08/10/2010 - 15:55

تاريخُ المسرحِ الفلسطينيّ

عرف التمثيل المسرحي أو "الرواية التمثيلية" أو "فن التمثيل" في فترة متأخرة جداً من مرحلة النهضة. وكانت هذه البداية المتأخرة عسيرة في فلسطين بالمقارنة مع غيرها من الأقاليم العربية، وذلك بسبب جملة العوامل التي كانت تتحكم في تطور ونهوض هذه الأقاليم في مختلف المجالات التعليمية والفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية؛ والتي كانت استجابة تلقائية للسياسة التي كان يعتمدها الاحتلال التركي في هذه الأقاليم من جهة.

تاريخُ المسرحِ الفلسطينيّ
عرف التمثيل المسرحي أو "الرواية التمثيلية" أو "فن التمثيل" في فترة متأخرة جداً من مرحلة النهضة. وكانت هذه البداية المتأخرة عسيرة في فلسطين بالمقارنة مع غيرها من الأقاليم العربية، وذلك بسبب جملة العوامل التي كانت تتحكم في تطور ونهوض هذه الأقاليم في مختلف المجالات التعليمية والفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية؛ والتي كانت استجابة تلقائية للسياسة التي كان يعتمدها الاحتلال التركي في هذه الأقاليم من جهة.
وكذلك بسبب الجهل والأمية التي كانت سائدة فيها كإحدى أبرز النتائج الصارخة لتلك السياسة التي أوهم الناس في ضوئها بأنه ما دام الحاكم في استنبول مسلماً فالدولة بكل رعاياها، على اختلاف قومياتهم هي دولة المسلمين. والحاكم حتى وإن كان من قومية أخرى فهو ليس محتلاً، والخروج عليه طعن في إجماع المسلمين. وبسبب سيادة هذا المفهوم الجهلوي رضخت الأقاليم العربية تحت نير الاستعمار التركي البغيض أربعة قرون.
وكما كان التعليم المدرسي وتطوره هو حجر الأساس في كل مدماك من مداميك صرح النهضة القومية، فقد كان هو بالنسبة لفن التمثيل وتخصصاته المختلفة، البداية والمنطق أيضاً. وحيث ابتدأ التعليم بمفهومه الحديث في المدن العربية على يد الإرساليات الأجنبية: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأمريكية والروسية والنمساوية والإيطالية وغيرها، وعبر كنائسها ومؤسساتها في بلاد الشرق العربي، فإنه قد سجل لمدارس هذه الإرساليات شرف السبق في نقل النوع الجديد من المعارف إلى الثقافة العربية الجديدة، وذلك منذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
لقد اشتملت المناهج المقررة للتدريس في مؤسسات الإرساليات الأجنبية التعليمية على مواضيع مختلفة من أنواع الأدب، وكان بضمنها مسرحيات لمشاهير الكتاب الفرنسيين والإنجليز واليونانيين، وكان من بينهم: موليير وراسين وفولتير وكورناي وشكسبير وغيرهم.
لقد كان أدباء العقود الأولى من مرحلة النهضة إما مدرسي المؤسسات التعليمية للإرساليات الأجنبية، أو خريجي هذه المؤسسات. وأما الإدارات التعليمية لهذه المؤسسات، فبقدر ما كانت معنية بتعليم طلابها، فقد كانت في غاية الاهتمام بإطلاع الجمهور على الثقافة الأوربية التي تنتمي إليها كل واحدة من مدارس الإرساليات. ولذا فقد عمدت في مجال المسرح إلى ترجمة الروايات والمسرحيات الأوروبية إلى العربية بأسلوب يتلاءم مع الذوق العربي يوم ذاك. وأخذت ندرب طلابها على تمثيل المسرحيات أمام زملائهم أولاً، ثم أمام ذويهم وأبناء مدينتهم بعد ذلك. وقد أسست نجاحات التجارب الأولى للتمثيل المدرسي، وما استطاعت الاستحواذ عليه من قبول شعبي، المقدمة الأولى لظهور المسرح العربي، وقيام الفرق المسرحية العديدة والمدارس المسرحية العربية المختلفة.
