ينطق الضوء في لوحات تستمد الحياة من نور يسلط وهجه في عتمة المكان عليها، فيصبحُ جسرَ الرؤية الذى يسقط على مجسمات فنية فتُبعثُ بها الروح لتحيى من جديد أسماءٌ ومشاهدٌ غابت ولا تزال تسكن وجداننا. إن تعامل الفنان عبدالله مريح مع الضوء هو تعامل مستقل متحرر من قيد الزمن الطبيعي متجاوزاً المكان فى العالم المادي، فمن خلال توزيعه للضوء على ظل مجسم يندرج فى تكويناتة تحت مايسمى 'لوحات الظل' يكسب المجسم شيئا من الحياة.
حيث يكون الضوء تكون مشاعرنا، هنا ينبثق المعنى، ويتحول الضوء إلى كلام، إلى حضور عبر إشراق ظلمة المكان ، فكل ما يضيء يرى، وكل ما هو مظلم خفي غير قابل للوجود، في أعمال الفنان عبدالله مريح الضوء والظل هما من عناصر التشكيل ، حيث يتحول الحيز إلى أبعاد ضوئية وفيض متدفق من إيقاعات النور المختزنة التي تعطى البعد الروحي للمكان . فالمتأمل للجدران والدروب والبيوت في ظل لوحاته يجد أنها تختزن الضوء والتوهج ، فالإضاءات التي تشع على مجسمات تجريدية تحرر روح لوحات الظل من قيد الظلام.
بداية المشوار 'الفن العلاجي'
بدأ الفنان عبدالله مريح من مدينة طمرة قبل عشرين عاما بعشق ألوان الطبيعة ليستخلصها ويحولها إلى عمل فني من خلال الرسم بالرصاص والفحم وألوان الطبيعة فقط، ويكبر عشقه للفن وينمو ليتوجه إلى معهد بيت بيرل فيدرس مجال الفن العلاجي، الخاص بشريحة ذوي الإختياجات الخاصة، فينضج الفن في روحه ليستقر في مجال واحد، 'فن الظليات' هو جديد في عالمنا العربي أجمع إنه' فن الظليات'، ويرى أنها مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقه بأن يؤسس فنا جديدا في عالمنا العربي'.
وعن بدايته مع هذا النوع من الفن قال:' أستوحيت هذا النوع من الفن منذ فترة قصيرة بعد أن تعرفت من خلال مواقع الفن المعاصر على فنان ياباني يدعى كومي ياماشيتا، هذا الفنان أبدع ببناء المجسمات ليجعل الضوء يدخل من خلال تلك المجسمات الأمر الذي يبدأ فيه الضوء بترتيب ظلال في الجهة المقابلة للضوء وهذه الظلال ترسم تعابير لرسوم في غاية الدقة والجمال، الأمر الذي شغلني لأيام عدة في محاولة فهم وتحليل المجسم وخصصت أوقات للبحث في المواقع والمنتديات بكل ما يتعلق بمسألة الضوء والظل، والنتيجة كانت مذهلة لمن رأى وليد هذا النوع من مجسماتي، انها ظلية محمود درويش، وأجمل انطباع سمعته من احد الأصدقاء كان، يا الله عدا إنني أرى درويش فأنا أرى هيبته في الظل أيضاً'.
'عناصر فن الظل والضوء'
وقال:' فن الظل يعتمد بالأساس على ثلاثة عناصر الظلية والضوء والنتيجة الأخيرة لإجتماع الضوء في الظلية، بحيث يقع الضوء على الجسم فيمنحه ظلا حتى يكون في الإمكان إظهار الشكل وقد ارتبطت تفاصيله ببعضها، ينشأ الظل إذا وقع أي جسم في مسار الأشعة المنبعثة من منبع ضوئي، فهذا الضوء سيضيء أحد جوانب الجسم، ويضعف ويتدرج هذا الضوء حتى يتلاشى نهائيا، فيبدو الجانب الآخر مظلما وبذلك سيرمي الجسم ظلا على الأرض أو على أي مكان آخر، حسب اتجاه مسار الضوء ومكان وضع الجسم، وهذا الظل الذي سيلقيه الجسم على الأرض أو جدار'.
وتابع:' الفن التشكيلي بشكل عام وبشكل خاص عن المنحوتات المبنية، فهنالك نوعين من النحت، النحت بالبناء والنحت بالإزالة ، فالنحت بالبناء هو تجميع المواد للحصول على منحوته وهذا النوع من النحت يدخل في الفن المعاصر، أما النحت بالإزالة فمعروف منذ القدم حيث كان الإنسان القديم ينحت التماثيل من الصخور بهدف أمور روحانية وتعاويذ لتساعده في الصيد الوفير وأمور الإنجاب والعديد من الأمور، أما عن منحوتاتي إن شئنا تسميتها فهي منحوتات أو مجسمات تخدم مرحلة وليست الهدف وفي الوقت ذاته هي أحد أمرين أساسيين للحصول على نتيجة العمل الفني' .
