هل تصرف المرأة عن عبادة الله؟

-

هل تصرف المرأة عن عبادة الله؟
كتاب "المرأة في اللاوعي المسلم" تُرجم الى الانكليزية ولم يترجم بعد الى العربية تجده في مكتبات باريس لا في مكتبات بيروت. وحسب اكبر مكتبة فرنكوفونية لم يتم استيراده يوما الى بيروت. هذا الكتاب مغفل الاسم، يحمل اسمًا مستعارًا كما ورد على غلافه، وهو "فتنة آية صباح". والاسم يوحي ببعض مضمونه: “فتنة”، تذهب بعض الآراء الى ان كاتبته هي فاطمة المرنيسي، ومن يقرأ الكتاب لا يستبعد ان تكون هي، ولا سيما انه يندرج في مشروعها القاضي بإعادة قراءة التراث قراءة نسوية حقوقية على ضوء أفكار معاصرة.

صدر الكتاب عام 1982، أي قبل “الحريم السياسي” بأربعة اعوام؛ الكتاب الثاني منع في المغرب، ولكن الفرضيات الصغرى اختلفت بين الكتابين: ففي “الحريم السياسي” تبرئة للتراث مما نسب اليه بينما في كتاب “المرأة في اللاوعي المسلم” يتحمل التراث وزر تهميش المرأة، كنتيجة لنظام عبادي يقضي بخضوع الرجل للخالق والمرأة للرجل. إلا ان الكاتبة تكشف النقاب عن تنوع الخطاب الفقهي، مقارنة بالخطاب الايروتيكي السائد في القرن السادس عشر مع ما أسمته الخطاب الارثوذكسي الممثل بالنصوص الاصلية وبعض النصوص الفقهية المتشددة.

وطالما هو كتاب مهمش وطمموس، يمكن ان نعيد قراءته اليوم ككتاب جديد وحديث.

لرصد المخاضات التاريخية لتشكل مفهوم الفتنة بدلالاته السلبية وتحويله الى مؤسسة في الثقافة العربية الاسلامية، لا بد من النصوص المعبرة عن الذهنيات التي تبني هذا المفهوم، وهذا ما قامت به فاتنة آية صباح في “المرأة في اللاوعي المسلم” التي قارنت بين الخطاب الايروتيكي الممثل بكتابي الشيخ أحمد نفذاوي، “نزهة الخاطر في الروض العاطر” الذي ألفه بناء على طلب السلطان “عبد العزيز أبو فارس”، والمولى احمد بن سليمان في “عودة الشيخ الى صباه”- وكلاهما حرر في القرن السادس عشر الميلادي، وبين الخطاب الديني والفقهي الاسلامي، الذي تسميه الخطاب الارثوذكسي والممثل بالاحاديث النبوية و”صحيح البخاري” و”صحيح مسلم” و”السنة” للترمذي، بالاضافة الى “إحياء علوم الدين” للغزالي و”روضة المحبين” و”ذم الهوى” لابن القيم الجوزي.

تنطلق الكاتبة من فرضية ان الخطاب الديني الفقهي الارثوذكسي يتجاهل رغبات المرأة ويحاول السيطرة على رغبات الرجل، تاركا بصماته على الجسدين الانثوي والذكري، فيما يعنى الخطاب الايروتيكي بإشكالية المتعة جاعلا من المرأة ورغباتها محور تنقيباته وتوصيفاته وإرشاداته.

ينطلق الخطاب الايروتيكي من معطيات ارادها علمية موضوعية وتتمحور حول رغبات المرأة اللامتناهية. ففي “عودة الشيخ الى صباه” يصف المولى احمد بن سليمان رغبات المرأة وحاجاتها الجنسية بلهجة علمية قطعية قائلا ما معناه ان “بعضهم أكد ان رغبة المرأة الجنسية تتجاوز رغبة الرجل. بعضهم قال ان المرأة لا ترتوي، ولا تمل المجامعة، وإن الرجل، على النقيض منها، سريع الاشباع والارهاق، وان رغبته تضؤل اذا اكثر من المجامعات وعلى ما يظهر، لو جامعنا النساء، ليلا ونهارا، ولسنوات، فلن نشبعها، ورغبتها في المجامعة لن تخف”.

