موسوعة مصادر الأدب الفلسطيني الحديث من إصدار مؤسسة فلسطين للثقافة

-

موسوعة مصادر الأدب الفلسطيني الحديث من إصدار مؤسسة فلسطين للثقافة
ألفا كاتب ونيّف. أنْ ينشر كل واحد منهم، في الأقل، كتاباً واحداً، في الأدب الفلسطيني، أو أكثر، في شعب بالكاد يتجاوز تعداد نفوسه التسعة ملايين نسمة هو فعل حضاري بشري متقدم ، بكل المقاييس العلمية والإنسانية.

هذي هي الحقيقة التي تقدمها "موسوعة مصادر الأدب الفلسطيني الحديث"، بكل منهجية ومصداقية، بعد أن ْنضجت مادتها على نار هادئة من البحث والمتابعة والجمع والمقارنة والتنقيح والزيادة، لثلاثة عقود، مرت خلالها بمراحل أربع، كانت بمثابة تجارب تحضيرية لانطلاقة هذه الموسوعة بصورتها الحالية الأكمل، بعد أن سكن النفس قدر من الاطمئنان إلى أنَّ هذه المهمة تكاد تبلغ الغاية المنشودة منها، وبخاصة أن الإضافات إليها، طوال الأعوام الأخيرة، كادت تقتصر على الأعمال الجديدة الصادرة لأول مرة.

تحتضن الموسوعة، في صورتها الحالية، مواداً نادرةً وفصولاً جديدة، وتجديداً حقيقياً في منهجية الدراسة الاستهلالية المواكبة للحدث الفلسطيني، في سياقه العربي والعالمي والإنساني الأرحب، فكراً وثقافةً وبناءً ومقاومةً.

وبهذا يمكننا أن نزعم أنها الموسوعة الأولى من نوعها التي تحتضن مصادر النتاج الأدبي المحلي المعاصر في قطر عربي بعينه، شاءت له الإرادة الإلهية أن يكون هذه المرة فلسطين الأبية التي تملأ قلوبنا جميعاً بالغيرة والمحبة والشموخ والعزة. فهنيئاً لك يا أم هاشم والفاضل والشافعي والياسين، بعطاء أبنائك الأولين والقادمين.

وقد جاء في مقدمة المؤسسة:

دأبت مؤسسة فلسطين للثقافة على تقديم "فلسطين" في كل أدبياتها وإصداراتها، وهي اليوم تقدم فلسطين من خلال الإنتاج الأدبي لأبنائها قبل النكبة وبعدها، وهو مجال برع فيه شعب فلسطين الصغير في تعداده كما برعوا في فنون الكتابة السياسية والتاريخية والعلمية والأكاديمية.

هذه الموسوعة التي أعدها وسهر عليها أحد أعلام فلسطين وهو الأستاذ الدكتور محمد الجعيدي والذي أفردنا له ترجمة خاصة في نهاية الكتاب هي من الموسوعات الضخمة التي توثق للإنتاج الأدبي الفلسطيني لكل فلسطيني بقي على أرضه أو هاجر منها أو ولد في اغترابه عنها، وهي تتناول إنتاج أكثر من 2200 أديب ودارس ومترجم فلسطيني معاصر.

وقد حمل هذا الكتاب اسم الموسوعة لأنه يعد بحق موسوعة كاملة اجتهد مؤلفها عبر سنين طويلة في جمع مادتها ومتابعة ما نُشر وما ينشر على الدوام وسخر كل إمكاناته الفردية التي تعجز عنها مؤسسات رسمية ثقافية قائمة الآن لإنجاز هذا المشروع الضخم.

إن هذه الموسوعة تطورت في الأصل عن ثلاث طبعات تحمل اسم "مصادر الأدب الفلسطيني الحديث" تميزت بإضافات كبيرة وزيادات جديدة تجاوزت نصف مادة الطبعات السابقة من حيث الإضافات مع تدقيق وتصويب وتنقيح وتعديل مما جعلنا نعتبرها طبعة أولى، وارتأى مؤلف هذا الكتاب أن يسمي كتابه الجديد باسم موسوعة مصادر الأدب الفلسطيني الحديث.

ومؤسسة فلسطين للثقافة تأمل أن يسهم نشرها لهذه الموسوعة في توثيق الفهرست الأدبي الفلسطيني الحديث، وخدمة الثقافة الفلسطينية دون اشتراطات دولية كانت تمنع تدوين بعض الأنماط الأدبية المقاوِمة التي تسعى لصناعة منظومة العيش الإجباري المشترك بين المحتل وصاحب الأرض متذرعين بالاتفاقات الظالمة الموقّعة مع الاحتلال.

