21/05/2016 - 20:22

مؤتمر "العرب والصين": البحث عن فهم مشترك ومساءلة الإستراتيجية

انطلقت اليوم (السبت 21 أيار / مايو 2016) أعمال مؤتمر "العرب والصين: مستقبل العلاقة مع قوة صاعدة" الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة على مدى يومين.

مؤتمر

انطلقت اليوم (السبت 21 أيار / مايو 2016) أعمال مؤتمر "العرب والصين: مستقبل العلاقة مع قوة صاعدة" الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة على مدى يومين. ومنذ الجلسة الأولى التي خُصصت لمحاولة فهم الإستراتيجية الصينية في الوطن العربي، أثارت الأوراق البحثية الأكاديمية التي قدّمها باحثون عرب وصينيون نقاشات مهمّة في قاعة المؤتمر، حول العديد من القضايا الإشكالية في هذه العلاقة؛ بدءًا بالمكانة الفعلية التي يحتلها الوطن العربي في الإستراتيجية الصينية، وبقاء الصين غائبة لفترة طويلة عن المنطقة، وعندما أصبح لديها اهتمامٌ أكبر وتدخل أوضح أثار هذا التدخل استنكارًا لدى العديد من شرائح الرأي العام العربي، خصوصًا في ما يتعلق بموقف الصين من الثورات العربية ومن الأزمة في سورية تحديدًا. وقد أثار المشاركون في المؤتمر أيضًا مسألة الخلل في العلاقة بين العرب والصين من ناحية العرب، والذين لا يدركون ما الذي يريدونه من الصين.

من الجيواقتصاد إلى الجيوبولتيك

وقد أبرزت الأوراق البحثية التي قدمت في الجلسة الأولى من المؤتمر، والتي كان عنوانها "الإستراتيجية الصينية في الوطن العربي"، أنّ المنطقة العربية لم تصبح ذات أهمية بارزة في الإستراتيجية الصينية إلا في وقت متأخر بعد أن أصبحت الصين قوة اقتصادية عظمى وبعد تنامي طموحها التوسعي. وذكر الدكتور كاظم نعمة أنّ الوطن العربي ظلّ على الدوام "الثقب الأسود" في أوراق الإستراتيجية الصينية حتى كانون الثاني/ يناير 2016، وهو تاريخ صدور أول وثيقة عن الحكومة الصينية تفصّل ما يمكن أن يوصف بالإستراتيجية الصينية تجاه الوطن العربي، مع أنها ظلت مبهمة وعمومية في العديد من عناصرها، وقد صدرت هذه الوثيقة بعنوان "وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية".

ونبّه نعمة إلى عدد من الملاحظات بخصوص هذه الوثيقة التي يفترض أن نقرأ فيها نظرة الصين إلى الوطن العربي ونستشف منها ما تصبو الصين إلى تحقيقه في علاقتها بالدول العربية وكيف تتصور مستقبل هذه العلاقة. وأكد أنّ الوثيقة تكشف التردّد والارتباك الصيني في تحديد طبيعة الكتلة العربية، والناتجيْن أصلًا من التفتت العربي في حد ذاته. وعاب المتحدث على الوثيقة أنّ الصين تخاطب فيها الحكومات العربية ولا تخاطب الشعوب، كما أنها تتحدث عن المصالح المشتركة والتعاون الاقتصادي وتُهمل التعبير عن دعم حقوق الإنسان والديمقراطية.

وأوضح الباحث رابح زغوني في ورقة بعنوان "الرؤية الصينية الجديدة للعالم: من الجيواقتصاد إلى الجيوبولتيك"، أنّ علاقة الصين مع العالم العربي استمرت زمنًا طويلًا في المنظور الصيني جيواقتصاديًا مرتبطة بكون المنطقة العربية أحد أهم مصادر النفط وسوقًا للمنتجات الصينية، غير أنها بدأت تتحول إلى طبيعة جيوبولتيكية مع تنامي شراهة الصين للتموقع بوصفها فاعلًا رئيسًا في المشهد الدولي مدعومة بالازدهار الاقتصادي الذي حققته.

وتلاقى طرح الدكتور زغوني مع طرح ديجانج صن (أستاذ في معهد أبحاث الشرق الأوسط في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية - الصين)، وكانت ورقته بعنوان "الوجود العسكري والإستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط". وأوضح أنّ الوجود العسكري الناعم للصين في المنطقة العربية جاء لحماية مصالحها الاقتصادية الجغرافية، مثل الطاقة والاستثمار والتبادل التجاري. وأضاف أنّ الصين لا ترغب في ملأ الفراغ الذي أحدثه استغناء الولايات المتحدة عن سياسة التدخل المباشر في الشرق الأوسط، غير أنها حريصة على التموقع عن طريق توليفة خاصة لا تعتمد على وجود عسكري دائم عبر قواعد عسكرية مثلًا وإنما من خلال وجود مرن يعتمد "استخدامًا ناعمًا للقوة الصلبة" ونموذجه التدخل في المياه الصومالية ضد عمليات القرصنة، وكذا المساهمة الكثيفة في قوات حفظ السلام الأممية في عدد من دول المنطقة.

