"المركز العربي": صدور العدد السادس من دورية "حِكامة"

يتضمن العدد دراستين، جاءت الأولى بعنوان "حجم الحكومة والنموّ الاقتصادي: أثر الربيع العربي" لكاتبها محمّد جابر السيد. تهدف هذه الدراسة إلى دراسة العلاقة السببية بين حجم الحكومة والنموّ الاقتصادي في عدد من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط خلال الفترة 2000-2020

غلاف العدد السادس من "حِكامة"

صدر عن "المركز العربي" للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد السادس (ربيع 2023)، من الدورية العلمية المحكّمة "حِكامة"، التي تُعنى بالإدارة والسياسات العامة، وتصدر مرتين في السنة. وقد تضمّن العدد ملفًا خاصًا حول "سياسات استقلال القضاء في البلدان العربية"، حرره وقدّمه محمود حمد، وشمل ثلاث دراسات، إضافة إلى ورقة سياسات، ودراستين أخريين خارج الملف، ودراسة مترجمة حول استقلال القضاء من منظور مقارن، ومراجعتين.

لقد ارتأت دورية "حكامة" أن تتناول موضوع سياسات استقلال القضاء في البلدان العربية نظرًا إلى أوجه القصور التي تشهدها منظومات العدالة العربية، بما في ذلك ضعف إدراك العلاقة المتشابكة بين مؤسسات العدالة وأدائها القضائي الناجز من جهة، وكفاءة الحكم من جهة أخرى. ويطرح سؤال الاستقلال تساؤلات فرعية أخرى، أهمها ما يخص تموضع القضاء في البنية الدستورية والتشريعية، وتنظيم القضاء وتأثيره في وضعية الاستقلال، وثقافة العمل القضائي والتنشئة المهنية للقضاة، فضلًا عن حوكمة المنظومة القضائية، وضبط العلاقات داخلها، وكذلك بينها وبين مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية. وبناء عليه، تضمّن الملف دراسة مقارنة ودراستين عن المغرب والأردن وورقة سياسات عن العراق.

يُفتتح الملف بدراسة للمحرر الضيف للملف، محمود حمد، بعنوان "استقلال القضاء في الوطن العربي: مؤسسات الرقابة الدستورية والمجالس القضائية العليا". تحاول هذه الدراسة إلقاء الضوء على حالة استقلال القضاء في الوطن العربي، وترتكز على البحث في مدى استقلالية مؤسسات الرقابة على التشريعات والمجالس القضائية العليا؛ ذلك أن الأولى تؤدي دورًا محوريًا في ترسيخ مبدأ سمو الدستور، في حين تؤدي الأخرى دورًا أساسيًا في إدارة العدالة. وقد خلصت الدراسة إلى أن هذه المؤسسات، على الرغم من إنشائها في الدول العربية في مرحلة ما بعد الاستقلال، لم تكن دليلًا على تنمية سياسية حقة. ففي الغالب، حاولت أنظمة الحكم إنشاء هياكل تحاكي مثيلاتها في الديمقراطيات شكليًا، لكن من دون منحها استقلالًا يمكّنها من أداء وظائفها. وعمل كثير من هذه الأنظمة على إخضاع المجالس القضائية العليا ومؤسسات الرقابة على التشريعات (محاكم دستورية، ومحاكم عليا، ومجالس دستورية). وتمثل أبرز مظاهر ذلك في إصرار السلطة التنفيذية على التحكم في عملية تشكيل هذه المؤسسات.

