22/03/2015 - 10:43

مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية: أدوار المثقف والجامعات

اختتمت يوم أمس في مدينة مراكش المغربية الدورة الرابعة من "مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية"، الذي ينظمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، بحضور باحثين وجامعيين من مختلف البلاد العربية، يتناقشون حول قضيّتين، هما "أدوار المثقفين في التحوّلات التاريخية" و"الجامعات والبحث العلمي في الوطن العربي" بواقع تسع جلسات لكل قضية.

مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية: أدوار المثقف والجامعات

اختتمت يوم أمس في مدينة مراكش المغربية الدورة الرابعة من 'مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية'، الذي ينظمه 'المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات'، بحضور باحثين وجامعيين من مختلف البلاد العربية، يتناقشون حول قضيّتين، هما 'أدوار المثقفين في التحوّلات التاريخية' و'الجامعات والبحث العلمي في الوطن العربي' بواقع تسع جلسات لكل قضية.

ويشار إلى أن هذين الموضوعين مثّلا محورَي 'الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية' التي أعلن عن نتائجها في منتصف شهر شباط (فبراير) ويتم تقديم الجوائز للفائزين في ختام المؤتمر.

شهدت جلسة افتتاح المؤتمر، يوم الخميس، محاضرة تأسيسية لكل محور. إذ ألقى المفكر العربي عزمي بشارة، محاضرة في 'أدوار المثقفين في التحوّلات التاريخية'، فيما حاضر حفيظ بوطالب الجوطي، الرئيس السابق لجامعة محمد الخامس في الرباط، حول 'الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي'.

عزمي بشارة: مسافة نقدية من العصبيات القائمة

ميّز بشارة بين نمطين سلوكيين للمثقف العربي تجاه الوضع العربي الراهن، فقد 'تحوّلت انتفاضات التغيير والثورات من أجل الحرية إلى حروب أهلية في الدول الهشَّة، إما بسبب جماعاتها الأهلية القوية أو تسرّب قوى متطرفة إليها، فاختار نمط أول من المثقفين الدفاع عن الوضع القائم، فيما اختار نمط ثانٍ الوقوف مع الثورة في وجه الاستبداد'.

وأوضح بشارة أن 'المثقف الذي اختار الدفاع عن الوضع القائم، فعل ذلك انطلاقاً من اقتناع مفاده أن الحروب الأهلية التي تغرق فيها بعض الدول العربية التي شهدت محاولة للتغيير، يتحمل مسؤوليتها أولئك الذين قاموا بمحاولة غير واضحة لتغيير الوضع القائم'.

ويرى صاحب 'أن تكون عربياً في أيامنا' أن هذا النمط من المثقفين لا يلتفت إلى 'سبب هشاشة الدولة، ولا يحلّل مسؤولية خيار النظام القمعي عن تحوّل الثورات إلى عنف'، وهو الأمر الذي يمكن 'التوصّل إليه بالتحليل العقلاني حتى قبل الإدانة الأخلاقية'.

ويضيف أن 'المثقف الذي ينحاز إلى هذا الموقف إنما ينسحب من دوره الترشيدي العقلاني'؛ بل أن الأخطر من ذلك، حسب رأيه، هو 'غياب التضامن مع تطلّع الشعوب لإنهاء حالة الظلم، وتجنّب إدانة النظام الحاكم بوصفه المسؤول عن حالة الظلم والفساد'، وبوصفه، أي النظام الحاكم، 'مسؤولاً عن تبعات الخيار الأمني القمعي' مما جعل هؤلاء المثقفين 'يتهرّبون من مسؤولية الموقف، بتوجيه الاتهام إلى من تطلعوا إلى التغيير'.

أما النوع الثاني من المثقفين فهم أولئك الذين 'وقفوا مع الثورة ضدّ الاستبداد والفساد، بل وتماهوا مع عدالة قضيتها، ويرون تبعاً لذلك أن الأنظمة التي تسدّ أفق التغيير وتلجأ للعنف مسؤولة عن 'تدهور الثورة'، وتحوّلها في عدد من الدول التي تتسم بالهشاشة، إلى منزلقات الفوضى والعنف والتطرف'.

