"بين أشجار الزيتون": دراسة تركية عن الأدب الفلسطيني

نشرت الكاتبة التركية بيرين بيرسايغيلي موط، كتابًا صدر حديثا، بعنوان "بين أشجار الزيتون"، ويضم دراسة حول الأدب الفلسطينيّ، نشرته "مكتبة أوستا" التركية. واختارت الكاتبة أن تخصّصه لخمسة أدباء ومبدعين فلسطينيين، وتناولت حياتهم وقصصهم ومؤلفاتهم، وهم غسان كنفاني، محمود درويش، سميح القاسم

نشرت الكاتبة التركية بيرين بيرسايغيلي موط، كتابًا صدر حديثا، بعنوان "بين أشجار الزيتون"، ويضم دراسة حول الأدب الفلسطينيّ، نشرته "مكتبة أوستا" التركية. واختارت الكاتبة أن تخصّصه لخمسة أدباء ومبدعين فلسطينيين، وتناولت حياتهم وقصصهم ومؤلفاتهم، وهم غسان كنفاني، محمود درويش، سميح القاسم، ناجي العلي، وفدوى طوقان، وأكدت الكاتبة أنه يجب التعرّف على فلسطين معرفة حقيقية عن طريق الأدب الفلسطيني وثقافة الشعب الفلسطيني.

وقالت الكاتبة: "كنا نشاهد احتلالا همجيا وحشيا يعبث ويدمر بالقرب منا، وعرفنا الألم الناجم عن هذا الاحتلال منذ صغرنا، وحتى الآن ما زالت المأساة مستمرة. وكنا نشاهد دائما المجازر ضد الفلسطينيين ومواجهتهم الدائمة ضد المحتل، في ظل التخاذل السياسي، ودائما كنا نشاهد في الإعلام ما لا يحصى من المظاهرات والاحتجاجات الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. كنا نشعر بأننا نحن المحاصرون داخل حلقة مفرغة، نخرج في مظاهرات واحتجاجات لدعم القضية الفلسطينية لكن أصواتنا كانت تذهب هباء لأن إسرائيل لم تمتنع يوما عن جرائمها. وكانت تجري الاحتجاجات في الشوارع وتُقام المظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية وتُطلق دعوات للمقاطعة التجارية، لكن كل ذلك لم يكن كافيا. وكل ما سبق كان وسائل بسيطة ومتواضعة لإظهار دعمنا لفلسطين، وكان علينا أن نتعمق أكثر وأن نتناول المزيد من الأمور التي ستدعم القضية الفلسطينية، لذلك كان لا بد من الاهتمام بالأدب الفلسطيني، وتأثرت كثيرا بأدبهم المقاوم وأحسست كم أنا مدينة لهم مع مرور الوقت. كان لدي هدف واحد، هو التعرف على الأدباء الفلسطينيين والتعريف بهم في بلدي تركيا إلى حد ما، وهم الذين كتبوا أسماءهم على ضمير الإنسانية بأحرف من ذهب".

وأشارت الكاتبة إلى أنه من الممكن محو التأثير الناجم عن استخدام الإرهاب المسلح من طرف الاحتلال، لكن آثار الكلمات التي تُركت في القلب لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة.

وقامت المؤلفة وزوجها قبل عدة سنوات بمشروع إنتاج برنامج وثائقي عن الثقافة الفلسطينية مُكوّن من خمس حلقات مع قناة التلفزة التركية الدولية "TRT"، وسافرا من أجل ذلك إلى ثماني دول وهي فلسطين، لبنان، دبي، إنجلترا، إسكتلندا، فرنسا، ألمانيا، وأميركا. وتركزت زيارتهما في فلسطين في مدن رام الله ونابلس والقدس وعكا، وتناولا الموضوع مع مجموعة من الخبراء ومع أسر وأقارب الأدباء. وتم التركيز في البرنامج الوثائقي على مجموعة مقابلات باللغات العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية.

وبدأت بيرسايغيلي، بعد هذا البرنامج الوثائقي، العمل على فكرة الكتاب، واستغرق العمل عليه مدة سنتين، وطبع الكتاب أخيرًا في تركيا.

تناولت الكاتبة بيرسايغيلي حياة الأدباء المذكورين وما يرد في مذكراتهم وذكرياتهم عن سنوات طفولتهم وشبابهم. كما تناولت أعمالهم الأدبية، وحياتهم، ومعاناة معظمهم في المنفى، وكفاحهم ضد المحتل.

