يوسف وهبي... سنوات المجد والدموع

الكتاب وثيقة هامة تعتمد على مذكرات عدد من الفنانين الذين عاصروا يوسف وهبي (1896-1982) وتحدثوا عنه، ولا تكتفي المؤلفة بالمذكرات بل تقرنها بما نشر في وسائل الإعلام والصحف من نقد وتعليق وتربطها في حكاية مشوقة.

يوسف وهبي... سنوات المجد والدموع

رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على وفاته يبدو الفنان المصري يوسف وهبي مثل معين لا ينضب ينهل منه كل باحث في الفن ومتذوق وهاو مما أغرى الإعلامية والكاتبة المصرية راوية راشد بإعادة قراءة سيرته بشيء من الفحص والدراسة في مزج مستحب بين مذكراته الشخصية ومراجع ووثائق تحدثت عنه.

جاء كتاب "يوسف وهبي.. سنوات المجد والدموع" الصادر عن دار الشرق بالقاهرة في 231 صفحة من القطع الكبير ومرفق به ملحق للصور في نحو 20 صفحة أخرى.

في الكتاب تبدأ المؤلفة من الجذور والنشأة وتروي كيف نبت حب المسرح في نفس الطفل "يوسف" ابن السابعة عندما زارت فرقة فنية جوالة المدينة التي كان يعيش فيها مع والده المهندس الزراعي الذي تعلم في إنجلترا وصار لدى عودته كبير مفتشي الري.

وتأخذنا بعد ذلك إلى القاهرة في مطلع القرن العشرين حيث تعرف يوسف وهبي على صديق عمره محمد كريم -الذي صار لاحقا مخرجا شهيرا وأول عميد للمعهد العالي للسينما في مصر- وجولاتهما معا بالمساء في المسارح والمقاهي.

وبرشاقة وأسلوب سردي مشوق تسافر بنا المؤلفة من القاهرة إلى إيطاليا حيث رحلة تعلم يوسف وهبي للمسرح واقترانه بزوجته الأولى الأميركية (لويز لاند)، التي عاد معها إلى القاهرة وأسسا معا مسرح رمسيس.

يدلف القارئ خلف كواليس مسرح رمسيس الذي تأسس في 1923 ويتعرف على ممثليه وعماله كأنه يراهم ويتعرف على قيم وأخلاقيات وقواعد المسرح العربي الذي أرساها يوسف وهبي مع تأسيس المسرح وكذلك حجم وشكل المنافسة آنذاك بين الفرق المسرحية في بانوراما مدهشة لعصر قد لا يكون حظي بالقدر الكافي من التأمل من الكتاب والنقاد والمؤرخين.

الكتاب وثيقة هامة تعتمد على مذكرات عدد من الفنانين الذين عاصروا يوسف وهبي (1896-1982) وتحدثوا عنه، ولا تكتفي المؤلفة بالمذكرات بل تقرنها بما نشر في وسائل الإعلام والصحف من نقد وتعليق وتربطها في حكاية مشوقة.

وعلى غير ما جرت العادة من تقديم سير الراحلين وكأنهم ملائكة أو الاكتفاء بإلقاء الضوء على إنجازاتهم وأعمالهم، لا تتردد المؤلفة في الخوض في حياة يوسف وهبي الشخصية ومغامراته العاطفية التي امتدت معه منذ الشباب وحتى بلوغ الأربعين. وحتى حبه للمراهنات وسباقات الخيل ولعب القمار لم يتغافل الكتاب عنها وكذلك إفراطه في الإنفاق على المظاهر وإقامة الحفلات.

حلم مدينة الفنون

لم يكتف يوسف وهبي بالتمثيل والإخراج والتأليف والإنتاج والترجمة، بل أخذه الحلم إلى فكرة إنشاء أول مدينة للفنون في الشرق الأوسط والتي لو كان كتب لها النجاح لغيرت مسار التاريخ الفني العربي.

تقول المؤلفة: "تعود قصة (مدينة رمسيس للفنون) إلى رغبة يوسف وهبي في إقامة مشروع كبير يجمع كل الفنون في مكان واحد في مدينة كبيرة يسميها (مدينة رمسيس للفنون) تكون صرحا فنيا يضم قاعات للمسرح والسينما ومدينة للألعاب والملاهي واستديوهات تصوير ومعامل تحميض وكانت الفكرة قد سيطرت على عقله ما بين عامي 1933 و1934 وبدأ التخطيط لها لدرجة أنه كان يقضي ساعات طويلة مع كبار المهندسين الإيطاليين ليعد الخرائط والتصاميم من أجل تحقيق حلمه."

