"الشاعر الطبال... ناسك الجبل"

أن يكتب شاعر وناقد شاب عن أحد أهم رواد الشعر المغربي، ويوثق ذلك بمحبة كبيرة في كتاب حواري، لهو اعتراف وتقدير قل نظيرهما في السنوات الأخيرة.

"الشاعر الطبال... ناسك الجبل"

أن يكتب شاعر وناقد شاب عن أحد أهم رواد الشعر المغربي، ويوثق ذلك بمحبة كبيرة في كتاب حواري، لهو اعتراف وتقدير قل نظيرهما في السنوات الأخيرة؛ لأننا بتنا نشهد تمردًا من الجيل اللاحق في الإبداع والأدب على الجيل السابق، ليس في الرباط فحسب، بل في العالم بأسره.

فقيمة الاعتراف والإشادة بالتجارب السابقة صارت عملة نادرة؛ لهذا نرى الكاتب والشاعر عبد اللطيف الوراري 'المُحاوِر'، قد أصدر كتابه 'الشاعر عبد الكريم الطبال.. ناسك الجبل'، بتقديم ركّز فيه على الغاية من الحوار وملابساته، وعلى تنوع عناصره وغناها بالنظر إلى ثراء تجربة الشاعر عبد الكريم الطبال 'المُحاوَر'، في الشعر والحياة من جهة، وإلى قيمة منجزه وتطوره في تاريخ الشعرية المغربية الحديثة.

وهو ما كشف عنه الوراري في حديثه، حيث يقول، إن 'عبد الكريم الطبال ليس شاعرًا وواحدًا من رواد الشعر المغربي وحسب، وإنما هو معلم ومثقف من الطراز الرفيع، بقي بعيدًا عن مغريات السلطة وقريبًا من الإنسان، ولذلك نفهم سر محبة الناس له في بلدته (شفشاون/ شمال المغرب) ووطنه، وندرك معنى أن يكون بيننا بضوئه إلى يوم الساعة هذا'.

ويضيف أن الطبال، انصرف مبكرا إلى كتابة الذات، ولم يقع في شرك الأيديولوجيا الحزبية التي وقع فيها عدد من معاصريه من الشعراء والأدباء المغاربة، وكانت 'هذه الذات إشراقية والقصيدة التي يكتبها معراجية؛ ما جعل شعره يأبى على التصنيف والارتهان لمرحلة زمنية معينة'.

تمتد التجربة الشعرية لـ'الطبال'، مواليد 1931، إلى ما يقرب من ستة عقود، حافظ فيها الشاعر المتواضع على روحه الطفولية، وعلى نسق القصيدة الجميلة الرقراقة كماء مدينته الأثيرة ومسقط رأسه شفشاون، التي جعل منها محجا للشعراء المغاربة في كل موسم، حيث تحتضن بشكل سنوي 'المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث' (تم عقد دورته الـ31 يومي 14و15 أبريل/ نيسان الماضي)، الذي تنظمه 'جمعية أصدقاء المعتمد بن عباد'.

ولم يكن المهرجان حكرًا على الأسماء المعروفة، بل كان يعرف حضور أسماء شابة تتلمس طريقها على كتابة القصيدة، وهي أسماء يتابعها الشاعر الطبال، ويقرأ لها بمحبة كبيرة، ويقرأ لتجارب عربية وغربية، ويعلق عليها حتى في موقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارا بالمغرب والعالم 'فيسبوك'، عكس مجموعة من الشعراء المغاربة والعرب المعروفين، الذين تغلب عليهم الأنا، ويقصون الجيل اللاحق قبل التعرف على إنتاجه.

ولهذا السبب، ولكون قصيدة الشاعر الطبال، حداثية وذات جاذبية خاصة، تستثمر التفاصيل اليومية الصغيرة، وتتجاوز ما هو سائد، فقد انكب العديد من الباحثين العرب والمغاربة على الاهتمام بتجربته الشعرية المتميزة، التي راكم فيها حوالي عشرين ديوانًا شعريًا، جمعتها وزارة الثقافة المغربية في كتاب تحت عنوان 'الأعمال الشعرية الكاملة'، صادرة عام 2000 في جزئيين، وهي في الحقيقة غير كاملة؛ لأن الشاعر ما زال ينتج، ويكتب يوميًا، ولم تنقطع قصيدته إلى اليوم عن التجديد والحداثة، بل إنه أصدر عام 2004 سيرته الذاتية الطفولية 'فراشات هاربة'.

