15/09/2012 - 13:22

مُصالحة روحانية مع الأوبرا

انطلقت مغنية الأوبرا إيناس مصالحة بجولة عروض لعرضها الموسيقي- الروحاني الأوبرالي "عنّ لي صلاة"، برفقة الإعلامية إيمان بسيوني. مصالحة تريد أن تُقرّب الجمهور العربيّ للأوبرا وأن تحمل مع اللغات التسع للعرض رسالة تقارب بين شعوب العالم

مُصالحة روحانية مع الأوبرا

انطلقت مغنية الأوبرا إيناس مصالحة بجولة عروض لعرضها الموسيقي- الروحاني الأوبرالي "عنّ لي صلاة"، برفقة الإعلامية إيمان بسيوني. مصالحة تريد أن تُقرّب الجمهور العربيّ للأوبرا وأن تحمل مع اللغات التسع للعرض رسالة تقارب بين شعوب العالم.

بعد أن قررت الاستقرار في وطنها، قبل سنتين تقريبًا، منهكةً مِن سفرٍ طويلٍ بين العواصم الأوروبية وأمريكا، انطلقت معنية الأوبرا إيناس مصالحة بعروضها بين أهلها وشعبها. أمضت 5 سنواتٍ في العاصمة الألمانية برلين، تقدّم العروض الأوبرالية على مسرح "شتاتس" ثم تنتقل إلى مسارح أخرى عالمية كـمسرح دار الأوبرا "لسكالا" في ميلانو، كما غنّت على مسرح الأوبرا في تل أبيب ومسرح كارنيجي هول في نيويورك وغيرها، وهي الآن تتنقل بين يافا والناصرة ومعليا وبلدات في وطنها الصغير تغني الأوبرا وتقرّب الجمهور من فنٍ عريق غريب عنه لتعرّفه عليه.

البحث عن الحلم العميق

تقول إيناس "رغم تجرتبي الكبيرة، واستفادتي الهائلة من دور الأوبرا العالمية وبينها "شتاتس" في برلين، وهي بالتأكيد ليست سهلة، لكنني بين يومٍ وضحاه قررتُ حزم حقائبي والعودة إلى بلادي في نهاية 2012، كنتُ أعيشُ قبل ذلك  صراعًا حادًا، بين ما أريده وما أعيشه، بين دراستي وحريتي، لكنني الآن أكثر ارتياحًا، نعم لا زلتُ أغني وأقيمُ مشاريعَ عالمية، لكنني هُنا في هذه البلاد أشعرُ بالحرية، بين الأهل يحتضنوك ويحبونك، ويسعد بِكَ جمهورَك، لكنني مثل كثيرين أظلُ أبحثُ عن العُمقِ في الحلمُ، ويسعدني لو رأيتهُ في عيون الآخرين".

وتضيف "قبل ثلاث سنوات قدّمتُ عرض "غَنّي لي ثلاث صَلوات"، والصلوات الثلاث اعتمدت على المقام العربي، غنيتُ حينها صلوات اسلامية ومسيحية بيزنطية ويهودية شرقية، كانت هذه المرحلة بداية لتعميق جذوري بين أبناء شعبي، وكي أعطيهم المزيد من الإطلاع على عوالم روحانية تلمس أحاسيسهم من الداخل".

لقاء روحاني مع إيمان

صدفةً، التقت المغنية إيناس مصالحة، خلال العام الماضي، بالإعلامية إيمان بسيوني في عملٍ مشترك خلق بينهما لغةً مشتركة؛ "غنّ لي صلاة". مصالحة تغني بتسع لغات موسيقى روحانية تمزجُ بينَ الثقافةِ والإحساس والعلاقة مع الخالق والعوالم الخاصة التي يتمناها جميعُ البشر في العالم، وبسيوني تنشد قصائد الشعر العربيّ، لتلتقي جميع اللغاتِ بينَ شرقٍ وغرب في أمسيةٍ روحانية، كانت تجربتها الأولى في نهاية آب الماضي في الناصرة، الجمهور كان الحكم وأعلن حبّه، فدعاهما مرة أخرى.