د. أسامة الأشقر
المدير العام لمؤسسة فلسطين للثقافة
صدر عن مؤسسة فلسطين للثقافة بدمشق كتاب موسوعة مصادر الأدب الفلسطيني الحديث في ثماني مئة وخمسين صفحة للدكتور محمد عبد الله الجعيدي الأستاذ بجامعة مدريد. وهو كتابه الأحدث بعد صدور كتابه السابق قبل ثلاثة شهور في الدوحة بعنوان فلسطين في الشعر الهسباني المعاصر، حيث يتكامل الكتابان في جعل فلسطين قاسمهمها المشترك وهو الخط العلمي الذي تسير فيه أبحاث المؤلف في كتبه التي تجاوزت العشرين كتاباً حول موضوع ثقافة المقاومة.

تتضمن الموسوعة تسعة فصول أولهما دراسة نقدية تعرض في مئة صفحة تقريباً لتطور الأدب الفلسطيني واتجاهاته وفنونه من خلال المسج بين مختلف المناهج النقدية للحفاظ على طابع الإيجاز والدلالة الذي تطلبه دراسة كهذه حيث تتهادى فيها الأفكار والمفاهيم متناسقة رغم اكتظاظ الحيز المكاني.

وتعرض الدراسة لنشأة الكتاب الأدبي الفلسطيني وتطوره ومسيرته الشاقة ليكون شاهداً على استمرارية فكر شعب مقاوم فشلت كل وسائل القتل والتهجير والحصار والتجويع في النيل منه، وتكتسب الدراسة أهميتها أيضاً من تتبعها حكايات كتب اختفت مع تقديم الدليل المادي على وجودها وتحفيز الباحثين على مواسلة البحث عنها.

يتضمن الفصل الثاني تحت عنوان الأعمال الابداعية جدولاً بالكتاب الابداعي الفلسطيني على مختلف فنونه من شعر وقصة ومسرح ونثر فني، حيث يأتي ذكر المؤلفات تحت أسماء مؤلفيها المرتبة حسب الحروف الأبجدية فيذكر اسم الكتاب ونوعه وناشره ومكان نشره وتاريخه، وترتب كتب المؤلف الواحد حسب تاريخ صدورها. ويعتبر هذا الفصل أطول فصول الكتاب وأكثرها تشويقاً لأن القاريء يعثر فيه على أعمال لا تخطر على بال حتى المتخصصيين في الموضوع.

ويأتي الفصل الثالث يعنوان مختارات من الأدب الفلسطيني وترجماته: ويعرض للكتاب ومضمونه واسم جامعه أو مترجمه واللغة التي ترجم إليها ثم بيانات طبعته.

أما الفصل الرابع وهو بعنوان دراسة في الأدب الفلسطيني فيرتب الكتب ومعطيات طبعتها تحت أسماء مؤلفيها ويدخل في هذا الفصل بعض أعداد الدوريات التي خصصت للأدب الفلسطيني.

أما الفصل الخامس فيأتي بعنوان في إطار الأدب العربي ليقدم لنا أهم الكتب التي درست الأدب الفلسطيني كرافد من روافد الأدب العربي أو الاسلامي أو العالي ويأتي هذا الفصل أنموذجاً لأعمال كثيرة لا يتسع المجال كما يقول المؤلف لذكرها.

أما الفصل السادس فيقدم قائمة بأسماء المجلات والدوريات والحوليات التي اهتمت بنشر الأدب الفلسطيني والدراسات حوله، فتذكر الدورية ومكان صدورها، ويعبر الكاتب في دراسته النقدية عن أمله في أن يستكمل هو هذه المهمة أو أن يستكملها باحث آخر.

ويحتضن الفصل السابع قائمة بأسماء الجوائز والأوسمة التي حصل عليها أدباء فلسطينيون فيذكر الجائزة ومصدرها مرة واحدة ولا يكررها حتى لو حصل عليها أكثر من كاتب فلسطيني.

ويكتسب ثامن فصول الموسوعة وهو بعنوان فهرست كتاب الأدب الفلسطيني أهميته من تعريفه المقتضب بالأديب الفلسطيني وتاريخ مولده ومكانه وتاريخ وفاته إن حدثت ومكانها، ويقدم هذا الفصل للقاريء درساً في ضرورة التمسك بالحق الفلسطيني حقاً فلسطينياً عربياً واسلامياً إنسانياً وعدم التعاطي مع مشاريع التصفية والمحو والإلغاء حيث يحدد الكتاب اسم القرية مسقط رأس الكاتب والقضاء الذي تنتمي إليه في فلسطين، وإن حدث وولد الكاتب خارج قريته الأصلية فيذكر المؤلف اسم القرية الأصلية أولاً ويتبعها بعبارة مواليد كذا.....، ويذكر مكان المولد، ويدعو الكاتب في نداء مشحون بالصدق الكتاب والمفكرين إلى نهج هذا النهج حفاظاً على فلسطين الهوية والوطن والمعنى والرمز والشعب والأرض، حيث يقول في الفصل الأول من الكتاب (وبهذا، نقول، مرة أخرى، نحن الذين نزن الأمور كلَّها، بميزان الحق الفلسطيني المكفول بالشرائع السماوية والقوانين الوضعية والمقاومة الوطنية، وليس بأوهام ما يُسمى "شرعية دولية" أو "مبادرات أنظمة تفتقد الشرعية": فلتبق عكا ويافا وبيسان، ولتبق البروة وأم خالد وأم الرشراش وعراق سويدان، وليبق كل شبر من فلسطين في الذاكرة والدم، وفي الخبز اليومي، وفي أرواح الشهداء والاستشهاديين، والجرحى والمعتقلين، والمخطوفين واللاجئين، المحلقة في سماء هاته البلدات، مهما شَط بها المنفى، ومهما اصْطلَتْ بحقد الغاصبين وتفريط المتخاذلين، إذ إن فرضَ الكيان الصهيوفرنجي المُلفَّق، على أرض فلسطين بجبروت الفرنجة الجدد، كما يؤكد على ذلك، ببصيرة الإبداع، أدباؤها، هو محض باطل، وكل ما يتأتى منه، أو يترتب عليه، هو أيضاً الباطلُ بعينه، وعلى ذلك قِسْ.).