وتابع:'جل اهتمامي في أعمالي الفنية يقتصر على ما يسمى بالفن المعاصر وما يحيط به، إن صح التعبير هو تقنية مركبة تدخل فيها الإضاءة ، فكل عمل فني هو مكون من عاملان أساسيان، الضوء ومن ثم المجسم ، وفي النهاية لنحصل على العمل الفني بصورة ظل وأسمي الناتج 'ظلية' فكما شرحت سابقا فان الضوء يدخل من خلال فجوات المجسم لينكسر منه ما ينكسر ويخرج ما يخرج لنحصل على نتيجة عمل فني كالتي نراها، أما بالنسبة لكون هذا الفن حديث في مجتمعنا فلم أعثر إلا على القليل ولم يتطرق إليه أحد بجدية، وفي فلسطين أيضاً مع أن عالمنا العربي بشكل عام ومجتمعنا الفلسطيني بشكل خاص لدية العديد من القضايا التي يمكن لنا أن نعرضها للعالم من خلال هذه التقنية من الفن ذلك أن هذه التقنية في الفن التشكيلي تدخل إلى القلوب بسرعة ونحن نحتاجها لقضايانا'.
الظليات الفنية
وحول مفهوم الظلية في هذا النوع من الفن يقول عبدالله مريح:'إن مصطلح ظلية قمت بوضعه وتسخيره ليخدم تعريف العمل بكل مركباته ، نظرا لعدم وجود كلمة عربية تخدم هذا النوع من الأعمال، فالضوء والمجسم والظل يشكلان ظلية للناتج الفني، فالرسوم غالبا ما تعرف باللوحات، والمجسمات الفنية غالبا ما تعرف بالمنحوتات أو الجداريات، ولم أجد أجمل وأكثر تعبيرا من مصطلح ظلية للتعبير عن الضوء والمجسم والظل في آن، فأكثر الظليات التي أعمل عليها هي ظليات لرموز فلسطينية سياسية وأدبية وفنية وغيرها من الرموز، محمود درويش، غسان كنفاني ياسر عرفات فدوى طوقان سميرة عزام روضة بشارة عطا الله، والعديد العديد وساخصص وقتا لبناء ظلية عملاقة تتحدث في مشهد واحد عن قضية النكبة والهجير، فيها ظلال عربات الهجرة وقوافل المنكوبين دعيني أقول إنها ستكون شبيه بإنطبعاع الجرينيكا ولكن بمشهد حقيقي من الظلال، لمن لا يعرف قصة الجرينيكا للفنان بيكاسو انصحه بأن يبحث عنها إنها قصة مشوقة لعمل فني فريد من نوعه عالميا'.
الرؤيا المستقبلية
وعن رؤيته قال:'إنني أتشوق كحال أي فنان لأرى أعمالي في صالة عرض، ولا سيما باكورة أعمالي، خاصة لما نعانيه من غياب المؤسسات التي تهتم بهذه الأمور، ولكن الدافع الذي ولدت منه هذه الأعمال سيكون ذاته الدافع الذى سيحقق ما أطمح له بعرض أعمالي وأن أتجول برفقة مجسماتي بأسمائهم كما هي في صالات عرض في عالمنا العربي بشكل خاص، وآمل أن تنخرط أعمالي ضمن مؤسسات تربوية ثقافية بالبلدات العربية'.
ظلية محمود درويش
ويعمل الفنان عبدالله مريح في هذه الأثناء على بناء ظلية خاصة في الشاعر محمود درويش وقال:' بالإضافة لعملي لبناء ظلية خاصة في الشاعر محمود دروي، فسأقوم ببناء ظليات خاصة بنصوص شعر من آشعاره، وأتمنى أن يتم عرضها في آذار في ذكرى ميلاد محمود درويش في الإحتفالية الخاصة بهذه المناسبة، بحيث يكمن وضع ظلية عملاقة على إحدى المباني في مكان الإحتفال'.
ظليات دينية ورموز نسائية ومشهد للنكبة
وأختتم الفنان عبدالله حديثه قائلا:'هناك الأفكار العديدة لظليات كثيرة، سيكون من حظ الرموز النسائية نصيبا بها، مثل ظلية للكاتبة فدوى طوقان، دكتورة روضة بشارة عطا الله، وسأعمل على بناء مشهد كبير حول النكبة، ينقل مشاهد النكبة من التهجير والهدم والخيام ورموز لها علاقة بالنكبة'.
التعليقات