من جانبه، عدد الدكتور وو بنغ بنغ (كبير الزملاء الباحثين في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية في جامعة بكين) الأسس التي تقوم عليها السياسة الصينية تجاه الوطن العربي. وأوضح أنّ هذه السياسة تقوم على المصالح والمبادئ في وقت واحد. وتشمل مصالح الصين في العالم العربي المصلحة الإستراتيجية الهادفة إلى تعزيز التعاون مع دول رئيسة وتنفيذ مبادرة "الحزام والطريق"؛ والمصلحة السياسية التي تقضي بالاضطلاع بدورٍ مسؤولٍ بوصفها قوّة رئيسة، وكذا المصلحة المتعلّقة بموضوع الطاقة، والمصلحة الاقتصادية التي تسعى لتسهيل التبادل التجاري والاستثمار؛ والمصلحة الأمنية بهدف التعاون لمواجهة التطرّف والقضاء عليه؛ وأخيرًا المصلحة الثقافية التي تكمن في تعزيز الحوار بين الحضارات والجمع بين التقاليد والحداثة. وأضاف أنّ السياسة الصينية تجاه العالم العربي تخضع لمبادئ أساسية مثل احترام السيادة وسلامة الأراضي وعدم التدخّل والسعي إلى إيجاد حلّ سياسي وسلمي للنزاعات.

وقد شكل مشروع المبادرة التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013، والتي يطلق عليها اسم مبادرة "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري للقرن الـ 21" أو اختصارًا مبادرة "الطريق والحزام"، محور الجلسة الثالثة من اليوم الأول لمؤتمر "العرب والصين".

دول الخليج والصين: السعي للخروج من المحدد التجاري

ضمن جلسة خصصت لدراسة العلاقات الصينية – الخليجية، أشار تموثي نبلوك المتخصص في العلاقات الاقتصادية بين آسيا والخليج في ورقة بعنوان "موقع مجلس التعاون الخليجي من الدور الصيني المتحوّل في آسيا" إلى أنّ الصين أصبحت اليوم الشريك التجاري الثاني بعد الاتحاد الأوروبي مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومن المرجح أن تتفوّق على الاتحاد الأوروبي خلال السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة في هذا المجال. لكنّ الغموض لا يزال يكتنف عملية تكيّف مجلس التعاون مع شبكة التعاون والتنسيق الأوسع التي تبنيها الصين في جميع أنحاء آسيا الوسطى والمحيط الهندي ضمن مبادرة "الطريق والحزام". ورأى أنّ المشاريع الصينية الحالية المتعلقة بمبادرة الحزام الواحد والطريق الواحد ستتجاوز دول مجلس التعاون. وقد لا تكون مسألة التهميش المحتملة لدول مجلس التعاون ضمن تلك المبادرة، مسألة جوهرية؛ إذ يبقى التبادل الاقتصادي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي إستراتيجيًا. غير أنّ دول مجلس التعاون قد تعاني خسارة سياسية إذا بقيت معزولة عن شبكة الاتصالات قيد الإنشاء.

وفي تحليله للعلاقات الصينية – السعودية، يؤكد الدكتور محمد السديري أنّ العديد من المعوقات تحول دون تجاوز العلاقة بين البلدين ذات التبادل التجاري، إلى اكتساب بُعد أكثر إستراتيجية. ويرى أنّ أثر هذه المعوقات يفاقمه افتقار السعودية إلى فهمٍ عميقٍ للصين ولإجراءاتها السياسية. يُضاف إلى ذلك غياب أيّ استثمار مستدام في التعامل مع المؤسسات الأكاديمية والسياسية الصينية المهمّة، ما أدّى إلى نشر نقاشات ومحادثات مثيرة للجدل، والأهم من ذلك، أنها لا تخضع للمساءلة، وذلك على حساب مصالح دول الخليج البعيدة المدى.

وقدم الدكتور حسن علي عميد كلية الإدارة العامة واقتصاديات التنمية في معهد الدوحة مقارنة مهمة لاستخدام نموذج "العرض غير المحدود للعمل" بين التجربتين الصينية والخليجية. فعلى الرغم من اعتماد التجربتين على النموذج نفسه (قوة العمل المتوافرة في النمو السكاني الهائل في الصين، وقوة العمل المستوردة غير المحدودة في دول الخليج)، فإنّ اختلاف الهبات أو الموارد الطبيعية، وكذلك أسلوب إدارة الاقتصاد في كلّ من الاقتصادين (الصيني والخليجي)، أدّى إلى نتائج مختلفة.

