الطائفية والتقسيم ... مغامرة غير محسوبة العواقب

يقدم الباحث بعض تعريفات (مفهوم التعصب)، فيذكر: التعصب في اللغة العربية هو التصاق جامد بالأصل سواء كان هذا الأصل أيديولوجي أو ديني أو غير ذلك. وتعريف بارون وزملائه، إذ يرون التعصب كاتجاه سالب أو موجب إزاء أعضاء جماعة ما يقوم فقط على أساس ع

الطائفية والتقسيم ... مغامرة غير محسوبة العواقب

كاريكاتير نبيل الحسنات

الحديث عن الطائفية أو التعرض للمتعصبين هو بالتأكيد مغامرة غير محسوبة العواقب، والباحث في هذا الشأن إذا أراد أن يكون منطقي سوف تكون تعرية أي من الطرفين دافع قوي لإطلاق وابل من السهام عليه، لأن العنف لدى المتعصبين عادة ما يكون جزء من تكوينهم النفسي، وتعاني مصر من التطرف الذاتي، وهو خلاف من الرأي يحدث داخل الدين الواحد، أو المذهب الواحد، يظهر أمامنا صورة ومثال لنوع من التطرف داخل الجانب المسلم أضر بالمسلمين أنفسهم قبل غيرهم، ولم يسهم الجانب المسيحي نفسه من قوى التعصب الذاتية ومحاولات فرض الرأي بالقوة.

في البداية يشير صلاح شعير مؤلف كتاب ”الطائفية والتقسيم”  إلى تاريخ الوحدة الوطنية في مصر، قائل: تجلت صورة الوحدة الوطنية في مصر عبر التاريخ منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، حين أقام المصريون – رغم تعدد معتقداتهم – أول دولة موحدة في التاريخ الإنساني على يد الملك (مينا) عام 3200 ق.م.

وجاء العصر الحديث بمفكريه العظام رواد حركة الاستنارة والتنوير والداعية إلى حفظ السلم الاجتماعي وقوام الأمة المصرية الواحدة ذات النسيج الواحد من خلال قيام الدولة المدنية، ونذكر منهم – على سبيل المثال – لا الحصر النديم، وأحمد لطفي السيد، وطه حسين، وأحمد شوقي، وسلامة موسى، وجمال حمدان، وغيرهم.

ويستعرض الباحث بعض الأحداث الطائفية بمصر، قائلا: يرى باحثون أن بداية الفتنة الطائفية ظهرت بمصر مع وصول البابا شنودة لكرسي البابوية، حيث سعى لإفشاء تنظيم مسيحي سري يسمى الأمة القبطية، وكان من أهدافه إنشاء دولة مسيحية في مصر، وسعى منذ توليه البابوية إلى تحقيق حلمه هذا.

ويشير إلى حوادث بسبب اعتداء مسيحيين على الدين الإسلامي، هي حوادث عادة ما تكون فردية ولا تمثل اتجاه عام، فلا يمكن لأقلية أن تفتعل مواجهة مع الأغلبية وفق للمنطق، وتلك الحوادث لا تمثل إلا مرتكبيها إلا إذا كانت برعاية خارجية لفتح ملف للتوتر داخل البلاد، ومن تلك الحوادث يذكر: مسرحية تهاجم الإسلام، عندما قام بعض الشباب المسيحيين بعمل مسرحية بعنوان (كنت أعمى وأصبحت الآن مبصر) بالإسكندرية، ومن تلك الحوادث أيض، مديرة مدرسة تسب الرسول، كتابة لفظ الجلالة على جانبي حمار، حوادث الجنس (معاكسة فتاة مسيحية، اغتصاب طفلة مسلمة، علاقة جنسية مع مسلمة بقرية صول) وهناك حوادث بسبب إسلام المسيحيات (نموذج وفاء قسطنطين، كاميليا شحاتة، عبير وفتنة إمبابة).

ويقدم الباحث بعض تعريفات (مفهوم التعصب)، فيذكر: التعصب في اللغة العربية هو التصاق جامد بالأصل سواء كان هذا الأصل أيديولوجي أو ديني أو غير ذلك. وتعريف بارون وزملائه، إذ يرون التعصب كاتجاه سالب أو موجب إزاء أعضاء جماعة ما يقوم فقط على أساس عضويتهم في هذه الجماعة، بمعنى أن المتعصب يميل لتقييم أعضاء الجماعة موضوع التعصب بطريقة محددة سالبة أو موجبة، لمجرد أنهم ينتمون لهذه الجماعة وليس وفق لسلوكياتهم وخصائصهم الشخصية.

