أول ثورة على الإقطاع

كمثال على الثورات التي استشهد بها المؤلف ليثبت فكرته بأن الشعب المصري لم يكن يتوان عن الثورة ضد الأنظمة الفاسدة أو الظالمة، أشار المؤلف إلى أكثر من ثورة قام بها المصريون على مر التاريخ، ومن هذه الثورات الثورة الأولى على الإقطاع

أول ثورة على الإقطاع

في كتابه “أول ثورة على الإقطاع″، يعتبر المؤلف محمد العزب موسى أن الشعب المصري من أوائل الشعوب التي عرفت وأدركت الثورات الشعبية ضد الظلم والطغيان، ويحاول المؤلف في هذا الصدد أن يبدّد الفكرة التاريخية السائدة التي تقول إن المصريين بصفة عامة هم شعب مستكين، ويفضّل الاستقرار في ظل الظلم، حتى لو تعرّض هذا الشعب لكثير من أوجه عدم العدالة وعدم الإنصاف.

وكمثال على الثورات التي استشهد بها المؤلف ليثبت فكرته بأن الشعب المصري لم يكن يتوان عن الثورة ضد الأنظمة الفاسدة أو الظالمة، أشار المؤلف إلى أكثر من ثورة قام بها المصريون على مر التاريخ، ومن هذه الثورات الثورة الأولى على الإقطاع، وهي ثورة اعتبر المؤلف أنها وضعت حداً لحقبة كاملة من التاريخ المصري القديم، وفتحت الباب نحو تحقيق قدر كبير من الكرامة الإنسانية للمواطنين المصريين وحرياتهم الدينية، بجانب ثورات أخرى شهدها التاريخ المصري القديم، مثل ثورة الشعب المصري ضد الهكسوس الذين احتلوا مصر وأمعنوا في ظلم أهلها لفترة طويلة، ثم ثورة إخناتون الدينية التي يقول الكاتب إنه كان في الإمكان أن تحقّق تغييراً في تاريخ البشرية لو كتب لها النجاح، بجانب ثورات المصريين ضد الاحتلال الآشوري التي عُرفت باسم ثورة باسماتيك، وثورات المصريين ضد الفرس وضد الرومان، ثم ضد المحتل التركي والغازي الفرنسي، بالإضافة لثورة المصريين ضد الاحتلال الإنجليزي، ويبرز المؤلف أيضاً ثورة 1919 بزعامة سعد باشا زغلول، وثورة 23 يوليو التي قادها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وعلى الرغم من أن المؤلف بنى كتابه على برديات قديمة لشخصيات تاريخية عايشت الثورات التي شهدتها مصر الفرعونية القديمة مثل البردية المعروفة بـ(نبوءات الحكيم إيبور)، وهي بردية أعطت أدلة تاريخية على وقوع ثورة شعبية عارمة في أرض مصر خلال فترة لم يكن من المؤكد فيها من الناحية التاريخية وقوع ثورات خلال حقبة التاريخ المصري الفرعوني في هذه الفترة، إلا أن هذه الوثيقة التاريخية أكدت وقوع هذه الثورة قبيل تأسيس الأسرة الفرعونية الحادية عشرة في سنة 2132 قبل الميلاد.

تصف الوثيقة التي يطلق عليها (نبوءات الحكيم إيبور) رجلاً حكيماً يُسمى إيبور، يخترق عزلة الملك الفرعوني الذي كان يعيش في ذلك الوقت معزولاً خلف أسوار قصره، ليحكي له عن وجود ثورة شعبية عارمة دمرت بنيان الدولة وقضت على هيبتها، وهدمت جميع مؤسسات الحكومة ودواوينها في ذلك الوقت.

يسرد الحكيم إيبور الظروف التي رافقت الثورة، فيقول: إن الأمن غاب عن المجتمع، ونهب اللصوص بيوت النبلاء، وهجر الفلاحون الأرض بعد أن غاب الأمن عن البلاد، بل إن نبيلات الأسرة المالكة اضطررن لبيع أجسادهن للحصول على مال لشراء الطعام.

