31/10/2010 - 11:02

49 عاماً على معرض بيروت العربي الدولي للكتاب/ أحمد بزّون

-

49 عاماً على معرض بيروت العربي الدولي للكتاب/ أحمد بزّون
سنة أخرى ونحتفل باليوبيل الذهبي لمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب، سنة أخرى ونستطيع أن نتحدث، من خلال مسيرة المعرض، عن نصف قرن من الحركة الثقافية في لبنان.

وبالفعل، فإن معرض الكتاب العربي يمكن أن يكون ميزان الثقافة في لبنان. صحيح أن هناك معرضاً سنوياً للكتاب الفرنسي بدأ منذ 14عاماً، وقد يكون هناك آخر انكليزي، إلا أن معظم الفرنكوفونيين والأنكلوفونيين اللبنانيين يقرأون الكتاب العربي أيضاً، وكذلك يضم المعرض العربي الدولي كتباً فرنسية وإنكليزية تزيده غنى وتمثيلاً لشرائح الثقافة اللبنانية.

49 عاماً ولا يزال المعرض مستمراً، مرة بزخم كبير، ومرة أخرى بترهل وتعب، تبعاً للحال الأمنية وحال المشرفين عليه أكثر منها الحال الثقافية.

لم يقطع المعرض مسافة النصف قرن بوتيرة واحدة، بالطبع، ومع ذلك لا يمكن أن نعتبر أن هذا المعرض الذي يطل على خمسينيته قد عجز أو هرم، ذلك أن الكتاب ينمو ويتجدد وتتغير تقنياته وينحو للتعامل مع الأجيال.

لا نحاسب المعرض على أنه يحافظ على وتيرته، أو يستمر في ملء برنامجه بالندوات والتواقيع وما إلى ذلك، إنما نحاسبه على آلية تجدده وإمكان لحاقه تطور العصر. ليست النقطة الأبرز، في واقع المعرض اليوم، هي كيفية اللحاق بتطورات العصر، إنما كيفية أن يكون هذا الحدث البيروتي طليعياً، إلى درجة يطلعنا فيها على الجديد بدلاً من أن يلحق الجديد ويلهث خلفه. إنه طموح ليس إلا، وحلم لا يضير أحد. وليس صحيحاً أن حدث المعرض يكون بنجومه الذين يوقعون الكتب أو يضيئون أمسية أو <<يفقعون>> محاضرة، إن الحدث يمكن أن يكون في المعرض كطرح جديد، كمبادرات في أسلوب العرض، كأن يقرر النادي أو الناشرون، مثلاً، طرح مسألة الكتاب الألكتروني على محمل الجد والبحث والحوار والتبصر، لا من خلال المحاضرات والندوات، وإنما من خلال إبراز التجربة والتركيز عليها، بإعطائها حيزاً خاصاً، أو <<هيصة>> في المعرض. هناك ضرورة، ربما، لأن يفكر القيمون على المعرض في أن يكون لكل عام عنوان محفز في المعرض أو <<فلاش>> يتجه إليه الزائرون، أن يكون هناك دفع لنوع من الكتب لا يعرض واقعاً رتيباً لحركته بقدر ما يعمل على التقاط علامات تضيء المستقبل. لماذا لا تكون هناك عناوين أخرى من هذا النوع أيضاً، كأن نفكر في إقامة عام كتاب الطفل، فيكون للطفل، في المعرض ذاك، حيز خاص وواسع يرى الواقع وعينه على المستقبل. لا شك في أن المعرض يفتقر إلى هذا الجانب الحدثي في المعرض، تاركاً لنجوم الأنشطة المرافقة أن تصنع الحدث.


على هذا المستوى، لا يخلو معرض هذا العام من النجوم الذين يتركون أثرهم في تاريخ المعرض، إذ إن حضور محمود درويش هو الحدث الأبرز في الأنشطة المرافقة، وإذا ما أضفنا إلى أمسية درويش محاضرة لعزمي بشارة، وتكريماً لرفعت النمر، انتبهنا إلى قوة الحضور الفلسطيني الذي لا يغيب عادة عن أنشطة المعرض، وهو حاضر بحضور القضايا العربية التي كان لها موقعها الخاص في حسابات النادي ولا يزال.

هناك أمر آخر لا بد من ملاحظته في برنامج الأنشطة أيضاً يتعلق بالحدث اللبناني الأبرز وهو اغتيال الرئيس الحريري وما تلاه من تداعيات أمنية. فمعرض هذا العام مهدى أساساً إلى الشهيد الحريري، وأنشطته تبدأ بندوة عن العلاقات العربية الدولية للرئيس الشهيد، ثم هناك ثلاث ندوات هي عبارة عن تحايا لشهداء الوطن الثلاثة الآخرين: سمير قصير، باسل فليحان وجورج حاوي.

قد يكون الحدث الأبرز في تاريخ معرض بيروت للكتاب هو ذلك التوافق بين النادي الثقافي العربي ونقابة الناشرين، الذي كان من شأنه أن يدمج معرضاً عربياً بآخر دولي، وإن كانت المسميات لا تلبس الحدث تماماً. كان حدثاً مشرّفاً للثقافة في لبنان، لبنان الذي تماهى كتابه والحال الطائفية المستشرية في جسمه، عندما انقسمت المعارض إلى ثلاثة تمثل طوائف لبنانية، يُرمز إليها بتبعيتها إلى الرؤساء الثلاثة الذين يرعى كلٌّ منهم افتتاح معرض. كأن الدمج حقق نصف الهدف المرجو، ولا بد من أن يخطو المعرض خطوته التالية فيظهر القيمون على الحركة الثقافية انطلياس جرأة في توجهها أيضاً نحو الدمج، أو توجه الآخرين نحوها لا فرق. المهم ألا يُترك لتجار الطوائف متسع للعب في الساح الثقافية، أو ردهات معارض الكتب، على الأقل من حيث الشكل.

كثيرون احتفلوا بالدمج الذي حصل بين معرضي النادي والنقابة، لكن لم نشعر حتى الآن بتطور عظيم، بعيداً عن الشكل، أي أن الدمج لم يتحول إلى تفاعل ينتج انقلاباً في آلية وبرنامج المعرض، لم يُحدث تطوراً كبيراً على مستوى عرض الكتب، إذ ان دولية الكتاب، مثلاً، لم تتكرس بشكل فعلي، فوجود الأجنحة الألمانية وجماعة معرض فرانكفورت، وإن تركت شيئاً من الحيوية، لا تكفي لصبغ المعرض بالدولي، ثم لم تتكرس دولية أنشطة المعرض، إذ بقيت الندوات والمحاضرات بحدود المعرض العربي، أي ملونة بأسماء عربية وعناوين عربية دونها الأجنبية.

حدث الدمج بين النادي والنقابة، وكأن ذلك لا ينسحب على برنامج الأنشطة والتخطيط، إذ يوزع النادي برنامجه الخاص وتوزع النقابة برنامجها الخاص أيضاً. إنه شكل من أشكال الانقسام الناعم المخفي داخل الوحدة، ولأننا نطمح إلى وحدة فعلية، نخشى أن يكون المعرض معرضين في مكان واحد، لأننا نخشى دائماً على اختلال ميزاننا الثقافي.



عن صحيفة "السفير"

التعليقات