13/06/2015 - 17:39

حيفا تحتضن الكاتب توفيق فياض بعد 41 عاما

حيفا لم تذهب، لقد حملتها أينما ذهبت، سُئل محمود درويش عني، فقال: هذا الفلاح جاب العالم، ولم يخرج من المقيبلة

حيفا تحتضن الكاتب توفيق فياض بعد 41 عاما

'حيفا هي أمي التي قضيت بها أجمل أيام عمري، وإذا ما نسيتك يا حيفا نسيتني يميني، وإن هجرتك يوما جفاني الفرح'، هذا ما قاله الكاتب توفيق فياض عن حيفا، ولا زال يقول، وقد عاد إلى حيفا بعد 41 عاما، يطل عليها ليستقبله العشرات من الأدباء والأصدقاء والأقارب، ضمن أمسية ثقافية نظمت في مسرح الميدان بمبادرة من مؤسسة محمود درويش، ومسرح الميدان في حيفا، ومسرح الجوال في سخنين.

تخللت الأمسية التي عقدت أمس الجمعة كلمات لمدير مؤسسة محمود درويش عصام خوري، ورئيس إدارة مسرح الميدان المحامي والكاتب وليد الفاهوم، ومدير مسرح الجوال الكاتب محمد علي أبو ريا، كلمة للكاتبة الباحثة د. كوثر جابر-قسوم، والأستاذ الشاعر حنا أبو حنا. كما قدم الفنان خالد أبو ريا مسرحية 'بيت الجنون' للكاتب توفيق فياض وهي من إنتاج مسرح الجوال.

هذا ورافق الأديب فياض عدد من أفراد عائلته، من ضمنهم ابنة اخته الكاتبة والناقدة د. كوثر جابر قسوم التي قالت: 'منذ فترة طويلة وهناك محاولات لإعادة توفيق فياض لأرض الوطن، كان أملنا بالعودة الدائمة له وقد تحقق الأمل بمساعدة المحامي محمد دحلة، ونأمل أن يبقى بيننا، لقد تربينا على أدبه، هناك عودة تاريخية وأسطورية في كل لحظة نقضيها معه، هو شخص ألهمني، وحاليا أنا باحثة وكاتبة وكان له الفضل الكبير وأفتخر بذلك'.

وصف الكاتب توفيق فياض لقاءه مع أصدقائه ومحبيه ضمن الأمسية الثقافية بأنه جعل من سنوات الغياب الواحدة والأربعين عاما كواحدة وأربعين ثانية في حضور محبيه، وبأنه رغم 41 غيابا عن الوطن إلا أنه لم يغادر حيفا.

هذا ولم يتمالك الأديب توفيق فياض نفسه عن البكاء من شدة الحب الذي وجده من أهله، فقال: 'أشكركم جميعا، شكرا للأساتذة الذين أعطوني أكثر مما استحق. لم أكن أعرف أن هذا الحب هو أكبر من أية شيء، لم أكن أعرف أن أستاذي حنا أبو حنا سيكون يوما جالسا هنا، وهو أحد الرجال الذين شاركوا في تجريحي يوما من الأيام، عندما كنت كاتبا غضا صغيرا. ولكنه في هذا العمر، وبعد خمسين عاما، عاد ليقول إنه ظلمني، مقبول اعتذارك أستاذ حنا. شكرا لمسرح الميدان، ولمؤسسة درويش ومسرح الجوال، شكرا لكل الأحبة الذين أتوا هنا ليستقبلوني بعد غربة طويلة، 41 عاما لكنها كانت 41 ثانية في حضوركم، شكرا يا فتحي الفوراني صديقي القديم، شكرا لصديقي عبد الذي من حبي له ذهبت لزيارته، فرأيت الباب مفتوحا، ودخلت إليه وبدأت أتكلم وأتحدث وكأنه يجلس إلى جانبي، واذا أنا في بيت آخر، كنت حينها أكتب تلك المسرحية بيت الجنون، فالجنون مرض قديم وجنون قديم حديث، ماذا أقول؟ 41 عاما ولكن حيفا لم تذهب، لقد حملتها أينما ذهبت، سُئل محود درويش عني، فقال 'هذا الفلاح جاب العالم، ولم يخرج من المقيبلة. وأنا لم أخرج من حيفا، وكثيرون يعرفون كم تغزلت بنساء حيفا، وكأنني أتغزل بحيفا'.