بالإضافة إلى ذلك، يتطرق الكتاب تطرّق إلى عدد كبير من الأعمال الأدبية والفنيّة للكتاب والمبدعين المذكورين.

واهتمت الكاتبة في الكتاب بترجمة الكثير من الأشعار والنصوص للأدباء، وقام بترجمتها من اللغة العربية إلى اللغة التركية المترجم محمد حق سوشين.

أدب المقاومة الفلسطيني:

اشتمل كتاب "بين أشجار الزيتون" على تقديم بقلم الزميل الكاتب أنطوان شلحت بعنوان "أدب المقاومة الفلسطيني: محاولة تأطير وتأصيل".

وجاء في التقديم:

في العدد الذي حمل رقم 127 من مجلة "المجلة" المصرية (صدر في صيف 1967) اشترك الأديب الفلسطيني غسان كنفاني في ندوة كان محورها "الموقف الحاضر في القصة العربية"، سوية مع الأدباء العرب حليم بركات وزكريا تامر ويحيى حقّي وصبري حافظ، وفيها قدّم ما يمكن أن نعتبره "مقاربة فلسطينية" لمعنى أن يكون الإنسان الفلسطيني كاتبًا، كان أشدّ ما يلفت النظر فيها قوله التالي: "[إن] الفلسطيني ككاتب يستطيع أن يستكشف الصفة الخاصة جدًا للقضية الفلسطينية أكثر من أي شخص آخر". وقد أرجع ذلك، من ضمن أشياء أخرى، إلى وجود "نبض فلسطيني" في كلام هذا الكاتب، مؤكدًا أنه يخشى "ألا يستطيع كاتب غير فلسطيني أن يصنعه فيما يكتبه عن فلسطين".

وفعلًا ليس مبالغة القول إن الأدب بشكل خاص والثقافة الفلسطينية عمومًا كانا ولا يزالان بمثابة المُستكشف للصفة الخاصة جدًا للقضية الفلسطينية، منذ ظهورها، ولا سيما في إثر النكبة عام 1948 وصولًا إلى أيامنا الراهنة.

وفي الإجمال العام يمكن الاستنتاج بأن الثقافة الفلسطينية، بمضاميرها المتعدّدة، ساهمت مساهمة أساسية في الحفاظ على الهوية القومية والوطنية، وخصوصًا في وجهتين محددتين فرضتهما مجموعة من العوامل الموضوعية:

* الأولى: وجهة التمرّد على نسيان أو حتّى تناسي ما كان. وهو ما سعت وما تزال تسعى إليه ممارسات سياسية وثقافية صهيونية عديدة ومتنوعة.

* الثانية: وجهة شحن الذاكرة الجماعية للفلسطينيين في شتى أماكن وجودهم بحقول خصبة من الدلالات التاريخية والثقافية المرتبطة بالنكبة وآثارها، والمرتبطة أيضًا بالهوية القومية والوطنية للفلسطينيين.

في واقع الأمر، ثمة العديد من المعاني والدلالات للهوية الوطنية من وجهة نظر الفلسطينيين.

ويظلّ لبعض هذه الدلالات، بالنسبة إلى إنسان فلسطيني مثلي يعيش داخل مناطق 1948، جوانب خاصة تستمد مشروعيتها من الكينونة الفلسطينية داخل فلسطين.

مهما تكن هذه الدلالات ثمة حاجة إلى التشديد على ما يلي منها:

* أولًا: الهوية الوطنية هي توكيد لمجتمع أنكر أعداؤه وما زالوا ينكرون حتى مجرّد وجوده.

* ثانيًا: الهوية الوطنية، بالنسبة إلى الفلسطينيين في الداخل، هي المنقذ من الاغتراب في بلد هم أصحابه الأصلانيون تاريخيًا وقامت عليه، بصورة عنيفة وتزداد عنفًا، دولة غاصبة (كيان) جرّدتهم من الوطن وتقصيهم من المواطنة وترفضهم، مع ما يمكن أن يترتب على واقع كهذا من افتراق ظاهر عن الذات.

* ثالثًا: الهوية الوطنية هي عنوان كفاح للعودة إلى حياة كان مُقدرًا لها وفقًا لكل المعايير أن تسير في طريق طبيعية وانتهت من جراء النكبة في عام 1948.