الدراسة الثانية كانت عن المغرب وجاءت بعنوان "استقلال السلطة القضائية في المغرب: الضمانات الدستورية وواقع الممارسة وآفاقها"، كتبها أحمد مفيد. تستعرض الدراسة الإطار التأسيسي المرجعي لاستقلالية السلطة القضائية، وتحلل مختلف التحولات الهيكلية التي عرفتها، وتجلياتها، تشريعًا وتنظيمًا، فضلًا عن إبراز الدعامات اللازمة لإرساء سلطة قضائية مستقلة، مع ما يثيره كل ذلك من تساؤلات وتحديات وإكراهات على مستوى الفعل والممارسة. وقد جرى التركيز في المحور الأول من الدراسة على تحليل طبيعة الضمانات الدستورية والقانونية لاستقلال السلطة القضائية ونوعيتها، في حين تناول المحور الثاني واقع استقلالية السلطة القضائية من خلال العديد من المؤشرات والوقائع التي تبيّن أنه على الرغم من التقدم المحرز في هذا الخصوص، فإن المغرب ما زال في حاجة ملحّة إلى مزيد من الجهود من أجل ترسيخ استقلالية السلطة القضائية في واقع الممارسة. وانتهت الدراسة إلى تقديم مجموعة من المقترحات العملية التي من شأنها تعزيز الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية في المغرب.

وتناول خالد حامد الشنيكات في دراسته المعنونة بـ"استقلال السلطة القضائية في الأردن: النصوص والسياسات والتحديات"، استقلال القضاء الأردني في ظل دستور 1952، والتعديلات الدستورية في عام 2011 والقوانين المنظمة للقضاء؛ أي ما سُمّي بقوانين استقلال القضاء ما بين دستورَي 1952 و2001، وكذا مبادرات الإصلاح التي اتُّخذت لتطوير منظومة القضاء، ومراجعة لقانون استقلال القضاء عام 2014 وتعديلات عام 2019. وتقدّم الدراسة أهم الانتقادات والتوصيات في هذا السياق. وتخلص إلى أن هناك تحديات عدة تواجه القضاء، منها فقدان مفهوم القضاء الموحد، وإنشاء محاكم غير تابعة للسلطة القضائية تسيطر عليها السلطة التنفيذية، وعدم توافق قوانين التنظيم القضائي الأردني مع الضمانات الدستورية لاستقلال القضاء.

ويتضمن الملف ورقة سياسات عن العراق، كتبها فراس مكية بعنوان "السلطة القضائية في العراق: إشكاليات الاستقلالية غير المقيدة"، تناول فيها الانحرافات والإشكالات التي نشأت في العراق منذ تجربة الانتقال الديمقراطي عام 2003، التي نجمت عن فصل السلطة القضائية بصورة تامة وغير متوازنة عن بقية السلطات، ومنحها استقلاليةً "مفرطةً" وغير مسؤولة. وترى الورقة أن هذا النمط من الاستقلال أوجد عدة صراعات داخل القضاء ذاته، وأدخله قسرًا ضمن العملية السياسية ومعادلاتها؛ ما أدى إلى تسييسه. وتنتهي الورقة إلى اقتراح عدد من الإصلاحات المؤسسية داخل القضاء، وتورد عدة نماذج مقترحة لإعادة هيكلة السلطة القضائية من الداخل، ولضبط علاقتها بالسلطات الأخرى، وذلك على أساس متوازن، يؤسس لقضاء مستقل ومسؤول، ويكبح تسييس القضاء، ويجنب العراق نشوء "أوليغارشيات أو دكتاتوريات قضائية".