ويعزز نظريته في مكان آخر معلقا على العلاقات السحاقية بما معناه “ان جميع إناث الحيوانات، لاحظ العلماء، لا تشعر بالرغبة في المجامعة إلا جزءًا من السنة، بخلاف الإناث الانسانية اللواتي يشعرن بهذه الحاجة طوال العام. إلا ان الحد من رغبات الحيوانات ممكن ويشغلهم عن اعضائهم الجنسية فيما فرج المرأة لا يتعطل ولو زوجت سبعة رجال، على عدد ايام الاسبوع، وهذا لا يمنعها من البحث عن علاقات سحاقية اضافية”.

بأية حال لا يعني هذا الاقرار بأبعاد الجنسانية النسائية، التضامن مع النساء فحسب بل الكشف عن حقائق “علمية” تنذر الرجال بضرورة اخذ العلم ووضع استراتيجيات لتعزيز قدراتهم الجنسية لإرضاء النساء وضمان تعلقهم بهم وإثبات رجولتهم.

لكن هذه الغايات المعلنة لا تقلل من أهمية منهج الشيخين وخطتهما المركزة على تقنيات إشباع رغبات النساء، والذي يؤول الى قلب الادوار التقليدية، فالمرأة هي التي تبحث عن لذتها “والرجل يصبح مجرد وسيلة مطاردة، لهذه الغاية”.

ويحفل كتابا الشيخ محمد النفذاوي والمولى احمد بن سليمان بالحكايات المؤسطرة لرغبات النساء و”انحرافاتهن” التي لا تشبعها احيانا سوى ذكور الحيوانات من قردة ودببة وحمير وبغال، والتي لا تعرف قوانين التمييز العنصري والطبقي فتطارد “العبيد السود” وتفضلهن على الأسياد، ناسفة النظام الاجتماعي التراتبي والاثني الاسلامي.

لغايات مختلفة، اقل براءة، نجد أصداء لهذه الحكايات شبه الاسطورية من “ألف ليلة وليلة” إذ تمعن “الليالي” في اسطرة شهوانية النساء وجنوحهن الى إرضاء رغباتهن الايروسية بشكل خرافي كاسر للاجناس والطبقات. ففي حكاية “وردان الجزار وصاحبة الكنز" ترفض البطلة وهب جسدها لوردان الجزار، ويفترض ان يكون الجزار قوي البنية، لتهبه لدب يضاجعها عشر مرات متتالية، وهذه المرأة شاذة طبقا للمنظور الاجتماعي والاخلاقي والديني الذي تدافع عنه “ألف ليلة وليلة”.

وفي حكاية “داء غلبة الشهوة” يتعلق قلب ابنة احد السلاطين بحب عبد اسود افتض بكارتها وأولعت بالنكاح فكانت “لا تصبر عنه ساعة واحدة” فكشف أمرها الى بعض القهرمانات التي أخبرتها “ان لا شيء ينكح اكثر من القرد” فتركت العبد الاسود لصالح القرد وهربت بهذا الأخير الى الصحراء.

هذه الحكايات وغيرها تتكرر في كتابي علم الباه المذكورين، كما نصوص ألف ليلة وليلة المتخيلة، مما يدل على البعد التخيلي الاستيهامي لواقع النساء. ولكن ما يجمع بين هذين النوعين من الكتب هو الإقرار بشهوانية المرأة مع فارق كبير هو ان الكتابين موضع الدراسة يتعاطيان مع هذا الامر دون تذنيب او عقاب او زجر كما في ألف ليلة وليلة، حيث تعاقب النساء بشدة بسبب ميولهن.

على نقيض “ألف ليلة وليلة” ولهجتها الزجرية، يعنى الشيخان بإرشاد الرجال الى التقنيات الفضلى لممارسات الجنسية، كما الى وصفات غذائية من شأنها تقوية الطاقة الجنسية، والتوصل في نهاية الأمر الى إرضاء النساء، واحتوائهن. فالمرأة هي التي تبحث عن لذتها و”الرجل يصبح مجرد وسيلة مطاردة لهذه الغاية ولو كان الهدف المبدئي كما عبر عنه المولى بن سليمان مقدسًا وهو تعليم الرجل فنّ المجامعة وطرائق إثبات رجولته تبعا للقول النبوي “تناكحوا وتكاثروا إني مباه بكم يوم القيامة”.