ويعتبر مارون النقاش ليس رائداً في المسرح العربي فحسب، وإنما مؤسساً لاتجاه طلائعي فيه، استلهمه من بعد وفاته ابن أخيه سليم النقاش، الذي كان يرى أن المسرح هو أداة التغيير وسراج التنوير. وقد اضطر بسبب أفكاره وحظورة ترجمتها على المسرح، أن يهاجر هو وشلة من المسرحيين من بينهم فرح أنطون وسليم بطرس البستاني إلى مصر هرباً من ملاحقة سلطات الاحتلال التركي لهم بسبب مواقفهم ومسرحياته.
وكان من بين رواد المسرح العربي أحمد أبو خليل القباني الذي أدخل الغناء والإنشاد والرقص على العمل المسرحي وجعل منها الأساس الذي تقوم عليه المسرحية، بغض النظر عن جودة النص الأدبي. كما رأى أن تدني مستوى الجودة في النص، خصوصاً عندما يكون قصصاً شعبياً أو سيرة ملحمية، يمكن تعويضه بالموسيقى والإنشاد والحركات الراقصة. وقد ساعد هذا المفهوم فيما بعد على ظهور بواكير فن الأوبريت الغنائي في البلاد العربية.
ويذكر مؤرخو الآداب والفنون أن يعقوب صنّوع هو أيضاً من الرواد الأوائل في المسرح الذين اطلّعوا على الأعمال المسرحية الغربية وأخذوا يحاكونها بالعربية. فقد ألف يعقوب فرقته المسرحية وألف لها المسرحيات التي كان يدخل فيها الغناء الشعبي والنكات اللفظية وحركات الفكاهة. وكانت مسرحياته انتقادية تتناول مظاهر التخلف والظلم والفساد في المجتمع المصري.
لقد شكلت أعمال الرواد الثلاثة ومفاهيمهم في العمل المسرحي الأنماط الأساسية للمسرح العربي التي سار على هديها المسرحيون العرب. وظل المسرح العربي حتى اليوم يتحرك في الإطار الذي شكلته هذه الأنماط والتطور الذي شهده كل واحد منها.
كان الواقع الثقافي في فلسطين متماثلاً مع ما هو عليه في الأقاليم العربية الأخرى في الدولة التركية، وربما كان أكثر سوءاً في بعض جوانبه أيضاً؛ خصوصاً وأن ظهور المعاهد العلمية للإرساليات الأجنبية جاء متأخراً عنه في لبنان مثلاً. وهذا الأمر كان له تأثير سلبي على تطور المستوى التعليمي في البلاد، لا سيما وأن التعليم الحكومي كان ضئيلاً ومحدوداً ويكاد يكون مقتصراً على بعض المدن الكبرى. وأكثر من ذلك فإنه في مرحلة معينة كانت ألوية القدس وعكا ونابلس تخلو من أي من أنواع التعليم العربي الحكومي الثانوي والعالي. وأكثر من ذلك أنه لم يكن فيها أي مدرسة حكومية متوسطة حتى عام 1889، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة الأمية وتفشي الجهل، وكان هذا الأمر مرشحاً لخطورة أفدح على المجتمع الفلسطيني لولا تزايد النشاط في مجال التعليم والإرساليات الدينية والتعليمية في الأراضي المقدسة. وكانت النتيجة المباشرة لذلك ازدياد عدد المدارس واتساع الأفاق الثقافية، وتطور مستوى اللغة العربية لأنها أصبحت اللغة الرسمية في مدارس الإرساليات وازدياد عدد اللغات الأجنبية التي أخذت نسبة من الطلاب تعرفها أو تجيدها حيث كانت المدارس روسية وإيطالية وفرنسية وإنجليزية وألمانية. وقد تطور التعليم في مؤسسات الإرساليات بعد إقامتها معاهد التعليم العالي، كمدرسة المعلمين التي كان يديرها الألمان ومعهد المعلمين في الناصرة ومعهد المعلمات في بيت جالا أقامتها الجمعية الأرثوذكسية الروسية الفلسطينية.
