31/10/2010 - 11:02

رحيل الشاعر الفلسطيني حكمت العتيلي في المهجر

ظلت نوارس شعره محلقة رغم غربته الطويلة

رحيل الشاعر الفلسطيني حكمت العتيلي في المهجر

توفي يوم الخميس الموافق 23 فبراير/شباط في لوس أنجيليس بجنوب كاليفورنيا، الشاعر الفلسطيني حكمت العتيلي، الذي حمل هموم أمته العربية عامة وشعبه الفلسطيني خاصة، حتى آخر لحظة في حياته. وقد توفي العتيلي عن عمر يناهز السابعة والستين عاما.

ولد الشاعر العتيلي في 8/8/1938 في بلدة عتيل قضاء طولكرم، وانتقل بعد دراسته الأبتدائة هناك الى طولكرم، لينهي دراسته الثانوية وينتقل من طولكرم الى دار المعلمين، في عمان، لتؤهله ليصبح مدرسا للغة العربية. حصل لدى تخرجه على مهنة معلم في مدينة معان الأردنيه، لكن لم يطل به المقام هناك، حيث عين مدرسا للعربية في أرامكو بالسعوديه، وهناك عين بعد زمن ليس طويلا محررا لمجلة قافلة الزيت التي تصدر بالعربية، حيث أمضى ما مجموعه خمسة عشر عاما.

انتقل في مطلع عام 1976 مع عائلته الى سان دييجو في جنوب كاليفورنيا، ليمضي هناك خمسة عشر عاما أخرى من الغربة. وفي بداية تسعينيات القرن الماضي انتقل الى منطقة لوس أنجيليس، حيث التقى بمجموعة من الشعراء والكتاب والصحفيين، وأسس معهم المنتدى الثقافي العربي الأمريكي، الذي مازال قائما حتى الآن، وانضم الشاعر إلى تجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين في بداية تأسيسه وساهم بتأسيس لقاء الأربعاء في منطقة لوس أنجليس الذي ظل يساهم فيه سبع سنوات طويلة زاخرة بالأدب والشعر والثقافة.

اقترن الشاعر العتيلي بالفنانة التشكيلية أمل عتيلي وانجب منها (جاد, عادل, سرى)، وكانت زوجته أمل خير معين له في رحلة شقائه الطويلة والتي ظلت ملازمة له منذ كان شاباً يافعاً إلى ان انتهى به المقام على فراش المرض.

شكل صدور مجلة "الأفق الجديد" المقدسية، عام 1961، جامعة أدبية ينهل من رحابها عطشى الأدب، في الأردن وخارجه، على أيدي الرواد الأوائل، كما على أيدي جيل جديد من الأدباء والشعراء. ولعل من أبرز الأسماء التي وقف أمامها محبو الشعر، طويلاً وبكثير من الأعجاب،حينذاك، كان اسم الشاعر حكمت العتيلي، الذي قلما خلا عدد من مجلة الأفق الجديد من قصيدة جديدة له، والذي امتد اسمه الى خارج الأردن، واحتلت قصائده صفحات منيرة من كبريات المجلات الأدبية المتخصصة كـ"الآداب" و"الأديب".

صدر للشاعر حكمت العتيلي ديوان وحيد في منتصف ستينيات القرن الماضي حمل اسم (يا بحر) عن دار الآداب في بيروت. وبسبب سنوات غربته القاسية، لم يتسن للشاعر التواصل مع قرائه ومحبيه على الرغم أن لديه ما يقرب من ستة دواوين شعر جاهزة للنشر، نشر بعض قصائدها في مجلات ثقافية متخصصة مثل (إبداع)، (جسور)، (أخبار الأدب) كما واصل كتاباته النثرية والشعرية في صحف مهجرية كان أهمها صحيفة (الوطن) الإسبوعية التي تصدر في لوس أنجليس.

