التوجهات العنصرية في مناهج التعليم الاسرائيلية

التوجهات العنصرية في مناهج التعليم الاسرائيلية
أثارت تصريحات الحاخام «عوفاديا يوسف» العنصرية، التي ادلى بها في أواخر ابريل 2001 والتي وصف فيها العرب بأنهم أولاد افاع، وأن الله ندم لانه خلقهم، وبالتالي فإن من الواجب قتلهم، أثارت موجة من الاستنكار العربي الى حد ان احد المواطنين العرب خصص جائزة مقدارها مليون دولار لمن يقتل هذا الحاخام. وفي هذا الاطار يرى الباحثان خليل السواحري وسمير سمعان في كتابهما الجديد المشترك الصادر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق تحت عنوان «التوجهات العنصرية في مناهج التعليم الاسرائيلية» انه من المؤسف ان العرب الذين استثارتهم هذه الاقوال لم يفطنوا فيما يبدو، الى الكم الهائل من الادبيات الصهيونية المشابهة التي رددها رواد الصهاينة الاوائل مستندين فيها الى التوراة والتلمود، وسائر الادبيات اليهودية التي تشكل العمود الفقري في المناهج الدراسية الاسرائيلية والتي تستند تاريخياً الى مصادر عديدة اهمها التوراة، وما اوردته من تفاصيل عن المذابح الشاملة التي ارتكبها يوشع بن ن��ن.


والى الايديولوجية الصهيونية والمقولات والافكار التي نبتت على جوانبها ومن بينها مقولة «العربي الجيد هو العربي الميت» ونظرية الترانسفير الذي نادى بها لأول مرة الحاخام «يوسف واتيز» ومؤادها ان لا مكان في هذه البلاد لشعبين اي ان فلسطين يجب ان تكون خالصة لليهود دون سواهم وهذا هو الوجه الآخر للمقولة النازية المعروفة «ألمانيا بلا شوائب».


حيث يجمع الباحثون على ان الكتب التي تشكل المصادر الاساسية للتربية الصهيونية هي: كتب العقيدة الصهيونية وفي مقدمتها العهد القديم «التوراة والانبياء والمكتوبات» وكتب الشراح والمفسرين من الحاخامات كالتلمود (المشنا والجمارا) والمدارش والهلاخا والهجدا، بما تتضمنه من اصول للمتقد اليهودي والاحكام والنصوص التاريخية والاخلاقية وقوانين اليهود السياسية والمدنية والدينية، وهذه كلها تمثل المصدر الاول من مصادر التربية الصهيونية والمرتكز الاساس للعملية التربوية.


يضاف الى ذلك قرارات زعماء اليهود في الثلاثة والعشرين مؤتمراً (منذ 1897 حتى 1951) وآخرها المؤتمر الذي انعقد في القدس لاول مرة سنة 1951 ليبحث في الظاهر مسألة الهجرة اليهودية الى فلسطين، بينما كان الهدف وفي كل هذه المؤتمرات جميعها، دراسة الخطط التي تؤدي الى تأسيس مملكة صهيون العالمية والاستيلاء على العالم بشتى الوسائل وهذه الكتب والمراجع والقرارات شكلت دائماً الاطار العام الثابت لليهودية كمعتقد.


في حين ان هناك باحثين آخرين يرون ان المصدر الثاني للتربية الصهيونية من حيث الاهمية هو مؤلفات مؤسسي الصهيونية الاوائل ومن هذه المؤلفات على سبيل الحصر: كتاب «روما والقدس» لموس هس (1875 ـ 1912) وكتاب «التحرر الذاتي» لينسكر رئيس جمعية محبي صهيون (1891 ـ 1921) وكتاب الدولة اليهودية لهرتزل (1860 ـ 1904).


يضاف الى ذلك كتابات ثلاثة مفكرين آخرين كانوا علامات بارزة في التاريخ الصهيوني وهم آحادها عام (1856 ـ 1927) وهو صاحب فلسفة الصهيونية الثقافية وآهرون دافيد جوردون 1856 ـ 1922 وهو صاحب فلسفة دين العمل، وفلاديمير جابوتنسكي صاحب فلسفة القوة 1880 ـ 1940م.


لهذا السبب يؤكد الباحثان انه كان لابد للكتاب التعليمي ان يضع بين يدي الطالب اليهودي الحلول الشاملة للمسائل التي تطرحها امامه الصهيونية، وفي مقدمتها الاحتلال والاستيطان والهجرة وترحيل «الجوييم» من الفلسطينيين واخوانهم من عرب الجوار، ممن تستطيع اسرائيل ترحيل اراضيهم او جزء منها، ضمن حملاتها العسكرية التوسعية التي تشنها عليهم بين حين وآخر.


