ألبير قصيري وغزة في القلب... روايتان وثائقيتان

تدور أحداث الرواية الأولى حول الكاتب المصري الراحل ألبير قصيري، الذي كان يكتب باللغة الفرنسية ، ولذا لم يكن معروفا في الأوساط الثقافية العربية

ألبير قصيري وغزة في القلب... روايتان وثائقيتان

“ألبير قصيري وغزة في القلب”، كتاب صدر في القاهرة مؤخرا  للكاتبة أمل خالد وهو عبارة عن روايتين وثائقيتين اثنتين، تميل إحداهما للتوثيق التاريخي عن حرب غزة، ثم تدخل الرواية في الأحداث كراو مشارك في الأحداث، ثم ينتقل الراوي لسيرته الذاتية وتحركاته في العاصمة المصرية القاهرة، مع استدعاء شخصيات تاريخية وأدبية وعلمية وأسماء مفكرين.

أما الرواية الثانية فتعد امتدادا للرواية الأولى، وتطرقت المؤلفة من خلالها إلى رصد الواقع العربي، وما يتعلق بصفة خاصة بالقضية الفلسطينية، بما يتضمن ذلك من اضطهاد وقمع سياسي سواء من الآخر الإسرائيلي، أو من الشقيق العربي.

ورغم أن الروايتين جاءتا في صورة أقرب للسيرة الذاتية والسرد التسجيلي، إلا أن اللغة في كل من الرواية الأولى جاءت دقيقة لتناسب دقتها، على عكس ما حدث في الرواية الثانية، حيث جاءت اللغة أكثر اتساعا للدلالة والميل للتصوير المجازي، حيث عبرت المؤلفة من خلال أحداث وشخوص وأماكن هذه الرواية عن سيرتها الذاتية.

ألبير قصيري

وتدور أحداث الرواية الأولى حول الكاتب المصري الراحل ألبير قصيري، الذي كان يكتب باللغة الفرنسية ، ولذا لم يكن معروفا في الأوساط الثقافية العربية، وتحاول المؤلفة من خلال سرد يجمع بين التوثيق والكتابة العربية أن تقدم للقارئ العربي ما يمكن وصفه بالسيرة الذاتية لهذا الكاتب المصري الذي أطلق عليه النقاد في الغرب وبعض النقاد العرب الذين قرأوا له بالفرنسية ألقابا كثيرة منها: فولتير النيل، وأوسكار وايلد الفرنسي، وباستر كيتون العربي.

وشخصية ألبير شخصية غريبة تتناسب مع فلسفته في الحياة، فعلى الرغم من أنه عمل لفترة قصيرة من حياته في البحرية ما بين عامي 1939م و1943م، إلا أنه لم يكن يؤمن بالعمل، وكان يعيش على إيرادات الأملاك التي ورثها عن أسرته، وكان يقول إنه لم ير أحدا من أسرته يعمل، وكان كل أفراد عائلته يعتنقون نفس الفكرة ويعيشون على عائدات الأراضي والأملاك، ومن الأقوال المشهورة عنه: “حين نملك في الشرق ما يكفي لنعيش منه لا نعود للعمل بخلاف الأوروبيين، فهؤلاء حين يملكون الملايين يستمرون في العمل لتحقيق المزيد من الكسب”.

وكان من أفكار ألبير قصيري الغريبة أيضا أنه كان يكره التملك ويقول: “الملكية تجعل منك عبدا” بالرغم من أنه ينتمي لعائلة تشتهر بملكية الأراضي والعقارات، ولذلك فقد رفض ألبير قصيري طوال حياته أن يمتلك مسكنا، وفضل أن يعيش في غرفة في فندق بالعاصمة الفرنسية باريس حتى وفاته، بعد أن أصيب بسرطان الحنجرة، وفقد القدرة على النطق بعد استئصاله حنجرته، فاضطر لأن يجيب على أسئلة الصحفيين عن طريق الكتابة على الورق.