منذ أكثر من سنتين بدأت صحته بالتدهور التدريجي، نتيجة مرض السكر، الذي استطاع أن يدمر طاقة كليتيه، بعد ذلك بدأ كل شيء لديه بالأنهيار، منذ عام وهو يقيم اقامة شبه دائمة في المستشفى، الذي دخله قبل ستة أشهر تقريبا حتى رحيله.

كان المرحوم في غيبوبة دائمة منذ أكثر من شهر ونصف، الى أن سكت نبضه، لكن ظلت نوارس شعره تحلق في سماء بلدته عتيل وغربته الطويلة.

من قصائد المرحوم حكمت العتيلي


هدير الريح


الى الغالية أمل، والى الأعزّاء سلوى وكلاديس وعيسى ونظام ونويل


1. عمتِ مساءً أيتُها الرّوحُ!
العينُ سِراجٌ نوّاسٌ، والقلبُ حزينٌ مجرُوحُ!
ماذا تجدي الآهُ، وفيمَ يُهدهِدُنا مرُّ اللومْ..
حينَ يُكلكِلُ ليلُ الشّجوِ، ويُطفئُ قِنديلُ التّبّانةِ
      آخرَ ومضاتِ السّهرِ استِعداداً للنّومْ؟
ماذا تجدي الدّمعةُ في زمنٍ يَرزحُ بالهمّْ؟
.................................
سيّدتي أيتُها الرّوحُ ..
جئتُكِ ملتَاعاً علّكِ تخفينَ عن القلبِ نُدوبَ اللوعَه
علّكِ عن عينيّ المجهَدَتينِ تلمّينَ بقايا الدّمعه
يا أيّتُها الراضِيةُ المرضيّةِ ضمّيني بحنوِّ الشّطِ على بَطريقٍ مجروحِ
فكي كلَّ قيودِ اللوعةِ عن مِعصميَ المقرُوحِ
مدّي لي سُلمَ أقواسٍ قزَحيّه
زيني بالبشرى مِعراجي نحو أواوينٍ قُدسيّه،
بي توقٌ للملكوتِ الأعلى لا يعدِلُهُ تَوقُ
ويُعششُ في أصقاعِ فؤادي للحريّةِ شوقٌ يغمُرهُُ الشّوقُ!
ضقتُ بآلامي فالقلبُ عليلٌ والموطنُ مأسُورُ
وجناحي مَنتوفٌ، نزّافٌ، مكسورُ
رُحماكِ ملاذي سيدتي الرّوحَ وعمتِ مساءَ
ورفلتِ بِقفطانٍٍ يتلالا ويشعُّ ضياءَ
قولي لي هل قربُتْ لحظتنا، هل صَدقَ الوعدُ،
      وهل أزفَ المكتُوبُ، وهل جاءَ!
* * *
2. أسألُ بحري الهادئَ فيمَ تلاشى الصّخبُ؟
ولماذا البَحارةُ قد هجَروا المركبَ، أين تولّوا، ذَهبوا؟
ولماذا يتداعى زبدُ الموجِ وينقلبُ ..
      محضَ هباءٍ لا بُشرى في طيّاتِه؟
كيفَ الموجُ العاتي يُسلَبُ من غلواءِ حياتِه؟
كيفَ يموتُ البحرُ وتصمِتُ حتى زُمَرُ البطريقِ الغَجريّه؟
يغدو البَحرُ الموّارُ بُحيرةَ مِلحٍ عاقِرْ
سَبخَةَ طينٍ وأُجاجٍ، لا بحارٌ يمخرُها،
      أو يعبُرها قطُّ مُغامر!
رُحماكَ أنيسي وَرفيقي ونجيّيِ الأوحدْ !
أرجو أن تُعتقني، ألاّ تهجرني مهما نورُ المركبِ ناسَ،
      ومهما كنـزُ العُمرِ تبدَدْ
وبحقِّ الرّفقةِ أن ترحمَني أنواؤكَ، أمواجُكْ،
وتظلَّ كفينيقٍ ما أسرعَ ما يتَجدّدْ ..
لحظةَ يحتَرقُ،
ويمين اللهِ لكم يابحري أحتاجُكْ
وأنا يعصرُ قلبي القلقُ،
وأنا أحلامي تُوأدْ !
* * *
3. أسألُ ليلي أن يتراخى ويُخفّفَ وطأه،
فلكم طالَ الليلُ، لكم جرّعني مرّاً عِبأه!
أذكرُ لما كان الليلُ سميري،
لما كان يُغسّلني بطيُوبٍ وعُطورِ،
ويكحّلني بالدّيجُورِ،
ويسخّرُ لي القمرَ الساطِعَ
      يمسحُ ناعرَ جُرحي بالنّورِ،
كان الليلُ نديمي، شاهدَ حبي،
نبضَ عُروقي، دقةَ قلبي!
كان بُراقي أسرجُهُ بالشّوقِ وأرقى سمتَ العلياءِ،
كان الليلُ حبيبي ورَجائي!
.......................
في أيامِ الحبِّ الأولى كانا ..
تغريبةَ عمري الضوّاعةَ سحراً وحنانا!
واليوم تلبّدَ في أفقِ الرّوحِ بشجوٍ قاتلْ،
يتثاقلُ، يقصم ظهري تَبريحا!
يا ليلُ، حبيبي الهاجِرَ يا طوداً مُتثاقِلْ ..
هلاّ أشفقتَ فلا تمعنُ بي تجريحا
* * *

