العدد الـ58 من "سياسات عربية": علاقة العلوم الاجتماعية بالظاهرة الرياضية

اشتمل على توثيق لأهمّ محطات الصراع العربي – الإسرائيلي، وأهم محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي ووثائقه، وتقرير ومراجعة كتاب.

العدد الـ58 من

غلاف العدد الـ58 من "سياسات عربية"

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الثامن والخمسون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية" التي تعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين. وقد تضمّن العدد ملفًا خاصًا بعنوان "الرياضة والسياسة (2)"، ضمّ أربع دراسات وترجمة. كما اشتمل على توثيق لأهمّ محطات الصراع العربي – الإسرائيلي، وأهم محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي ووثائقه، وتقرير ومراجعة كتاب.

افتُتح العدد بدراسة لحيدر سعيد بعنوان "العلوم الاجتماعية والظاهرة الرياضية: نحوَ خريطة معرفية" سلط فيها الضوء على تطور تناول العلوم الاجتماعية الحديثة للظاهرة الرياضية. بدأ سعيد بمناقشة الصيغة الأولى التي مهّدت الطريق لتشكّل حقل دراسات الرياضة حقلًا علميًّا مستقلًا، في النصف الأول من القرن العشرين، ثمّ تناول مساعي العلوم الاجتماعية لاتخاذ الرياضة موضوعًا بحثيًا ومعرفيًا، والتي تكرّست وتمأسست في عقد الستينيات، لا سيما مع نوربرت إلياس وبيير بورديو، وعرض أخيرًا اهتمام حقل الدراسات الثقافية بالرياضة، في أواخر السبعينيات من القرن العشرين. واستنتج أن ظاهرة الرياضة، قبل أن تكون غربية أو أوروبية، هي ظاهرة إنجليزية، وقد اقتبسها سائر الأوروبيين من الإنجليز. ومع اللحظة الاستعمارية، جرت عولمة هذا "الاختراع" الأوروبي ونقله إلى خارج أوروبا. كما رأى أن شبهة المركزية الغربية لا تصدق على تعامل العلوم الاجتماعية مع الظاهرة الرياضية، بقدر ما تمس الممارسة العلمية نفسها، فلا شيء يقدح في كونية النظرية التي أنتجتها العلوم الاجتماعية الأوروبية عن الظاهرة الرياضية. واختتم سعيد استنتاجاته قائلًا إن غياب الظاهرة الرياضية عن العلوم الاجتماعية العربية سؤال في حد ذاته، وقد تكون الإجابة عنه أن الرياضة لم تشكل يومًا سؤالًا إشكاليًّا في الفضاء العربي، كما شكلت في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.

وأوضح عبد الكريم أمنكاي وعمار الشمايلة في دراستهما بعنوان "الحصيلة الأولمبية للأنظمة السلطوية: هل من أثر لشخصنة الحكم؟" أن الألعاب الأولمبية الحديثة، منذ نشأتها في نهاية القرن التاسع عشر، لم تكن مجرّد فضاء للتنافس بين الرياضيين الطامحين إلى حصد الألقاب والميداليات المختلفة، بل شكّلت أيضًا مجالًا للمناكفة بين الدول لما رأته أنظمتها في النجاح الأولمبي من قدرةٍ على شحذ الشعور القومي وتعزيز شرعيتها، وحتى إبراز تفوّقها الأيديولوجي في مواجهة خصومها الداخليين والخارجيين. ورأى الباحثان أن كلّ الدول التي حكمتها أو تحكمها الأنظمة السلطوية لم تكن على المستوى نفسه من النجاح، إذ تُظهر حصيلة نتائج الدول ذات النظام السلطوي تفاوتاتٍ كبيرةً على مرّ الدورات الأولمبية. واستنتجا عن طريق تحليلهما معطيات تغطّي الفترة 1948-2008 أنّ قدرة أيّ بلد يحكمه نظام سلطوي على حصد الميداليات الأولمبية تتأثّر بمستوى شخصنة الحكم، فكلّما ارتفع مستوى شخصنة النظام السلطوي انخفضت حصيلة البلد من الميداليات الأولمبية، بغضّ النظر عن طبيعته (حزبي، ملكي، عسكري، فردي)، ودون أن يلغي ذلك محورية العوامل البنيوية المتحكّمة تقليديًّا في تألّق أيّ بلد في المنافسات الرياضية الدولية، وعلى رأسها مستوى النماء الاقتصادي وعدد السكّان.

