23/11/2010 - 20:47

سناء موسى في آخر "إشراقاتها" الفنية

لقاءٌ جمع عشرات المقربين والاصدقاء، بسناء موسى نهاية الأسبوع الماضي، ووسطَ الحضور تميزت الفنانة بابتسامتها المعهودة، وبرضاها التام عن نفسها، بعد نجاحها في إنجاز مولودها الفني الأول "إشراق"

سناء موسى في آخر

لقاءٌ جمع عشرات المقربين والاصدقاء، بسناء موسى، في مطعم صدفة النصراوي، نهاية الأسبوع الماضي، ووسطَ الحضور تميزت الفنانة بابتسامتها المعهودة، وبرضاها التام عن نفسها، بعد نجاحها في إنجاز مولودها الفني الأول "إشراق"، الذي جمعت فيه مجموعة من الأغنيات التراثية، التي بذلت جهدًا كبيرًا في انتقاء الكلمات متنقلةً من اقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وصولاً الى تراث الأجداد في الضفة الغربية أيضًا.

في تلك الليلة الاحتفالية، كانت سناء في نشوةٍ موسيقية، صوتها يعيدُ اليكَ الشوق إلى الماضي، يأخذك الى البعيد، ويطيرُ بِكَ إلى كل زقاقٍ من أزقةِ فلسطين، ويحطُ بِك حيثُ جلست الأمهات والجدّات، ينتظرن ابنائهن، كي يعودون الى الأحضان مبشّرين بالخير والانتصار.... وفي اللقاء استمعنا إلى رأي الموزع والمشرف الموسيقي بشارة خليل، وأيضًا إلى كاتب المقدمات الموسيقية شقيقها محمد موسى، كما شارك في الأمسية كلٌ من الأديب إياس ناصر والصحافي والموسيقي سائد كرازون، إضافة الى مداخلات من قبل الحضور، علمًا انّ الجميع اتفق أن هناك صِلة وتمازج بين صوت سناء واغانيها التراثية، وبالتالي فقد نجحت باكتشاف مميزات صوتها، ووضعها في قالبٍ خاص يعيدُ للفولكلور الفلسطيني حقه في الحضور والبقاء ما بقيَ الفنُ رسالة ثقافية.
سناء تلتقي محبيها في 25.11، الثامنة والنصف في مركز محمود درويش.

سناء، بصوتها، بحديثها، أعادت الذين حضروا الأمسية إلى الدفاتر القديمة، إلى المناديل التي توشحت بِها النساء الفلسطينيات، إلى جلسةٍ تحت ظلِ شجرةِ زيتونٍ، وفوقها حباتٌ مِن الزمرد... تتساقط علينا كلما طربنا أكثر.... على أمل اللقاء بِها من جديد، في باقة من أجمل أغانيها، التي ستقدّمها في اسطوانةٍ تحمل عنوان "إشراق"، والتي تزينه صورتها، وسيكون متاحًا لعشاقها اللقاء بِها والاستماع إلى صوتها مباشرة، من خلال حفلتها التي ستقام الخميس القريب، الخامس والعشرين من تشرين الثاني المقبل، في مركز محمود درويش في الناصرة. عن سناء وجديدها اليكم هذا الحوار...

"إشراق"... باكورة أعمالها...

اسطوانة “إشراق” هي نتاج بحث لسنوات طويلة عملت عليه سناء موسى، من خلال زيارتها لنساء فلسطينيات ( في سنوات السبعين والثمانين من عمرهن)، سمعت منهن أغاني فلسطينية من طقوس حياتية فلسطينية مختلفة قبل الإحتلال؛ فرح، فراق، وداع، غزل، رثاء، حرب، ثورة، زواج، وحدة..مواد ارتبطت في فترات مختلفة في فلسطين، لوحات ارتبطت في مراحل سياسية مثل فترة “سفر برلك” وهي فترة التجنيد الإجباري للإمبراطورية العثمانية، جمعت منهن 10 أغاني، 10 لوحات من طقوس الحياة اليومية في فلسطين بأصوات نساء حملتهن معهن حتى يومنا هذا.
قد يكون اختلط الجديد من الموسيقى التراثية الفلسطينية منها بالقديم، واسقطت سناء موسى عليها إحساسها وتخيّلها لما هو فلسطيني تراثي. جزء من التغيير أتى لا إراديًّا نتيجة التقادم والتراكم ونظرتها الحالمة للتراث، بينما أتى الآخر مقصودًا، متمثلاً بتعبير كلّ من الشريكين في العمل؛ الموسيقي بشارة الخلّ بروح موسيقاه الغربية “المعقدة” أحيانًا والموسيقي محمد موسى بعذوبة موسيقاه الشرقية عن تأثيرات المقطوعات الموسيقية عليهما. “إشراق” هي قصة فلسطينية، خاصة وعامة، للنساء اللواتي بيننا ولشعبنا الفلسطيني.
ستجدون في الإسطوانة، إضافة إلى أسماء الأغاني وكلماتها، قصة كلّ أغنية؛ متى وكيف سمعنها النساء من أمهاتهن وجداتهن من سحماتا ومعليا مرورًا بوادي عارة والضفة الغربية.