فمن يطلع على نماذج من الكتب المدرسية يستطيع ان يدرك هذا الاتجاه العدواني لدى الناشئة اليهود، فكل ارض تطؤها قدم الجندي اليهودي هي ارض يهودية، خيرات الارض والعالم اجمع منحة لهم وحدهم من الرب وكل ما في ايدي غيرهم من «الجوييم» او «الامميين» هو ملك لليهود فما تحت ايديهم اي (الجوييم) مغتصب من اليهود وعليهم استرداده منهم بكل الوسائل ولا حياة لشعوب الارض بدون اليهود.


فهذه التربية لا تقتصر على الطلبة في مراحل التعليم الثانوية والجامعية ولكنها تبدأ في مرحلة الروضة عبر قصص الاطفال المطبوعة او التي تحكى شفوياً في الكيبوتسات والمستوطنات وفي القرى الزراعية والمدن التي يقيم فيها الاطفال.


وحول اهداف التعليم اليهودي يرى الباحثان خليل السواحري وسمير سمعان في كتابهما الجديد ان واضعي المنهاج التعليمي الاسرائيلي توخوا تحقيق الاهداف التالية لدى وضعهم لهذا المنهاج الذي يختلف جذريا عن المناهج الدراسية المعتمدة في مدارس «الاقلية العربية في فلسطين» وهذه الاهداف هي:


خلاص الشعب اليهودي يجب ألا يكون مجرد ايمان بالماضي بل يجب ان يؤثر على الحياة اليومية الراهنة.


التأكيد على العمل غير المنقطع عن الأمل فالعمل الذي لا يرتبط بالتوقع يمكن ان يخلق انطباعا بأن الظروف الراهنة غير قابلة للتغيير.


يجب ان يخضع الحاضر لتقييم متواصل في ضوء (احلام الشعب اليهودي) وذكرياته ويجب ان ينعكس الماضي اليهودي على النظام التعليمي لأن التأصل التاريخي والذاكرة والاهتمام بالعمل والايمان بتجدد المجتمع اليهودي المتكامل مقومات لابد منها لبناء فلسفة التعليم اليهودي.


وفي هذا الاطار يقول اثنان ممن اشتغلوا في الدراسات التحليلية لقصص وكتب وادبيات الطفولة وهما: البروفيسور (ادير كوهين) في كتابه (وجوه قبيحة في المرآة) الصادر عام 1985 في تل ابيب و(نيللي مندلر) الصحفية المتخصصة في شئون التعليم والتربية في صحيفة (هآرتس).


(هناك اكثر من 1500 كتاب من عدة اصناف بين يدي الناشئة اليهود تمثل ما لا يمكن وصفه من فوقية واستعلاء وتحصر لكل ما هو عربي ومسلم، حيث يمكن العثور على هذه الكتب في كل شارع ومكتبة، في أي مدينة أو مستوطنة وحتى هذه اللحظة ومنذ عام 1948 هناك من هذه النماذج كتب وقصص ومطبوعات مختلفة يمكن ادراجها ضمن صنفين: (الصنف الأول) هو ما يوضع للطلبة اليهود في المدارس والمؤسسات اليهودية الصرفة و(الصنف الثاني) هو ما يفرض على الطلبة العرب في المدارس والمؤسسات العربية في المدن والقرى العربية في فلسطين المحتلة.


وتقول (نيللي مندلر) في تعليقها على الاتجاه الصهيوني اللا انساني في مخاطبة عقول الناشئة اليهود ان استعراضا سريعا لمضامين كتب مباحث العلوم الانسانية ومن بينها كتب المطالعة المقررة رسميا للطلبة من الصف الاول حتى الصف الثامن (قراءات اسرائيل) و(قراءات اسرائيل الحديثة) يبين لنا كم هي محشوة بعبارات التحقير والاوصاف غير الانسانية المتوحشة.


