الكاتب والروائي الفلسطيني مروان عبد العال يوقع "حاسة هاربة"..

-

الكاتب والروائي الفلسطيني مروان عبد العال يوقع
تحّول حفل توقيع رواية (حاسة هاربة) لعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية والكاتب والروائي والفنان التشكيلي الفلسطيني مروان عبد العال في جناح الفارابي في معرض الكتاب العربي والدولي في بيروت هذا العام إلى تظاهرة فلسطينية، حيث احتشدت شخصيات رسمية وسياسية وثقافية وشبابية، وأهالي من أبناء المخيمات وخاصة "نهر البارد"، الذي سجلت وقائع الرواية بصفحاتها الـ 206 التجربة المريرة التي عاشها الكاتب فيه أثناء الأحداث الأخيرة.

وقد عجّ جناح الفارابي بقرّاء اصطفّوا للحصول على توقيع الرفيق مروان على نسخهم.

وتم حتى اللحظة تسجيل الرواية بأنها ستكون الكتاب الأكثر مبيعاً في المعرض، وبنظر القيمين على الدار فإن الرواية قد كسرت الرقم القياسي في المبيع وأن تقرير المعرض سيسجل الرواية في ركن الكتب الأكثر مبيعاً في هذا العام.

والجدير ذكره أنها الرواية الثالثة للكاتب عبد العال، بعد (سفر أيوب) و(زهرة الطين). وقدم الكاتب مروان عبد العال نصاً بالمناسبة، جاء فيه:

لكم هديتي...مزنرة بحكاية عبرت النهر...معطرة بحاسة مرت من هنا.

"صبيحة عيد الأضحى. كنت أتعطش للقاء مبهم بوقائعه، لم أحلم به يوماً، ليس مع الأطفال يلعبون لعبة الحاجز على مدخل ما تبقى من اللعبة والمخيم، بل لقاء بكر لعلاقة قديمة. مع مقبرة المخيم الشهيد بفرعها الجديد. تلقيت حينها خبر ولادة الرواية. ولادة تلقيتها على المقبرة، هي صارت على الأرفف تنتظر القراء وأنا أسير في حشر العيد مشاركاً لانسياب دموع الناس. دمع السؤال الجارح، علام البكاء على صمت الشهداء، ذاك الشاهد تحت الدمار أم على الصمت المميت في عمق الأحياء؟ أم يتململ كالفينيق من الاثنين؟

زرت المقبرة بتصريح مسبق، تدخلها صباحاً وتغادرها منتصف النهار. صاح "بلال" الفلسطيني في الجمع المخيمي صبيحة العيد. للشهداء ناداهم بأعلى صوته " سلام عليكم أيها الشهداء". أحسست لحظتها أن شواهد القبور المحطمة قد نهضت، ارتفعت كشواهد للكلمات المكبوتة، والتفت نحو الأحياء وهتف بصوت اخترق خوذات صف الجنود على طول وعرض المقبرة:" يا أهل المخيم من يريد الموت ليفعلها الآن، توقيت موتكم حسب التصريح، قبل منتصف النهار، لا تموتوا بعد الظهر، غير مسموح لنا أن ندفنكم، فلا تحرمونا من أجركم".

