"الشتات الأندلسي": آثار المسلمين بعد سقوط غرناطة

كانت الوجهة المغرب العربي، بينما تشتت الباقي على دول العالم العربي والإسلامي ودول حوض المتوسط ومنها فرنسا وإيطاليا والبوسنة والهرسك وتركيا وسويسرا، ووصل آخرون إيران والهند وباكستان ودول جنوب

تحت راية الدولة الأموية، قاد المسلمون في عام 711 حملة عسكرية استمرت حتى عام 726، نجحوا خلالها في فتح مملكة القوط الغربيين المسيحية في "هسپانيا"، التي حكمت شبه جزيرة "إيبيريا" والتي عرفها المسلمون باسم "الأندلس".

وظل حكم المسلمين للأندلس حتى الثاني من كانون الثاني/يناير من العام 1492، حينما سقطت مملكة غرناطة ليبقى التساؤل عن مصير أهل الأندلس وأبنائهم وأين هم اليوم، وهو ما أجاب عليه الكاتب والإعلامي الجزائري فوزي سعد الله في كتابه الجديد "الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم”.

ويستعرض الكتاب الجديد، الذي صدر بداية الشهر الجاري عن دار النشر "قرطبة"، معاناة الأندلسيين المهجّرين قسرا من بلاد الأندلس (إسبانيا حاليا) إلى بلدان أخرى.

ويحوي الكتاب، الذي يرتقب أن يكون حاضرا في فعاليات النسخة الـ 21 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب، أكثر من 600 صفحة من الحجم العادي. وخصص الكاتب نصف مساحة مؤلفه لـ"الشتات الأندلسي في الجزائر" لكونه موضوعا لا يزال غير معروف في البلاد، حسب كاتبه.

ويتناول الكاتب في إصداره مصير مسلمي إسبانيا في القرون الوسطى الذين يعرفون عادة باسم "أهل الأندلس"، وذلك منذ اللحظة التي سقطت فيها مملكة غرناطة الإسلامية في الثاني من يناير /كانون الثاني من العام 1492.

ويقول الكاتب فوزي سعد الله لـ"الأناضول" إنّ مئات الآلاف من هؤلاء الأندلسيين تركوا وطنهم مُكرَهين إما نفيًا أو بقرار استباقي للاضطهاد الذي سوف يطال جميع المسلمين في شبه الجزيرة "الإيبيرية" (أقصى الجنوب الغربي لأوروبا) من طرف الملوك الإسبان والكنيسة الكاثوليكية ومحاكم التفتيش.

ويضيف أن من سلم هو من تمكنّ من الرحيل من الظلم والقهر وحفاظا على معتقداته ودينه وروحه.

فكانت الوجهة، وفق ما ذكره الكاتب، المغرب الإسلامي، بما في ذلك الجزائر، بينما تشتت الباقي على دول العالم العربي والإسلامي ودول حوض المتوسط ومنها (فرنسا وإيطاليا والبوسنة والهرسك وتركيا وسويسرا)، ووصل آخرون إيران والهند وباكستان ودول جنوب شرق آسيا.

ويلفت المتحدث إلى أنّه بالرغم من الوضع المرير الذي عاشه الأندلسيون إلا أنّ أعدادا كبيرة بقيت في إسبانيا وما يزال البعض إلى غاية اليوم، بعدما خضعت للنظام السياسي المسيحي الجديد الذي افتتحتْ عهدَه الملكةُ إيزابيل وزوجها فرناندو.

وأجبر النظام الجديد تدريجيا الأندلسيين ابتداء من العام 1500 على تغيير ألقابهم وأسمائهم ومُنعوا من استخدام اللغة العربية وممارسة الشعائر الإسلامية وكل التقاليد المرتبطة بها من أزياء ومأكولات والاحتفال بالأعياد الإسلامية والختان والغناء على الطريقة العربية الإسلامية.

ويؤكد سعد الله أنّه عبر طيات هذا العمل اقتفى آثار الأندلسيين حيثما حلُّوا، حيث اكتشف انتشارهم في جنوب أوروبا والشرق الأوسط بالإضافة إلى شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء، على غرار دول مالي والنيجر والسنغال، كما أنّ طلائعهم بلغت إمبراطورية غانا وأدغال أفريقيا.

ويوضح في السياق ذاته أنّه أول مُستكشِف للعمق الإفريقي، قائلا: "اكتشفتُ خلال بحثي أن جزء هاما من أهل الأندلس لجأ إلى الجزائر وأنّ أحفادهم اليوم يُقدَّرون في بلادنا بالملايين ينتشرون في كل أنحاء البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، لاسيما في مدن الشمال وأريافها ولو أن معظم الجزائريين لا يعرفون ذلك”.

