31/10/2010 - 11:02

"ملامح" زينب حفني تحط في رام الله / عبدالسلام العطاري*

-

" كانت، اكثر من رواية،حين اخترقت المسافات،

لا نعلم كم محطة توقفت بها ملامح

حتى وصلتني من هناك

...شكرا لها .. شكرا لساعي البريد"


"اذا كان حاضرنا له انياب شرسة، الا ترى انه قادر على تمزيق احشاء ماضينا مهما كانت درجة حلاوته"*1 ؟!

اسئلة كثيرة أوجدتها الكاتبة المتميزة، زينب حفني، في روايتها ملامح، التي خلقت فينا وأوجدت الشيء الكثير كي نكتب عنه ونتحدث فيه، رواية الحرب الباردة ما بين الماضي والحاضر والحرب، القذرة، التي خاضتها شخوص الرواية التي لم تجعل او تترك الكاتبة لأي منهم اي غياب وجعلتهم حاضرين حتى اخر مشهد واخر طلقة موت وصرخة تعلن نهاية حياة، واذا كانت المؤثرات الجسدية وحضور الانثى بتفاصيلها هو العامل المحرك لايقاعات النص، فإن هناك ما هو ابعد من ذلك حين نوغل في احشاء التفاصيل وحيثيات تضاريس الجسد عندما نقرأ النص بعقولنا لا بأشياء أخرى.

ملامح، تنقلنا بإبداع ودقة متميزة على إيقاع ضبط بأدوات فنية وحرفة عالية لا تترك لك مجالا ان تاخذ استراحة خلال ايغالنا في الرواية، اي بمعنى اخر منذ اللحظة التي تبدأ بقراءتها تنسى الوقت، وعامل الزمن يتوقف او يستمر، المهم لا شأن لك بهما الى ان تجد نفسك برغبة اكيدة للعودة مرة اخرى الى حيث يعرض لك جان جاك روسو نفسه على حقيقتها.

الحاضر عند زينب حفني له انياب شرسة تمزق احشاء الماضي او ثورة دموية لا تعترف بغير الاحكام بقبضة تمزق كبد الماضي وحتى الحاضر نفسه، وصراع الاضداد الحاضر بكل قوة هو سر جمال وابداع هذه الرواية، الحاضر المثخن بجراح الماضي بالآمه، بصراخ زاهر وبكائية الهزيع الاخير من الليل، والانزواء في غرف تحتار اين تبكي فيها او عليها.

الماضي المتواضع التي مثلته الأم الطيبة او الأمومة الجميلة الوادعه والاحلام البسيطة التي كانت تفصّل على طول جسد متوسط، يحمل طوق نجاة لو كان المندل حاضراً، لتجنبنا اماكن الخطر والمحظور والموت المحقق بين أروقة جُدر تفصلنا عن عوالم الحقيقة البسيطة، وغرف النوم المتلاصقة وصالون الضيوف الدافيء البسيط الجميل.

" البُله فقط من يفرطون بحقوقهم"*2

اذا كانت المسارات في ملامح أزقة ضيقة على شخوصها كانت طرقات شاسعة وفضاء رحب يتسع لحجم الخيالات، ونجد انفسنا نعيش أدق التفاصيل فيها، نجلس قرب مذياع هرِم قديم، وصوت كان يبعث على الامل بالأنتصار، وان كانت الهزيمة آخر نبرات تجعل أبا جميلا يبكي على آخر القلاع العربية بعد نكسة.

هذا ما يجعلنا نعلن قوة الابداع وعمق ثقافة تمتلكها الرواية والروائية حين أرادت ان تُبكي الوالد الطيب، اوجدت له ما يبرر بكاءه (احتلال فلسطين) مشهد قومي ومضمون عُروبي يجعل للبكاء معنى وقدر واهمية، ربما تريد صديقتنا ان تبرر البكاء الذي يرد فيما بعد انه لا يقل اهمية عن ذلك الحدث القومي، ولا تقف الرواية عند هذا البعد، لنجد ما هو ابعد من ذلك، بُعدا اممياً مثّلًهُ زاهر الذي ورث ملامح المخزون من الكبت والقهر وبنى حياته على ان لا قيمة للمادة مقابل ان تكون الروح غنية بمضامنيها، ليكون الاكثر اتقاء واكثر ورعاً، على نقيض حالة التشرذم والانحطاط الذي كانت عليه أسرته وزَهَدَ عن ملكوت المادة، ليبحث عن وجه الله، والحنان الذي فارقه في بيت لا تُدَفّئه كل آبار النفط، ليتدثر رحم (ارض السواد) لنجد انه يخرج من بين بيت، او مشرع بيت، يظن انه بعيد عن كل ما له علاقة بأحداث الكون او منغصاته والغرق في ملاذاتها، شخص زاهد من وجهة نظر الكثيرين صالحا مناضلا لا ارهابيا.

