"إدجار آلان بو" في الأدب العربي الحديث

إدجار آلان بو هو ناقد ومؤلف وشاعر أمريكي، وُلد في 19 يناير سنة 1809م، وتوفي في 7 أكتوبر سنة 1849م، وهو من أوائل من كتبوا القصة القصيرة التي تقوم على أفكار التحري في الأدب الأمريكي، ويعتبر من رواد هذا الشكل من السرد الذي كان يعتبر في ذلك

في كتابه “تأثير إدجار آلان بو في الأدب العربي الحديث”، يعرض مؤلف الكتاب د. هاني إسماعيل محمد رمضان التأثير الذي انتقل للأدب العربي من خلال ما كتبه الأديب الأمريكي “إدجار آلان بو”، وحيث يعتبر من الآباء المؤسسين للقصة البوليسية، وتأثر به في هذا المجال معظم الكتاب العرب الذين كتبوا هذا الشكل من القصة.

ويعتبر المؤلف أن كتابه الذي ينتمي إلى مجال الدراسات النقدية المقارنة، يهدف إلى الكشف عن أوجه التلاقي والتباين بين الأدب العربي والأدب الأمريكي، في إطار ما تستهدفه الدراسات المقارنة في نطاق النقد الأدبي من الوصول إلى نقاط التأثير والالتقاء بين الآداب المعاصرة.

كما يشير المؤلف في كتابه إلى أهمية الاستمرار والبحث حول ما يتعلق بمثل هذه الدراسات النقدية المقارنة للوصول إلى إجابات نقدية وعلمية حول مدى تأثر الأدب العربي، خاصة الأدب العربي الحديث، في كافة صوره من نثر أو شعر أو أي صورة أخرى قد تظهر من صور السرد الأدبي، بالآداب العالمية الحديثة والمعاصرة، ومن هم الكتاب العالميون الذين تركوا أثرا في الأدب العربي؟ وما دورهم فيما يتعلق بعملية تشكيل الوعي العربي؟

ثقافات وحضارات

ويشير المؤلف في نفس الوقت إلى أن ما يتعلق من دراسات نقدية مقارنة لدراسة تأثير أو تأثر أدب مجتمع بأدب مجتمع آخر، أو حتى جنس أدبي بجنس آخر، لا يعني تفضيل أدب على أدب، أو جنس أدبي على جنس أدبي آخر، بل تهدف مثل هذه الدراسات إلى تحقيق عملية فهم للنصوص الأدبية محل الدراسة، في إطار أكثر شمولية من فهم الخصائص العامة والسمات المشتركة بين آداب الأمم المختلفة المشارب والمتنوعة الثقافات والحضارات.

و”إدجار آلان بو” هو ناقد ومؤلف وشاعر أمريكي، وُلد في 19 يناير سنة 1809م، وتوفي في 7 أكتوبر سنة 1849م، وهو من أوائل من كتبوا القصة القصيرة التي تقوم على أفكار التحري في الأدب الأمريكي، ويعتبر من رواد هذا الشكل من السرد الذي كان يعتبر في ذلك الوقت شكلا من أشكال الخيال الأدبي.

ويشير المؤلف إلى حالة الجدل في الأوساط الأدبية والنقدية التي تركها “إدجار آلان بو”، حيث لا يوجد في تاريخ الأدب الأمريكي الحديث من انقسمت حوله الآراء بشدة فيما يتصل بتقييم ما قدمه من إبداعات بقدر ما انقسمت الأوساط الأدبية والنقدية حول “إدجار آلان بو”.

حيث انقسم النقاد والأدباء في أمريكا ودول غربية أخرى حول “إدجار آلان بو” إلى فريقين، يتبنى كل فريق وجهة نظر معاكسة للفريق الآخر، فالفريق الأول وجد في “إدجار آلان بو” أديبا فريدا صاحب عبقرية تكاد ترتقي به إلى مصاف العباقرة الذين يعدون على الأصابع في التراث العقلي للإنسانية.