"غنّ لي صلاة" أمس الجمعة 14.07.2012 في "بيت ستي" في الناصرة، استقطب جمهورًا ملأ القاعة حُبًا واهتمامًا بِما قدمته إيناس مصالحة مِن عرضٍ اوبراليٍ موسيقيٍ يرقى إلى المستويات العالمية بكلِ اللغات، بينما نجحت إيمان بسيوني باحتضان مشاعِر المشاركين عندما ألقت باقة مِن القصائد الروحانية التي تُحاكي داخِل الإنسان، فتارةً توجعه وتاراتٍ تدغدغ مشاعره بالحُب الصادق.

وفي عيونِ إيناس امتنانٌ لجمهورها الذي أحبه، والذي بدأ يرتاحُ لدفءِ عينيها وهي تعبر عن ذلك بقولها: "يمسني شعور مؤثرٌ جدًا حين أغني لأهلي وشعبي، يغادرني قلبي ليمتلأ بالجو الحميمي الممزوج بالمسؤولية والعاطفة. وهذا ما يختلف عن غنائي للعالم الغربي، نعم أحبُ أن أغني لهم، يمنحونني الحُب لكن بين الأهل وأبناء شعبك احساسٌ مختلف، كله حنينٌ وإحساس".

إيناس خلال تقديم الكونسيرت "غنّ لي صلاة"، قدّمت عميق امتنانها للضيفيْن العزيزين، والدي ميشيل كوري، اللذيْن جاءا ليصليا مَع المصلين، وليشاركا الفلسطينيين المساء الرائع في الناصرة.


مسألة تعويد!

تعتقد إيناس أنّ الجمهور العربيّ سيحبّ غناء الأوبرا في حال اكتشفه وتعرّف عليه، "موضوع الأوبرا هو موضوع جديد يجب أن يعتاد عليهِ الناس، يتعلموه، وينكشفوا عليه، وهذا ما أسعى اليهِ من خلال عروضي، المسألة هي معرفة لا أكثر وهذا نابع من اختلاف الثقافات، فشعبنا لم يعتد على هذه الموسيقى من قبل، ناهيك عن أن الأوبرا هي عالم صعب وموسيقى ليست سهلة للأذن، لذلك نحتاج لأن نتدرب عليها حتى تمر إلى قلوبنا عن طريق الفكر والإحساس، وهذا ما أحاول أن اقدمه في عروضي، بمشاركة صديقتي إيمان بسيوني، علّنا بذلك نسهّل هذه اللغة بالاعتماد على مسحةٍ شرقيةٍ شعريةٍ نُحبها جميعًا".


تطويع اللغة

تعتقد إيناس أنّ اللغة العربية قد تنسجم أيضًا مع الأوبرا إن طُوعّت "كل لغة في العالم تلائم غناء الأوبرا، ولكي تغنّى الأوبرا باللغة العربية يجب أن تتم عملية "تطويع الأحرف" وذلك لوجود حروف صعبة اللفظ كحرف الـعين على سبيل المثال أو الحاء، من خلال الأوبرا نجد امكانية تطويع حروف اللغة العربية، فبيت الأوبرا في مصر أخذت أوبرا معروفة مثل موتزارت، وترجمتها للغة العربية وكذلك تم غنائها باللغة العربية، هذه الامكانيات موجودة. سبق أن شراكتُ قبل ثلاث سنوات في الأوبرا الفلسطينية الاولى "الأميرة ميقاديس"، وكانت على ألحان للملحن الراحل "أيّاجا" وتم تركيب كلمات عربية على هذه الألحان، وكانت النتيجة مذهلة، ونحتاج لتجارب إضافية في هذا المجال".

تعبّر مصالحة عن سعادتها بوجودٍ مغني أوبرا من العالم العربي، وهي دليلٌ أننا شعبٌ يُحِبُ الحياة ويرتقي ولو متأخرًا إلى مصافي العالمية، وخيرُ مثالٍ على فنانين عرب بارزين صوت فادية الحاج وهبة القواس والفلسطيني مروان شامية، الذي ينشط في بيت الأوبرا "ايرفورت" في ألمانيا، وآخرين.

الفن لغة الشعوب

"لكنك اكتفيتِ بأغنية واحدة باللغة العربية لماذا؟!" سألناها "اخترتُ أغنية وحيدة أعود بها إلى بيتي، إلى مشاعري، وهي نقطة الوصل بيني وبين جمهوري، يطلبون مني أن أغني بالعربية، لكني أريد أن يعتاد شعبنا على لغاتٍ أخرى أيضًا، ثقافة، إحساس، البُعد عن الذاتية، والصلاة تجمع بين الشعوب قاطبة، واللهُ يُوحدُ البشر من هُنا يأتي غنائي بلغات العالم. وحين أغنّي الصلاة بتسع لغاتٍ مختلفة بينها العربية أشعرُ أن الحضور يتفاعل أكثر، ويتساوى مع سائر الشعوب وينسجم مع كافة الديانات بصوتِ واحد وأحاسيس عميقة".

