01/03/2011 - 20:29

الثورة تفرج عن الأغاني المصرية الممنوعة

قائمة طويلة من الأغاني وضعها اتحاد الإذاعة والتليفزيون ضمن الممنوعات والمحظورات طوال السنوات الماضية. واختلفت أسباب المنع بين انتمائهم لعصر رئيس أسبق مثلما حدث مع أغاني عبد الحليم حافظ التي غناها لمشاريع مهمة افتتحت خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مثل الأغاني التي صورت احتفال المصريين بإنشاء السد العالي. «صورة»

الثورة تفرج عن الأغاني المصرية الممنوعة

قائمة طويلة من الأغاني وضعها اتحاد الإذاعة والتليفزيون ضمن الممنوعات والمحظورات طوال السنوات الماضية. واختلفت أسباب المنع بين انتمائهم لعصر رئيس أسبق مثلما حدث مع أغاني عبد الحليم حافظ التي غناها لمشاريع مهمة افتتحت خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مثل الأغاني التي صورت احتفال المصريين بإنشاء السد العالي. «صورة» و«قلنا هنبني وادي احنا بنينا السد العالي». أو الأغاني التي تغنت بثورة 1952 يوليو. وهناك أسباب أخرى للمنع منها تناول السلبيات التي مرت بها الحياة السياسية في مصر أو الوطن العربي. مثل أغنية «هنا القاهرة» لعلي الحجار وألحان عمار الشريعي وكلمات سيد حجاب والتي ظلت قرابة العشرين عاما حبيسة الأدراج. وكذلك ألبوم «لم الشمل» أشعار جمال بخيت. وهناك أغنية «الخواجة بن ماريكا» و«إزاي» لمحمد منير. كل هذه الأعمال وغيرها كان نجوم الغناء يتحايلون على الوضع لكي يقوموا بغنائها.

 مؤخرا ومع ثورة 25 يناير حصلت هذه الأغاني على إفراج نهائي. وتم تحويلها من خانة المحظورات إلى طريق النور. بدأنا نسمع أغاني لم تكن متاحة مثل «اخي جاوز الظالمون» رغم انها مخصصة لفلسطين وغناها عب دالوهاب لهذا الغرض. لكنها كانت تمثل حرجا للإعلام المصري أمام العلاقات المصرية الإسرائيلية. و«وقف الخلق» للسيدة أم كلثوم. وأعمال أخرى كثيرة.. في هذا التحقيق. يطرح نجوم الموسيقى والغناء رؤيتهم لهذه القضية.

 الموسيقار الكبير محمد علي سليمان يرى ان قرارات منع الأغاني تنتمي لمدرسة العصر المنتهي وهدفها كان تسفيه المجتمع، وتسطيحه. بحيث يصبح لا قرار، ولا فكر ولا إستراتيجية. خلال العهد الإعلامي الذي امتد لـ30 عاما، كان الهدف هو أن يأكل المصري، وينام فقط. لذلك تم حجب بعض الأغاني الوطنية الحقيقية التي ساهمت في تشكيل الوجدان المصري في فترة من الفترات. لان هذه الأغاني كانت تمثل خطرا على أي حكم غير ديمقراطي. لأنها سلاح فتاك ضدهم، ولم ولن تكون في صالح مستقبلهم، وبقائهم. لذلك كان البديل هو تقديم الغناء الهابط، والهايف. لأنه بالنسبة لهم أفضل و«أربح».

 وأضاف سليمان: أنا شخصيا وحشتني أغاني كثيرة لم أسمعها إلا خلال الشهر الأخير أي بعد ثورة شباب مصر. من هذه الأغاني «يا أغلى اسم في الوجود» و«فلسطين» لعبد الوهاب، والتي تم حجبها لأن بها مقطع يقول «اخي جاوز الظالمون المدى». هذه الجملة كانت تخيف البعض. وأغنية «صورة» هذا العمل الجميل الذي يحكي عن السد العالي. لماذا يحجب.. وأنا شخصيا لي أعمال كثيرة لم أعد اسمعها مثل «بحب بلدي»، و«أصل النبي عربي» غناء محمود سليمان، و«قصر» غناء أنغام. رغم أن هذه الأعمال تنتمي لعصر مبارك. لكنهم خلال السنوات الأخيرة اكتفوا بالغناء الوطني الهابط الذي يليق بفكرهم الإعلامي.