وتابع: 'لنعد قليلا للأدب الذي صنعه رواد فلسطينيون، لم نكن نعلم بأنه يوما من الأيام سنقف على هذه الخشبة، لم نكن نعرف بأن العالم قرأ لنا، ذات يوم، وعندما سكنت مع محمود درويش جاء يلوح بجريدة ويقول: 'أنظر إنهم يعرفوننا'، كان يحمل نصا نقديا لإبراهيم أبو ناب، لم نعلم أن أحدا سمع بنا وكتب عنا، ولكن العالم الآن سمع عنا وكتب عنا، لأننا مثلنا هذه الأرض، وهذا التراب المقدس، لم نستسلم ابدا ولن نستسلم، لأنه ترابنا وهي أرضنا مهما ابتعدنا'.

وأضاف: 'بالمناسبة أشكر معيدي لهذه الأرض، شكرا لك المحامي محمد دحلة والمحامية سهاد دحلة، في لحظة وجد على الجسر قلت له: يا أبا العائدين، لأنه قاتل 15 عاما لكي يعيدنا وأعادني، ويبدو أنه قد تأثر برسالتي الأخيرة له، حيث كتبت له وصيتي: إن لم تستطع أن تعدني فوق الأرض أعدني تحت التراب تحت الأرض. وعلى الجسر قال لي: لقد أعدتك يا توفيق فوق الأرض وفي حيفا. لقد عدت لكي أراكم جميعا، وقد أعطيتموني هذا الحب'.

واختتم: 'ظننت في لحظة أن شعبي لا يعرفني، لكنني عدت لأرى النساء والأطفال حتى المحجبات خرجن ليقبلنني، كان هذا كثيرا عليّ. أحبكم أحبكم... أحبك يا حيفا، أحبك يا حيفا حقيقة،.. لم أغادر حيفا يوما، هي كانت رفيقتي دائما وقد عدت إلى حيفاي أنا كما تركتها، وليس أكثر صدقا من قول أحبك حيفا، ولكني أنا ابن المقيبلة مسقط رأس والدي.

اقرأ أيضا: لقاء حصري لـ'عرب ٤٨'  مع الكاتب توفيق فياض بعد ٤١ عاما من الأسر والمنفى

لم تصدق سلوى جابر، ابنة أخت الأديب توفيق فياض، بأنها ترى خالها، وقد امتزجت الضحكات مع الدمع في محاولة منها لوصف شعورها قائلة 'الدموع هي أقوى الكلام الذي يمكن أن يعبر عن شعوري، لقد بكى قلبي طيلة الطريق من قرية الرامة حتى حيفا، وأنا لا أصدق بأني ذاهبة لألتقي بخالي الذي تبقى لي من رائحة أمي وأخوالي، هو خالي توفيق الذي يحمل في كل لحظة من عمره قصة نضال، وكلما تصورت حياته وغربته ومسيرته النضالية تختلط المشاعر بي، ولكني سعيدة الآن، وأريده أن يبقى بيننا والحمد لله على عودته'.

خوري: توفيق حيفا اليوم أجمل بك

وقال الكاتب عصام خوري: 'توفيق فياض أهلا بك أيها العزيز في بيتك، حيفا جميلة، ولكنها اليوم أجمل، أعلم أنك اشتقت لهذه المدينة الناعسة والمتيقظة والنائمة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، التي احتضنت شبابك الأول، ولكنك يجب أن تعلم بأنها هي أيضا اشتاقت إليك. البيوت التي سكنتها، الشوارع التي سرت فوقها، المقاهي التي جالست الأصدقاء بها، والبحر الذي حمّلته أسرارك. لكن حيفا اليوم ستكون فرحة لو كان معنا في حفل استقبالك هذا سميح القاسم ومحمود درويش، اللذان أحببتهما كثيرا وأحبوك كثيرا، فمن حقهما علينا أن نبلغهما عودتك لكي نشاركهما بسعادتنا بهذا اليوم الرائع، بوركت يوم عدت إلينا'.

المحامي الفاهوم: لا زلنا نعاني كثيرا من المشوهين

وقال رئيس إدارة مسرح الميدان المحامي وليد الفاهوم: 'أذكرك يا توفيق في شوارع الناصرة، وفي كتابك الأول المشوهون، كيف قامت الدنيا، ولم تقعد على الكتاب، ولا زلنا نعاني من كثير من المشوهين، أذكر توفيق عند لقائي به بعد غياب طويل في تونس كيف كان مُوحوحا على رائحة البلاد، زيارته لي كانت بعد الساعة الثانية عشر في الفندق، وقد نزلت لأودعه وبقينا نمشي خلف وأمام وعلى جوانب السيارة حتى السادسة صباحا، لم نعرف النوم كل الحديث كان عن البلاد. توفيق أهلا بك في مسرح الميدان وفي بلدك. أهلا بك على هذه الإقامة الدائمة'.