وبطبيعة الحال تشمل الدلالة الأخيرة جوانب جوهرية من الدلالتين الأخريين، حيث أن التمعّن في الآثار الاجتماعية- الثقافية، التي ترتبت على النكبة بالنسبة لهذا الجزء من شعب فلسطين، يشي بالتغيير الجذري الذي خلفته في المجتمع الفلسطيني لا من حيث عدده فقط، إنما أيضًا من حيث الهزّة الجوهرية في التركيبة الاجتماعية ومن حيث تأثيرها، إلى حدّ كبير، على مدلولات المشهد الثقافي اللاحق في صفوف المجتمع الباقي، الذي تغيّرت حاله من النقيض إلى النقيض، بصورة ليس أبسطها تحوّل هذا المجتمع إلى فلاحيّ، ريفيّ، بأغلبيته الساحقة إن لم يكن برمتّه.

وفضلاً عن موتيف الهوية نعثر في هذا الأدب على موتيف التمسك بالأرض، الذي دجّج أدبًا مُقاتلًا. وقد أوضح الشاعر سميح القاسم، ذات مرة، أن الشاعر والبطل توأمان، في إشارة صافية إلى الدور الذي يتعين على الأديب الفلسطيني أن يضطلع به. وفي مقابلة أدلى بها القاسم، في أواسط الستينيات، إلى الناقد اللبناني محمد دكروب، أضاف يقول إنه في ضوء الظروف القاهرة، التي وجد الشعراء الفلسطينيون أنفسهم في خضمها، كانوا مضطرين إلى أن يلتزموا، في شعرهم الحديث، وبصورة تلقائية، إيقاعات وأوزانًا تخاطب قلوب الجماهير العريضة.

ويمكن القول إنه إلى الآن ما يزال السؤال المرتبط بالنكبة في عام 1948 أحد أهم الدوافع الرئيسية وراء العودة المستمرة من جانب المبدعين الفلسطينيين، جيلًا جيلًا، ومرحلة مرحلة، إلى الماضي، كما يتبدّى الأمر على سبيل المثال لا الحصر في نتاج الأدباء والفنانين الذين تتناولهم مؤلفة هذا الكتاب بيرين بيرسايغيلي موط بالعرض والدرس والتحليل.

فهذا الماضي، بالنسبة إلى المبدع الفلسطيني كائنًا من يكون، هو مرتكز الرفض للحاضر على مستوى الصيرورة، من جهة أولى. وهو في الوقت عينه متكأ الكشف عن مفهوم المستقبل والجديد على صعيد السيرورة والرؤيا (الحلم)، من جهة أخرى.

وفي صلب هذه العودة المُستمرة يتحدّد واحد من الأطر العامة لحداثة التجربة الإبداعية الفلسطينية. كما أنها عودة عادةً ما تحفل بتصوّر للماضي يتمظهر في مناحٍ ربما تبدو مغايرة تمامًا عن تمظهرات الماضي في إبداعات شعوب أخرى.

وخلال هذه العودة نصادف أن هناك اشتغالًا على عنصرين متصلين:

* الأول: عنصر بناء الذاكرة الوطنية.

* الثاني: عنصر بناء المكان، حيث أن الخوف من فقدان المكان بتغيير أسمائه، شكّل وما يزال يشكّل مصدر أرق وألم للمبدع الفلسطيني.

ويتم ذلك، في الأغلب، عبر تفنين السيرة الذاتية، أو عبر تصعيد السيرة الذاتية إلى مستوى الأثر الأدبي. ولا شك في أن أي دارس يقف أمام تجربة الأدب الفلسطيني سيسترعي اهتمامه، على نحو خاص، تأثير عاملين في هذا الأدب، مقارنة بتأثيرهما في أي أدب آخر.

* العامل الأول: هو الزمان، وهو مرتبط بموضوعة الزمن الذي يتعيّن على النصّ الفلسطيني أن يُخلص له، ومرتبط كذلك بمبلغ حضور الزمن الماضي، حسبما أشرنا أعلاه.

* والعامل الثاني: هو المكان، وذلك في ضوء حقيقة موضوعية مؤداها أن المكان بالنسبة إلى الكثير من الكتاب الفلسطينيين هو ليس فقط الحيّز الذي يعيش فيه الإنسان، مثل كل شعب في العالم، إنما أيضًا "المكان" الذي يعيش في داخل الإنسان الفلسطيني.

التعليقات