ومن خارج الملف، يتضمن العدد دراستين، جاءت الأولى بعنوان "حجم الحكومة والنموّ الاقتصادي: أثر الربيع العربي" لكاتبها محمّد جابر السيد. تهدف هذه الدراسة إلى دراسة العلاقة السببية بين حجم الحكومة والنموّ الاقتصادي في عدد من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط خلال الفترة 2000-2020، وتأثير ثورات الربيع العربي أيضًا في هذه العلاقة، وكذلك اختبار العلاقة غير الخطّية بين حجم الحكومة والنموّ الاقتصادي أو ما يعرف بمنحنى بارس، الذي يحدّد الحجم الأمثل للحكومة، وذلك باستخدام منهجية تحديد العتبات أو الحدود. وتشير نتائج الدراسة إلى وجود علاقة سببية بين حجم الحكومة والنموّ الاقتصادي، وأنّ زيادة الإنفاق الحكومي الاستهلاكي بمقدار 1% قد أدّت إلى انخفاض معدّل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2.4% لإجمالي دول العيّنة خلال فترة الدراسة. وتؤكّد النتائج كذلك التأثير الجوهري لثورات الربيع العربي في حجم الحكومة وعلاقته بالنموّ الاقتصادي بعد عام 2011 إلى نهاية فترة الدراسة مقارنة بالفترة التي سبقتها؛ الأمر الذي يشير إلى العلاقة غير الخطّية بين الإنفاق الحكومي والنموّ الاقتصادي. وأخيرًا، تُظهر النتائج وجود منحنى بارس في الدول التي شهدت ثورات، ومن خلال ذلك تبيّن أنّ الحجم الأمثل للحكومة يتحدّد بنسبة إنفاق حكومي تبلغ 9.75% من الناتج المحلّي الإجمالي في المتوسّط.

أما الدراسة الثانية فقد كتبها محمد جمال علي، بعنوان "بيت الزكاة والصدقات المصري: الدور الاجتماعي للأزهر بين خدمة المجتمع ودعم الدولة". تناقش الدراسة بيت الزكاة والصدقات المصري باعتباره نموذجًا للحضور الأزهري في المجال العام في مرحلة ما بعد 30 حزيران/ يونيو 2013. وتتساءل عن الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لنشاط المؤسسة، وآثار هذه الأنشطة في علاقات الدولة والمجتمع، وفي موقع مؤسسة الأزهر من هذه العلاقات. وتعتمد الدراسة في تحليلها على مفهوم "المجال المشترك"، وهو نموذج نظري يفترض أن الوضع المثالي للأزهر وممارساته في المجال العام هو أن يُسهم في تعزيز العلاقات التعاونية بين المجتمع والدولة بما يعكس مصالح الطرفين. وتخلص الدراسة إلى أن سياسات بيت الزكاة تدعم الدولة جزئيًا في تمرير سياساتها الاقتصادية التقشفية وتُعوض قلة الإنفاق العام على القطاعات الخدمية، وذلك باستخدام أموال المتبرعين. ثم يُسهم البيت في تعزيز قوة الأزهر في علاقاته بالدولة والمجتمع، وتستفيد فئات فقيرة من المساعدات والإعانات التي يقدمها. لكن يظل المجتمع أقل الأطراف استفادة من نشاط المؤسسة مقارنة بالدولة والأزهر.

يحتوي العدد كذلك على دراسة مترجمة بعنوان "النظم السياسية وحكم القانون: استقلال القضاء من منظور مقارن"، لغريتشن هيلمكه وفرانسيس روزنبلوت، ترجمها ثائر ديب. تنطلق الدراسة من بحث المقولة الشائعة "إنّ الاستقلال القضائي وحكم القانون سمتان أساسيّتان للديمقراطية المعاصرة". وتستند الباحثتان في ذلك إلى الأدبيات المقارنة المتزايدة عن المحاكم، بالتركيز على سؤالين محوريين: كيف يؤثّر نمط النظام السياسي في استقلال القضاء؟ وهل المحاكم المستقلة ضرورية دومًا لتأسيس حكم القانون؟ ومن خلال إلقاء الضوء على دور التجزّؤ المؤسّسي والرأي العام، توضح الدراسة ما يجعل النظم الديمقراطية أقرب من النظم الدكتاتورية إلى إقامة المحاكم المستقلة وحكم القانون. وتأخذ الدراسة في الاعتبار أيضًا معضلة عدم الاستقرار المؤسّسي التي تسم المحاكم في العديد من البلدان النامية، وتشير إلى عدد من الأسباب التي يمكن أن تحول دون أن تكون الديمقراطية فعّالة على الدوام في قيام أيّ منهما. وتبيّن، أخيرًا، أن المحاكم المستقلّة ليست ضرورية دومًا لحكم القانون، ولا سيما حيث يكون دعم الحقوق الفردية منتشرًا نوعًا ما.