لقد تخرج من هذه المدارس طليعة مثقفة كان لها دور حيوي وريادي في مختلف مجالات الحياة في فلسطين. وقد تعزز هذا الدور بشكل بارز نتيجة المساهمات القيادية الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي أخذ يقدمها الجامعيون العائدون من بلاد الإغتراب إلى البلاد، والذين كانت قد أوفدتهم إدارات المدارس والمعاهد إلى جامعات ومعاهد البلدان التي تنتمي إليها، وكذلك الخريجون الذين أكملوا دراساتهم الجامعية العليا في البلدان الأوروبية على نفقتهم الخاصة. وفي هذا السياق يمكننا القول أن الدور الريادي لهذه الطليعة قد وجد تجلياته الأكثر بروزاً في مجالات التعليم والثقافة بعامة وفي القصة والرواية والنقد الأدبي والمسرحية بخاصة.
إن التعليم الخاص، وفي مدارس الإرساليات الأجنبية على وجه التحديد، كان سلاح المقاومة الباري الذي أُشهر في وجه سياسة التتريك، وهو أمنع الأسيجة التي حمت الثقافة العربية من الإندحار، كما كان حاضنة ميلاد النهضة القومية العربية المعاصرة ومرتكزها لتحقيق أهدافها المختلفة.
لقد تعلم طلاب فلسطين في صفوف مدارس ومعاهد الإرساليات الأجنبية أنواعاً جديدة من الآداب والفنون باللغات الأجنبية مباشرة أو مترجمة إلى اللغة العربية، واتسعت تدريجياً آفاقهم الثقافية في مناخ الإعتناء بأصالة الأدب العربي الذي أخذوا يعلمونه في مدارسهم، وكذلك من الإطلاع على الآداب الأجنبية التي أصبحت متوفرة بلغتها الأم أو مترجمة للغة العربية. وحيث كان مفهوم الترجمة في السابق يكاد يكون مقتصراً على نقل النص من اللغة التركية إلى العربية أو العكس، فإنه في المرحلة الجديدة من حياة الثقافة الفلسطينية المعاصرة تجاوز ذلك بكثير، وأخذ يطال لغات أخرى كالروسية والألمانية والفرنسية والإنجليزية واليونانية والنمساوية وغيرها. وبسبب الإعتناء بالترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، تمكن طلاب المدارس والمؤسسات وأساتذتها، وكذلك المثقفون والسياسيون من بلوغ معارف جديدة في الثقافة الإنسانية كالروايات والمسرحيات وفن التمثيل والنقد المقارن وغيرها.
ومع أن المراجع التاريخية تشير إلى أنه كان هناك عمل مسرحي عبري في فلسطين ابتدء منذ تكرس القرى والموشافات اليهودية كتجمعات سكنية تتمتع بمقومات نظم إدارية، فإن وظيفة تلك الأعمال المسرحية التي تعتبر مسرحية "الله كريم" التي عرضت سنة 1912من أولاها قد ركزت طيلة العشرين سنة الأولى من القرن العشرين على اعتبار العربي "أسير الخيال"، اليهودي دائماً. ولكن تلك المراجع لم تشر إلى أية بدايات لظهور المسرح الفلسطيني، زماناً أو مكاناً، ولا إلى أي عمل مسرحي ابتدأت به الحياة المسرحية الفلسطينية.
لقد ولد المسرح الفلسطيني في بداية القرن العشرين في أفياء وداخل حرمات المؤسسات التعليمية للإرساليات الأجنبية، وذلك بعد أن اطلع الطلاب على المسرحيات الأجنبية وقيام أساتذتهم بترجمتها. وأخذوا يقومون بالإشتراك مع أساتذتهم بتمثيلها في مدارسهم ومعاهدهم أولاً، ثم معاودة تمثيلها في الأندية في المدن والبلدات، وفي دور السينما حيث وجدت في المدن.