4. عِمتِ مساءً سيدتي أيتها الرّوحُ،
العينُ سراجٌ نوّاسٌ، والقلبُ حزينٌ مجروحُ
واللهفةُ غامرةٌ، ولِنيرانِ اللهفةِ لو تَدرين تباريحُ!
أيّان يُدمدِمُ إعصاري؟ ومتى تهدرُ ياروحي الرّيحُ؟!

سيمي فالي 10 يونيو-حزيران 2004


لؤلؤة الكلام


1-     رحلت فدوى!
ورقاء قلسطينَ الأشجى تحنانا، والأعذب نجوى!
عذراء الشعر العربيّ وآيته الفيّاضة بالتقوى!
أسلمت الرّوح لبارئها، وانقادت للحقّ بنفس رضوى،
لم تطلب تصريحا من محتلّ، لم تتوخ لرحلنها الأبدية فتوى!
أطبقت الجفنين، وأسلمت الرّوح ليارئها، ومضت.. فدوى!
***
2-     جبل النّار نعاها مكسور القلب، ينوء ببلواه ولا..
من يدفع عنه البلوى!
عيبال يواسي جرزيما بمصاب فلسطين ويضرع بالشكوى!
لمَ ترحل لؤلؤة القول؟ وكيف ينوس الوهج الأقوى؟
بعدك فدوى..
من للشهداء يضيء شموع الذكرى..
ويوزّع في أعراس شهادتهم أصناف الحلوى؟
بعدك فدوى..
من للأشبال يعلّمهم أن الأرض هي الجوهر وهي الأصل،
هي القيمة وهي الجدوى؟
وهي المنزل وهي المأوى؟
بعدك فدوى..
من مِن نور العينين يحيك لأرض الأحرار جداريّة حبّ..
ترويها أجيال المستقيل فيما يروى؟
من لعيون أيامى القدس، يكحّلها بالأمل الصّافي، فتقرّ، وتطفح صفوا؟
وتموتين! لماذا..
وفلسطين تئن أنينا،
وعواصم أمّتنا تلهو لهوا؟
وتموتين.. ألا لا كان الموت يفرّقنا،
يثقلنا شجنا،
يشجينا شجوا!
يا قمرا نوّر سود ليالينا!
يا عطرا ضاع بشرفات مساكننا!
يا صوت كرامتنا!
يا رعد إرادتنا إذ بالغضب السّاطع دوّى!
ما متّ..
وما صدق النّاعي!
بل خالدة أنت..
خلود الأرض الظمأى للحرّيّة يا فدوى!
.........................