صوت سناء وهويتها الفنية

سناء موسى، إبنة دير الأسد، تخوض غمار الأغنية منذ وقت طويل. في هذه الأيام، لا بدَّ من الإشارة إليها كواحدةٍ من الفنانات البارزات في حقل الفنون. لونها خاص، وصوتها مميز، تتقن التراث الفلسطيني، وتمتلك حضورًا لا يستهان به على خشبة المسرح. وإلى جانب هذا كلّه، لم تهمل موسى تعليمها الأكاديمي الذي يمشي مثل خطٍ موازٍ مع ما تقدّمه. تنهي الآن رسالة الدكتوراة فى مجال البيولوجيا الجزيئية وعلم الاعصاب في كلية الطب في الجامعة العبرية.
تراث فلسطيني في باريس
مؤخرًا كان لها حضورٌ على خشبة "معهد العالم العربي"، في باريس إلى جانب فرقة "نوى أثر"، وغنت التراث الفلسطيني، عبر ألحان وكلماتٍ عاشت وتطورت في فلسطين، كانت ولا تزال حيّة في الجليل ووادي عارة وعسقلان والضفة الغربية وقطاع غزة.
وقدمت الفرقة مجموعة عروض في مهرجان الموسيقى العربية الكلاسيكية ألذي ينظمه المعهد الوطني على اسم "إدوارد سعيد" للموسيقى في أواسط الشهر الحالي في القدس وقرى الضفة ألغربية.
وتؤكد موسى أنّ نجاح هذا الكونسرت جاء بعد جهدٍ وعملٍ استغرق وقتًا طويلاً، حيث تمّ تحضيره "بطريقة مدروسة، ليخرج على شكل لوحات فنية، تعرض عدة مواضيع في قالبٍ موسيقي يعتبر بسيطًا وقريبًا من الناس، ويحمل كل ما في التراث من مخزون وافر."
وعن سناء أيضًا، أنها ولدت في عائلة موسيقية، فهي متأثرة الى حدٍ بعيد بوالدها الفنان علي موسى، اضافة الى ميل الوالدة للفن، ناهيك عن أشقائها الذين شكلّوا معها فرقةً لها حضورها البارز وميزتها الخاصة في عالم التراث والموسيقى الحاضر بقوة.
والدها هو معلمّها الأول دور في تذويت الاغنية الكلاسيكية فيها، وبعده انتقلت سناء نحو تطوير ذاتها أكثر وفي رحلتها تتلمذت على يد الفنان والاستاذ خالد جبران، ضمن جوقة "الأرموي" في القدس، وبعدها غنّت ضمن مجموعة "هومايون" التي انطلقت بعروضٍ موسيقية في عدة مدنٍ عربية واوروبية.

تعشق التراث !

تتحدث موسى عن التراث الغنائي الفلسطيني بعشقٍ كبير، لكنها لا تنحاز لفلسطينيتها في هذه المسالة، فهي تحب الاعتماد على الفولكلور، إذ تعتبر كل ما هو قديم جميل، فالتراث السوري كما المصري والآتي من المغرب العربي وحتى من الهند "كلها مواد ذكية وقوالب بسيطة تخترقك بسهولة وبسرعة لا يمكن تخيلها".
تحكي موسى عن البساطة في التراث، وكيف أنّ اللغة البسيطة تشكّل موسيقى راقية "تشدك وتخترقك وتلمسك وقد تجعلك تتقلب بين الحزن والفرح بسرعة مذهلة، "إحساسٌ ما... عميق، داخلها، يأخذ سناء معه الى البعيد، الى الأصالة والحنين إلى الماضي".
وتؤكد موسى مرة أخرى ان جمالية التراث الفلسطيني ببساطته وأنها تتنفس فلسطين من خلال التراث المجسّد بلوحات وقصص: "في الغناء الفولكلوري تجد مشاهد مختلفة ابتداءً من الاستسقاء والحصاد مرورا بطقوس الفرح وانتهاءً باغاني الندب والنواح"، ففي "طلة البارودة" حديثٌ عن الفراق غنتها النسوة الفلسطينيات (في الضفة الغربية تحديدا) اللواتي فقدن أزواجهن أثناء نضالهم في الحرب، فعاد رفاقهم ببوارديهم وخيولهم، وكان من المتبع ان تستقبل النساء المحاربين القادمين صباحا، بينما يعمل رفاق الشهداء على استرداد بارودة المقاتل وخيله، ومن هنا كانت النساء تستقبل المحاربين الذين افلحوا بإعادة رمز الرجولة "البارودة والخيل"، فتبدأ النسوة بالغناء قائلة: "طلت البارودة والسبع ما طل، يا بوز البارودة من دمه مبتل، طلت البارودة والسبع ما اجاش، يا بوز البارودة من دمه مرتّش ما بيني وبينك سلسلة ووادي ووين رحت غادي يا اعز احبابي".