وعن مراحل تأليف "الشتات الأندلسي" يوضح الكاتب الجزائري أن البحث استغرق أكثر من عقد من الزمن حيث باشر الخطوات الأولى لإنجاز هذا الكتاب حوالي 2002 /2003 معتمدا على البحث البيبليوغرافي والشهادات الميدانية الحية لأحفاد الأندلسيين في الجزائر، فضلا عن شهادات الإسبان والإيطاليين والفرنسيين والأتراك والمصريين و"الشاميين"(من إقليم بلاد الشام) وغيرهم من العالمين العربي والإسلامي.

ويسلط العمل الضوء على دور الجزائر في مساعدة المهجرّين الأندلسيين لكونها كانت امتدادا ديموغرافيا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا لها مثلما الأندلس كانت امتدادا للجزائر ولكل الشمال الإفريقي.

ويعبرّ سعد الله بقوله: "كانت الأندلس عامرة بعلمائنا وقادتنا العسكريين وسياسيينا وكانت الجزائر ومازالت عامرة بالأندلسيين وأحفادهم”.

ويتابع: "لا يجب أن ننسى أنّ عبد الرحمن صقر قريش المعروف بعبد الرحمن الداخل مؤسس مملكة بني أمية في قرطبة لجأ من اضطهاد العباسيين إلى مدينة تاهرت "تيارت" (حاليا) الواقعة في الغرب الجزائري حيث احتضنه بنو رستم في دولتهم وساعدوه في مشروعه السياسي في الأندلس وتحالفوا معه ثم مع أبنائه”.

ويبرز الكاتب الدعم الجزائري للأندلسيين في مؤلفه الجديد ليس فقط في أنّ بلاده فتحت لهم الأحضان وقدمت لهم كافة التسهيلات للانخراط في المجتمع أو المساعدة المادية والعسكرية بإرسال السلاح والمقاتلين لمساعدة الأندلسيين وأحفادهم الموريسكيين على استرجاع الأندلس والدفاع عن أنفسهم ودينهم، بل قامت أيضا بإجلائهم عندما استعصى استرجاع هذه الأرض وتخليصهم من الاضطهاد.

كما كانت ترسل كتائب من "الكوماندوز" لاحتلال بلدات بأكملها في إسبانيا طيلة أيام وإغلاقها ريثما يتم إفراغها من مسلميها وعائلاتهم وإرسالهم إلى الجزائر، بحسب الكاتب.

كذلك، كان الجزائريون بمختلف مكوناتهم العرقية والقبلية حاضرين داخل كتائب "المقاومة الأندلسية" أثناء الثورات الموريسكية الكبرى، كثورة 1569– 1571.

وفي ردّه على سؤال حول مدى اهتمام الباحثين والمؤرخين الجزائريين بموضوع "الأندلسيين وعلاقتهم مع الجزائر"، تأسف الكاتب على أنّ هذا الموضوع لم ينل حقه من البحث والدراسة وإلا لكان الجزائريون مطّلعين على تفاصيله، رغم رغبتهم الشديدة في معرفة هذا الفصل الهام من تاريخ بلادهم”.

ويعتقد في الصدد أنّه نجح إلى حد ما في إثارة بعض الاهتمام به من طرف مواطنيه، لأنهم يريدون معرفة جذورهم وماضيهم، لكن كما صرّح: "العرض ضعيف ولا يستجيب للتطلعات وتقع على عاتق المؤرخين ووسائل الإعلام مسؤولية كبيرة بهذا الشأن”.

وفوزي سعد الله إعلامي وكاتب جزائري، عُرف بأبحاثه العميقة حول تاريخ الجزائر العاصمة في الجانب العمراني والثقافي والحضاري والتراثي، مهتم بالتراث الموسيقي الأندلسي ومختص في تاريخ يهود الجزائر.

كللّ بحوثه بثلاث مؤلفات هي: "يهود الجزائر... هؤلاء المجهولون"، "يهود الجزائر... موعد الرحيل"، و"يهود الجزائر·· مجالس الغناء والطرب"، ورابع عمل هو الأخير بعنوان "الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم”.

اقرأ/ي أيضًا| "عن الدولة"... عن أي دولة يتحدث بورديو؟

وكشف سعد الله لـ"الأناضول": " بعد هذا العمل المضني، أنوي التفرغ قليلا لأجرِّب فن الرواية إذا أمكن، لديَّ بعض الأفكار بهذا الشأن، قد أتمكن من تجسيدها في عمل أو أعمال أدبية، أتمنى أن تكون في مستوى ما أتصورّه".

 

التعليقات