وتعلم الناس تدريجياً أن التأدية الإلقائية للمسرحية تسمى تمثيلاً، وأن الناس الذين يقومون بالتأدية هم ممثلون. وأن المكان الذي تجري فيه عملية التأدية يسمى مسرحاً. وشيئاً فشيئاً بدأ المثقفون يتعرفون على المسرح باعتباره نوعاً من الآداب، وله علومه ونظرياته واتجاهاته وأدواته وطرائقه وأساليبه وتقنياته؛ وكذلك له دوره المشهود في حياة الشعوب الثقافية.
وبعد أن بلغت حركة النهضة القومية بعض أهدافها السياسية في بداية القرن العشرين، كانت الحركة الثقافية العربية قد بلغت هي الأخرى ذرىً سامقة، تمثلت بتجليات شهرة وتأثير في معظم البلدان العربية. وقد انعكست تلك التمثلات في فلسطين بتزايد تشكيل الجمعيات والأندية والمؤسسات الثقافية في المدن والقرى أيضاً. كما أخذت تتأسس الفرق التمثيلية والفنية كأنشطة تعتني بها الأندية والجمعيات. وبعد أن اتسع النشاط التمثيلي وازداد إقبال الجمهور على المسرح، بدأ المثقفون اهتمامهم التخصصي بالمسرح، وأخذوا يشكلون حلقات أدبية له. كما أخذت الصحف تعتني بتغطية أخبار المسرح. وازداد نشاط المثقفين في تأسيس جمعيات للتمثيل المسرحي وإنشاء فرق تمثيلية أخذت تمّسرح الروايات الأجنبية المترجمة وتمثلها، وتمثل كذلك المسرحيات الأجنبية المترجمة أيضاً، وتستضيف فرقاً تمثيلية وطنية وعربية أيضاً.
شهد مطلع القرن العشرين محاولات فلسطينية جادة لتطوير الواقع المسرحي والترويج لفن التمثيل باعتباره وسيلة أداء فنية مؤثرة. وقد تجسدت تلك المحاولات عبر إنشاء جمعيات التمثيل والفرق المسرحية التي كانت بدأت في حيفا، حيث أُنشئت جمعية التمثيل الأدبي. ثم تلاها وفي نفس الفترة وبعدها بقليل إنشاء عدة فرق تمثيلية منها: "جمعية الشبيبة المسيحية" التي كان يترأسها أديب جدع، و"فرقة الكرمل التمثيلية" التي كان يترأسها الممثل اسكندر أيوب، وقد مثلت رواية "هملت" لوليم شكسبير، وكانت من أقوى الفرق التي وصلت إلى مستوى جيد في الإخراج والتمثيل. وكان إلى جانب هاتين الجمعيتين "فرقة جمعية الشبان المسلمين".
وأقيمت في يافا "فرقة الشبيبة الأرثوذكسية " و"فرقة نادي الشبيبة الأرثوذكسية" في بيت لحم.أما في القدس فكان النشاط المسرحي قد بلغ مستوى ملحوظاً في تلك الفترة، حيث كانت الجمعيات والمؤسسات الأدبية قد أنشئت من ذي قبلّ، وقد تطورت اهتماماتها الثقافية والأدبية وبضمنها التمثيلية بشكل واسع ومتقدم. ويمكننا القول على هذا الصعيد إن "نادي المنتدى الأدبي" قد قام عام 1915 بتمثيل رواية "صلاح الدين الأيوبي" لمؤلفها فرح أنطون في "قهوة المعارف" بباب الخليل. وبعد ذلك قامت الفرقة بتمثيل رواية "لصوص الغاب " للكاتب والفيلسوف الألماني نيتشه.
بعد أن وقعت فلسطين تحت الإحتلال البريطاني أخذ الإنجليز يحضرون فرق تمثيل إنجليزية إلى القدس. وقد عرضت هذه الفرق بين عامي 1919و 1922، بعض المسرحيات الشهيرة وكان من بينها مسرحيتا "هملت" و "ماكبث" للكاتب الإنجليزي الشهير وليم شكسبير. وقد تأسس في القدس خلال الفترة عدد من الجمعيات والفرق الأدبية والفنية من بينها: "فرقة نادي الشبيبة الأرثوذكسية " و "فرقة نادي الشبان المسلمين" و "جمعية الفنون والتمثيل" و "فرقة النادي العربي" وغيرها.