وأخيرًا في باب "مراجعات وعروض كتب"، يشمل العدد عرضًا لكتاب القضاة والتحول الديمقراطي: استقلال القضاء في الديمقراطيات الحديثة، أعدته هالة عبد الجواد. يناقش الكتاب موضوع استقلال القضاء في إطار التحوّل نحو الديمقراطية، ويرتكز على حجة رئيسة مفادها حتمية تحقق مبدأ استقلال القضاء حتى تتحقق سيادة القانون، الذي من دونه لا يمكن حدوث تحوّل ديمقراطي حقيقي. يقوم الكتاب بتشبيك هذه المفاهيم الثلاثة، فيجعل من مبدأ استقلال القضاء جزءًا لا يتجزأ من مبدأ سيادة القانون من ناحية، ومن سيادة القانون مؤشرًا جوهريًا للحكم على مدى نجاح عملية تحوّل الأنظمة السياسية نحو الديمقراطية من ناحية أخرى. ويعمد الكتاب إلى إيجاد علاقة مباشرة بين مبدأ استقلال القضاء والديمقراطية، حيث يجعل الأول أحد المكوّنات الأساسية الدالّة على التحوّل الديمقراطي.

وأخيرا، قدّم عبده موسى البرماوي عرضًا لتقرير مؤشر استعداد الحكومة للذكاء الاصطناعي 2022، الصادر عن مؤسسة "أكسفورد إنسايتس" بنسخته السادسة. يرصد التقرير أوضاع الحكومات على مسار الاستعداد للذكاء الاصطناعي في أكثر من 180 دولة حول العالم، ويكثّف النظر في محاور ثلاثة، أولها محور الحكومة، الذي يُعني بفحص مدى امتلاك الحكومة لرؤية واضحة عن كيفية استيعاب الذكاء الاصطناعي وتشغيله، ومدى عنايتها بإصدار القواعد التنظيمية والضوابط الأخلاقية المعززة لاستخدامه على نحو آمن وموثوق. ويندرج ضمن هذا المحور تقييم قدرات الحكومات على صعيد الأفراد وتأهلهم وامتلاكهم الخبرات اللازمة، وكذا تراكم الممارسات وثقافة العمل التي تمكّن المؤسسات الحكومية من التكيف مع الذكاء الاصطناعي وتحدياته. أما المحور الثاني فهو محور قطاع الأعمال، الذي ينظر في تأهّب هذا القطاع، وبخاصة القطاع التكنولوجي، للذكاء الاصطناعي، ومدى استعداد شركاته لتوفير حاجة الحكومة من التجهيزات والتطبيقات وغير ذلك من موارد تكفل استيعاب تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي وتشغيلها. ويشمل المحور كذلك تقييم مدى تمتّع القطاع التكنولوجي بالقدرات القيادية للتفكير والتوجيه، ومدى استعداده للدفع في استثمارات البحوث والتطوير، ومدى تمتّع القطاع بمستوى جيد من رأس المال البشري المعدّ أكاديميًا وتدريبيًا. والمحور الثالث هو محور المحتوى المعلوماتي المغذّي لنظم الذكاء الاصطناعي، وما يتصل بإعداده وتجهيزه وفق متطلبات أنظمة الذكاء الاصطناعي. يتضمن المحور تقييم مدى توافر بيانات جيدة مهيَّأة لمتطلبات التعليم العميق والتغذية المعلوماتية لنظم الذكاء الاصطناعي، ومدى مناسبتها لنماذج التوليد اللغوي وتعلّم الآلات، وكذا مدى خلو البيانات من الأخطاء والتحيزات وملامح التمييز المخلّة بالعدالة الاجتماعية.

التعليقات