هذا الخطاب الايروتيكي، الذي يتخذ من إشباع رغبات المرأة الجنسية، بعد أسطرتها، نقطة ارتكاز، والذي يحمل الرجل مسؤوليات عظمى يتضمن إرشادات طبية ووصفات غذائية عالية الفائدة ووصف تقنيات كناية عن استراتيجيات من شأنها اشباع رغبات المرأة وضمان انجذابها اليهم بعد تقديم معلومات تشريحية علمية متخصصة يتطابق مع التصورات المكبوتة الواعية واللاواعية حول متطلبات المرأة الجنسية التي تهدد الرجل في صميم رجولته وتضعه في حالة امتحان دائم، فيرد عليها بتدابير ايديولوجية تفضي بإخفاء المرأة وتطويعها وتحقير شهواتها.

يسبر الشيخان نفذاوي وبن سليمان أغوار الرغبة الانثوية، رغبة الجنس الدوني المعطوف على الجنس الآخر والمهمش، بغية تقوية الأمة وارتكبا بذلك خطيئة تداركها الخطاب الديني الذي دارى خوفه وأسس لسيطرته على المقدس مهندسا الواقع الحي.

هو خطاب السلطة والشرعية مستندا الى شرعية فوق طبيعية، إلهية، فلا يعود خطابا حول السلطة. انه السلطة.
وبناء على هذه المشروعية المقدسة “ينظم العالم من نسق شامل مليء بالرسائل والعلاقات مشكلا “النظام الثقافي المسلم”، عبر الكلمة والمجرد والخطاب، أي الرؤية والتصورات” خلافا لعالم الجنسانية الحي المعبر عنه بوقائع مادية فيزيائية حية، مولدا تناقضا بين الايديولوجية والمتخيل والواقع.

وتعطي الكاتبة مثالا على ذلك انتماء الاولاد قانونيا واجتماعيا للأب: فيما الأم هي التي تحمل وتلد.

على نقيض الخطاب الايروتيكي الذي حول المرأة الى ذات راغبة متطلبة، يقوم الخطاب الديني بتطويق النساء جسديا واجتماعيا وفق رؤية دينية تراتبية تضع الرجل على رأس المخلوقات التي خلق من أجلها الكون والنساء، حتى ان المخاطب في هذه النصوص خصوصا الاساسية هو الرجل وليس الجنسين.

ترى صباح ان الخطاب الفقهي المتشدد لا يتعارض مع مغزى النصوص الاصلية التي تحول المرأة الى مقتنى ممتع يباح التحكم فيه دون مراعاة الشريك مستشهدة بالآيتين الكريمتين التاليتين:

1 “زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث” (آل عمران: 14).

2 “إن نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم (البقرة: 223).

ففي الآية الاولى تُصنف المرأة من بين المقتنيات فهي نظيرة الذهب والفضة والخيل والانعام والاراضي وهذه الآية تعرف المرأة بعلاقتها بالرجل، والتي تقوم على الاقتناء والاستهلاك والتحكم.

وفي الثانية يبرز الطابع الاحادي للفعل الجنسي “فهي ارض، وملك شبه عقاري(10).

فتستنتج ان جوهر الاتصال الجنسي في المنظور الاسلامي القائم على التراتبية، يؤسس للمجتمع الأبوي، هذا المجتمع الذي لا يقوم إلا بسيطرة الرجل على المرأة وعلى تشيؤ هذه الاخيرة.

“وفي إحياء علوم الدن” يعبر الإمام الغزالي عن هذا الانضباط المتلازم مع المبدأ العبادي الذي يجعل من “الله” وعبادته الهدف الرئيسي من حياة البشر على الارض. فالغزالي يرى أن من شأن “الانصراف الكامل للهو مع المرأة والاستمتاع برفقتها والاستسلام للملذات، ان يصرف الانسان جسدا وروحا، ليلَ نهارَ، وان تشغله عن العالم الماورائي والاعداد له”، مستشهدا بجملة لابراهيم بن ادهم “من يعتَد على التغلغل في أفخاذ النساء لا يُرجَ منه شيء”.

