20/08/2016 - 12:17

بين الصمت والتدوين... المثقفون العرب يمسون “المهمشين الجدد”

“الخادمة”، “عسكري المراسلة”، “البواب وزوجته” أو” المزارع المعدم” في مزرعة الإقطاعي، نماذج تقليدية للشخصيات المهمشة التي تحاول الانتقال من الهامش إلى سطح المجتمع، وهي نماذج تكررت في أعمال روائية وقصصية لكتاب عرب من جيل الرواد.

بين الصمت والتدوين... المثقفون العرب يمسون “المهمشين الجدد”

“الخادمة”، “عسكري المراسلة”، “البواب وزوجته” أو” المزارع المعدم” في مزرعة الإقطاعي، نماذج تقليدية للشخصيات المهمشة التي تحاول الانتقال من الهامش إلى سطح المجتمع، وهي نماذج تكررت في أعمال روائية وقصصية لكتاب عرب من جيل الرواد، فمثل هذه النماذج تناولها الأدباء العرب في روايات وقصص حملت أسماءهم، لكنها اشتهرت بأسماء بعض هؤلاء المهمشين، وظلت في ذهن القارئ العربي مثلها مثل أسماء مؤلفين، مثل: نجيب محفوظ، يوسف إدريس، يحيى حقي، جمال الغيطاني، ابراهيم أصلان، خيري شلبي وصنع الله إبراهيم. وسبق الرواد من المؤلفين العرب، مؤلفون عالميون في الكتابة عن المهمشين، منهم كبار الكتاب في الأدب العالمي الحديث والمعاصر.

لكن وفي ظل حالة من عدم اليقين التي تجتاح العالم العربي، خصوصًا بعد تدهور ثورات الربيع العربي، وتحول حالة الثورة في عدد من الدول العربية إلى حالة من التفكك الاجتماعي، فإن المثقف العربي صار هو المهمش الحقيقي، فلم يعد بمقدور هذا المثقف أن يدعي أنه يمثل المجتمع الذي يعيش فيه، كما لم يعد هذا المثقف قادرًا على قيادة هذا المجتمع إلى وضع أفضل مما هو عليه الآن، بل أصبح عاجزًا حتى عن أن يضمن لنفسه فرصة في الكتابة والتعبير عن نفسه كما كان في فترات سابقة، وهو ما دفع عدد لا يستهان به من المثقفين العرب لأن يكتفوا بالتدوين المصغر عبر مواقع التواصل الاجتماعي عوضًا عن الكتابة، ظنًا منهم أن مجرد متابعة المغردين أو رواد الشبكات الاجتماعية لتدويناتهم هو الدور الذي يمكن أن يلعبوه للتأثير عوضًا عن الكتابة والإبداع، بل أن بعض المثقفين فضلوا الصمت ولم يعودوا قادرين حتى على التدوين.

أحياء شعبية

الأبطال المهمشون في الأعمال السردية التقليدية في الأدب العربي، لرواد السرد منذ خمسينيات القرن الماضي، هي شخصيات ضعيفة اجتماعيًا واقتصاديًا، وكانت مثل هذه الشخصيات تتصارع مع الآخرين وحتى فيما بينها للبقاء على قيد الحياة داخل الأحياء الشعبية، هؤلاء الذين يحلمون ويبحثون عن الحضور والتحقق، ولا يبالون بعجزهم الاجتماعي أو الجسدي، بل يصرون على تحقيق هدفهم في الحضور العام.