وهكذا، يأتي هذا الكتاب/ الحوار مع الطبال، ليكون امتدادًا لسيرته الذاتية وتنويعا لها، فهو من جهة يذكر فيه معطيات وأحداث وتفاصيل جديدة تخص حياته الشخصية، وتجربته الشعرية الخصيبة، ونشاطه المهني والثقافي (أستاذًا، ومفتشًا تربويًا، وفاعلًا في جمعية أصدقاء المعتمد)، ومن جهة أخرى يقدم فيه رؤيته الخاصة لقضايا الشعر والسياسة والمجتمع والثقافة، وهو ما جعل الناقد الوراري ينعته بـ'حوار بوليفوني (متعدد الأصوات)، شخصي وعام، شعري وثقافي، حوارٌ بقدر ما نلمس من خلاله لهجة الصدق والعفوية التي تطبعه، فإننا نلمس أيضا بساطة الشاعر في حياته ومعيشه ولغته، وكبرياءه على ميدان السلط والخطابات الديماغوجية، وثراءه في رؤيته إلى الذات والعالم'.

ويتطرق هذا الكتاب الحواري، الصادر عن 'دار سليكي أخوين' بمدينة طنجة ، بدعم من وزارة الثقافة، والواقع في 132 صفحة من الحجم المتوسط، إلى مفاصل مهمة من حياة هذا الشاعر المغربي الرائد وسيرته وتجربته الشعرية، الموثقة بصوره الشخصية ونماذج من الحوار بخطّ يده، وبيبليوغرافيا بأبرز أعماله الإبداعية، وذلك عبر أربعة فصول، عن 'الطفولة، بيت العائلة وسنوات التعلُّم الأولى'، و'خارج شفشاون، داخل شفشاون: طريق البحث ذهابًا وإيابًا'، و'العودة إلى النبع، العودة إلى الذات: الشِّعر بلا رجعة'، و 'مصادر التجربة وأصلها وامتداداتها'.

وينتمي الشاعر الطبال إلى جيل الستينيات، ويعتبر المؤسس لحداثة الشعر المغربي.

ودرس الرجل بجامعة القرويين في مدينة فاس، وبعدها التحق بالمعهد العالي لتطوان، وحصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية، ثم اشتغل بالتعليم الثانوي قبل أن يتقاعد.

صدرت له مجموعة من الأعمال الشعرية، بدءً بـ 'الطريق إلى الإنسان' (1971)، ومروراً بـ 'الأشياء المنكسرة' (1974)، و'البستان' (1988)، و'عابر سبيل' (1993)، الذي حصل من خلاله على جائزة المغرب للكتاب في صنف الشعر لعام 1994، وهي الجائزة التي توّج بها أيضا هذا العام (2016) عن ديوانه الشعري 'نمنمات'، وقبلها عام 2004، حاز على جائزة 'تشيكايا أوتامسي' عن مجموع أعماله في مهرجان أصيلة الثقافي (ينظم سنويًا بمدينة أصيلة، شمالي المغرب).

وعبد اللطيف الوراري شاعر وناقد مغربي، من مواليد عام 1972 بالجديدة، حاصل على شهادة الدراسات المعمقة في الأدب الحديث/ تخصُّص الشّعر في موضوع 'المغامرة العروضيّة في الشعر العربي الحديث'.

وصدرت له خمسة دواوين شعرية هي: 'لماذا أشْهَدْتِ عَليَّ وعــد السحاب؟' (2005)، و'تريــاق' (2009)، و'ذاكرة ليوم آخر' (2013)، و'من عُلوِّ هــاوية' (2015)، و'وارثًا صمت الأخاديد' (2016).

اقرأ/ي أيضًا | فن الخط العربي: المدرسة العثمانية

وصدر له في النقد: 'تحوُّلات المعنى في الشعر العربي' (2009)، و'نقد الإيقاع: في مفهوم الإيقاع وتعبيراته الجمالية وآليّات تلقّيه عند العرب' (2011)، و'الشعر والنثر في التراث البلاغي والنقدي' (2013)، و'في راهن الشعر المغربي: من الجيل إلى الحساسية' (2014).

التعليقات