ويختم الكتاب فصوله بفصل عنوانه فهرس مترجمي الأدب الفلسطيني، فيورد قائمة بأسماء مترجمي الأدب الفلسطيني إلى مختلف اللغات. ولموسوعة الأدب الفلسطيني تغريبتها العلمية والزمانية التي يرويها الكاتب بين سطور الدراسة النقدية حيث نعلم أنه بدأها منذ أكثر من ربع قرن يجمع مادتها كما يجمع الجياع حبات قمح نثرت في سوافي رملية.

حيث تندرج الموسوعة، بدون مبالغة، في إطار الأعمال المؤسساتية التي تقوم على جهود جماعية تحت رعاية هيئات وطنية ثقافية وعلمية مسئولة.

ومن هنا تبرز أهمية الجهد الفردي الذي بذله المؤلف في موسوعته، طوال هذه السنوات الطويلة، وهو بالفعل جهد ضنّت به على ثقافتنا وقضيتنا مؤسسات معنية بالموضوع، ومكلفة به وطنياً وقومياً وشرعاً، بل وربما ضاقت ذرعاً بإنجازه لأسباب معروفة.

والمهمة الأصعب تتمثل في الجهد الكبير المبذول في التحقق من صحة المادة العلمية حيث تعددت سفرات المؤلف وترحاله واتصالاته الشخصية خصيصاً ليجمع هذه الحزمة من المعلومات أو تلك وكان رحالة يبحث عن الكتاب الفلسطيني والكتاب الفلسطينيين في مجاهل الأرض من خلال المعلومات القليلة المتناثرة في مختلف وسائل الإعلام والاتصال المباشر منها وغيرالمباشر ومنها الصداقات الشخصية حيث احتضن الكتاب كتبأ أصدرها أصحابها ولم يعلم بها إلا من قصد البحث عنها رغم أهميتها.

وتصحح الموسوعة معلومات نشرت خطأ في بعض الكتب عن بعض المؤلفين كذلك المثال الذي يذكره المؤلف عن قرية الكاتب الفلسطيني حميد سعيد، ويحدد الكتاب أيضاً في مادته بمنهجية واضحة بعض القضايا المبعثرة معطياتها في الأدب الفلسطيني مثل قضية الأسماء المستعارة والأسماء المختلفة للكاتب الواحد.

ومن الجهود الكبيرة المبذولة في الموسوعة جهد محاولة الكاتب فرز أسماء الكتاب الفلسطينيين كوسيلة للتأكيد على الهوية الفلسطينية وعلى أن فلسطين لها شعبها المبدع المتأصلة جذوره في أرض الإسراء والمعراج، ونحن ندرك صعوبة هذه المهمة من خلال معرفتنا بالوحدة الأنثروبولوجية العربية حيث تتكرر ألقاب العائلات وقد تتجزأ العائلة الواحدة في أكثر من قطر عربي، فقد كانت مسطرة سايكس بيكو التي فرضت الحدود على الجسد العربي الواحد لا تخشى الله ولا ترحم البشر.

الكاتب بإحساسه القومي وانتمائه الإسلامي شديد الوعي بحساسية القضية، لذلك يشبه في الفصل الأول فلسطين تحت الاحتلال والاغتصاب بالعضو الملدوغ في الجسد العربي والإسلامي، ويطالب كل عربي وكل مسلم بشد ضماد التحرير والتضامن حول هذا العضو المبتلى أو هذه الفلسطين المحتلة حتى تزول عنها سموم الغزو ثم بعد ذلك ترفع الضماد ليعود الدم الواحد يسري في العضو منه وإليه بعد أن يكون قد بروء من سموم الاحتلال والغزو.

من مفارقات الأقدار أن تصدر هذه الموسوعة حافظة ذكر الكتاب الأدبي الفلسطيني، في وقت كان هولاكو أوسلو ونيرونها، يحرق فيه مكتبة جامعة غزة الاسلامية، بما فيها من كتب فلسطينية نادرة. وفي ذلك درس وعبرة للعاقلين والغافلين على حد سواء.

* عائشة أبو صلاح

التعليقات