"الحركي": العميل يتحدث لأول مرة منذ الثورة الجزائرية

"الحركي" هو اسم يطلق على جزائريين خدموا الجيش الاستعماري الفرنسي خلال ثورة التحرير الجزائرية بين عامي 1954 و1962.

"الحركي": العميل يتحدث لأول مرة منذ الثورة الجزائرية

يطلّ الكاتب والروائي الجزائري، محمد بن جبار، على المشهد الأدبي العربي والجزائري، برواية جديدة تحت عنوان 'الحركي'؛ أي 'العميل' أو 'الخائن”.

ويطرح المؤلف ثنائية الخيانة والشرف خلال الثورة التحريرية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962).

وصدرت رواية 'الحركي' في شهر أيلول/سبتمبر المنصرم عن منشورات 'القرن الـ21' الجزائرية، في 252 صفحة من الحجم المتوسط، تمثل 12 فصلا بمقدمة مثيرة للناشر جاء فيها: 'أخيرا تحدث بصوت قوي ذلك الخائن العميل (الحركي) المهان في أعرافنا، والذي لم نسمح صوته الداخلي منذ ستين سنة، لم نطلب منه توضيحاً ولا تبريراً، ولم نتساءل حتى عن ظروف وشروط خيانته لوطنه”.

و'الحركي' هو اسم يطلق على جزائريين خدموا الجيش الاستعماري الفرنسي خلال ثورة التحرير الجزائرية بين عامي 1954 و1962.

ويؤكد مؤرخون أنه بعد استقلال الجزائر عام 1962 غادر إلى فرنسا نحو 60 ألف من 'الحركي' وعائلاتهم مع الجيش الاستعماري، فيما بقي، حسب تقديرات غير رسمية، ما بين 55 و75 ألفاً منهم في الجزائر؛ حيث تعرضوا لأعمال انتقامية.

وتقول وسائل إعلام فرنسية إن 'الحركي' وعائلاتهم يشكلون اليوم جالية معتبرة في فرنسا تُشكل نحو نصف مليون شخص.

وعن روايته، يقول الكاتب محمد بن جبار، للأناضول: 'أردت في هذه الرواية استنطاق المحظور من ذاكرة الجزائريين، بالتوغل في المسكوت عنه بجرأة غير مسبوقة، وباستفزاز الذاكرة الجماعية ضد النسيان الذي طال الحركي، الذي يعيد النظر في ثنائية الشرف والخيانة”.

ويضيف بن جبار أنّه 'تغلغل في نفسية هذا الحركي، واستنطق روحه وأفكاره وقدره البائس بجرأة عالية، ولغة منحوتة في قلب رجل على حافة العمر، تلفت وراءه فلم يجد سوى الخراب الذي كان لابد أن يعطيه كي لا يذهب سدى”.

ويشير إلى أنّ ما نجح فيه من خلال هذا العمل هو التسلل إلى أعماق 'أحمد بن شارف' (بطل الراوية)؛ ذلك 'الحركي' الذي ولد عام 1936 في غليزان، غربي الجزائر، والذي يعيش حاليا في مدينة دنكيرك، شمالي فرنسا، بعد تقاعده عن الجيش الفرنسي.

ويقول 'بن شارف' في مذكراته (حسب ما نقل عنه بن جبار في روايته): 'بصفتي شبه عسكري تقاعدت سنة 1988 بطلب مني، وضعت حداً للجندية، رحلت مثل آلاف الجزائريين (الحركي) والفرنسيين واليهود إلى فرنسا، اخترت الرحيل، لم يكن لي خيار آخر، لم أتردد لحظة في توديع هذا البلد، لولا أمي التي جعلتني أفكر قليلاً وأتريث في قرار الرحيل وألتفت قليلا إلى الوراء، لكني رحلت، اخترت مصيري، في حين كثير من أقراني لم يحصل لهم شرف تحديد مواقفهم، اخترت فرنسا، أحببتها، تشربت روحها، اعتنقت أفكارها، تكلمت لغتها وتجنست، استفدت من الرعاية والامتيازات الاجتماعية والمهنية والصحية”.

ويمضي بطل الرواية قائلاً: 'أنا الآن تحت رعاية مدام (فاني بوركي) بالديوان الوطني لقدماء المحاربين، وقد أصبت بأمراض الشيخوخة، وقد شجعتني على كتابة مذكراتي عن الجزائر، تجسيداً للذاكرة والتاريخ في مساعيها لأجل التخفيف من التوتر الذي ينتابني في أوقات عزلتي، ساعدتني كثيراً في كتابة هذا النص، ورافقتني طيلة سنتين ونصف السنة من الإشراف المباشر ومناقشة كل فقرة من فقرات المخطوط دون أن تتدخل في كتابته أو في التغيير الذي طرأ عليه، تعمدت أن أتخلص من جزائريتي ليس انتقاما أو كرها، أريد أن لا يكون هناك حنين، لم أوفق بعد”.

ويذكر مؤلف الرواية أنّه قدمّ الصورة الحقيقية للحركي، كما هي مرسومـة في مخيلة الجزائريين، لكن الفرق يكمن فقط في أنّ هذا الحركـي (أحمد بن شارف) يريد التخلص من جزائريته بأي طريقـة.

ويلفت إلى أنّه يتحدث عن حالة إنسانية تعيش صراعاً داخليـاً ويتسابق صاحبها مع مرض 'الزهايمر' الذي يهدّد ذاكرته بشكل جدي، رغـم أنه يكتب مذكراته لأسباب علاجيـة.

ويرى بن جبار أنّ القلائل الذين كتبوا عن 'الحركي' في -المتن الروائي الجزائري- تحدثوا عنه عرضياً، لكن – حسبه - الرهان هنا هو أن تقف شخصية وتضرب جدار الصمت الذي لفّهم لأكثر من ستين سنـة، وعلّق: 'أن تُسمع صوتهم أعتقـد أني أتلقـى اللعنــات منذ بدايـة نشر الروايـة”.

ورداً على سؤال حول توقعاته لردود الأفعال والانتقادات، التي يمكن أن تخلقها الرواية، يجيب المؤلف أنّ 'المؤرخين سيجدون تفاصيل دقيقـة جداً للسنتين الأخيرتين من الثورة الجزائريـة (1960-1962) من وجهـة نظر كولونيالية (استعمارية)”.

أمّا عن النقاد، فلم يتردد الروائي في انتقادهم بالقول: 'لا يتحركون إلا بعد أن تأتي التزكيـة من الخارج، وعندما يتناولهـا الآخرون من المشرق أو المغرب، النقد عندنا غريب جداً، يتعاطى مع الرواية الجزائرية بمنطق مختلف”.

ومحمد بن جبار هو كاتب جزائري من الجيل الجديد، ولد بمحافظة غليزان (غربي الجزائر) في العام 1965، والتحق بالجامعـة ودرس الحقوق؛ حيث حصل على شهادة ' ماستر' (ماجيستير) في العلوم القانونيــة وشهادة الكفاءة المهنيـة للمحاماة.

اقرأ/ي أيضًا| 'في ممر الفئران': حيث لا شمس تشرق

وفي عام 2015، نشر بن جبار أولّ رواية له بعنوان 'أربعمائــة متر فوق مستوى الوعــي'، كما كتب القصة القصيرة ونشر بعض قصصه في صحف محلية وعربية عديدة.

التعليقات