الذئاب لا تنسى: عن الديكتاتورية السياسية والتطرف الديني

قد لا تتسع مخيلة الأدباء والكتّاب لسرد أحداث أكثر من خمس سنوات من الحرب في سورية، والمثقلة بحكايا حبرها دم وتختلف عن غيرها من الروايات بأن لا نهاية واحدة لها، إنما نهايات متعددة لشكل الموت.

الذئاب لا تنسى: عن الديكتاتورية السياسية والتطرف الديني

قد لا تتسع مخيلة الأدباء والكتّاب لسرد أحداث أكثر من خمس سنوات من الحرب في سورية، والمثقلة بحكايا حبرها دم وتختلف عن غيرها من الروايات بأن لا نهاية واحدة لها، إنما نهايات متعددة لشكل الموت.

والمأساة المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، والتي أدّت إلى مقتل أكثر من 250 ألف شخص، تنتج يوميًا عشرات أو ربما مئات المشاهد والصور والأحداث التي لا يستنبطها كاتب بل تولد جاهزة وحاضرة من وحي الألم اليومي.

ومن بين الحكايا، تخرج رواية الكاتبة السورية لينا هويان الحسن، التي تحمل عنوان 'الذئاب لا تنسى' مستحضرةً فيها أرواحًا كثيرة، جرفها المد الحزين على الأرض السورية.

وفي الرواية الصادرة حديثًا عن دار الآداب في بيروت، تقدّم المؤلفة واقع البدو والبادية السورية في ظل سيطرة الجماعات المسلحة، مستندةً إلى روح الذئاب الحرّة، كرمز لأسى أصاب الأمهات من جراء الفقد اليومي للأبناء.

وكانت لينا هويان الحسن، التي تنتمي إلى قبيلة الجميلة القيسية التغلبية قد ولدت عام 1977 في بادية حماة في غرب سورية، ونشأت وتعلمت هناك، ولذلك، فهي كتبت أول النصوص الروائية عن البادية السورية وكرست لها عدة أعمال مثل 'معشوقة الشمس' و'مرآة الصحراء' و'بنات نعش' و'سلطانات الرمل' و'رجال وقبائل'.

ولم تكتفِ الكاتبة بتسليط الضوء على عوالم البادية السوريّة، إنما على عموم صحارى الشرق الأوسط، حيث امتدت الرقعة الجغرافية التي تناولتها أعمالها إلى بوادي وصحارى الأردن والعراق ونجد.

وهي تشير إلى أنها تكتب عن المشروع الصحراوي دونما تقديس أو تدنيس، كما يفعل الأدب دائمًا: إزاحة الستار عن المخبوء والمخفي، وفي نفس الوقت، ضرورة التدوين لمجتمع يزول ويتلاشى أمام طور عالمي جديد يفرض قيما جديدة وأنماط عيش مختلفة.

واستنادًا إلى الذاكرة الصحراويّة، تورد المؤلفة في كتابها أن الذئب يعوي حزنًا على فقد أنثاه، بينما الذئبة تطلق عواء الحزن عندما تفقد وليدها.

وتربط الكاتبة، التي أجبرتها الحرب على النزوح مع عائلتها إلى لبنان، عواء الذئبة ببكاء أمها على شقيقها ياسر، الذي اختطف وقتل ظلما خلال الحرب الدامية الدائرة في سورية، والتي طالت عمق البادية السورية.

ويشكل مقتل ياسر بداية لسرد عن تقاليد وعادات متناقضة مع أبسط حقوق الإنسان تجاه النساء، حيث تسلط الكاتبة الضوء على عادة قتل الإناث باسم الشرف لمجرد أن الفتاة فكرت في اختيار شريكها.

ومن هنا، اشتهرت بادية الشام بالآبار والمغارات التي حُفرت في عهد الرومان، ومع الوقت، حولها البدو إلى مدافن لفتيات يُقتلن باسم الشرف وصارت جثثهن في آبار حملت أسماء القتيلات.

وسيكتشف القارئ أن النظرة الشرقية للشرف لا تزال تحت رحمة مجتمع ذكوري يأبى تغييرها. كما أنها تقع تحت سلطة الاستبداد السياسي، الذي أبرم اتفاقيات مستترة مع العنف الديني المتطرف.

يتنوّع السرد في هذا الرواية بين حاضر وماضٍ، كليهما مر وحزين حيث تستعيد الكاتبة قصة الشابة الأيزيدية، التي هربت من جبل سنجار بدافع الحب قبل ثلاثين عامًا، فلاقت حتفها على أيدي أهلها إضافة إلى شخصية 'ونسة' الأيزيدية التي تواجه المصير نفسه.

كما تعرض الكاتبة قصة 'خاتون عمشة'، وهي ابنة شيخ عشيرة كبيرة وقعت في غرام قائد فرنسي وقتلت قبل زمن طويل. وحاولت الكاتبة رسم ملامحها المحتملة وقد تحولت 'خاتون' لاحقًا إلى مسلسل تلفزيوني عرض في شهر رمضان الماضي.

اقرأ/ي أيضًا | 'ُثورة مصر' لعزمي بشارة: قراءة في تاريخها منذ جمهورية يوليو

وتسعى الكاتبة لينا هويان الحسن من خلال روايتها إلى مناهضة العنف والتطرف الديني والدكتاتورية السياسية، من خلال سرد قصصي يتجه إلى تحديد المسؤولية لجميع الأطراف المتقاتلة في سورية، فهي تلامس نقد 'الثورات' ولا تتوانى عن مهاجمة من أسمتهم 'سارقي الثورات' وتعرج على الطريقة المستفزة التي تعامل بها الضباط المنشقون مع الضباط القدامى في سورية، ما أدى إلى اشتباك سياسي وأمني.

وتقول الكاتبة في روايتها إنها تكتب 'من بين أسنان الماضي لتستدعي حكايات كثيرة. إنها وحوش التذكر دفعتني لأقتلها على أرض الكلمات عل الورق يشفي قليلا من الحزن'.

التعليقات