ونبّه بشارة إلى أن 'مثقف الثورة هذا يتبنى هو نفسه مواقف ناقصة، إذ أنه في الوقت الذي يكتفي فيه بشرح الأسباب الموضوعية للفوضى والتطرف، لا يرى أن الأفراد الأحرار الذين ثاروا على النظام مسؤولون أيضاً عن أفعالهم وعن أخطائهم كذلك'، ومن هنا فإن المثقف المدافع عن الثورة قد يتحوّل 'إلى تبرير تلك الأخطاء، بدل الإسهام في تفسيرها'.

أما أخطر ما يمكن أن يسقط فيه المثقف، فهو تلك المواقف التي يتبناها أو يتخذها وتكون 'نتيجة لمشاركته الواعية أو غير الواعية في عصبيات من أنواع مختلفة'. ويرى بشارة أن قدرة المثقف على 'اتخاذ مسافة نقدية من العصبيات القائمة في أي مجتمع، تعتبر من أهم الشروط للقيام بدوره النقدي، العقلاني والأخلاقي معاً'.

ويشير بشكل واضح إلى الحروب الأهلية التي بدأت تجتاح بعض الدول العربية التي عرفت محاولات ثورية، ثم تدهور الوضع فيها إلى الأسوأ، بسبب عصبيات قبلية أو طائفية مذهبية، وحتى حزبية أيديولوجية. وقال، في ختام كلمته، إن 'العصبيات التي تعني انحيازاً مسبقاً تتناقض مع أحكام العقل، ومع أحكام الأخلاق في الوقت ذاته'. وتظل تلك المسافة النقدية هي المحدد لخصوصية وظيفة المثقف، وهي تميزه بدقة عن العالم الخبير من جهة، وعن الداعية السياسي أو الديني كذلك.

حفيظ بوطالب الجوطي: هشاشة الجامعة وتعقيداتها

في المحور الثاني، 'الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي'، أبرز حفيظ بوطالب الجوطي الفارق الشاسع 'بين ما حققته الجامعات العالمية من تطوّر بفضل مرونة البحث العلمي إزاء الواقع، فأضحت قائدة للاقتصاد العالمي، فيما تعاني الجامعات

وقال الجوطي 'إن الجامعات العالمية تطوّرت بشكل جعلها اليوم تمزج بين ثلاث وظائف كبرى، هي التكوين الجامعي (تلقين المعرفة والقيم والمهارات)، والبحث العلمي، ثم الابتكار'. ولفت الانتباه إلى أن 'الابتكار لا يعني الاختراعات التكنولوجية فحسب، بل أضحى يُطلق على كل الإبداعات الجديدة وغير المسبوقة في التنظيم والخدمات والتدبير والاجتماع'.

من خلال استقراء لأحسن الممارسات الدولية، خلص الجوطي إلى أن 'ثمة خمسة شروط لنجاح الجامعات في أخذ مكانتها في التنمية، ويتعلق الأمر بالاستثمار الجيد في الموارد البشرية والمادية، وبناء علاقة جيدة مع المقاولة وقطاع الأعمال، وتسهيل حركة الباحثين وتنقلهم، وجودة البحث الأساسي، إضافة إلى مراكز الامتياز التي تجعل من البحث العلمي والابتكار أولوية استراتيجية'.

أمام هذا الواقع الجامعي في العالم، يرى الجوطي 'إن الجامعات العربية لا يمكنها أن تظل محتفظة بدورها التقليدي فحسب، بل عليها الانخراط في تأهيل الاقتصاد والتنمية. ولكي تستطيع فعل ذلك، تحتاج الجامعات العربية إلى تبنّي مهام جديدة لها مثل التكوين المستمر، والبحث التعاقدي، وتقديم الاستشارات والخبرات، وتطوير روح وبنيات الابتكار والبحث'، كما جاء في ورقته.

جدل المثقفين في مراكش: أسئلة الفكر والممارسة

تلت المحاضرتين الافتتاحيتين للمؤتمر مجموعة من الجلسات العلمية في موضوعي المؤتمر، انتظمت بصفة متوازية على مستوى التوقيت. الجلسة الأولى في محور 'أدوار المثقفين في التحولات التاريخية'، كانت برئاسة عبد العلي حامي الدين، وتحدث فيها المشاركون عن السياقات الفكرية لأسئلة السلطة والنهضة لدى المثقف العربي، والتطورات التي عرفتها العديد من المفاهيم.