وتضيف قائلة "كانت فكرة إنشاء مدينة للفنون فكرة جديدة تماما في الثلاثينات فلم يسبقه إليها أحد في العالم حتى والت ديزني نفسه الذي أقام بعد ذلك مشروعا مماثلا في ولاية كاليفورنيا في الخمسينات وأصبحت أهم مدينة ملاهي في العالم (ديزني لاند)."

وبقدر الطموح والأمل كان الانكسار والألم فلم يكتب لمشروع المدينة أن تكتمل وربما تشير المؤلفة ولو بشكل غير مباشر إلى أن نزوات يوسف وهبي وطبيعته كفنان يكره الروتين ويبحث عن الحرية هي التي تسببت في نشوب خلافات بينه وبين زوجته الثانية عائشة فهمي الممولة الرئيسية لمشروع المدينة وانفصالهما وغرقه في الديون وإشهار إفلاسه.

لكن الكتاب لا ينضب من المفاجآت الجديرة فعلا بالتأمل. فبعد هذه الكبوة الخطيرة في حياته يعود يوسف وهبي من جديد ويتخذ السينما مسارا جديدا له فمثل وأخرج مئة وخمسين فيلما حتى وفاته.

دور نقابي واجتماعي

مد يوسف وهبي يد المساعدة إلى كثير من الوجوه الجديدة وفتح أبواب الشهرة أمام فنانين أصبحوا بعد ذلك من نجوم السينما والمسرح من بينهم تلميذته النجيبة أمينة رزق التي ظلت تحفظ له الجميل وتذكر أفضاله عليها حتى وفاتها في 2003.

لكن هذا الدور لم يكن من خلال مسرحه وشركة إنتاجه فحسب بل اتخذ شكلا رسميا تمثل في دفعه لتأسيس أول كيان نقابي قانوني يجمع تحت مظلته الفنانين والعاملين بهذا المجال.

وتقول مؤلفة الكتاب: "كان شغله الشاغل تحسين أوضاع الفنان وعمل نقابة لرعاية العاملين بالفن وظل ينادي بتكوين تلك النقابة حتى استجابت له الدولة وتم إنشاء أول نقابة للممثلين عام 1942 وفي أول انتخابات لها انتخب الجميع يوسف وهبي عرفانا بفضله وتقديرا لدوره في رعاية الفن والفنانين."

كذلك كتب يوسف وهبي العديد من المقالات التي عبر فيها عن آرائه الاجتماعية والثقافية في العديد من المجلات والصحف وكان محور تلك المقالات فكرة التغير المجتمعي دون المساس بالقيم الأخلاقية.

وتحمس يوسف وهبي لفكرة إنشاء فرقة قومية مسرحية ترعاها الدولة إلى أن وافقت حكومة محمد محمود باشا على إنشاء الفرقة القومية للتمثيل عام 1935 وأدرجت تبعيتها لوزارة الأشغال وتناوب على إدارتها فنيا كل من يوسف وهبي وزكي طليمات.

النهاية

ومع طول السنوات وكثرة ما فيها من ذكريات، عانى يوسف وهبي من اضطرابات في النوم جعلته يعاني إعياء وتوترا واكتئابا.

وتسرد المؤلفة على لسان ابن شقيقه محمد يوسف قوله: "سافر يوسف وهبي إلى جنيف للعلاج من صعوبة النوم عام 1974 وهناك قال له الطبيب السويسري ‘إن سنين حياتك بكل تفاصيلها تفوق قدرة العقل على وقف شريط الأحداث فيستعيدها بدون إرادتك أثناء النوم فتصاب باليقظة ولا بد أنك عشت أحداثا كثيرة، فرد عليه يوسف وهبي قائلا لقد عشت ألف عام".

وتمضي المؤلفة قائلة: "في السنوات الأخيرة اعتزل يوسف وهبي الفن والناس ولم يبق إلى جواره إلا زوجته سعيدة هانم التي عاشت معه أكثر من خمسين عاما والتي لم تترك يده لا في لحظات التوهج والتألق ولا لحظات الغروب والانزواء".

اقرأ/ي أيضًا| "مشاعر خارجة عن القانون": الحب في زمن الجامعة الأميركية!

وفي 17 تشرين الأول/أكتوبر من العام 1982 يرحل يوسف وهبي وفي مشهد جماهيري مهيب تشيع جنازته حيث تتقدم أوسمته ونياشينه نعشه بما يليق بمكانة "فنان الشعب".

التعليقات