31/10/2010 - 11:02

خلف القضبان..امام القضبان معرض لفنان عراقي عن أحداث الاحتلال

-

خلف القضبان..امام القضبان معرض لفنان عراقي عن أحداث الاحتلال
بألوان غلب عليها السواد وبريشة نطقت بفصيح الكلمات وبشخصيات غطت ملامحها الاحزان يصحب الفنان التشكيلي العراقي ناصر ثامر في معرضه الفني (خلف القضبان..امام القضبان) زواره برحلة يسبر فيها اغوار سنتين مصورا كيف والى أين آلت الحياة في بغداد في ظل الوجود العسكري الأجنبي.

اثنا عشر لوحة وستة مجسمات ليست هي ماجادت به قريحة ثامر والتي يضمها معرضه الثاني عشر الذي افتتحه يوم الجمعة الماضي في بغداد لكنه اراد من خلال هذه الاعمال ان يصور معاناة مواطنيه اليوم وسط التغييرات التي عصفت بالبلاد في السنتين الماضيتين.

بدأ ثامر حديثه قائلا "ما كنت لأتمنى وبعد مرور سنتين على الاحتلال الامريكي لبلدي ان اقيم مثل هذا المعرض... لكن يبدو انني تأخرت كثيرا في اقامته."

وأضاف "قبل سنة من الآن وبعد ان ايقنت ان الاحتلال باق لا محالة قلت في خلدي ان تاريخ الفن التشكيلي العراقي سيحاسبنا وبشدة نحن الفنانين التشكيليين اذا لم نعط لهذا الحدث حقه واذا لم نقل كلمة الحق امام انفسنا وامام شعبنا وامام الله."

تعكس اللوحات التي يضمها المعرض الذي يستمر أسبوعين تساؤلا كبيرا من خلال العنوان الذي اختاره لمعرضه "من هو الذي يقبع خلف القضبان ومن هو الذي يقف امامها" مفضلا ان يبقى الجواب عند المتلقي نفسه ليقرر من هو السجين ومن هو السجان.

في احدى اللوحات التي حازت على اعجاب العديد من زوار المعرض في يومه الاول والتي اسماها "تفاحة الحرية" اراد الفنان ان يعقد مقارنة بين تفاحة ادم التي اخرجته وحواء من الجنة عندما اضلهما الشيطان بوعود مزيفة وبين تفاحة العراقيين في الحصول على الحرية بعد سنوات طوال من الظلم والقهر.

تفاحة الفنان ثامر كانت حمراء بلون الدم وكانت تنتصب وسط اللوحة حائلا بين المرء وزوجه فبدا الزوج مكبل الايدي ومقيدا بطريقة توحي انه اعتقل وفي طريقه الى السجن. وبدت المرأة بعباءتها السوداء واضعة يدها على خدها وقد ملأ الحزن عينيها واكتسى وجهها بمشاعر الألم.

وعلى جانب اللوحة وضع الفنان قضبان السجن بشكل مجسم لتضع نهاية قصة تفاحة الحرية التي وعد بها العراقيون.

وفي لوحة اخرى "خلف القضبان" تقف امرأتان خلف قضبان السجن يتفجر الحزن والألم من وجهيهما وقد اغمضتا أعينهما ربما خجلا او استحياء. وتحاول احداهما كما قال ثامر ان تمد يدها من بين القضبان مستنجدة "ولم تجد ما تستنجد به غير كتاب الله الذي خيل لها انه على مقربة منها والذي عكس شعاعا من النور اضاء به وجهي الفتاتين."

واضاف الفنان واصفا اللوحة "لكنها لا تستطيع ان تمسه (القرآن) فهي لم تعد تمتلك طهارتها التي اغتصبت منها عنوة" في اشارة الى احداث فضيحة سجن ابو غريب.

أراد ثامر من معرضه الحالي ان ينقل الحقيقة ليس كما يراها الآخرون وحسب بل كما يحس هو بها.. شخصيات وصور ومواقف وقصص طرقت باب خياله ففتح لها باب قلبه ووجدانه على مصراعيه فوجدت فيهما مستقرا لكن الى حين.

يقول ثامر انه رفض أن تظل هذه الصور حبيسة روحه فقرر اخيرا ان يطلق لها العنان وان يصوغها بريشته.

في لوحة اخرى اطلق عليها اسم "اسير اللوحة" وكأنه اراد ان تنطق بلسان حاله فقد انصهر الفنان بعد ان تحولت قدماه الى جذور وغاصت في الارض وهو يرسم السجين العراقي الذي هزت صورته وجدان الضمير العالمي والذي ظهر والاسلاك الكهربائية قد اوصلت بيديه وقدميه.

وقال الفنان ثامر ان هذه الصورة "اثرت بي كانسان وكفنان مثلما اثرت في كل العراقيين وغير العراقيين... جعلتني هذه الصورة افترض ان هناك رساما جذوره ممتدة في هذه الارض الطيبة رسم لوحة لصورة هذا الاسير وتفاعل معها بعد ان انتهى منها الى درجة ان ملامح وجهه تلاشت وانصهرت في هذه اللوحة نفسها فتحول الاثنان الى كتلة واحدة."

احدى المجسمات التي صاغها هذا الفنان تحت اسم "وجبة كل يوم" تحاكي واقعا عراقيا من صميم الحياة اليومية. فقد وضع الفنان في احدى زوايا المعرض صحنا وعلى جانبيه وضعت الشوكة يسارا والسكين يمينا وقد امتلاء الصحن بعدد غير قليل من الطلقات النارية. وهي لوحة لا تحتاج الى شرح يوضح واقع الحياة اليومية التي يحياها الناس في هذا البلد.

مجسم آخر كان غاية في البساطة غاية في التأثير اثار تساؤلات من بعض الحاضرين في اول الامر لكنهم استطاعوا بعد تأمله الوصول الى مقصده. اسم المجسم "المتفائل يرى نصف الاناء".

يشمل المجسم اناء ملء نصفه بالماء وبقي النصف الآخر فارغا. والمتفائل هنا سينظر الى النصف المملوء لكن الفنان وضع عقربا في هذا النصف المملوء فسمم الماء به وفلم يعد بامكان المتفائل ان ينظر الى الجزء المملوء.

قال ثامر "لا شأن لي بالسياسة مع انني اعترف ان لوحاتي تقترب من السياسة بشكل كبير... نحن هنا نصحو ونغدو وننام على السياسة فالكهرباء في بلدي اصبحت سياسة والماء سياسة والوقود سياسة وانعدام الامن والامان اصبح سياسة.

"اتمنى ان ارى بلدي بدون احزاب وان تعود ايامنا الى الابيض والاسود ولا تداخل للالوان فيها الى درجة اننا لم نعد نستطيع التمييز بين الخير والشر. اتمنى ان يكون هذا المعرض الاول والاخير الذي يحاكي مثل هذا الواقع وان تصبح اعمالي في ذاكرة التاريخ شاهدا وناطقا لحال يصعب وصفه بكلمات وان اكون قد برأت ذمتي امام الناس وامام الله

التعليقات