ويذكر الباحث: أخطر ما يهدد الأمة هم أنصاف المتعلمين أو المتدينين، لأنهم لا يؤسسون للطائفية الدينية فحسب، بل تمد آثارهم إلى الطائفية المذهبية الدين الواحد، وجريمة مقتل طالب بكلية الهندسة بالسويس أحمد حسنين، وذلك بسبب وقوفه في نهر الطريق في وضح النهار، وبعد مشادة كلامية تم طعن الطالب بآلة حادة، لفظ أنفاسه بمستشفى الإسماعيلية الجامعي. أبرزت التحقيقات اعتناق المتهمين فكري ديني مشدد، وأنهم كانوا جماعة لفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وجهة نظرهم الدينية.

ويشير إلى نموذج للحقد الطائفي “موريس صادق”، قائل: يظهر جلي للعيان متعصبون من أمثال موريس صادق ينتمون إلى تيار التعصب، سبق أو وجه صادق في ديسمبر 2004 رسالة إلى أرئيل شارون رئيس وزراء إسرائيل السابق إبان تفجر قضية وفاء قسطنطين، ناشده التوسط لدى الحكومة المصرية لإنهاء الأزمة، ودعا أيض إلى منح المسيحيين حكم ذاتي لمدى أربع سنوات قبل إقرارها، يتم فيها منح حريات التجمع والنشر، وتدعو إلى إشراف دولي على الحكم الذاتي من قبل حلف الناتو. ويتضح من تلك الآراء التي طرحها موريس صادق أنه ضد الدولة لكامل طوائفها، ويمثل صورة بغيضة للتعصب الأعمى والحقد الطائفي.

ويشير كذلك إلى المخططات الطائفية لتغييب مصر والدول العربية، قائل: هناك أيد تعبث بالأمن الداخلي لمصر، وتلك مجرد نماذج لما تم ضبطه، وما خفي كان أعظم، فعقب ثورة 25 يناير التي قامت بسبب الفساد السياسي، حدث فراغ أمني كبير تزامن مع حرق تسعة وتسعين قسم وفتح أربعة سجون وهروب أكثر من ثلاثة وعشرين ألف سجين.

ويقول: إن زيادة حجم الأسلحة المهربة لمصر عبر كل الحدود تقريب يصب في هذا الاتجاه لإشعال الفتنة الطائفية، وهناك أيض مخططات لفصل سيناء. بعض الدراسات كشفت وجود علاقة تربط بين عدد من مليونيرات اليهود في مصر والحركة الصهيونية، فقد حاول مارولد باروخ عقد مؤتمر صهيوني في القاهرة والتنسيق مع بعض اليهود في الإسكندرية ليتقدموا للحكومة البريطانية لطلب الحصول على أرضٍ في شبه جزيرة سيناء للجماعات اليهودية المهاجرة من شرق أوروبا لتصبح مستعمرة لهم، إلا أن الفكرة ماتت مع وفاة زعيم الحركة الصهيونية تيودور هرتسل عام 1904.

وقد تم إدراج النوية ضمن مخططات التقسيم وتم العزف على ضياع حقوق النوبيين ضمن مشاريع سد أسوان والسد العالي لزرع روح الضغينة داخل نفوسهم، فمع أنه من حق الدولة نزع الملكيات العامة والخاصة للصالح العام في عشرات المرات ونزع ملكية عشرات الآلاف من الأفدنة لبناء مشروع قناة السويس اعتبار من 25 أبريل 1859 حتى إتمام عمليات الحفر في 18 نوفمبر 1862، وتم نزع الأراضي على طول 193 كيلومتر لهذا المشروع، لقد كان المدخل لتغذية النزعة الانفصالية لأهالي النوبة قضية التعويضات نتيجة للمشروعات المائية التي أقيمت من أجل مصر كلها، هذا مع كامل الحق لهم في الحصول على أراضي زراعية مماثلة.

وفي خاتمة الكتاب، يذكر الباحث الآثار الاجتماعية والاقتصادية للحروب الطائفية، قائل: أما عن الآثار الاقتصادية، فقد أدت فترات الصراع إلى انخفاض التراكم الرأسمالي للدولة، وانخفاض المستوى الكلي للاستثمار، التضخم وارتفاع الأسعار، زيادة النفقات العسكرية، تدني الدخل العام للأفراد، تراكم المديونات الخارجية.

وأخير الآثار الاجتماعية للحروب الأهلية هي: زيادة الأمراض النفسية، انهيار الأخلاق، ارتفاع معدلات الطلاق، زيادة معدلات الهجرة الداخلية، انتشار الجريمة وعمليات الخطف، استغلال الأطفال في الحروب، انتشار ظاهرة الإدمان.

الجدير بالإشارة أن كتاب ”الطائفية والتقسيم” للكاتب صلاح شعير ، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ويقع في نحو355 صفحة  من القطع الكبير.

اقرأ/ي أيضًا| استلهامات 'ألف ليلة وليلة'

التعليقات