وإذا كانت المصادر التاريخية تشير إلى الدور الريادي في تأسيس ونمو الحركة المسرحية الفلسطينية للمثقفين خليل بيدس مؤسس صحيفة "النفائس" والشيخ محمد الصالح مؤسس مدرسة "روضة المعارف الوطنية"، فإنها تأتي في الوقت نفسه على ذكر عدد كبير من الأدباء الفلسطينيين الذين يضمّهم سجل الأوائل المسرحيين، ومن أبرزهم الكاتب الأديب محمد عزت دروزة صاحب رواية "وفود النعمان على كسرى أنو شروان" التي طبعت في بيروت عام 1911، والتي تعتبر من أولى المسرحيات الفلسطينية المؤلفة. وقد حولت هذه الرواية إلى مسرحية قام بتمثيلها طلاب مدرسة "النجاح الوطنية" في نابلس عندما تولى دروزة إدارتها في مطلع العشرينيات من القرن الماضي.
ويعتبر الكاتب الصحافي نجيب نصار، صاحب ومحرر جريدة "الكرمل " الحيفاوية من أوائل كتاب المسرحية الفلسطينية، وقد وضع عام 1914 مسرحية "شيم العرب" وهي مسرحية في أربعة فصول، تهدف إلى التعريف بمآثر ومفاخر الأدباء والأجداد، وتصف عاداتهم وتقاليدهم وتدعو الأجيال الجديدة إلى الأخذ بها وتمثلها في سلوكهم اليومي.
ووضع الكاتب الأديب بندلي صليبا الجوزي عدداً من المسرحيات استهلها عام 1915 وواصل تأليفها في السنين اللاحقة حتى مطلع العشرينيات من القرن الماضي، حيث أخذ يكتب مسرحياته فصولاً تعالج مشكلات المجتمع الفلسطيني، وتدعو إلى الإقبال على العلم. وكان من بين أهم المسرحيات التي ألفها في العشرينيات مسرحية "لا بدّ للحب أن ينتصر"، ومسرحية "أمي" التي مثلتها وغنت أدوارها سيدات وآنسات نادي الشابات الأرثوذكسيات في القدس.
في أوائل العشرينيات من القرن الماضي برز اسم الأديب جميل البحري صاحب ومحرر مجلة "الزهرة" الحيفاوية، كمؤلف مسرحي غزير الإنتاج؛ وتتناول مسرحياته مواضيع مختلفة. ومع أن تدفق تلك الغزارة ظهر جلياً في منتصف العقد الثاني من عشرينيات القرن الماضي، إلا أن المراجع الأدبية التاريخية أشارت إلى أن جميل البحري قد ألف مسرحيات كثيرة قبل ذلك مثل مسرحية "قاتل أخيه" التي ألفها عام 1921م، ومسرحية "سجين القصر" عام 1920م، ومسرحية "بنكرتسون واللص الظريف" عام 1921م، ومسرحية "الوطن المحبوب" عام 1922، وغيرها. وكانت هذه المسرحيات مؤلفه أو مقتبسة بتصرف، أو مترجمة عن اللغة الفرنسية.
ويمكن القول في هذا السياق "إن الترجمة في تلك الفترة قد اضطلعت فيها الصحافة الوطنية بدور حيوي في الاعتناء بالمسرح ورعايته، وقد أدّت وظيفة مركزية تمثلت بإثراء الأنواع الأدبية، وفي زيادة أجناس الأدوات والأساليب الكتابية للمثقفين الفلسطينيين. وهو الأمر الذي أهلهم للشهرة التي تجاوزت واقعهم المحلي فوصلت إلى محيطهم الوطني وإلى أفقهم العربي. فمثلاً حين طبعت رواية "قاتل أخيه" للكاتب جميل البحري بعد انتهاء الحرب أوائل عام 1919، لاقت رواجاً كبيراً. وقد أقبل عليها عشاق التمثيل الأدبي في البلاد مقرظينها نثراً ونظماً. وقد دفع هذا الأمر بالكاتب الأديب جميل البحري لأن يتابع السير في هذا السبيل، ولأن تمثل هذه الرواية بعد مسرحتها على مسارح المدن الفلسطينية المختلفة، وكذلك على المسارح السورية وغيرها من البلدان العربية الأخر.
