26/12/2014 - 15:29

انهيار خطير يتهدد المكتبات وتجارة الكتب في الضفة الغربية

استطلاع أسباب ارتفاع أسعار الكتب وتراجع القراءة وبالتالي تراجع الحالة الثقافية في المجتمع الفلسطيني

انهيار خطير يتهدد المكتبات وتجارة الكتب في الضفة الغربية

لا تستغرب وأنت تتجول عند دوار الأسود في مدينة رام الله إن وجدت  كتبا على الرصيف المقابل أو تحت ظل عريشة أو شجرة، ولا تستغرب إن وجدت هذه الكتب ببسطاتها المتنقلة تزاحم بسطات الخضار والملابس والاكسسوارات وغير ذلك مما يعج به السوق.

ويحاول 'عرب 48' استطلاع أسباب ارتفاع أسعار الكتب وتراجع القراءة، وبالتالي تراجع الحالة الثقافية في المجتمع الفلسطيني.

ويرى الكاتب زياد جيوسي أن تدني أسباب القراءة في مجتمعاتنا أو العزوف عن القراءة كليا يعود إلى بدايات ظهور التكنولوجيا في المنطقة. فحين ظهر التلفاز في أواخر الستينات وأصبح هذا الجهاز موجود في كل مكان، بدأ الكثيرون يبتعدون تدريجيا عن الكتاب وقضاء الوقت بمتابعة البرامج المرئية. وازداد تراجع القراء سوءا بعد ظهور الفيديو الذي أتاح مشاهدة الأفلام والبرامج المسجلة في فترات توقف البث المتلفز، وتلا ذلك ظهور الفضائيات التي لعبت دورا كبيرا في توفير مئات المحطات وبالتالي تنوع البرامج المشاهدة، وأصبح هناك الإدمان على متابعة المسلسلات والبرامج المختلفة.

وأضاف جيوسي أنه منذ أن بدأت الثورة العنكبوتية وتوفر الانترنت ومحركات البحث، أثر ذلك على القراءة بشكل كبير. وحين ظهر 'الفيسبوك' كانت الطامة الكبرى فأصبح معظم الأشخاص يقضون ساعات طوال مع الفيسبوك، وخاصة مع ظهور أجهزة الهواتف المحمولة الذكية التي توفر الاتصال بالانترنت في كل الأمكنة تقريبا وبدون تكلفة تذكر. وهذا لم يؤثر على مستوى قراءة الكتب الورقية فقط، وإنما ترك أثر كبير على الحياة الاجتماعية نفسها.

وقالت مرام أمان الله، في رسالة ماجستير قدمتها إلى جامعة بير زيت إن معدل استخدام الأشخاص، وخصوصا المثقفين، لصفحاتهم في الانترنت 7 ساعات يومياً. وهذا يعكس الوضع الثقافي الفلسطيني البائس.

كذلك أدى ارتفاع أسعار الكتب إلى العزوف عن شرائها وحتى فقدان الاهتمام بالكتب حتى في حالة تنظيم حفل توقيع صدور كتاب جديد، ونادرا ما يقدم المواطنون على شراء كتاب.

وهناك جانب آخر يتعلق بتزوير الكتب. ورغم أنه الكاتب أو المؤلف يسدد تكاليف طباعة كتابه، وأحيانا تكون هذه التكاليف مضاعفة من دون مبرر، ومقابل حصول المؤلف على بضعة نسخ. ورغم ذلك يتعمد الناشرون إلى تزوير الكتب لجني أرباحا أعلى، علما أنها تباع بأسعار أقل وعلى البسطات.

وأشار مروان الجعبة، صاحب مكتبة الجعبة، إلى أن هناك هبوطا في شراء الكتب وخاصة المجلات  بنسبة تصل إلى 70%. وأشار إلى أنه كان يبيع 120 نسخة من مجلة الدراسات الفلسطينية، لكن اليوم بالكاد تباع عشر نسخ، كذلك تراجع كثيرا مبيع المجلات المستوردة من العالم العربي.

وأوضح الجعبة أن 30% من مبيعات الكتب حاليا سببه حاجة الطلبة للأبحاث والدراسات .

وتوقع الجعبة أنه في المستقبل ستنهار المكتبات بالكامل على خلفية التراجع الكبير في شراء الكتب والمجلات، إذ أن المبيعات لا تسد تكاليف المكتبة.

وكشف الجعبة، وهو من المكتبات التاريخية في رام الله المتخصصة بتوزيع الصحف، عن أن الإقبال على شراء الصحف اليومية انخفض إلى أكثر من 50%  ومن يداومون على شرائها اعتادوا على قراءتها أو من أجل متابعة الوفيات والإعلانات الاجتماعيات.

وأشار فؤاد العكليك، مسؤول التسويق في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، إلى أن هذا التراجع في مبيعات الكتب والمجلات والصحف بدأ منذ عام 2001، وقد اتجهت المؤسسة إلى جمع الاشتراكات بعد تدني نسبة البيع المباشر عبر المكتبات  ونتيجة لانخفاض مداخيل  التسويق عبر البيع المباشر .