إلا أن أخطر ما تشير له هذه الوثيقة هو أن انهيار مؤسسات الدولة وغياب الأمن عن البلاد، أديا إلى تردي الحالة النفسية للمصريين وانتشار الإلحاد بعد أن فقد الناس ثقتهم بالآلهة، ومنذ فترة تاريخية مبكرة تعود للحقبة الفرعونية لم يكن شعباً خاضعاً للظلم.

وبخلاف ذلك، فقد استولى اللصوص على خزائن قصور الأمراء والنبلاء، ونهبوا المقابر القديمة لكبار رجال الدولة، بل تعرّضت البرديات التي تحوي التعويذات المقدسة للابتذال، ولم تعد لها فائدة بعد أن امتهنها العامة، وحتى كنوز المعابد تعرّضت للنهب وفقدت قدسيتها التي كانت تمثّل رمزية الدين والتديّن لدى المصريين.

وعلى الرغم من محاولة المؤلف في كتابه الاستناد إلى ما جاء في البردية التاريخية التي استند لها للتأسيس للفكرة الأساسية في كتابه، وهي أن المصريين انخرطوا في ثورة شعبية مبكرة ضد الإقطاع والظلم، إلا أن المؤلف محمد العزب موسى، وقع في خطأ علمي ومنطقي، وحمّل الأحداث التاريخية فوق ما تحتمله عندما ذهب تحت تأثير أفكاره الاشتراكية، إلى أن ثورة المصريين في ذلك الوقت المبكر من تاريخ الحضارة الفرعونية القديمة اتسمت بملامح اشتراكية، على اعتبار أنها كانت ثورة طبقية قام بها فقراء المصريين ضد الأغنياء منهم، بل لم يتوان المؤلف عن الإشارة في كتابه وفي معرض توصيف هذه الثورة المصرية القديمة إلى أنها لم تكن بعيدة عن أفكار كارل ماركس المؤسس للاشتراكية العلمية.

بل إن المؤلف يصف كاتب الوثيقة الأساسية التي يعتمد عليها في كتابه، وهو الحكيم إيبور، بأنه هو نفسه كتب عن الثورة المصرية القديمة في هذه الفترة المبكرة من تاريخ مصر من وجهة نظره التي وصفها المؤلف بأنها نظرة طبقية، نظرت للثورة الشعبية التي قام بها المصريون في ذلك الوقت على أنها مجرد أعمال فوضى وسرقة ونهب، وإن امتزجت بحركة احتجاجية واسعة من جانب الشعب المصري ضد المظالم التي كان يتعرّض لها خلال هذه الفترة التاريخية المبكرة من تاريخ مصر الفرعوني.

في كل الأحوال فإن المؤلف نجح فعلاً في تقديم أكثر من دليل تاريخي على أن مصر الفرعونية القديمة عرفت الثورة، وأن المصريين لم يكونوا ذلك الشعب الذليل الذي يستكين للظالم حتى لو صبر عليه طويلاً، على الرغم من أن المؤلف يخلص في نهاية كتابه إلى أن السمة الغالبة للثورات المصرية هي أنها ثورات لا تكتمل للنهاية، بالرغم من أنها قد تنجح في تحقيق قدر كبير من أهدافها التي قامت لأجلها.

لكن مع ذلك، فإن ثورات المصريين ضد الطغاة من حكامهم في فترات تاريخية مختلفة، نجحت على الدوام في تجديد دماء المجتمع المصري على مختلف عصور تاريخ مصر، وتحريك المياه الراكدة في البلاد، ونجحت أيضاً في تجديد حيوية الشعب المصري بعد كل فترة ركود يتعرّض خلالها للظلم والقهر، والتأسيس لفترة تاريخية تالية يستكمل فيها المصريون بناء حضارتهم التي عرفتها الإنسانية عبر التاريخ.

اقرأ/ي أيضًا| الذئاب لا تنسى: عن الديكتاتورية السياسية والتطرف الديني

جدير بالتنويه أن كتاب “أول ثورة على الإقطاع” للكاتب محمد العزب موسى ، صدر ضمن إصدرات مكتبة الأسرة، ويقع في نحو 160 صفحة من القطع المتوسط.

التعليقات