لويس عوض ومعاركه الأدبية

رسالة الغفران هي عمل أدبي اتخذ شكلاً هو أقرب ما يكون إلى المسرح، وكان موضوعه هو الرحلة إلى الآخرة، بقصد لقاء الشعراء واللغويين والرواة ومناقشتهم، فيما كان يشغل عصره “عصر المعري” وبيئته من قضايا الشعر واللغة

لويس عوض ومعاركه الأدبية

يعد د. لويس عوض نموذجاً فذاً في ثقافتنا المعاصرة، فهو كاتب غزير الإنتاج، قدم للمكتبة العربية نحو خمسين كتاباً في النقد والإبداع والترجمة ، كانت حياة الرجل مليئة بالخصب والعطاء، كان مثيراً لحب الاستطلاع، مثيراً للأفكار الجريئة والتناقضات، كان الجدال حول أفكاره غاضباً عنيفاً في حياته، تغلب عليه الانفعالات الهائجة والسهام الطائشة، وقد حان الوقت لكي يأخذ هذا الجدال موقع الحوار المتحضر الذي يعتمد الأسلوب العلمي والموضوعي.

وفي تقديمه لكتاب “لويس عوض ومعاركه الأدبية” لمؤلفه نسيم مجلي ، يقول د. مصطفى الفقي: عبر صفحات هذا الكتاب يكشف المؤلف نسيم مجلي –وهو مثقف مصري أمين- عن معارك لويس عوض، والصراعات التي خاض غمارها طوال حياته الثرية التي وضع لها القدر نهاية حين دخل العقل العظيم معركة شرسة مع المرض اللعين، انتهت برحيل المفكر العملاق عام 1990، وهو لم ينل في حياته التكريم ما يستحق.

ومن معارك لويس عوض الأدبية، يذكر المؤلف: تحدث د. طه حسين كثيراً عن محنة الأدب، وأسبابها في مصر، وأرجع المحنة إلى أسياب منها اختفاء المجلات الأدبية، واختفاء الصفحات الأدبية في الصحف.

وعند لويس عوض أن مقتل الأدب هو مقتل المجتمع وهو مقتل الحياة ذاتها، إن قاتل الأدب هو المكارثية، والمكارثية هي آخر اصطلاح في الإرهاب، فهذه الظاهرة مأخوذة من مكارثي الذي كان حينذاك أخطر عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي، بل أخطر قوة في أمريكا نفسها، ومكارثي كاثوليكي متعصب يؤمن بالمطلقات، يؤمن بأن الحق واحد، واحد في كل زمان ومكان، وأن الحق في جانبه.

ويشير المؤلف إلى مناقشة أدبية بين لويس وعوض وحسين مروة، بشأن الأدب الاشتراكي، فيقول: نشر د. لويس عوض مجموعة من المقالات بعنوان “الاشتراكية والأدب” وجمعت في كتاب، وهي تتناول العلاقة بين الأدب والمجتمع وبين الأدب والحياة في ظل التجارب الاشتراكية التي تجتاح العالم في القرن العشرين.

ومن آراء لويس عوض أن كل دعوة تنحو إلى تفريغ الأدب والفنون من غايتها وهي “الإنسانية”، لا تخدم الفكرة الاشتراكية بل تضعفها.

وكان للمفكر والناقد اللبناني حسين مروة فيما كتبه لويس عوض، إذ أحس أن لويس “قد وضع قضايا الفكر الاشتراكي والأدب الاشتراكي وضعاً حاداً شاء أن يدعمه بمقاييس نظرية”، وإزاء هذا التحامل كتب حسين مروة الناقد الماركسي الراحل ستة فصول، لمناقشة هذه الآراء في كتابه القيم “دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي”، الصادر في بيروت عام 1965.

ويذكر المؤلف: كان هجوم لويس عوض على هامش الغفران، هي أعنف المعارك الأدبية والفكرية، ودارت حول أبي العلاء المعري و”رسالة الغفران”، فقد أوضح د. لويس عوض في بحثه “على هامش الغفران”، أن المعري كان يعيش واقع عصره، وتأثر بكل صراعاته السياسية والثقافية والعقائدية، حتى إنه اعتبر “رسالة الغفران” رسالة أيديولوجية في حرب العقائد الدينية والسياسية التي دارت رحاها في زمن المعري، زمن التحام العالمين المسيحي والإسلامي.