فالكتب والمراجع التي تقرها وزارة المعارف والثقافة الاسرائيلية لتكون مراجع بين ايدي المعلمين والمربين هي أشد عنصرية واكثر فظاعة مما يستخدمه الطلبة انفسهم، حيث مما يجدر ذكره ان هذه الكتب لا تعاد مراجعتها في كل ما يقال او يذكر عن الشعوب الاسلامية والعربية وكأنها تراوح مكانها منذ آلاف السنين فالطبعات التي ظهرت في الستينيات والسبعينيات يعاد تصويرها ليتداولها الطلبة كما هي كذلك المعطيات والارقام في أي مجال لا يجوز مطلقا ادخال اي تعديل عليها لأن في ذلك كشفا للزيف الصهيوني في تحوير وتزوير الحقائق عن العرب والاسلام في فلسطين وسائر اقطار العالمين العربي والاسلام��.


وفيما يتعلق بتشويه الاسلام والفتوح الاسلامية يؤكد الباحثان انه من بين الاسس التي تعتمدها الصهيونية في تربية الناشئة اليهود هي تشويه الدعوة الاسلامية والفتوح الاسلامية في الكتب المقررة التي يصدرها مركز المناهج التعليمية في وزارة المعارف الاسرائيلية ونذكر من هذه الكتب:


1. سلسلة كتب (شعب اسرائيل) للصف السابع، تأليف (ب. احيا) و(م.هرباز).


2. كتاب دروس في التاريخ ـ اليهودية والمسيحية والاسلام ـ صادر عن مركز المناهج التعليمية ـ القدس ـ 1973 وزارة المعارف والثقافة الاسرائيلية.


3. كتاب (هذا موطني) للصف الخامس الابتدائي تأليف ش. شكيد/ طبقا لمنهاج وزارة المعارف والثقافة والعدل.


4. كتاب «جغرافية ارض اسرائيل الطبيعية والاقتصادية» للمدارس الثانوية ومعاهد المعلمين، تأليف د. (منسية هرئيل) ود. (دوف نير).


5. كتاب الجغرافيا للصف الخامس تأليف (د. اكيطوف) و(آرني).


6. كتاب (دولة اسرائيل وانتشارها في عصرنا) فصول تعليمية لتلاميذ المدارس الثانوية تأليف ميخائيل زيف.


7. كتاب الأقليات في اسرائيل ـ المسلمون والمسيحيون والبهائيون والدروز، تأليف زئيف فلفائي.


وقد تبين من الدراسة التي اجرتها اسماء بيومي شلبي المعيدة بقسم تربية الطفل في جامعة عين شمس عن التربية السياسية في ادب الاطفال اليهود في فلسطين المحتلة ان الدين اليهودي يأخذ حيزا مقداره 93,95% في مجموعة قصص الاطفال الاسرائيلية التي قامت بدراستها في حين يشغل (اللا دين) 7,4% وذلك يؤكد على عمق تغلل الثقافة الدينية والرجعية في ثقافة الطفل الاسرائيلي مقارنة مع ما يسمى بالثقافة العلمانية التي يدعونها.


وعلى هذا الاساس جاء الكتاب الجديد الصادر عن اتحاد الكتاب العرب محاولة لابراز جوانب التربية العنصرية في مناهج التعليم الاسرائيلية من خلال عينات ونماذج مختارة من الكتب الدراسية اليهودية في المواد الاساسية وهي: التربية الدينية والتاريخ والجغرافيا التربية الوطنية والادبيات المتداولة في المدارس من قصص وروايات ثم المواد المتعلقة بالنزاع العربي ـ الصهيوني.


فالطلبة الذين يرضعون لبن الحقد والكراهية والدعوة الى القتل يتحولون حين يكبرون وينخرطون في الجيش الى قتلة سفاحين لا يقلون سوءا ودموية عن النموذج الابرز في هذا المجال وهو ارييل شارون الذي قتل من الفلسطينيين والمصريين خلال السنوات الخمسين الماضية ما لا يقل عن عشرين ألفا عدا عن عشرات الآلاف من الجرحى والمعوقين والمشردين ممن هدمت منازلهم ودمرت مزارعهم ومازالت تدمر حتى هذه اللحظة.


ويخلص الباحثان خليل السواحري وسمير سمعان الى التأكيد على استحالة اقامة اي سلام مع هذا الكيان العنصري ما لم يتم نسف هذه المناهج من جذورها وهو الامر الذي يبدو مستحيلا ما دام قادة اسرائيل يتمسكون بتعاليم التلمود ونصوص التوراة المزيفة التي يحملونها وما دام تزوير التاريخ العربي والاسلامي والطعن في الشخصية العربية وبشكل خاص شخصية الرسول العربي الكريم وخلفائه الراشدين هو السمة الغالبة على هذه المناهج.

(رنا يوسف - "البيان")

التعليقات