الثقافة والتاريخ لبناء علاقات المستقبل

وفي جلسة تناولت البعد التاريخي والثقافي في العلاقات الصينية – العربية، ركزت الأوراق المقدمة على التلاقي والتلامس اللذين حدثا بين الثقافتين العربية - الإسلامية والصينية عبر التاريخ. ويشير الباحث معين صادق في ورقته المعنونة بـ "العلاقات العربية - الصينية والتجارة البحرية من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي"، إلى أنّ أول إرساء للعلاقات بصفة جوهرية كان في عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان عندما أرسل وفودًا بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص إلى أباطرة أسرة تانغ الصينية الحاكمة في تشانغان. وتمكّنوا من بناء أول مسجد في مدينة غوانغتشو. وقد حافظ العرب خلال العصر الأموي على علاقات مستمرة مع أباطرة الصين، وشهدت العلاقات في العصر العباسي تطورًا كبيرًا خاصة في التبادل التجاري.

وأشار شمس الدين الكيلاني في ورقة بعنوان "إعجاب العرب بتنظيم الصينين وحكمتهم (العصر الوسيط)"، إلى أنّ نظرة العرب إلى الصين في العصر الوسيط كانت نظرة إعجاب خاصة في ما يتعلق بتنظيم الدولة، والبناء السياسي، والحرف الدقيقة. ولتأكيد هذه النظرة التبجيلية، استحضر الكيلاني كتابات أبي حيان التوحيدي والجاحظ وكذلك القزويني، قبل أن يتوقف عند اهتمام المؤرخين والرحالة العرب مثل ابن بطوطة والغرناطي بدراسة الصين ونقل تجربتها في بناء الدولة والعلوم والحرف إلى العالم الإسلامي.

من جهته، سلّط قاو يوتشن (سفير ودبلوماسي صيني سابق ومتخصص في شؤون الشرق الأوسط) الضوء في ورقة بعنوان "العلاقات الصينية - العربية: تشاركية عبر التاريخ" على التعاون العربي الصيني والتقارب في المواقف. وذكّر بموقف الصين الداعم للقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وأشار إلى أنّ الاهتمام الصيني بالعالم العربي يعتمد على إستراتيجية طويلة الأمد، وقد شرعت الصين في تقديم المساعدات المادية واللوجستية في القرن المنصرم إلى الدول العربية، مع أنها عانت ويلات الحصار والنمو الاقتصادي الضعيف المرافق لنمو سكاني كبير. على الجهة المقابلة، نوّه يوتشن إلى أنّ الدول العربية دعمت الصين في مختلف القضايا ذات التأثير المباشر ولعل أبرزها قضية تايوان، والتبت، وقضايا حقوق الإنسان التي حاولت الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة استثمارها ضد الصين.

وختم يوتشن بأنّ تأسيس المنتدى الصيني العربي عام 2004 ومبادرة الرئيس الصيني حول "الحزام والطريق" خطوة مهمة على درب توثيق العلاقات ورفع مستوى التعاون، لكنّ تفعيله بصفة مثمرة يتطلب تكثيف التبادل والزيارات على المستوى الرفيع، وتعميق التعاون في مجال الطاقة، وتوطيد التعاون على المستوى الشعبي في المجالين الإنساني والثقافي، وإيجاد آليات جديدة لتفعيل القرارات والخطط ووضعها موضع التنفيذ الإجرائي.

مؤتمر لفهم أفضل للعلاقة مع الصين

ويشهد مؤتمر "العرب والصين" مشاركة أكثر من أربعين باحثًا متخصّصًا، ويشتمل على أكثر من 30 ورقة بحثيّة يقدّمها باحثون متخصّصون في الموضوع على مدى يومين من الدّول العربيّة والصّين، إضافة إلى باحثين مهتمّين من أوروبا وباكستان وتركيا وغيرها. ويختتم المؤتمر بمائدة مستديرة، تجمع حولها عددًا من الخبراء لمناقشة واقع العلاقات العربيّة - الصّينيّة ومستقبلها.

ويأتي اختيار موضوع العلاقات العربيّة – الصّينيّة هذا العام للمؤتمرات التي يعقدها المركز العربي لدراسة علاقات العرب مع غيرهم، في إطار الاهتمام المتزايد بدراسة علاقة العرب بهذا العملاق الآسيويّ الذي يتنامى الإحساس بحضوره وتأثيره في ظلّ تحوّلات إقليميّة ودوليّة كبيرة. وفي حين يبدو أنّ الجوانب الاقتصاديّة والتجاريّة تكاد تكون الصّفة الغالبة على العلاقات العربيّة - الصّينيّة حتّى الآن، فإنّ ملامح أخرى جديدة بدأت تظهر في السّنوات الأخيرة مع تزايد اعتماد الصّين على مصادر الطّاقة من نفط وغاز لرفد نموّها الاقتصادي السّريع، وذلك تزامنًا مع إعادة تموضع أميركي تجاه الصّين والمنطقة العربيّة على السّواء.

ويندرج هذا المؤتمر الذي يتناول إشكاليات العلاقات العربيّة – الصّينيّة وقضاياها المختلفة بطريقة أكاديميّة، في إطار سلسلة مؤتمرات العرب والعالم التي يعقدها المركز العربيّ سنويًّا، وكان آخرها مؤتمر "العرب وروسيا" في أيّار/ مايو 2015.

 

للاطّلاع على جدول أعمال المؤتمر، انقر هنا.

للاطّلاع على الورقة الخلفيّة، انقر هنا.

 

التعليقات