بينما رأى الفريق الآخر أن “إدجار آلان بو” كاتب لا قيمة له، وأنه يتصنع أساليب مملة في الحوار المرتبط بأعماله الأدبية بشكل يبتعد به عن الأسلوب الذي يتكلم به عامة الناس، واعتبر هذا الفريق أن “إدجار آلان بو” لا يكتب إلا لغير الأسوياء والمرضى والشواذ.

قصص بوليسية

لكن مع ذلك، فإنه لا يمكن أن ينكر منصف أن “إدجار آلان بو” نجح في أن يرسم حدودا لتطور القصة القصيرة بين عهدين، هما عهد ما قبل “إدجار آلان بو” وعهد ما بعد “إدجار آلان بو”، فمن الناحية العملية والتطبيقية تطرق “إدجار آلان بو” إلى جميع ألوان القصة القصيرة وأصنافها، فتنوعت قصصه بين قصص الخيال الأدبي، والقصص البوليسية، وقصص الجريمة، وقصص الرعب والفزع، وقصص المخاطر والمغامرة، وفي كل قصة من هذه القصص قدم “إدجار آلان بو” دورا يحتذي به من بعده.

وفي ضوء ذلك، يعرض المؤلف إلى ما تأثرت به القصة القصيرة العربية بما قدمه “إدجار آلان بو”، حيث يشير المؤلف إلى أن القصة القصيرة في الأدب العربي هي في الأساس فن جديد على الأدباء العرب، فبخلاف الشعر والمقامة والقصص الحماسية، فإن القصة القصيرة لم يكن لها جذور في الأدب العربي القديم.

وفي هذا السياق، يشير المؤلف إلى أن “إدجار آلان بو” ترك أثرا عميقا على كثير من الكتاب العرب الذين كتبوا القصة البوليسية، بالنظر إلى أن “إدجار آلان بو” يُعتبر من مؤسسي القصة البوليسية في الأدب العالمي الحديث، بل إن النقاد يجمعون على أن ” إدجار آلان بو” هو أول من كتب القصة البوليسية بشكلها الحديث.

ومن النماذج التي يشير لها المؤلف فيما ذهب إليه من رصد تأثير “إدجار آلان بو” على الأدب العربي الحديث والمعاصر فيما يتعلق بكتابة القصة البوليسية، ما كتبه كل من غسان كنفاني الذي كتب القصة البوليسية “من قتل ليلى حايك”، وروايات ميلودي حمدوشي “أم طارق”، و”دموع من دم”، و”مخالب الموت”، فضلا عن روايات صالح مرسي حول الجاسوسية مثل روايات “كنت جاسوسا في إسرائيل”، و”رأفت الهجان “، و”الحفار”.

لكن مع ذلك، فإن المؤلف يشير في هذا الصدد إلى أن القصة البوليسية أو ما يمكن أن يطلق عليه وصف “الأدب البوليسي” في الأدب العربي، وحتى الأدب الإنساني بشكل عام، يعود في جانب منه إلى أصول تاريخية تنتمي إلى الحضارة الإسلامية، وخاصة الكتاب العربي الأسطوري في مجال السرد “ألف ليلة وليلة”، حيث تظهر في هذا الكتاب إشارات واضحة لما يمكن اعتباره بشكل صريح قصة بوليسية أو أدب بوليسي يدور حول الجريمة والبحث عن الجاني، ومن أمثلة هذه القصص التي وردت في كتاب ألف ليلة وليلة، ويمكن اعتبارها شكلا من أشكال التأثير الثقافي المتبادل بين الحضارات، حكايات التفاحات الثلاث، واللص والتاجر، وعلي كوجيا، وأمير اليمن وأبناؤه الثلاثة، وغيرها من قصص تتسم بسمات الرواية البوليسية.

اقرأ/ي أيضًا| استلهامات "ألف ليلة وليلة"

جدير بالإشارة أن كتاب “تأثير إدجار آلان بو في الأدب العربي الحديث” للدكتور هاني اسماعيل محمد رمضان ، صدر عن  الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ويقع في نحو 246 صفحة  من القطع الكبير.

التعليقات