وفي آخر جلسات اليوم الأول، تطرّق الباحثون إلى إشكالية 'أدوار المثقف العربي في العصر الرقمي والشبكي' بمشاركة عز الدين البوشيخي، رئيس الجلسة ونديم منصوري وجوهر الجمّوسي وإبراهيم بوتشيش.

خلال اليوم الثاني، كان موضوع الجلسات الأربعة هو 'المثقف العربي وأدواره المتجددة' وذلك من عدة زوايا: جدلية المثقف والثورة، أسئلة الفكر والممارسة، قضايا الهوية والمجال الثقافي.

وشهد أمس جلسة علمية تحت عنوان 'المثقف في السياق العربي الاسلامي' برئاسة سعيد العلوي، ومشاركة عبد الوهاب الأفندي وعبر العزيز راجل وعبد اللطيف المتدين. وستكون آخر جلسات المحور بعنوان 'أسئلة الهوية والوظائف المفتقدة' برئاسة المولدي الأحمر ومشاركة خالد العسري وامحمد جبرون وسعيد أقيور وادريس الكنبوري.

في المحور الثاني للمؤتمر، تطرقت جلسات اليوم الأول، 19 آذار (مارس)، إلى 'الحرية الأكاديمية واستقلالية لجامعات' و'الجامعة: اشكالية التحول إلى مجتمعات واقتصاديات معرفة' و'تحولات الجامعة المغربية'.

وعرف اليوم الثاني جلستين علميتين بعنوان 'واقع البحث العلمي في الجامعات العربية' برئاسة كل من الصادق الفقيه ونزار المساري. وتطرّقت الجلستان المتبقيان إلى واقع تدريس العلوم الاجتماعية والإنسانية في الجامعات العربية.

وشهد أمس أيضا جلستين تحت عنوان 'الجامعة العربية وأدوارها المجتمعية' برئاسة عبد العزيز لبيب، و'تحولات الجامعة التونسية' برئاسة مهدي مبروك.

الجوائز العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية: ختام المؤتمر

وأنهى المؤتمر أعماله بحفل تكريم الفائزين بمختلف جوائز 'العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية'. وكانت لجنة التحكيم قد حجبت الجائزة الأولى في محور 'أدوار المثقفين في التحوّلات التاريخية' فيما آلت الجائزة الثانية للتونسي علي الصالح مولى عن بحثه 'هل من حاجة اليوم إلى مثقف هووي؟ بحثٌ في تراجع الأدوار التقليديّة ونظرٌ في البدائل'.

ونال الجائزة الثالثة مغربيان، هما إبراهيم القادري بوتشيش عن بحثه 'سؤال تجديد أدوار المثقف في ضوء تحوّلات الربيع العربي: دور التواصل الشبكي والميداني كخيار استراتيجي'، وحسن طارق عن بحثه 'المثقف والثورة - الجدل المُلتبس: محاولة في التوصيف الثقافي لحدث الثورة'.

أما في موضوع البحث الثاني 'الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي'، فكانت الجائزة الأولى من نصيب بحث مشترك للفلسطينيين نضال المصري ومحمد الآغا بعنوان 'إطار مقترح لتطبيق استراتيجية إدارة المواهب البشرية لتحقيق التميز البحثي في الجامعات الفلسطينية في ضوء مجتمع المعرفة'.

ومُنحت الجائزة الثانية للمغربي محمد فاوبار عن بحثه 'مختبرات العلوم الإنسانية وسيرورة تأسيس الجماعة العلمية بالجامعة المغربية بين الفرص والمعيقات: محاولة في سوسيولوجيا العلوم الإنسانية'، ليحرز الجائزة الثالثة كلٌّ من السوري عامر دقو عن بحثه 'العلاقة بين التعليم الجامعي والديمقراطية في الوطن العربي من خلال نتائج استبيان الباروميتر العربي - الجولة الثانية'، والفلسطيني علام حمدان عن بحثه 'الطريق نحو الجامعات البحثية عالمية المستوى: دراسة شمولية في الجامعات العربية'.

 

 

 

التعليقات