أبو ريا: أهلا بك سيزيف الفلسطيني

ووصف الكاتب محمود أبو ريا، مدير مسرح الجوال، الكاتب توفيق فياض بسيزيف الفلسطيني وقال: 'أهلا بك سيزيف الفلسطيني، هذا هو سيزيف الفلسطيني الذي لا يستسلم لقدره، وإنما يُنذر نفسه لمزيد من التحديات مبتسما مشرقا متألقا فاتحا ذراعيه للحياة للأمل، رافضا أغلاله، كاسرا قيوده، لأنه يؤمن بطاقات الحب في داخله، هذا الحب الذي يولد حرا ينمو حرا ويعيش حرا ويحتوي حتى أعداءه، وعندما يحمل سيزيف قلمه يرتعد أنبياء الكراهية فيحاولون كسره أو تزييفه، إلا أن قلم هذا السيزيف هو عصاه التي يتوكأ عليها ويهش بها على ألمه، فهل صادرت الأمل أيضا'.

وتابع:' فيا أنبياء الغضب أيها الموهبون في كسر الأقلام وتكميم الأفواه! أيها المرهبون، عبث هو المجد الذي تسعون إليه، فما أقصر تلك الأيام التي يبقى فيها إكليل الغار يانعا أخضر، أنا صاحب القلم، صوت أنيني مزعج، وصرير قلمي يصم آذانكم الممسوخة، أنا عاشق رحلت حبيبته وتركت له قلما وذاكرة وألما، فأنا عاشق ألمي لأنه الصابون التي أغسل بها حزني الذي أردتم له أن يكون مزمنا'.

د. كوثر قسوم: هنيئا لنا بعودتك هنئيا لنا بأدبك هنيئا لحيفا بهذا المساء

وقالت الكاتبة والباحث د. كوثر جابر قسوم: 'نستقبل اليوم كاتبا وناقدا، وبرأيي النقدي غير المنحاز، وممكن أن يكون منحازا، فإنه كان سابقا لعصره، وبأنه كان يكتب ضمن شروط الحداثة الأدبية دون أن تكون الحداثة قد حلت بعد بشروطها المتعارف عليها اليوم، إن رصدا قصيرا لنتاجاته يدلنا على مدى تفرد هذا الأديب في المضامين والأساليب. في مجموعته القصصية الشارع الأصفر صدرت عام 1968 كان توفيق ممن أسسوا لقواعد القصة القصيرة الفلسطينية الحديثة والتي عبرت عن المقاومةـ والحفاظ على الوطن الأرض، وعن الأجواء القروية الشعبية، وتزينت باللغة المطعمة بالرمز والأسطورة،  في روايته المشوهون عام 1963، كان أول من جرؤ على كسر التابوهات، وكانت أول رواية تضع المجتمع الفلسطيني تحت دائرة النقد، الأمر الذي أحدث ضجة صاخبة في الأوساط الأدبية، وأثار حفيظة القراء، بعد فترة من كتابة كتاب المشوهون غدا موضوع النقد الاجتماعي من أهم أشكال التمرد في الأدب العربي، روايته مجموعة 778 كانت أول رواية تسجيلية في ذلك الوقت تعرض لمجموعة فدائية في الداخل الفلسطيني، توثق أحداثا حقيقية نفذتها مجموعة من الصيادين في مدينة عكا بعد هزيمة حزيران 1967، وذلك كما رواها أفراد المجموعة للكاتب توفيق فياض في السجن، وهم: فوزي النمر أحمد، محمد حسين غريفات، عبد حزبون، ويوسف أبو الخير، فتح الله السقا ورامز توفيق خليفة'. واختتمت هنيئا لنا بعودتك هنئيا لنا بأدبك هنيئا لحيفا بهذا المساء'.

الشاعر رشدي الماضي: الإيمان بالقضية يحول المستحيل إلى حقيقة

وتحدث الشاعر رشدي الماضي صديق الكاتب توفيق فياض قائلا:' توفيق فياض هو أكثر من صديق، ويحضرني هنا القول التوحيدي الصديق الآخر هو أنا، توفيق فياض يُعتبر الآخر، ولكنه الأنا، وأعتقد بأنه في مساء اللقاء به يتحول الحلم لحقيقة، حلم العودة، فالعودة المفهوم والمصطلح المتعدد الدلالات  يتحقق اليوم في شخص حامل لقلم وقضية، وذلك بعد نضال دام سنوات عديدة لبيته ولقريته، وتحقيق حلم العودة عند الكاتب تأكيد على أن من يؤمن بقضيته سيحول المستحيل إلى شيء يمكن تحقيقه'.

 

التعليقات