"معبد أنامل الحرير".. رواية تتحايل بالخيال على النظم الديكتاتورية

واتخذت الرواية عنوانها من معبد أنامل الحرير وهو مكان في المدينة السريّة، يقوم بالنسخ فيه نساء وفيه أيضًا "جيش من المتطوعات" يكتبن فصولًا من الكتب الممنوعة على أجسادهن، ثم يخرجن إلى "مدينة الظلام" في الأعلى وينزعن ثيابهن فجأة.

"معبد أنامل الحرير".. رواية تتحايل بالخيال على النظم الديكتاتورية

عبر سرد تتقاطع فيه عدة أصوات؛ تستعرض رواية 'معبد أنامل الحرير' أحداثًا في أكثر من مسرح بامتداد المسافة من أقصى الشمال الأوروبي، حيث تبرز قضية العلاقة مع الآخر، وصولًا إلى البحر المتوسط، حيث تدور مواجهة مع قراصنة بؤساء، يسعون للسطو على سفينة تحمل مخطوطة رواية أخرى، تدور أحداثها الكابوسية في عمق عالم ثالث تحت الأرض.

ولا يترك مؤلف الرواية، الكاتب المصري، إبراهيم فرغلي، للقارئ فرصة للاسترخاء، بل يجعله طوال مشاهد الرواية، التي تقع في 527 صفحة متوسطة القطع، في حالة تحفز وترقب لمصائر الأبطال منذ وقوع مخطوطة رواية 'المتكتم' في يد الدكتور قاسم الحديدي، الذي ينتشلها 'من مصير مأساوي بائس' بعد أن تركها كاتبها في عمق قاربه وألقى بنفسه إلى البحر هاربًا من أحد القتلة.

وأحد أصوات رواية 'معبد أنامل الحرير' هو صوت مخطوطة رواية 'المتكتم'، التي تروي جانبًا من حياة مؤلفها، رشيد الجوهري، وهو مثقف عاشق للحياة محب للسفر، يعي أن الغرب 'أفرط في انتهاك حقوق الآخر على مدى العصور الوسطى، ولا يزال يحتفظ باحتقاره للآخر' وأن الشرق في المقابل يمارس ألوانًا من التدين الشكلي 'بلا عمق أو استيعاب حقيقي لجوهر الأديان؛ وأصبح كارهًا لذاته مستصغرًا نفسه مستهينا بها' لدرجة ربما تبلغ حد التدمير الذاتي.

وصدرت رواية فرغلي في 'منشورات ضفاف' في بيروت و'منشورات الاختلاف' في الجزائر، وهي إحدى ثلاث روايات مصرية، اختيرت ضمن 15 رواية في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، البوكر، للعام 2016.

وتتوازي الأحداث في 'معبد أنامل الحرير' وتتقاطع بين ما يجري من مغامرات للنجاة من القراصنة في عرض البحر، وما تسجله مخطوطة رواية 'المتكتم' على لسان بطلها، كيان، الذي كان يعمل رقيبًا حكوميًا مهمته حجب 'سموم الفكر الضال عن عقولهم حتى لا تتسمم بما كان كثير من الكتاب المارقين العلمانيين والملحدين المنحلين يحاولون أن يمرروها إلى الجمهور'، ثم لم تحتمل مشاعره استمرار التمزق النفسي، بين ما يرغب فيه وما يمارسه من وصاية على الأخلاق.

وكان الرقيب 'المتكتم' يرى أن 'الأصل هو المنع والاستثناء الإباحة، كان صارمًا متشددًا يرى في كل خروج عما يعتبره صحيح الأخلاق انحلالًا ودعوة لوقوع العباد في أسر الرذيلة... كل نص أدبي أو فني أو كتاب مجرم حتى تثبت براءته' فما كان من الموظفين إلا أن زايدوا على كبيرهم وسارعوا إلى المنع.

وانضم كيان إلى 'المدينة السفلية'، التي واصل الهروب إليها، عبر عدة مداخل حجرية، شبان وفتيات وعشاق وشعراء وفنانون وكتبة ونسّاخ، قاموا بنسخ عدد من النصوص الممنوعة واستطاعوا تهريبها إلى مدينة الأنفاق أو مدينة المخطوطات، وهي مدينة تحت الأرض 'قد تماثل في مساحتها مدينة الظلام... التي تستقر راسخة' أعلى المدينة السرية التي لا ترى الشمس ولا يعرف أهلها ليلا من نهار، ويكتفون بكشافات وإضاءات صناعية مصدرها مولدات مترو الأنفاق.

إلا أن ما يردهم من أخبار مدينة الظلام في الأعلى كان يجعلهم راضين بالنجاة 'فمع كل وافد جديد إلى مدينة الأنفاق السريّة، تواردت أخبار عن العتمة التي تعيشها المدينة ليلًا في محاولة من المتكتم للسيطرة على أي حركة تمرد ضده' ولم يعد استخدام التلفزيون ممكنًا كما أغلقت دور السينما والمسارح.

وهرب الحالمون بالحرية من مدينة الظلام، بعد أن أحكم المتكتم قبضته على كل شيء، وجعل أتباعه يحطمون التماثيل والأعمال النحتية ولم يسلم من أذاهم حتى النساء ومنهم، سديم، وهي مدونة أزعجت السلطات فاتهموها 'بالحض على الإباحية والشذوذ' ولجأت إلى المدينة السرية بعد تعرضها 'لواقعة تحرش مقصودة من عدد من سيدات يتشحن بالسواد... أوسعنها ضربًا ومزقن ملابسها'.

وكانت المدينة السرية ملاذًا ملائمًا 'حيث لا يفتش في ضمائرهم أحد' في حين فرض المتكتم إجراءات جديدة مشددة، منها حظر التجوال، بعد ظهور حركة تمرد من مجموعات تابعة لمعارضين في معتقل بالصحراء، ونشطت 'كتائب المتكتمين' في مواجهة المعارضين بالقوة ثم أصبح الصمت 'سمة عامّة' لسكان المدينة العلوية، تفاديًا لمخاطر النطق بأي كلام.

واتخذت الرواية عنوانها من 'معبد أنامل الحرير' وهو مكان في المدينة السريّة، يقوم بالنسخ فيه نساء وفيه أيضًا 'جيش من المتطوعات' يكتبن فصولًا من الكتب الممنوعة على أجسادهن، ثم يخرجن إلى 'مدينة الظلام' في الأعلى وينزعن ثيابهن فجأة.

ويتجلى التحايل بالخيال على محاولات القمع، وهي غالبًا نمطية تقليديّة من خلال سلوك 'الفتيات المخطوطات'، فوقوفهن بالترتيب يتيح قراءة فكرة أو فصل مكتمل من الكتاب، ولا تتمكن الشرطة من القبض عليهن، إذ يمتلكن قدرة على المراوغة والإفلات بسبب زيوت يضعنها على أجسادهن.

ويشجع نجاح 'المخطوطات العاريات' جماعات سرية أخرى على الظهور والتمرد على سلطة المتكتم.

اقرأ أيضًا | البوكر تعلن القائمة الطويلة للروايات المرشحة للفوز بالجائزة

والقائمة القصيرة للبوكر، والتي ستضم ست روايات سيعلن عنها الثلاثاء القادم، في العاصمة العمانية، مسقط، في مؤتمر صحفي ستعلن فيه، أيضًا، أسماء أعضاء لجنة التحكيم.

اقرأ أيضًا | "عطارد" رواية الإطاحة بالنظام المصري في عام 2025

التعليقات