وعزا العكليك ارتفاع أسعار الكتب إلى الضرائب والجمارك والشحن من الخارج إضافة إلى عدم وجود دعم حكومي للمطبوعات.

وقال العكليك إن الانخفاض في توزيع منشورات المؤسسة وصل إلى 60% وإن المؤسسة تحاول سد هذه الثغرة عبر الاشتراكات، مشيرا إلى أن أسعار المنشورات في المؤسسة بقيت على حالها منذ تأسيسها في العام 1991.

وكان الشاعر محمد حنيحن قد أصدر ديوان شعري واحد قبل عدة سنوات. وقال إن ثلاثة دواوين شعرية من تأليفه بانتظار الطباعة لكن الوضع الاقتصادي وعدم وجود الجهات الداعمة للمثقفين وارتفاع أسعار الطباعة يحول دون استكمال مشروعه الأدبي.

ويطالب حنيحن بأن يكون لوزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية دورا فاعلا في تنظيم المطبوعات وفرض قيود على أسعار الطباعة وحماية المؤلفين من الاستغلال وحماية الملكية الفكرية.

وشدد خضر البس، مدير مكتبة دارالشروق التي تعتبر من أكبر المكتبات في الضفة الغربية، أن عمليات القرصنة تضرب الكتب الأصلية والمؤلفين وتضع المشروع الثقافي الفلسطيني في زاوية حرجة.

وأضاف ردا على سؤال حول أسعار الكتب المرتفعة: 'بالنسبة لنا في دار الشروق، فإن ما يميزنا هو أن الكتب عندنا أصلية ومن المنشأ، ونتقيد بسعر الكتاب الذي يحدده المؤلف والناشر نفسه بصفته، ونحن نمنح خصما  من سعر الكتاب الحقيقي وبالغالب يكون سعره مرتفع. ونحن ندفع أجور النقل والشحن من الخارج والتخليص الجمركي من هذا الخصم الذي يترك لنا هامش ربح بسيط'.

وقال البس إن أسعار الكتب في العالم العربي والعالم كله مرتفعة لكن الفرق أنه على المستوى العالمي يطبعون عشرات أضعاف ما تتم طباعته في العالم العربي أو في فلسطين.

وحذر البس من أشكال التزوير المتعددة التي تجتاح تجارة الكتب وسوق الكتب في المناطق الفلسطينية لعدم وجود رقابة من السلطة الفلسطينية.

وأضاف أنه 'كتبي كدار الشروق يقرصن عليها وتباع بأسعار أعلى من السعر المحدد الذي نبيع به'. وقال إن أحد الكتب يباع في الشروق بـ75 شيكلا بينما الكتاب المزور يباع بـ80 شيكلا، علما أن تلكفته أقل بكثير من النسخة الأصلية 'وهذا بحد ذاته معضلة اضطرتنا إلى سلوك العشائرية لوضع حد للمزورين لانعدام القوانين الرادعة من السلطة وعدم توفر الرقابة والمحاسبة'.

من جانبه قال مدير دار الأمين للنشر، أمين أبو بكر، إن أي دار نشر تود الصمود والاستمرارية يجب أن يكون لديها مئات العناوين والمنشورات الخاصة بها، لأن ما يوجد في المكتبات حاليا ليست كتبا ملكا للمكتبات إنما هي لدور نشر ومستوردة من الخارج.

وقال أبو بكر إن المشاركة في المعارض 'لا تأتي بهمها' لأن مساحات عرض الكتب للمشاركين من دور النشر غالية ويتم حجزها بالمتر المربع وتصل إلى ما فوق 1200 دولار وبالتالي يجب على دار النشر المشاركة أن تبيع ما فوق هذا المبلغ فقط لدفع رسوم المشاركة .

وأضاف أن الدولة العربية الوحيدة التي تدعم الكتب والمطبوعات هي مصر، التي توجد فيها مؤسسات  تابعة للحكومة  مثل الهيئة العامة للكتاب والمجلس الأعلى للترجمة وهذا يساهم في وضع الكتاب في متناول القراء والناس بأسعار جيدة ومعقولة .

وقال أبو بكر إن سعر الكتب في فلسطين مرتفع ولكن ليس أغلى من الخارج، علما أن هامش الربح في البلاد العربية وخاصة في الأردن أفضل من الأراضي الفلسطينية لسبب أن دار النشر في الأردن تستورد من بيروت مثلا وسعر الشحن للكرتونة الواحدة لا يتجاوز دينارين أي 11 شيكلا، غير أن سعر الشحن  لفلسطين يتجاوز مئة شيكل للكرتونة الواحدة.

وكشف أبو بكر أن ما بين 90٪-95٪ من الروايات يتم تزويرها وأن المزورين من القدس  ويوزعوها في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني بكثافة، وأنه خلال الشهر الحالي تم تزوير 30 رواية. 

التعليقات