وللأسباب نفسها أيضاً بدت إستجابة الكاتب الأديب جميل البحري لمطالب جمعيات التمثيل الأدبي التي أنشئت منذ مطلع القرن العشرين بالمداومة على الكتابة المسرحية، وإتباع روايته "قاتل أخيه" بحلقات أخرى وتمثيليات أخرى غيرها مثلت على خشبات مسارح المدارس في معظم أنحاء البلاد.
ومع أن بعض الباحثين يصرً على ألا يرى في نشوء ونمو الحركة المسرحية الفلسطينية إلا مظاهر الوهن والمحدودية وعدم القدرة على الارتقاء إلى الذرى التي بلغتها مثيلاتها في البلدان العربية المجاورة، لأسباب تتصل بتطورات الأوضاع السياسية التي أخذت تعيشها فلسطين منذ مطلع القرن العشرين، إلا أن حقائق الواقع قد لحظت المصاعب التي ترتبت على الأوضاع السياسية والإعاقات التي شكلتها تلك المصاعب وتفاعلاتها على نمو وتطور الحركة المسرحية الفلسطينية، ولكنها لحظت معها أيضاً السمات الحيوية التي أخذ يتمتع بها المسرح الفلسطيني نصاً وتمثيلاً وإخراجاً وتكنيكاً وخصوصاً أن هذه الحركة لم تقتصر على المسرحيات التي ألفها أو اقتبسها بتصرف أو ترجمها أدباء فلسطينيون وعرب فحسب، وإنما اهتم بعض الأدباء الفلسطينيين بتأليف مسرحيات باللغات الأجنبية. وعلى هذا الصعيد يمكننا القول أن عزيز ضومط من أبناء حيفا قد تبوء مركز الصدارة المسرحية في مجال التأليف باللغة الألمانية، وكذلك في مجال الترجمة والتمثيل في هذه اللغة أيضاً. وكان عزيز ضومط قد بدأ تأليف المسرحيات إلى جانب أعمال أدبية أخرى منذ وقت مبكر من أوائل القرن الماضي، واستمر في الإبداع الأدبي باللغة الألمانية حتى نهاية النصف الأول من ذلك القرن.
وتذكر المصادر التاريخية في هذا الخصوص أنه بفضل الترجمة عرفت البلدان الأوروبية بالآداب العربية. وأن بعض المثقفين أخذوا ينتجون آداباً باللغات الأجنبية. ومع أنه لم تسمع بهم شعوبهم فإنهم أخذوا شهرة أدبية ومكانة ثقافية رفيعة في البلدان الأجنبية التي كانوا يقيمون فيها. وقد "كان هناك شاب شرقي عربي يكاد وطنه يجهل شخصيته بينما دوائر برلين الأدبية ومسارحها التمثيلية تتغنى بعبقريته... وقد بذل جهداً كبيراً في سبيل الأدب العربي في أنحاء ألمانيا. فوضع الروايات التمثيلية الحافلة بمآثر العرب، وقام بالكتابة في صحف ألمانيا عن التراث العربي، وقام بإنشاد الشعر العربي في الأندية الألمانية... وكان ذلك هو الشاب الفلسطيني عزيز ضومط.. وآخر رواية وضعها كانت "والي عكا"، وقد مثلت لأول مرة على مسرح بلدية شترالسون فنالت استحساناً كبيراً.. وفي هذا السياق يمكن القول أيضاً إن الأديب خليل بيدس قد نقل إلى الروسية عن طريق الترجمة رواية "المملوك الشارد" للأديب جورجي زيدان.