وعلى الرغم من أن قصيري عاش فترة طويلة من حياته خارج مصر ومات خارجها أيضا  ولم يكتب بالعربية، إلا أن مؤلفة الكتاب تعتبر أن سيرة ألبير هي “سيرة وطن”.

ولم يكن ذلك غريبا على ألبير الذي زار القاهرة في فترة تزامنت مع عرض الفيلم المصري “شحاتين ونبلاء”، المأخوذ عن روايته “شحاذون ومتكبرون”، بعد أن ترجمها المترجم المصري محمود قاسم للعربية، وكان ذلك في عام 1992م، وسئل ألبير قصيري عن رؤيته للقاهرة بعد غياب عنها استمر 60 عاما، فأجاب: لم أغادر القاهرة حتى الآن.. مازلت هنا.

وتميز ألبير طوال حياته بأنه لم ينشر أكثر من رواية واحدة مع كل عقد من السنين، وكان يعتبر كل كتاب يصدر عنه بمثابة جوهرة ثمينة تحتفي بنمط الحياة في الشرق، خاصة حياة البؤساء المتسلحين بخفة الدم التي كان ألبير قصيري يعتبرها نوعا من الحكمة.

غزة في القلب

أما في الجزء الثاني من الكتاب فيتضمن رواية “غزة في القلب”، فتعبر المؤلفة عن تعاطفها وتضامنها مع قطاع غزة الذي تعرض لهجوم إسرائيلي وحشي وقصف جنوني بالمدفعية الإسرائيلية وطيران الجيش الإسرائيلي.

وتقول المؤلفة: إن روايتها “غزة في القلب” هي مشروعها الروائي الثالث بعد “أوراد مصرية” و”ولد وبنت”، وفي سابقة يندر أن تصدر عن مؤلف خاصة فيما يتعلق بالكتابة الإبداعية، فإن المؤلفة تعترف بأن (بعضكم) في إشارة صريحة ومباشرة للقراء أو للنقاد لم تكن موفقة في التجربتين السابقتين، لذلك فهي حاولت قدر المستطاع – على حد قولها – أن تتجنب الأخطاء التي وقعت فيها خلال هذين العملين عندما بدأت في كتابة الرواية القصيرة “غزة في القلب”.

كما أقدمت المؤلفة في روايتها على تجربة فريدة في الكتابة الروائية، وهي أن تقدم الرواية بمقدمة عن ملامحها وشخصها وبعض طباعها، وما تشعر به من مشاعر وأحاسيس إنسانية قبل أن تبدأ في كتابة الفصل الأول من روايتها، بل إن القارئ يلمح في هذه المقدمة بعض مشاهد المعاناة الشخصية التي تمر بها المؤلفة في حياتها الشخصية.

وتقول المؤلفة: “في البدء كان القلب يخفق لكل ما هو جميل: الحب، الأصدقاء، خلاصة الجمال وروحه، والجمال يتمثل في الحب مع أناس تتسع قلوبهم لي، ويطير قلبي فرحا بلقائهم، والحب ذلك السؤال الإشكالية: هل انفعال العقل بمن أحب يمد القلب بالخفقان والحركة الحرة بعيدا عن الاكتئاب واليأس والمرض؟”

وتضيف : “إني أعتقد أن المرح الذي يمنحه الحب لملامحي ودمي يباعد بيني وبين شيخوخة العمر المتقدم يوما بعد يوم، حتى وإن غفل حبيبي عني ولم يعد ما تبقى لي من مشاعره أو من وقته يكفيني، فجف نبعه وتشاغل بكل ما هو غير مشترك بيني وبينه، حتى الشعر يتخلى عنه فصار فارسا بلا جواد”.

جدير بالإشارة، أن كتاب “ألبير قصيري وغزة في القلب” ، صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة ، ويقع في نحو 152 صفحة من القطع المتوسط .

اقرأ/ي أيضًا| هاري بوتر يلقي بتعويذاته على الجزء الثامن

التعليقات