الطلياني: عن الحركة الطلابية والاستبداد والبورقيبيّة

يصّور الكاتبُ بطل الرواية على أنه لا يقهر، وينحاز إليه في جميع معاركه، يبّرر له عروضَه عن زوجته، وتركه إيّاها، كما يبرّر له تحوّله من قياديّ طلابيّ ثوري إلى صحفيّ متمرّد تحت سقف النظام الحالي؛ لكنّه، في الفصل الأخير، يصوّره منهارًا، ضعيف

الطلياني: عن الحركة الطلابية والاستبداد والبورقيبيّة

رواية الطلياني وفي الخلفية مدينة حيفا (عرب48)

أحببت في الرواية أنها نقلتني، لأول مرّة، إلى أزقّة تونس وحاراتها ولهجتها اللطيفة الخفيفة، ولمّا كنتُ في عمر يقارب عمر البطل، والحديث في شطر الرواية الأكبر يدور عن الحركة الطلّابية، وما ينبغي أن تكون عليه من تقسيمات وتفرّعات، وجدتني منجذبًا لإكمال قراءة الروايّة، بلغتها العربيّة الغزيرة المنمّقة.

غير أن الانبهار بالرواية لم يستمر طويلًا، حيث ساءَني تدخّل الراوي الفجّ بأحداث الرواية ومعرفته الكاملة بالبطل، رغم أنه يشارك، فعليًا، في مشهد واحد فقط؛ فكيف يمكن لصديق، أيًا كان قربه من البطل، أن يعرف أكثر اللحظات حميميّة بين البطل ومعشوقته؟ وكيف له أن يعرف ما يدور بين زينة، 'زوجة' البطل، عبد الناصر، وصديقاتها؟ كان من الأفضل، ربّما، لو أن الكاتب أبقى الراوِيَ حياديًا، لا دور له في الرواية.

ومما يزعج في الرواية، أيضًا، هو أسلوب السرد الممل، وقلّة الحوار، على أهميّته، حيث نعرف البداية ونعرف الخاتمة، كون الراوي بدأ الرواية من نهايتها، لكن تفاصيل ما بين المرحلتين تصل إلينا ميّتة، تقريريّة وكأننا نشاهد برنامج 'مع هيكل' للكاتب الراحل محمّد حسنين هيكل، نعرف الأحداث، لكنّ الأهم أننا لا نعيشها.

ويُؤخذُ على الرواية، كذلك، إفراطٌها في الإباحيّة، فلا تمر صفحة في الرواية دون تلميحات جنسيّة لعبد الناصر، زير النساء، بالإضافة لتحرّش إحدى السيدات (للّا جنينة) به إذ كان طفلًا، والغريب أن تلك اللحظات و'جمالها' لم يفارق الكاتب البتّة؛ وهو ترويج مستهجن للتعرّض للقاصرين جنسيًا!

بيدَ أنَّ الجميلَ في الروايةِ هو أنها نقلتني إن فترة الصراع بين 'المجاهد الأكبر'، الحبيب بورقيبة، وأركان حكمه والإسلاميين (مثلث يتصارع للوصول للحكم)، موضحةً قبضة بورقيبة الحديديّة، ومعاناة المثقّف التونسي وفساد الطبقة السياسية، وتلك البهجة ببن علي حين وصل الحكم، والنقمة عليه بعد ذلك بقليل.

لكن، ما أزعجني في الرواية أن الكاتب تعمّد قتل الشخصيّات جميعًا، فزينة، طليقة البطل، انتهى بها الأمر مهمّشة مهشّمة فشلت في الحصول على الدكتوراه، متزوّجة بأحد المفكّرين رغم أنه يكبرها بعشرات السنين، وانتهى بها الأمر، تحاول إمتاعه جسديًا ويحاول إمتاعها فكريًا.

وحتى صديقته، نجلاء، انتهى بها الأمر مومسًا تقدّم خدماتها للوزراء والمتنفذين؛ وعلى نهج التدمير ذاته سارت 'للا جنينة'، التي انتهى بها الأمر مهووسة بالرجال؛ حتى بطل الرواية، ذاته، انتهت به الرواية مضطربًا، في أسوأ فصول الرواية، فصلها الأخير.

يصّور الكاتبُ بطل الرواية على أنه لا يقهر، وينحاز إليه في جميع معاركه، يبّرر له عروضَه عن زوجته، وتركه إيّاها، كما يبرّر له تحوّله من قياديّ طلابيّ ثوري إلى صحفيّ متمرّد تحت سقف النظام الحالي؛ لكنّه، في الفصل الأخير، يصوّره منهارًا، ضعيفًا ومعقّدًا.

كما أن الرواية لا تنهي القصص، حيث يبدو الكاتب وكأنه ينساق وراء قلمه، لا العكس، رغم أهميّة طرحه لفقدان الروح الثوريّة للطلاب فور التخرّج، فهو يمرّ عليها مرور الكرام.

لن أفسد أحداث الرواية، لذلك لن أكتب عنها أكثر.

اقرأ أيضًا | الرجعية والحرية وعبد الناصر الطلياني

التعليقات