"من مكة إلى قرطبة"... تاريخ وتراث وسلطة!

أقامت دار المها للطباعة والنشر، مساء الخميس الماضي، في قاعة سينمانا بالناصرة، أمسية بمناسبة إصدار الكتاب الأول من سلسلة تحمل عنوان "من مكة إلى قرطبة".

"من مكة إلى قرطبة"... تاريخ وتراث وسلطة!

أقامت دارة المها للطباعة والنشر، مساء الخميس الماضي، في قاعة سينمانا بالناصرة، أمسية بمناسبة إصدار الكتاب الأول من سلسلة تحمل عنوان 'من مكة إلى قرطبة'، والسلسلة لا تتناول موضوع الطباخة فقط وإنما تغوص في القيمة التراثية والهوية الفلسطينية، التي تمتد منذ ظهور الإسلام، لتصِل لاحقًا إلى الأندلس، والتي عزّز الوجود العربي فيها إثراء الثقافة وتنوعها.

وكتاب 'من مكّة إلى قرطبة' هو نتاج جهد الباحث المقدسي المقيم في إنجلترا، سفيان مصطفى، وزوجته النصراوية الأصل، لميس خوري، وقد اهتم الزوجان بإصدار كتابهم الأول، الذي اختص بالسلطة والخضراوات، لتتلوه سلسلة متكاملة من 14 إصدار، كون المشروع يحمل فنًا وتراثًا وتاريخًا مرتبطًا بالعربية لغة وحضارةً وميراثًا للأجيال القادمة.

وقالت صاحبة دارة النشر مها سليمان، أنّ الأمسية تمّ إقامتها بهدف إطلاق الكتاب 'من مكة إلى قرطبة'، والذي يحمل رسالة أبعد من مجرد الحديث عن الطبخ، بل تعدى ذلك ليشكّل علاقة بين المطبخ العربي والهوية واللغة، والحديث في هذا المجال يمتد لتاريخٍ طويلٍ، بدأه الكاتب من مكّة حيثُ كانت بداية الطعوم والتذوق، ليمتد نحو بلاد الشام وبغداد ومن بعدها انتقل إلى الأندلس.

وأشارت سليمان إلى أن أهمية هذا النشاط الثقافي تكمن بكونه مرتبط بالتاريخ والتراث والقيم الإنسانية، عدا عن العلاقة بين الهوية الفلسطينية التاريخية.

وتطرّقت في كلمة مؤثرة، وجهتها إلى زوجها المرحوم خالد سليمان، الذي آمن بقدرتها على تعزيز اللغة العربية، وإنشاء دار نشر، يخدم أبناء شعبنا ويعيد صياغة اللغة العربية بشكلها الصحيح، ما جعلها تسيرُ بثباتٍ في عدة إصدارات مهمّة بينها 'إذا الموءودة سُئلت'.

وعن علاقتها بسفيان مصطفى قالت: 'تعرفت على سفيان من خلال مطعم الزيتونة الذي اشتهر في التسعينيات، ولم أفكر قبل ذلك بالمشروع، كنتُ طوال الوقت أفكر بالمرحلة العمريّة، وكان هدفي أن أخصص دار النشر للمرحلة العمرية من 10 وحتى 15 عامًا، لأنّ هذه الفئة متعطشة وبحاجة إلى كتبٍ تُعنى بهذا الجيل'.

وأضافت: 'حين ذُكر اسم سفيان مصطفى أمامي بحثتُ عنه، وتواصلت معه، وعرضتُ عليه الفكرة، فرحّب بها، وهو أيضًا كان يفكر بإصدار كتب في هذا المجال، وما لفت انتباهي في التعاون معه ليس مجرد موضوع الكتب فحسب، وإنما اهتمامه ببعد الهوية واللغة، وهذه هي الرؤية التي أصبو إليها، فجميع الكتب التي أصدرها تصب في هذا المجال، الحفاظ على اللغة والانتماء'.

ويرى الكاتب أن ما يميز الكتاب هو الربط بين علاقة المطبخ بالهوية والانتماء، وأكد أنه يؤمن بالهدف المرجو من خلال هذا الإصدار، وفي كتابه عرض وصفات مستوحاة من طعوم العرب التراثية، وليس من أطعمتها، حيث يرى أنّ الطعام متغيّر، فما نعرفه اليوم عن طبق ما، هو مغاير للوصفة الأساسية التي كان عليها الطبق من قبل، وغير ما سيؤول إليه لاحقًا، أما الطعم (التذوق)، فيبقى على ما هو عليه.

ويضيف سفيان أنّ 'أهمية الطعم هو ارتباطه باللسان وبالتالي يرتبط باللغة، وهو المعرِف الحقيقي للهويّة القوميّة، واللسان هو ما يميّز الشعوب عن بعضها، لأنّه يشمل عنصرين أساسيّين من تركيبة الهوية الوطنية؛ فهو يحدّد مخارج الحروف التي تشكّل الجزء الأساس من اللغة، وفيه المراكز الحسيّة التي تقع عليها الطعوم.

ويقول سفيان مصطفى: 'مشروعي مرتبط بالطعوم العربيّة، وقد بحثت في مطابخ العرب منذ بداية الحضارة العربية الإسلامية، في مكة، والتي انتهت في قرطبة، بعدها لم يحصل جديد، أصبح هناك نوع من العولمة، وانتشر طعام مكة بين العرب ودخل طعام العرب إلى مكة، وبعدها انتشر المطبخ الشامي وانتهى بالمطبخ العباسي، حيثُ قامت النهضة في بغداد وانتهت في الأندلس.

بدأتُ مشروعي بالمطبخ الفلسطيني، ولاحقًا، قرأت مقالاً لشخص يتحدث عن المطبخ العباسي، ولأول مرّة أسمع أن هناك كتبًا ورثناها من القرن العاشر، وبعد البحث وجدتُ كنزًا، كتب تتحدث عن الطبخ من القرن الثالث عشر، للورّاق، وفي الشام وجدتُ كتابين: الوصل إلى الحبيب، وكتاب الطباخة، وفي مصر وجدت كتابي زهر الحديقة في الأطعمة الأنيقة، والأطعمة المعتادة، وفي الأندلس، فضالة الخوان.

وختمت مها سليمان بالقول أنّ 'سلسلة من مكة إلى قرطبة من المفترض أن تشتمل على 14 كتابًا، الأول عن السلطة، والذي يحوي خلفية تاريخية كذلك، وأبيات من الشعر ووصفات، ولم أكن لنقبل على المشروع إن كان الكتاب معدًا للطبخ فقط، وإنما كان يهمني الرؤية التي وضعتها أمامي، بما في ذلك اللغة العربية والهوية، هي ليست للأكاديميين فقط، بل هي لغة حياة، ونحنُ نعاني من الغربة في وطننا، وكان من المهم بالنسبة لي تعزيز اللغة والانتماء، سواء في الإصدار السابق الذي يحمل اسم 'تعلموا العربية'، ليأتي بعده كتاب 'إذا الموءودة سُئلت'، وبعد سلسلة كتب سفيان مصطفى، سيصدر كتاب عن الصرف، ومن بعده ستكون هناك مشاريع تفيد الجيل الناشئ'.

التعليقات