 الشاعر الغنائي جمال بخيت أكد في غياب الحرية والديمقراطية، وأي جهاز إعلامي ضمن نظام شمولي، يعد المنع قاعدة طبيعية. ولا أقصد بالمنع هنا الأغاني فقط. ولكن أعني منع أي تيار محترم من الغناء أو تضييق الخناق على جيل من المطربين المحترمين مثل علي الحجار، ومحمد منير، وإيمان البحر درويش، ومحمد الحلو، ومدحت صالح لانهم أصحاب انجاز الأغنية الراقية. وللأسف تم تهميش هذه الأسماء لصالح الغناء الهابط. لدرجة اننا شاهدنا أصوات التنطيط، والإثارة يشاركون في حفلات أكتوبر. وهذا يعني ان النظام الإعلامي كان ينتمي لفكر التسطيح.

 وأشار بخيت إلى أن هناك أعمالا أنفق عليها مئات الآلاف من الجنيهات، ولم تر النور إلا مرة واحدة مثل «الليلة المحمدية» التي قمنا بتقديمها لخدمة قضايا الوطن العربي، وتناولنا فيها الهجمات الإرهابية، والإساءة للرسول الكريم في أوروبا، وكذلك نظرة الغرب لنا كمسلمين. هذه الأعمال تم عرضها ليلة واحدة فقط. لأسباب لا نعلمها. وأضاف ليس الليلة المحمدية فقط: هناك أعمال محترمة قامت الإذاعة بإنتاجها وفازت بجوائز في المهرجانات العربية، وأبدعها نجوم كبار مثل سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي، وبهاء الدين محمد، ومجدي النجار، وناصر رشوان من المؤلفين، وعمار الشريعي، وحلمي بكر، وصلاح وفاروق الشرنوبي، وغناء محمد الحلو، وأنغام، وغادة رجب، وريهام عبدالحكيم، وآمال ماهر. ولم تذاع كأنها عار.

 وأضاف بخيت: منذ ثلاث سنوات قدمت مع أمير عبد المجيد عملا جيدا اسمه «نور الأحباب» غناء آمال ماهر، وماجد المهندس، وعبد الله الرويشد. وهو أول عمل يجمع مطربا عراقيا، وآخر كويتيا على مسرح واحد. وفوجئنا بعدم عرضها في الوقت الذي يعرض فيه زبالة الأغاني ليل نهار على الإذاعة، والتليفزيون المصري. والغريب ان هذه الأعمال هي ملك لهم. والطبيعي، والمنطقي ان يتبنوا هذه الأشياء. وإلا ما الهدف من إنتاجها. كل هذا يؤكد أن الحكاية هي حصار التيار الجاد.

 وأضاف بخيت: أين أغاني الثورة وأعمال الشيخ إمام، وأحمد فؤاد نجم. أين ألبوم «لم الشمل» الذي لم يعرض منه سوى «عم بطاطا» لأن الناس كانت تلح على علي الحجار لكي يغنيها، وهو في حفل على الهواء.

 وتابع: نحن كمؤلفين وملحنين كنا نجد حريتنا في التعبير من خلال أغاني التترات ونضع كل السلبيات من خلال الخيال الدرامي، وكأن المقصود هو القضية الرامية. ففي مسلسل «السائرون نياما» تحدثنا عما يحدث في مصر من 30 سنة، وحتي 25 يناير وهو تاريخ الثورة. وقدمنا 45 أغنية لحن حمدي رؤوف وغناء علي الحجار، وفردوس عبدالحميد تحدثنا عن الفساد، والرشوة كل ما يهم البلد، وكنا نحتمي بالتاريخ، حتى نتواصل مع الناس، ومع همومهم من خلال هذا الإسقاط.

 الموسيقار حلمي بكر قال إن المشكلة اننا قسمنا الغناء إلى قديم، وجديد، وجاء المسئولون عن التليفزيون لكي يقدموا كل ما هو رائج. وبالتالي فهذا الرائج هو غناء اليوم، وبالتالي حدث الانحياز للرخيص. وأصبحت الأغاني القيمة في الذاكرة نستحضرها عندما نتعرض لمشكلة في الدولة. وبالتالي عندما جاءت ثورة الشباب استدعينا أعمال الوطن العظيمة.