إن المكانة المرموقة التي أصبح المسرح والعاملون فيه يحتلونها في المجتمع وخصوصاً لدى فئات واسعة من الطبقة البرجوازية، وأوساط كثيرة من الأرستقراطية الفلسطينية وجمهرة كبيرة من المثقفين ومدراء المدارس والمعاهد وأساتذتها، قد شجعت الكثيرين على الإنخراط في العمل المسرحي والإهتمام به ورعايته. "وهذا الأمر مكّن المرأة أخيراً من المشاركة في الحركة المسرحية بما في ذلك الأدوار التمثيلية إلى جانب الرجل على خشبة المسرح. وقد أبدعت المرأة في أداء هذا الدور. فتأهلت بسبب ذلك بعض النساء من أمثال: أسماء خوري وثريا أيوب لحمل لقب ممثلة مسرحية بجدارة. وإذا كان الفلسطينيون بفضل الترجمة الأدبية والمسرحية قد أخذوا يعرفون اسم شكسبير كروائي إنجليزي، فإن هذه المعرفة قد حققتلهم ظهور فنانين مسرحيين فلسطينيين ومعرفة الجمهور الفلسطيني لهم بعد أن قاموا بتمثيل مسرحيات شكسبير بإجادة واحترفوا التمثيل والانتماء إلى مهن الحركة المسرحية. وكان من بين أشهرهم في مرحلة التأسيس المترجم الأديب طانيوس عبده، والمخرج الأديب جميل إلياس خوري، والفنان الممثل إسكندر أيوب
كانت المسرحيات الفلسطينية السردية منها والشعرية سواء كانت مؤلفة أو مقتبسة بتصرف، أو مترجمة، تعالج المشكلات الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها البلاد ويرزح تحت وطأتها المجتمع الفلسطيني. وكانت المسرحيات تتناول الموضوعات التاريخية الوطنية أيضاً. وتهدف إلى حث الأجيال على المحافظة على التراث الوطني والعربي. وغالباً ما كان على رأس أولويات استهداف المسرحيات تحليل الأوضاع التي ألمت بفلسطين وتقديم رؤى لمعالجتها.
وتشير معطيات المصادر الأدبية إلى اتسام العمل المسرحي منذ وقت مبكر بالإهتمام بحمل هموم الناس السياسية والإجتماعية والإنخراط في الفعل الجمعي من أجل حلها أو مواجهة تفاعلاتها. وهذا جعل المسرح الفلسطيني يحدد ومنذ بداياته رسالته الوطنية باعتباره جزءاً من حركة الشعب الكفاحية. وبذلك فقد اكتسب المسرح المواصفات التي جعلت لون هويته وطنياً واجتماعياً ملتزماً.
لقد اشتعل الفلسطينيون في المسرح كثيراً، وكان هاجسهم إقامة حركة مسرحية نشيطة ودؤوبة وكذلك تشييد صرح مسرحي عظيم. ولكن ربما كان طغيان الإهتمام السياسي على الإهتمام الثقافي قد منع تحقق مثل ذلك. حيث تركزت جل الجهود على مقاومة الهجرة الصهيونية إلى أرض فلسطين ومقاومة الاحتلال البريطاني الذي تصادفت بداياته مع الشروع في الخطوة الأولى من مشوار طريق الحركة المسرحية. وانصرف العديد من المثقفين والأدباء للمشاركة في الحركة الوطنية بشكل رئيس، وهو الأمر الذي كانت له تأثيراته السلبية على مشاركة الثقافي التخصصية في مجالات الأدب بما فيها المسرح. وبرغم كل ذلك يمكننا القول أنه إذا كان قيام فرق البدايات المسرحية يترجمه المسرحيات الأجنبية وتمثيل هذه الفرق والفرق المدرسية لها مسرحياً، قد وضع حجر الأساس للمعارف الفلسطينية عن المسرح، وإلى ظهور كتاب المسرحيين والممثلين والمخرجين المسرحيين والمشتغلين بالمسرح؛ فإن ذلك قد مثل المنطق لتطوير المسرح وللحركة المسرحية الفلسطينية بكل تنوعات العمل الإختصاصية فيها في المراحل اللاحقة. وهو يعتبر جذر الأساس للحياة المسرحية المتصل بأرومة نشوء الثقافة الفلسطينية.
 
خليل بيدس - من رواد المسرح الفلسطيني.
 
 أم كلثوم في النادي الأدبي الفلسطيني.
 
عرض موسيقي في سينماء الحمراء بيافا.

التعليقات