ويقول المؤلف: إن رسالة الغفران للمعري بتعريف بنت الشاطئ هي “نص مسرحي من القرن الخامس الهجري”، وتمضي مشاهد المسرحية في فصولها الثلاثة: الجنة والجحيم، ثم يعود إلى الجنة، وأبو العلاء المعري الذي يقوم بإخراج هذه المشاهد كلها والإعداد لها، وتقديم الأشخاص الذين يظهرون في كل مشهد، إلى جانب انفراده بالتأليف والصياغة والحوار.

من هذا يتبين لنا أن “رسالة الغفران” هي عمل أدبي اتخذ شكلاً هو أقرب ما يكون إلى المسرح، وكان موضوعه هو الرحلة إلى الآخرة، بقصد لقاء الشعراء واللغويين والرواة ومناقشتهم، فيما كان يشغل عصره “عصر المعري” وبيئته من قضايا الشعر واللغة.

وينقلنا المؤلف إلى معركة من معارك لويس عوض الأدبية، فيذكر: بعد حوالي عام من رحيل عبد الناصر، نشر توفيق الحكيم كتابه “عودة الوعي” ينتقد فيه عبد الناصر وحكمه، وكان الكتاب بمثابة الشرارة الأولى التي أشعلت المعركة، فقد أخذ خصوم عبد الناصر ينضمون إلى موقف الحكيم ويشيدون بشجاعته، وبدأت ردود الفعل تتوالى من الناصريين واليساريين، تناقش الحكيم وترد عليه.

وكان أهم طرفين في النزاع الفكري هما الحكيم بكتابه “عودة الوعي”، ومحمد عودة بكتابه “الوعي المفقود”، كما تصدى للحكيم أيضاً عديد من الكتاب مثل حسنين كروم بكتابه: “عبد الناصر المفترى عليه”، ومحمود مراد بكتابه: “الحكيم ووعيه العائد”، بالإضافة إلى العشرات من المقالات لمصطفى بهجت بدوي، وكامل زهيري، ولطفي الخولي.. إلخ.

ويعقب لويس عوض ساخراً من موقف الحكيم: “وإننا فقدنا الوعي، لأن ساحراً فذا نومنا ونوّم أحكم حكمائنا تنويماً مغناطيسياً، وسار بنا من مسارات لا ترضى بها الأرض ولا السماء، ونحن لم نسترد وعينا إلا بعد أن مات الساحر في 28 سبتمبر 1970، ثم خرج من المسرح آخر أعوانه في 15 مايو 1971، وكأنما الرئيس السادات لم يكن واحداً من أعوانه، وكان ما هو موجود الآن مقطوع الوشائج من جميع الوجود بما قد كان”.

لقد كشف لويس عوض بهذه السخرية الرقيقة عن جوانب الجبن والنفاق في موقف الحكيم، ومنه ينطلق لتأكيد أهم مبادئ الشرف في عملية النقد، وهو أن واجب الكاتب ألا ينتظر حتى يموت صاحب الدولة، لكي يحاسبه حساب الملكين، وإنما على الكاتب قبل أي مواطن آخر أن يحاسب ولي الأمر أثناء حياته، حتى يصبح الحساب نقاشاً يمكن أن تنصلح به الأمور، فليس لحساب الموتى جدوى غير حكم التاريخ.

ويختتم الكاتب حديثه عن هذه المعركة إلى قوله: لم يكن لويس عوض ناصرياً، وخشية أن يظن أحد ذلك من نقده للحكيم، نراه يبادر بنفي ذلك ويؤكد أنه شخصياً كان أكثر اعتراضاً على فلسفة الناصرية ومنهجها من توفيق الحكيم نفسه.

اقرأ/ي أيضًا| الأساطير في الأدب المقارن

الجدير بالإشارة أن كتاب “لويس عوض ومعاركه الأدبية” للكاتب نسيم مجلي صدر عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة ويقع في نحو613 صفحة  من القطع الكبير .

التعليقات