جعل الله لك الجنّة مثوى!


لوس أنجليس 26 كانون 2 – يناير 2004


جنين


1- بستحي الموتُ، وهو يعجّلُ خطوتَه في حواري المخيّم

من ناطحات سحابِ المخيم تركلُهُ بمداساتها!

تتدمّر.. لا تنحني!

تتفجّرُ.. لا تنثني!

تتحداهُ واقفةً غير آبهةٍ ببراكينهِ!

كلّ نافذةٍ من نوافذها أفقٌ!

كلّ أنّةِ مُحْتضِرٍ.. شفقٌ!

كلّ شهقةٍ شبلٍ قضى.. ألقٌ!

وجنينُ الوديعةُ تبذر ما اكتنَزَتْهُ لِفاقَتِها.. قمْحَها!

كلُّ حبّة قمحٍ شهيدٌ!

تصير جنينُ بَيَادِرَ مجْدٍ تروِّي ثراها الدّماءُ، ولا تتهاوى..

أمام صريرِ الجنازيرِ،

لا تسْتبيها صواريخُ حقْدِ الغزاةْ!

.................................

جنين وإنْ قد تَرَصّدها الموتُ ليست سوى قلعة للحياةْ!

* * *

2- أيّها الموتُ إنّ جنينَ لَقَبْرُكَ.. لا قبرُنا!

وهْيَ ذعرُكَ.. لا ذعْرُنا!

إنّها فجرُنا!

مُهْرُنا!

طائرُ الرّعدِ يُومِضُ في ليلنا!

دوْحةُ النّبْلِ، كعبةُ أرواحنا!

عَبَقُ الفلِّ، نفْحُ جنانِ الخلودِ التي وعدَ اللهُ أبرارَنا!

وجنينُ عذابُكَ،

بل وعقابُكَ..

لا الحقدُ لوّثَ أخْمصَ أقْدامها،

لا ولا البغضُ قد نال َ من عزْمِها!

بل أفاقتْ غداةَ حسبْتَ بأنّك قد غلْتها،

ضمّدت أرضَها!

ساندتْ بعْضَها!

ومشتْ بخطىً ثابتهْ،

نحو غايتها.. غيْرَ ملتفِتَهْ..

للوراءْ!

........................

إنّ منْ رامَ حرّيةً ليس يثنيهِ بحْرُ دماءْ!

* * *

3- هي ذي روضةُ المجْدِ خضّبَها دمُ عشّاقِها!

لبست حلّةً من نقاءِ الجليلِ تزيّنُها يانعاتُ الشّقائقِ،

هذا الصّباحُ صباحُ زفافِ الشّهبدِ إلى حلْمِهِ!

مهرجانُ إيابِ الطّريدِ إلى قومِهِ!

كرنفال العصافير تحْدو بيادرَها!

والبساتيِن تهفو لأشجارها!

والبيوتِ تحنُّ لأبوابها،

والقبورِ تمور بأصحابِها..

من ملائكةِ الشّهداءِ، صغارا كبارا!

جنينُ منارةُ ثورتِنا!

غدُنا!

وَعْدُنا..

وبشارةُ فجرٍ أطلّ لَسَوْفَ يصيرُ نهارا!

...............................

إنّها صرخةُ الحقِّ تعلو جهارا!

* * *

4- لستُ أبكي جنينَ.. جنينُ فَخارُ العصورْ!

غير أني بكيْتُ مدائنَنا..

عارمات الخَنا،

خانيات القصورْ!

يتهجّدْنَ في صمتهنَّ..

وما بعْدُ قدْ صمَتَتْ في جنينَ القبورْ!

.......................

ويْحَ أمَّتِنا المسْتباةِ أحاقَ بها الصمتُ والموتُ..

أيّانَ يومُ النُّشورْ!



لوس أنجليس 15 مايو 2002

التعليقات