21/01/2015 - 18:18

إحياء الفلسفة لمواجهة التطرف والإرهاب

الفلسفة كانت تحتل في عصور النهضة العربية مكانة مهمة وراقية، دعمها في ذلك تشجيع سياسي لحركة ترجمة التراث الفلسفي اليوناني، إضافةً إلى مرونة اللغة العربية التي جعلت العرب والمسلمين يسبقون الغرب إلى مناهل الفلسفة اليونانية، ومن ثمّ التأسيس

 إحياء الفلسفة لمواجهة التطرف والإرهاب

قدّم الدكتور محمد المصباحي أستاذ التعليم العالي في جامعة محمد الخامس في الرباط (المغرب) أمس الثلاثاء  محاضرة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تحدّث فيها عن إعادة تأهيل الفلسفة في الواقع العربي، سواء في النظام التعليمي أو في الحياة العامّة، مشدّدًا على أنّ إعادة الفلسفة إلى مكانتها كفيلة بتقديم حلول لأهم المعضلات التي يواجهها العالم العربي اليوم، وفي مقدمتها معضلة الإرهاب والتّطرف الديني.

 وأوضح المصباحي أن الفلسفة كانت تحتل في عصور النهضة العربية مكانة مهمة وراقية، دعمها في ذلك تشجيع سياسي لحركة ترجمة التراث الفلسفي اليوناني، إضافةً إلى مرونة اللغة العربية التي جعلت العرب والمسلمين يسبقون الغرب إلى مناهل الفلسفة اليونانية، ومن ثمّ التأسيس لفلسفة عربية إسلامية أنارت قرونًا من التاريخ الإنساني. غير أن واقع الفلسفة في العالم العربي أصبح اليوم هشًا بسبب تعرّضها للمحاربة. وقال المحاضر إن الفلسفة حوربت لأنها تدعو إلى التأمل والتفكير، ولأنها حرية أولًا، ولأنها أيضًا تدعو إلى الفكر النقدي الذي لا يقبل بالمسلمات وشعارها الشك والنقد بدءًا بنقد ذاتها.

وبعد فترة طويلة من محاربة الفلسفة، يرى الدكتور المصباحي أن الحكومات وأصحاب القرار في العالم العربي انتبهوا اليوم إلى ضرورة عودة الفلسفة إلى قلب التعليم بعد أن أصبح التطرف الديني الإسلامي يهدد المجتمعات العربية في وجودها، فتبرز الفلسفة أداة للمساهمة في علاج سعار الإرهاب الذي ابتليت به المنطقة العربية. ولا يتحقق إنقاذ الأجيال القادمة من التأويل المنحاز للتراث إلّا عبر إعادة تأهيل الفلسفة في النظام التعليمي العربي.


ويرى المحاضر أن إحياء الفلسفة هو إحياء للعقل، منوّهًا بأن الإسلام يعدّ العقل شهادة على عناية الله بالإنسان وتكريمه، معرجًا على تصنيف ابن رشد الأفعال العقلية ضمن أسمى الأعمال تقربًا إلى الله. وليس ذلك فحسب، بل إن إحياء الفلسفة هو ما سيعيد الوعي بوزن العالم العربي وقيمته، ويجعل الأجيال الآتية تكافح من أجل استعادة مكانته بين الأمم.

وتساءل الدكتور المصباحي: كيف يمكن حماية الفلسفة من أن تحارب مرة أخرى؟ ويرى أن أهم الوسائل على الإطلاق هو أن تنزل الفلسفة إلى الناس، وأن يعمل أهل الفلسفة على استقطاب الرأي العامّ لحمايتها، ولا يكتفوا بتوسيع نطاق تأثير الفلسفة في الحيز الضيق للدارسين والمشتغلين في نطاقها. وأشار إلى أن الفلسفة كفيلة بتحقيق ذلك لأن في حياة الناس البسيطة الكثير من الفلسفة، وكما يقول غرامشي فإن كل إنسان فيلسوف، إضافة إلى أن للفلسفة ميزة مهمة تجعلها تقترب من الإنسان لذاته بوصفه إنسانًا، عكس الأيديولوجيا مثلًا التي تسعى إلى التوسّع وتعزيز وجودها بين الناس ولكن لغرض الحشد الأيديولوجي ومن منطلقات تمييزية أيديولوجية.

وأكد محمد المصباحي أنّ الفلسفة و"المدينة" (أو البناء السياسي) مرتبطان على نحو عميق، والحاجة متبادلة بين السياسة والفلسفة، كما لا يمكننا أن نفكر إلا بالمدينة ومن أجل المدينة.

وخلص المحاضر في الختام إلى أن الفلسفة هي أداة حضورنا في عالم اليوم الإشكالي المعقّد والملتبس، وأنها المشكاة التي تنير دربنا في التعامل مع هذا الواقع، كما تسمح لنا الفلسفة بإعادة المفاهيم التي دأب الغرب على خلطها وتشويهها إلى نصابها، فنحن نحتاج إلى الفلسفة لمواجهة تلك المغالطات. وأضاف أن الفلسفة تمثّل في زمن التزاحم والصراع بين الهويات والثقافات مكانًا محايدًا نجري فيه حوارًا حرًا غير منحازٍ إلى أي تفسير من التفسيرات، بل يحكّم منطقًا عادلًا في مناقشة قضايانا والآخر، هذا الآخر الذي يجب ألّا نتعامل معه بلغة الصراع والتضاد بل بلغة الحوار.

التعليقات