 وأضاف بكر: للأسف الشديد في فترة من الفترات حتى الأغاني ذات القيمة العالية كنا نشوهها لمجرد حذف اسم الزعيم جمال عبدالناصر. ثم وصل الأمر لمنع بعض أغاني علي الحجار، ومحمد منير لأن أعمالهما تحمل نقدا لاذعا. وأنا شخصيا عندما كنت عضوا في لجنة الاستماع كانت هناك تعليمات بمنع أي أغاني تحمل إسقاطا سياسيا واجتماعيا. وهو ما عرقل تيار الغناء الجاد.

 وأضاف بكر:هذا الأمر لم يحدث فقط خلال العصر الماضي. لكن خلال فترة الرئيس جمال عبدالناصر قرر عبدالحليم حافظ عدم الغناء لأفراد. لمجرد تصوره انه شارك في خداع الجماهير في مرحلة النكسة. وبالتالي بعد العبور غنى «عاش اللي قال» دون ذكر اسم السادات، وهذا ما جعله يتعرض لبعض المضايقات منها حرمانه من طبيبه الشخصي.

 وقال علي الحجار إن تهميش بعض المطربين، وحجب الكثير من أعمالنا كان أمرا مقصودا وأنا شخصيا حضرت واقعة تؤكد هذا. كنت في فيديو (1) بالدور الثاني بالتليفزيون منذ سنوات. وهذا المكان كان معدا لمونتاج بعض البرامج. وكنت وقتها مع المخرج محمد عبد النبي. وفي الجانب الآخر كان هناك مخرج كبير يدعى فتحي عبد الستار، كان يقوم بمونتاج أحد البرامج التي تعتمد على ما يطلبه الجماهير من أغاني. وفوجئت بأن هناك أكثر من 13 ضيفا يطلبون أغاني لي. وإذا بعبد الستار يطلب من المونتير «قص» كل من طلبوا أغاني لعلي الحجار. وتمر عرض الحلقة بأغاني لمطربين آخرين. وعصر رئيس تليفزيون أسبق حدث اجتماع لمخرجي البرامج، وتم التنبيه شفهيا بعدم عرض أعمالي دون أن أعلم ما هي الأسباب.

 وأضاف الحجار: كانت الوسيلة المتاحة لي لكي أقدم فني للناس هو تترات المسلسلات، وحفلات أضواء المدينة، وهذه الحفلات كانوا يقومون بدور الرقيب فيها. بمعنى انهم يطلبون البرنامج مسبقا، ويحذفون منه أي أغنية يرون فيها خطورة. مثل أغاني ألبوم «لم الشمل». مثل «ماتغربيناش وتقولي قدر». وتعللوا أن هذه الأغنية سوف تغضب منا بعض الدول العربية، لان هناك مقطع يقول «ماتغربيناش في الأرض البور.. واحنا الزراع، وايدينا سواقي فرح.. بتدور رغم الأوجاع».

وعن أسباب منع أعماله بشكل كبير، قال: في البداية كان النظام يعتبرني يساريا لمجرد أن هناك أصدقاء لي ينتمون لهذا الفكر. إلى جانب أنني غنيت أعمالا كثيرة لصلاح جاهين، والذي كان محسوبا على جمال عب دالناصر. حتى أغنية «ولد وبنت» البسيطة تم منعها لمجرد أنها من كلماته.

 وخلص الى القول: للأسف الشديد جيلي كله تعرض للظلم، لكن يبقى صوت محمد الحلو أكثر الذين تضرروا لأنه كان مؤمنا أن الصوت الجيد يجب أن تجري خلفه الشركات وهو محق في هذا لكننا كنا في عصر لا يعترف فقط بجمال الصوت. والدليل أن كل الأصوات الضعيفة التي خرجت من خلال ما قدمه حميد الشاعري ثم مسمى الشبابية حصلت على دعم كبير، ومساندة إعلامية هائلة، ووجدوا لها منفذا من خلال هذه التسمية.

التعليقات