ويبقى زاهر الذكرى الخشنة التي ترافق حسين من حيث صراع الشك حول ابوته والتي لم تظهر بشكل واضح وهذا لا يعيب النص بقدر ما يضاف الى جماله وابداعه.

"صدقوني ...لا شيء له قاعدة اخلاقية "*3

ملامح، وشاية تنفي انه لا شيء هناك يستحق حين نقع تحت نفي الاخلاق، أيّ حماقة نرتكبها، نحن الشعراء، حين نظن ان عالمنا خالٍ من الضغائن والاحقاد ونرسم حياتنا دائما بلون النرجس ونزرع مداخل قصائدنا وروداً ونصنع جنتنا على ارض تحمل في باطنها براكين وزلازل وانهيارات تفاجئنا دائما!

ليست بحاجة الى تصديق او تعليل او مبررات، ما ان تصعد سلالم الـ (ملامح) حتى تجد كل تلك النبوءات كاذبة، وان المادة وسخ الحياة، ونجلس قرب جسد (ثريا) ونعيد الكرّة لأسئلة تحتاج الى اجوبة، وان كانت زينب قد سرّبتها ولم تجعل لنا غير ان ننسخها كي نخرج بامتياز وتفوق، ونعود الى ما كُنّا عليه (اذا كان حاضرنا له انياب شرسة، الا ترى انه قادر على تمزيق احشاء ماضينا مهما كانت درجة حلاوته).


"اللعنة على الذكريات...فقد اغتالتني"*4

ملامح، حياة مُشرّعة، وان كتبت في مدينة الضباب، فلم يَعْلَق بها، وان ولدت صاحبة النص في مدن الرمل لم يكن هناك كثبان فيها، وكانت الرؤية واضحة، ولنُقلع بأمان ..ودونما خوف.

* عبد السلام العطاري كاتب وشاعرفلسطيني

-*1ملامح/ص 107

-*2 ملامح/67

-*3 ملامح /127

-*4 من رواية/ الرحيل عند الغروب/ حنا مينه

كاتبة وقاصة وروائية سعودية من مواليد مدينة جدة.

تخرجت من كلية الآداب جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1993

بدأت العمل في الصحافة عام 1987

تنقلت في عدد من الصحف السعودية المحلية.

كتبت في عدة مجلات عربية من ضمنها مجلة "صباح الخير" المصرية، مجلة " الرجل" اللندنية.

كتبت مقالا أسبوعيا بصفحات الرأي في صحيفة الشرق الأوسط الدولية على مدى خمس سنوات.

تكتب حاليا مقالا أسبوعيّا بصفحات وجهات نظر بجريدة الإتحاد الإماراتية.

مقالاتها تأخذ منحى اجتماعي وإنساني، تُلقي الضوء من خلالها على أهم القضايا المطروحة على الساحة العربية والدولية.

صدر لها :" رسالة إلى رجل" . وجدانيات.

ثلاثة مجموعات قصصية: "قيدك أم حريتي". "نساء عند خط الاستواء". "هناك أشياء تغيب".

رواية " الرقص على الدفوف" .

كتاب "مرايا الشرق الأوسط" يضم قسم كبير من مقالاتها التي نشرت في صحيفة الشرق الأوسط عام 2001

صدر لها عام 2004 رواية " لم أعد أبكي" عن دار الساقي.

صدر لها "إيقاعــات أنثـوية" عن دار "مختــارات"وهو عبارة عن قصائد نثرية عام 2005

صدر لها مؤخرا رواية "ملامح" عن دار الساقي عام 2006

شاركت في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2000 من خلال لقاء مفتوح مع الجمهور المصري حول مجمل أعمالها. وفي نفس العام تمَّ استضافتها بدمشق من خلال الصالون الأدبي الذي تقيمه في بيتها الدكتورة "جورجيت عطية" وتحرص من خلاله على استضافة شخصيات ثقافية متنوعة الاتجاهات.

شاركت في ملتقى المرأة والكتابة بمدينة آسفي بالمغرب عام 2004 من خلال ورقة تحمل عنوان "حكايتي مع الحرف".

شاركت في الندوة النسوية الأولى "المرأة والإبداع والتاريخ" بمحاضرة "المرأة ودورها في صنع التاريخ" ، بجانب أمسية شعرية، في جامعة القاضي عيّاض/بني ملال/المغرب بابريل عام 2005

هذا إلى جانب العديد من حفلات التوقيع لكتبها، وإجراء الحوارات الصحافية في العديد من الصحف المحلية والعربية، إضافة إلى المقابلات التليفزيونية حيث تمَّ استضافتها بالقنوات الرسمية المصرية واللبنانية والسورية بجانب قناتي أوربت والمستقبل الفضائيتين، وقد تمَّ إجراء آخر لقاء تلفزيوني معها ببرنامج "خليك بالبيت" الذي يبث من قناة المستقبل.

التعليقات