقادهم إلى المقاومة، تلك اللغة التى لم يفهم الغاصب غيرها، فجمع كل أسلحة الكفاح من أطرافها، لم تأخذه فى الحق لومة لائم، ولم تعزه الجرأة لقول الحقيقة فى وجه زعماء ووزراء وحتى رفاق.


· القاسم المشترك والمرجع لأبناء فتح والفصائل الفلسطينية والمحاور والموحد لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية والشخصية الوطنية الفلسطينية فى جميع مراحل العمل الوطنى الفلسطينى.


· أمسك بناصية الأحداث، تعامل معها بموضوعية، تحدث إلى الإسرائيلين، وتمنى لو أنه يجد لديهم لغة خطاب مشترك تقود إلى سلام متوازن، لكنه أدرك فى وقت مبكر عمق الهوة بين الفلسطينين وعقيدة "أرض الميعاد".


· ارتقى أبو إياد شهيدا يوم الأثنين 14 بناير 1991م برصاص غادر، بعد أن ترك إرثاً حافلاً بالنضال يجعله خلداً فى ذهن الفلسطينين الاحرار وخلف لنا كتاب "فلسطيني بلا هوية" وأناط بنا مهمة البحث عن هوية.

التعليقات