وبحسب الامام الغزالي يجب ان يكون الجسد الانثوي محتقرا مشيئا ولا يشغل المؤمن إلا زمن لذة مقتضبة، نفعية، ليتذوق ما ينتظره في الجنة، ولا يجوز ان تزاحم المرأة تفرغ الرجل للعبادة الله.

بشكل مفارق يلتقي هذا الخطاب مع خطاب احمد بن سليمان كاتب “عودة الشيخ الى صباه” ومحامي لذات المرأة الذي يقول “ان من يتزوج اختار الحياة على الارض”، الرأي الذي لم يمنعه من استكمال مهمته.

وتعتقد الكاتبة ان القرآن قائم على نظرية الخضوع لله ولكيفية تحقيق هذا الخضوع. والخطاب الديني الارثوذكسي الذي يحذر الرجل من الاستسلام للذة والتيه فيها يقاصص المرأة بأن يمنحها ربع رجل ويحرر الرجل بان يتيح له بالزواج من أربعة نساء، رغم بعض نداءات العفاف والزهد.

والبخاري من جهته ينسب الى النبي انه رأى ان الجموع التي تدخل الى جهنم كن من النساء وانه قال عندما تقوم القيامة سوف يزداد الفسق ويزداد الاقبال على الشرب والزنى وتكثر النساء.

اما ابن القيم الجوزي في “روضة المحبين” فقد ادان بشدة “الهوى” في المطلق، وتغلبه على العقل وحذر من غلبته في الفسق كما في السياسة.

والإمام البخاري في "صحيح البخاري" يرجع الى اقوال للنبي يشبه فيها المرأة بالشيطان وكمصدر للفتنة ويوافقه مسلم الذي يرى في المرأة “فتنة مستمرة للرجل بسبب المتعة التي توفرها له، سواء كان بنظرتها او بكل ما يخصها ولأنها تحض على الشر”.

ولم يخرج ابن خلدون عن مبدأ ضرورة ضبط الشهوات كي ينصرف المؤمن للأوامر الإلهية: “... كظم الشهوات ايضا ليس المراد به إبطالها بالكلية وإنما المراد تصريفها فيما أبيح له باشتماله على المصالح ليكون الإنسان عبدا متصرفا طوع الأوامر الإلهية”.

هذا الخطاب الديني الفقهي السلطوي الذي يعترف “بحب الشهوات” يواجه هذا الاعتراف بضرورة ضبطها لئلا يفقد المسلم المؤمن عقله.

اذا ان التأثيم الذي يطال المرأة الغاوية ناجم عن حاجة القدسية الى ان لا يفقد عقله وهو حسب هذا المنطق قد يفقده اذا اشتهى امرأة لا يستطيع التمتع بها لأنها ليست زوجته او ملك اليمين.

والازدواجية تكمن حسب “فتنة آية الصباح” في ان النص القدسي، راعى حاجات الرجل الجنسية على الارض وفي السماء ولم يعنَ بحاجات المرأة، رغم اعتراف الأدبيات الإباحية العربية بهذه الحاجات في “نزهة الخاطر في الروض العاطر” “كما من عودة الشيخ الى صباه” لابن سليمان، فيما قضى النظام القدسي في القرآن والأحاديث وكتب الفقهاء: بترتيب العلاقات الجنسية بحيث يسيطر الخالق على الرجل الذكر والذكر على المرأة.

وفي خطاب الشريعة المستوحى من القرآن والسنة والاجتهادات الفقهية، تتحول المرأة الى موضوع للذة غايته ارضاء الرجل، وبدلا من ان تجمع العلاقة الجنسية بين شريكين ذوي ارادة تتحول المرأة الى أداة لذة وإنجاب في خدمة الرجل.

“إن تشيؤ المرأة شرط من شروط استراتيجيات الهيمنة الأبوية، مفهوم الملكية، اي الاستمتاع السيادي الكلي، (الذي) لا يتم إلا اذا كان العنصر المملوك محروما من الارادة”.

وهذا الحرمان من الارادة ليس مجانيا بل وظائفي؛ فهو يوظف في تشكيل العائلة المسلمة ورسم ادوار المرأة حيث ينحصر دور المرأة المسلمة الاحادي بأنها زوجة وأم، كما توظف بقية التصورات الاستيهامية والاسطورية لخدمة هذين الدورين. وكان لا بد من تشريعات تحول هذه المرأة الخارقة الشهوة كما يصورها الكاتبان الاسلاميان، والآثمة كما تصورها اسطورة آدم وحواء الى “زوجة أم تكتفي بزوجها الشرعي” الذي يختاره لها ولي امرها، ولا بد من احتجازها وإخفائها، وإبعادها قدر الامكان عن الذكور.