وركز أحمد قاسم حسين في دراسته بعنوان "الرياضة وحقل العلاقات الدولية: التفكير في الرياضة عبر عدسات النظريات الوضعية" على تأثير الظاهرة الرياضية في السياسة الدولية وكيف يمكن التفكير فيها عبر عدسات المقاربات الوضعية في حقل العلاقات الدولية. ورأى أن الرياضة تتأثّر بالسياسة الدولية وتؤثّر فيها عن طريق مجموعة من المنظمات الرياضية الدولية، ما يشكل تحديًا للمقاربات النظرية الوضعية المختلفة في حقل العلاقات الدولية (الواقعية، الليبرالية، الماركسية)، التي أهملت الظاهرة الرياضية، خاصة المقاربة الواقعية التي اقتصر دورها على تقديم تفسيرٍ وفهمٍ محدودَين لتأثير الرياضة في السياسة الدولية. وأشار حسين إلى أنّ تأثير المنظمات الرياضية الدولية في المنافسات الرياضية الكبرى يتجاوز تأثير المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، من ناحية تطبيق العقوبات على الدول التي لا تلتزم بالقواعد والإجراءات المعمول بها، وقد يصل إلى حدّ حرمانها من المشاركة أو تنظيم الفعالية في حال مخالفتها تلك القواعد، والأمثلة على ذلك كثيرة. وهو ما يستدعي البحث عربيًا في الرياضة التي تشكّل ظاهرة تتأثّر بالسياسة الدولية وتؤثّر فيها عبر تلك المنظمات الرياضية الدولية، في ظلّ نظام دولي معولم، على الرغم من أنّ العلاقة بين الظاهرة الرياضية وحقل العلاقات الدولية ما زالت تخطو أولى خطواتها من حيث التنظير لها.

وتناولت سنى الخطيب في دراستها بعنوان "كأس العالم 2022 فضاءً لتصدير هوية قطرية عالم-محلية" العلاقة بين ممارسات القوة الناعمة وصناعة السمة الوطنية باعتبارها جزءًا من تصدير الهوية الوطنية، وأداةً طيّعة تستخدمها الدول في تحقيق أهداف السياسة الخارجية. في هذا الإطار، سلطت الخطيب الضوء على ملفّ استضافة قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، في محاولةٍ لفهم مساعي الدولة في توظيف الرياضة لتحقيق أهداف اجتماعية وسياسية مختلفة. وبحثت في الدوافع والرؤى التي دفعت صانع القرار القطريّ إلى الاستثمار الهائل في استضافة هذا الحدث عبر تصدير هوية عالم - محلية، قائمة على المزج بين بعدين، أولهما عالمي يؤكد على المواكبة والتطور، وثانيهما محلي يدفع نحو المحافظة على خصوصية البلد وتقاليده وتسليط الضوء على تاريخه.

واشتمل العدد على ترجمة قدّمها علي عبد الصمد لدراسة بعنوان "’الشعب’ إلى أين؟ الشعبوية والأيديولوجيا والتنازع السياسي على الرياضة" لريتشارد غرونو، تناولت توظيف القادة الشعبويين مفهوم "الشعب" من خلال التعاطي مع الرياضة، وتداخل مفهومَي "الشعب" و"الرياضة" (وُلد المفهومان في وقت واحد تقريبًا، ويرتبط أحدهما بالآخر) مع الصراعات الأوسع على الأيديولوجيا والهيمنة. وأشارت إلى انجراف الرياضة نحو اليمين السياسي، وتحوّل الملاعب الرياضية إلى منصة للخطاب الأيديولوجي العنصري، لتفصّل في نموذجين لزعيمين شعبويين، من سياقين غربيين مختلفين، هما بينيتو موسوليني الذي استغل النجاحات الرياضية التي حقّقتها إيطاليا في الثلاثينيات لنشر الخطاب الفاشي، ودونالد ترامب الذي ظهر في سياق ديمقراطي رأسمالي ليبرالي.

ضمّن في باب "التوثيق" توثيقًا لأهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية"، و"وثائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي" في المدة 1 تموز/ يوليو – 31 آب/ أغسطس 2022.

وفي باب "مراجعات الكتب"، قدّم محمد حمشي مراجعة لكتاب "قطر وكأس العالم 2022: السياسة، الجدال، التغيير"، لبول براناغان ودانيال رايخ. وفي باب "تقرير" أعدّ مجد أبو عامر تقريرًا عن ندوة عقدتها وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الإثنين 29 آب/ أغسطس 2022، بعنوان "أوكرانيا: التطورات العسكرية التقليدية وغير التقليدية والمقاتلون الأجانب".

التعليقات