فقد كان البطل المهمش القديم في النصوص السردية الرائدة يعكس تعبيرًا عن رغبة قوية من جانب هذه الطبقات المستضعفة في المجتمع تحت وطأة الجهل أو الفقر للحاق بركب الطبقات البرجوازية النافذة في المجتمع، وللصعود على سطح هذا المجتمع الذي تعيش فيه، بل تعيش على هامشه مسحوقة ومهمشة ومحرومة من السلطة والثورة، وكانت هذه الحالة من محاولة الصعود الاجتماعي هي التي امتازت بها فترة الحراك المجتمعي الذي شهده المجتمع العربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى تسعينيات القرن الماضي، أما المهمش الآن عكس ذلك، فهو يدخل في آلية اجتماعية شاملة، تنطوي على تهميش الثقافة الحقة والفكر، ويعاني في نفس الوقت من القمع السياسي تحت وطأة المعاناة بين سندان السلطة الغاشمة الحريصة على الاستحواذ على مصادر النفوذ والثروة في البلاد، أو الجماعات الراديكالية التي ترى أنه ليس في الإمكان تحقيق حلم الثورة إلا من خلال تفكيك السلطة بما يحمله معه هذا من احتمال لتفكيك الدولة نفسها.

أما البطل المهمش الآن، فهو ما يشبه الروح العدمية و“العبثية”، وإن كان في نهاية الأمر يرفض أو يدحض هذه العدمية لمجرد وجوده، باعتباره كيانًا نصيًا مكتوبًا، وبالتالي فهو مهما كان من خفوته أو ضعفه صوت صارخ، ويدعو إلى كل القيم الإيجابية.

مسلسلات وأفلام

ويؤكد الناقد إبراهيم فتحي، أن حالة التهميش في النصوص السردية العربية خلال الفترة الأخيرة، لم تعد مقصورة على الشخوص المهمشة التي يتناولها المبدع في عمله، بل إن المثقف صار منعزلًا وهامشيا هو الآخر، بظهور نماذج أخرى أخذت دوره في غمار الإعلانات والمسلسلات والأفلام، ولم يعد المثقف ضمير أمته كما كان في الماضي، وأصبحت الكتابة أشبه بالسير الذاتية، ومواصلة اتجاه التهميش “الجماعات المغمورة” بعد أن أضيف إليه المثقف نفسه.

وأشار إلى أن وضع المثقف – المبدع – في ظل الظروف الراهنة، أصبح هامشيًا يعيش في الأركان والثقوب، ومن هذه الخلفية، فإن معظم الروايات والقصص تتحدث عن فرد بعيد عن الفاعلية، لا تعنيه القضايا السياسية والاجتماعية، بل تفاصيل حياته الخاصة ومشاعره الجسدية، ومعظم الإنتاج الحديث الآن به انتحاء نحو ذاتية هامشية وفرضية منسحقة بلا فاعلية.

لكن فتحي يلفت إلى أن مشكلة البطل المهمش – الزائد عن الحاجة – مشكلة قديمة في الأدب، ويقال إن القصة القصيرة اعتمدت على الجماعات المغمورة منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن، وقبل ذلك كانت الرواية والقصة وكافة الفنون الأدبية تتحدث عن ممثلي الإنسانية، وهم الأثرياء ذوو النفوذ، ومن الطبقات الفاعلة في المجتمع ذات التأثير، ثم أصبح الإنسان – الفرد – مهمشًا، وفق قرارات تتخذها أقلية في الاقتصاد والسياسة.

ويضيف فتحي: “أمام الأوضاع الراهنة المزرية التي تعاني منها المجتمعات العربية، لم يعد الفرد مؤثرا فاعلا، حتى ولو كان هذا الفرد مثقفًا أو كاتبًا، وهذا على عكس الماضي، حيث كان الفرد باستطاعته أن يغير أوضاعها في مجتمعه، بخلاف ما لعبه المثقفون في مجتمعاتهم خلال القرن الماضي مثلًا، ومن هنا جاءت الكتابات التي تهتم بالتعبير عن البطل “المهمش” وشؤونه الخاصة، وما يعتمل داخل ذاته، وهذا المنحنى تعاظم دوره في الرواية والقصة والشعر، ونلاحظ مثلًا ما كتبه يوسف إدريس عن خادمة، عسكري مراسلة، بواب وامرأته، سكان القاع والأم وبناتها في قصته “بيت من لحم”، ولم يكن إدريس يكتب عن أبطال إيجابيين يملكون قوة فاعلة، بل عن الذين لا يمارسون التأثير”.

اقرأ/ي أيضًا| 400 عام على وفاته: أعمال شكسبير بأثواب متعددة

التعليقات