اختيار إيناس لدمج موسيقى من شعوب مختلفة في عرضها نابع عن رؤيتها للموسيقى وعلاقتها بالغناء "الغناء بالنسبة لي احساسٌ يمتصُ ما بداخلي مِن طاقة، لذا تريْنني لا أكفُ عَنِ الغناء، تارةً يمتزِجُ بالموسيقى وأحيانًا بمفرده، أغني عندما يسمحُ لي بالغناء، أتعاملُ مع صوتي كصديقيْن أو كأمٌ وطفلها، أحنُ إليه فأغني، ويقسو عليّ فيمنعني أحيانًا مِن الغناء، إنها مشاعِر لا يُحسُها سوايَ أنا".

وتزيد إيناس: "كيف كان لي أن أحيا بدون غناء؟ كان دربًا صعبًا لكنه جميل حينَ ذللته العقبات، ورعته عائلتي ودعمه أعزائي، أينما وُجدوا، وصدقَ مَن قال إنّ "الفن لغة الشعوب"، فهي تُخاطِبُ الجميع، الصغير والكبير، الغني والفقير، الحنون والقاسي، وتهذِب شعوبًا وتصنَعُ مِنها مبدعين".

أطفال الأوبرا

تحمِلُ إيناس اليوم الكثير من المشاريع المستقبلية وأهمها وأكثرها إلحاحًا بالنسبةِ لها أن تقيم مشروعًا خاصًا للأطفال، يتعلمه من خلاله الغناء الأوبرالي، "الموسيقى ليست فقط عزفًا، بل هي إصغاء، عطاء، طاقة، هرمونية، دمج، توافق، وحينَ نثقّف أطفالنا على حُب الموسيقى، على المعاني الصغيرة والكبيرة، فإننا نجّذر تربيتنا الإنسانية وحضارتنا، وهكذا تسيرُ بِنا الحياة إلى الأفضل، وفي كثيرٍ من الأحيان، يلقننا أطفالنا دروسًا وليسَ العكس".

___________________________________________________________

كونسيرت "غنِّ لي صلاة"

"غنّ لي صلاة"، عُرض أكثر من 40 مرة في البلاد وخارجها، أغانٍ ومقطوعات بتسع لغات عالمية، جرى عرضٌ احتفالي مميّز في كاتدرائية ريفر سايد في نيويورك. ستغني إيناس مصالحة في الكونسيرت إثنا عشرة أغنية وجميعها تُخاطِبُ الخالق، وستكون كالتالي: "صلاة الميت" (لماوريس رافيل) بالآرامية، من أغاني هيرمت "الراهب وقطته" باللغة الإنجليزية لصموئيل باربر، "صلاة المساء" بالسويدية لغونا ردي فرومري، "أحيانًا أشعرُ كاليتيم"، من غوسبل الأفارقة الأمريكان، بالانجليزية، لجورج والكر، وبالايطالية ستغني "لك يا مريم" من "أوبرا عطيل" لفيردي جوزيفه، وبالروسية "يا خالقي" لرحمانينوف، ولشوبان الموسيقار العظيم سيُعزف لحن نوكتورن صول مينور رقم 37، بيانو منفرد، لتغني بعده بالألمانية "صلاة من أغاني موريك" لهوغو فولف، ولأنطون دفوجاك ستغني من اوبرا روسالكه "عروس البحر" أغنية للقمر، باللغة التشيكية، وبالعربية ستغني من كلمات يوسف دريان باللحن الكنسي "يا مريم البكر فقت"، تعود للانجليزية بأغنية "أمامك الملك المسيح" لملحن غير معروف، غناه غوسبل، وتتبعه بأغنية "العالم بين يديه" لهاميلتون فورست، لكنها في العادة ما تفاجئ جمهورها بمزيجٍ آخر من الأغاني لموسيقيين عمالقة آخرين مثل:  هنري بورسيل، فرانس شوبيرت، هيتور فيلا لوبوس، ريتشارد شتراوس وغيرهم.

 

التعليقات