لم يكن هناك فرق كبير بين البيوت والقبور،سلخ جلدها ونهش لحمها فبدت هياكل عظمية تنتصب مكبرة للعيد وخشوعا للقاء، مكان العين مجوف بعمق، ربما كي لا ترى ما يحدث لكنها وحدها تخرق حاجز الصمت، تراقب كل خطوة وزيارة وتجاوز، تذهل من طفل حضر لزيارة ضريح جده، لم يسمح له الدخول على بعد أمتار، فقد تجاوز الوقت المصرح للزيارة، الطفل لم يتألم حتى لو أعلمه السبب بأن المقبرة منطقة عسكرية. نده للجندي وقال: على كل حال إن ذهبت من قرب ذاك القبر، فلا تنسى أن تسلم على جدي وتقرأ عليه الفاتحة بالنيابة عني..صرخة " بلال" الفلسطيني كأنها دعوة لالتقاط الوقت، أو إلقاء القبض على معنى الحياة، حياة عابرة للمقابر وربما حلم عابر للشهداء.شعرت أن الحواس البشرية تعني شيئاً بلا حاسة إلزامية هي الاستثناء، فالمخيم كان ولم يزل بالنسبة لي هو الاستثناء، مثل حاسة إضافية يمتاز بها الفلسطيني عن دونه. حاسة لا تتكرر في الحواس الخمسة. حاسة حارة ممزوجة بخليط من أحلام وذكريات وأمال وقلق وتوتر جميعها مبتكرة بتركيز شديد داخل طقوس غريبة، وكنت دائما أحاول الغوص في أعماق هذه الحاسة، محاولاً إعادة صياغتها وتركيبها وترتيبها بوسائلي الخاصة، كنت متلهفاً لصناعة حاسة غضب وثورة وتمرد، كي أعبث فيها كمعجون الأطفال، أعجنها وأحاول ترتيبها على هواي.

لغة خرجت من تلقاء نفسها ومن بين ثياب الكابوس الفجائي، فأحسست أن شيئا قد تبخر من يدي وأن حاسة التمايز مطلوبة للعدالة حية أو جثة يتم محاكمتها بعد إنهاء الفحص الجيني عليها، وشاهدتها تلقى في العناية الفائقة. لم يكن أمامي إلا أن أستل القلم في وجه الألم، عودة للأصل في تأكيد يلح علي بأن آية الثورة كذلك تبدأ بالأمر الحرفي( أكتب). لذا عدت كي أطلق الأحرف المشتعلة بالحبر البارد فوق الصفحة المفتوحة أمامي كمن يرش الملح فوق الجرح.

أطلقت روايتي بتوقيت صرخة " بلال" على مقبرة الشهداء صبيحة يوم العيد في تصريح محدد ومسبق. عبرتني الكلمات خفت أن لا التقطها. مازلت الهث وراء حاسة هاربة. وأنا في حالة جريان مستمر لم يتضح فيه المشهد بشكل كامل، كأنما الإنسان نفسه والأبطال والمكان والحلم يحتاج لعملية ترميم، الرواية ارتبطت بمكان وبحدث كان أشبه بعملية قتل للمكان نفسه لكن المكان بشكل أو بآخر هو صورة الجسد الذي احتوى لحم ودم أيضا. وكانت الروح، روح المكان تنبض في تنفس تفاعلي تحويلي يفجر داخل النفس ذاك الانبعاث الأكثر فظاعة في مسيرة الروح الحسيه، وفيها كنت أكتب بأعصابي حيث تأججت نار داخلية أكثر حرارة من النار الخارجية، بينما تكفلت الأولى بالتهام المكان وتفاصيله الطبيعية والجسدية تكفلت الثانية بإشعال المخزون الروحي الجمعي. من سجل للذكريات وسحب لسلاح الحلم من داخلنا.

ولادة على لحد في عيد وموت في مهد ؟ انقلاب تفيح منه رائحة المخاض المجبولة بوحل الأرض وشرشف سرير كان يوماً هنا ! لذلك هي سرد داخلي يبدأ بأسئلة محيره قد يكون مظهرها يوحي بالسهولة ولكن باطنها يفصح عن احتراق ممتنع و مميت ومتوتر. استعدت البداية فوق الضريح، ذاك الممدد بهدوء، يردد خلف ما كتبت، لماذا المرأة في ظل احتراق المكان تبحث عن سرير؟ ولماذا سرير ؟ وأي سرير ؟ لا يوجد أكبر وأصعب وأثقل من سؤال معلق. أو سؤال يدور في حركة لولبية، كأنه حبل مشنقه يلتف بطيئا طريا كالقطن حول العنق. هكذا كان البناء أيضا يسير في حلقة متصلة في عملية بحث جماعي عن البداية، أو عن النهاية. أي ذات من ذواتها المقسمة إلى فصول تكون هي البداية و النهاية. من يدري؟"

التعليقات