خلافا لما هو سائد، ترى الكاتبة ان الرجل هو الآخر محكوم بنظام سلوكي عبادي يقضي بألا يشغله شيء آخر عن عبادة الله. فهذا الخطاب الذي تسميه الخطاب الارثوذكسي يحذر من الانجذاب الى النساء والاطفال والثروات بدلا من التعبد لله. وتستشهد بآيات قرآنية معبرة عن هذه الاشكالية الا انها لا تشرح لنا كيف يوفق هذا الخطاب بين دعوته الى عدم الانجراف وراء ملذات الارض وبين تعدد الزوجات وحق التسري.

ولكن الكاتبة تقارن بين نصوص تنتمي لعصور مختلفة. فنصوص البخاري ومسلم تنتمي الى القرن التاسع الميلادي فيما النصف الايروتيكي ينتمي الى القرن السادس عشر حيث يختلف الإطار المعرفي. وكنا نتمنى ان تبرز لنا هذه اللغة المتشددة وتزرعها في سياقاتها، كأن تقارن بين ما كانت عليه المرأة في العصر الجاهلي وما اصبحت عليه في صدر الاسلام وفي العصرين الاموي والعباسي ولكنها تكتفي بالتذكير بما قام به المسلمون الاوائل من جهود للقضاء على الالهات “المنارة وعزة واللات” مما يدل على ارادة التخلص من آثار تقديس الآلهة الإناث وتحجيم دور المرأة، إذ ان واقع المرأة في العصر الجاهلي كان متنوعا دامجا بين هيكليات المجتمعين الابوي والاموي، ويكفي في هذا المجال العودة الى انماط الانكحة التي كانت تتم في تلك الحقبة والتي كان بعضها يمنح المرأة حريات شخصية لامحدودة.

كان يمكن ان يفسر الخطاب التقييدي كرد فعل على الحياة الليبرالية التي تعيشها النساء كآلية دفاعية وكتكريس لهيكليات النظام الابوي، كما كان يمكن الاشارة الى تأثير الفلسفة الافلاطونية القائمة على ثنائية الروح والجسد وعلى احتقار الشهوة.

ومن جهة اخرى لا تختزل الاقوال التي اقتبستها الكاتبة موقف جميع الفقهاء والمفكرين الاسلاميين من الرغبة اذ نجد في كتب اخرى تمجيدًا للرغبة الذكورية على الاقل كما في “تحفة العروس ومتعة النفوس” للكاتب المغربي احمد التيجاني المتوفى عام 1309 هـ وان تقاطع نصه مع النصوص المذكورة لجهة تجاهل كينونة المرأة وإرادتها، إلا انه لا ينشئ تعارضا بين المتعة والعبادة بل يكتفي بباب واحد من أصل 25 للتحذير من الاقتراب من المحرمات اي من الاقتراب من غير المحارم، علما انه يستفيض في شرح فوائد التسري، عدا عن “نهاية الإرب” للنويري (733 هـ) الذي اهتم بتقوية الشهوة.

بأية حال، تقدم “آية صباح” قراءة خاصة لنصوص تراثية، تعكس بتعارضها، ما يمكن ان تقوم به الايديولوجية تجاه الواقع الحي النابض التجريبي مقولبة هذا الواقع وفق ارادة المعرفة والسلطة من جهة وكيف يمكن للفقيه ألا يجنح ويتناسى الواقع وكأنه غير موجود، بل على العكس- فينكب على دراسته بغية الوصول الى حقيقة ما، محولاً الخطاب الفقهي الى خطاب يراد به ان يكون علميا إنسانيا، موسعاً حدود فقهه.

وأخيراً تفيد كل قراءة واعادة قراءة في فهم الانظمة المعرفية التي تحكم الذهنيات السائدة في عالمنا والتي توظف لخدمة الايديولوجية الذكورية والسلطوية.

(عايدة الجوهري- عن "السفير")

التعليقات