أهمية الفولكلور

"الأغاني الفلولكورية، كانت تلعب دورًا كبيرًا في تقبل فكرة الموت وفقدان الاعزة، فهي علاجٌ نفسي يتضمن ضحد لمرحلة الانكار التي قد تصيب من فقد غاليا وتفريغ مشاعره والتعبيرعنها بممارسة البكاء، هذا الطقس أو الغناء (الندب)، شبيه من حيث الفكرة بالجلسات العلاجية النفسية الجماعية المُمارَسة في ايامنا هذه".
الموسيقى والجمهور!
رغم الاهتمام اللافت للشباب بما تأديه سناء، الا انه لا زال اناس يتجاوزون الثلاثين عامًا من العمر هو الجزء الأساسي من جمهورها، و"هم أشخاصٌ يحاولون استعادة شيء ما، زمنٌ افلت منهم، أو يحاولون ان يستذكروا فلسطين بكافة صورها، ففي عروضٍ كثيرة كانت بعض السيدات يقلن لي (رجعتينا لأيام زمان)".
وتتمنى موسى لو تكون هنالك رقابة على ما يقدّم للأذن الموسيقية "في الموسيقى مثلما في الأفلام والكتب، فالبعد عن الرقابة، ساعد البعض على الدخول في حالة إغتراب عن الذات وعن الأصل"، وتفسّر موسى أقوالها "لا أقصد ان نغني طوال الوقت يا ظريف الطول ويا حلالي يا مالي، بل أقصد ألا نرفض كل شيء يأتي من داخلنا ونقبل كل ما هو دخيل علينا دون دراسته والحكم عليه بتروٍ وموضوعية".
بينما تبدو موسى سعيدة ومعتزة بجمهورها الذي يأتي لسماع صوتها، ويشيد بأدائها، تقول: "يسعدني جدًا أن يكون صوتي أداة او واسطة أو طُعم (بالمعنى المجازي) لجذب الناس للاستماع إلى هذا النوع من الموسيقى".
أما عن جمهور سناء في الخارج فهي تشير أنه خليط، جاليات عربية وأخرى من الغرب منهم من ياتي للتضامن مع القضية الفلسطينية ومنهم من يأتي ليستمع الى الموسيقى لاجل الموسيقى، وعن التباين بين الجمهورين العربي والغربي فتستصعب سناء الإجابة على السؤال، فهي ترى التباين بين الجمهور العربي أو الأجنبي نفسه، تبعًا والفئة العمرية والظروف نفسها التي تضع الجمهور أمام التساؤل عن الفن... "ولكن إذا اردنا ان نعمم قد يكون هنالك تباين بطريقة التعامل مع الفن أساسًا وايضا بطريقة التعبير عن المشاعر".

رقابة داخلية وحساب نفس...

موسى تراجع نفسها طيلة الوقت، وتتساءل عن مسارها الأصح، فحساب النفس دائمٌ والأخطاء موجودة عند جميع البشر قد نبدو اقوياء ومحكمي السيطرة على ادق مجريات حياتنا إلا أننا نبقى "جندي صغير في لعبة شطرنج متعددة الابعاد" "فلنستخلص العبر ونمضي قدما". وتضيف سناء "إنّ التصالح مع النفس هو عنصر مهم للمضي قدما، مع مراعاة ان ثمة فرقٌ كبير بين التصالح مع النفس وبين النرجسية" فالاستعلاء، بنظر سناء موسى بداية السقوط، "فعندما يعجب الانسان بنفسة تنخفض وتيرة تطوره وعطائه".

التعليقات