20/03/2017 - 20:16

اختتام المؤتمر السنوي السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية

اختتمت اليوم الإثنين، أعمال المؤتمر السنوي السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية، في الدوحة، والذي نظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

اختتام المؤتمر السنوي السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية

اختتمت اليوم الإثنين، أعمال المؤتمر السنوي السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية، في الدوحة، والذي نظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وخصصه هذا العام لموضوعَيْ: "سؤال الأخلاق في الحضارة العربية الإسلامية" و"الشباب العربي: الهجرة والمستقبل". وشهدت جلسات المؤتمر على امتداد ثلاثة أيام نقاشات مهمة، أثارتها الأوراق التي قدّمها باحثون من مختلف الأقطار العربية.

طرحت أوراق الباحثين المشاركين في المحور الأول للمؤتمر "سؤال الأخلاق في الحضارة العربية الإسلامية" في التراث كما في الفكر المعاصر، وحفرت بحثًا عن فحوى الأخلاق عند الفلاسفة المسلمين، وخصوصًا في الأندلس، وناقشت فهم الأخلاق في فكر المعتزلة والأشاعرة وعند الصوفيين، مثلما وضعت سؤال الأخلاق في الواقع المعاصر العربي الإسلامي في مواجهة مفاهيم الحداثة والعولمة والديمقراطية، وذهب بعض مساهمات الباحثين مذهب التعمق ضمن مجال محدد من مجالات الحياة المعاصرة، وما وصل إليه التقدم العلمي من قضايا تعيد طرح سؤال الأخلاق؛ مثل قضايا الجينوم البشري ونقل الأعضاء واستئجار الأرحام أو الذكاء الاصطناعي والحياة "الشبكية" على منصات التفاعل الاجتماعي.

وفي المسار الثاني للمؤتمر المخصص لموضوع "الشباب العربي: الهجرة والمستقبل"، قلّبت أوراق الباحثين المشاركين، وكثير منهم باحثون شباب، الهجرة على أوجهها المختلفة، فناقشت أسباب الهجرة ومآلاتها، والهجرة بما هي هروب من أوضاع سيئة وتعلق بنموذج حياة متخيل، كما قدمت العديد من الأوراق وصفًا تحليليًا لواقع المهاجرين العرب، وأيضًا لنظرة أهل بلاد المهجر إلى المهاجرين العرب. واشتركت الأوراق المقدمة في عدد من الجلسات العشر في هذا المحور في تناول فئة من فئات المهاجرين، فخصصت إحدى الجلسات للهجرة الطلابية، وأخرى لهجرة المرأة العربية، وثالثة لهجرة فئة الشباب، كما كان لمحاولة فهم أنماط الهجرة والهجرة غير الشرعية أو غير القانونية حصتها من الجلسات. وركزت أوراق كثيرة على هجرة الكفاءات أو "العقول" أو "الأدمغة"، وسبل استعادة الدول العربية لهؤلاء والاستفادة من "الهجرة العائدة" في مختلف مجالات التنمية. وبالنظر إلى تعدد الأوراق التي وصلت إلى لجنة المؤتمر حول الهجرة في بلد محدد من البلدان العربية، فقد خصصت جلسات لمناقشة الهجرة قُطريًا، فتناولت إحدى الجلسات هجرة الفلسطينيين، وأخرى الهجرة في المغرب والجزائر وفي دول الخليج، وكذا هجرة السوريين.

في سؤال الأخلاق: راهنية الخلاف الأشعري المعتزلي وتحدي المجتمع الشبكي

وشمل برنامج اليوم الثالث والأخير من المؤتمر السنوي السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية جلستين في كل واحد من محوريه. خُصصت الجلسة الأولى لمحور: "سؤال الأخلاق في الحضارة العربية الإسلامية" لاستكمال الجزء الثاني من "سؤال الأخلاق في الفلسفة الإسلامية" الذي خصصت له الجلسة الثالثة من اليوم الأول من المؤتمر. وفي هذه الجلسة قدّم الباحث رجاء بهلول ورقة بعنوان: "القانون الأخلاقي والأمر الإلهي: قراءة جديدة في الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة"، تناول فيها الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة حول مسائل الأخلاق والواجب والشرع الإلهي. وأوضح أنّ الخوض في تفاصيل هذا الخلاف يرينا على نحوٍ لا يترك مجالًا للشك أنّ نقاشات هؤلاء الأسلاف ليست أمرًا منقطع الصلة عمّا يتمّ تداوله في الوقت الحاضر وفي سياق الفكر العالمي؛ من آراء حول العلاقة بين الأخلاق والقانون، وعن مدى لزوم احتكام القانون إلى معايير الأخلاق. أمّا الجانب الثاني، وهو ما يعنينا بوصفنا باحثين عربًا، في خضم الأزمات المركبة التي تعيشها الأوطان والمجتمعات العربية الإسلامية المعاصرة، فهو أنّ الخوض في تفاصيل الخلاف المعتزلي الأشعري يفتح مجالًا للتجديد في مجال الفكر الأخلاقي، انطلاقًا من موروث فلسفي خاص بنا. ولا يتسم هذا الموروث بالأصالة فحسب، بل إنّه يتّسم، أيضًا، بالعمق والغنى والتنوع. وبيّن الباحث أن العلاقة بين الموقف المعتزلي والأشعري لم تكن علاقة تناقض مطلق، كما يُعتقد عادةً، بقدر ما كانت اختلافًا بين مفكرين انصبت اهتماماتهم على جوانب مختلفة من مسائل الأخلاق والقانون.

وناقش الباحث شفيق اكريكر مسألة مثيرة في ورقة بعنوان: "إتيقا الحياة الدنيا الطيبة عند الرازي: صيغة مبكرة للاستقلالية الأخلاقية ولفصل الأخلاق عن الدين". وأوضح أنّ فصل الأخلاق عن الدين، لا يحظى في السياق العربي بما يحظى به فصل السياسة عن الدين من راهنية واهتمام، على الرغم من أنّ "الفصليْن" يصدران معًا عن مبدأ واحد هو الاستقلالية. وبيّن أنّ الرازي يجرّد الفعل الأخلاقي من أهمّ خصيصتين دينيتين: الرجاء الأخروي، ثمّ الآمر أو المشرع الخارجي. وبدلًا من قيم الأخلاقيات الدينية، بنى الرازي إتيقاه على قيمتين عدّهما خيّرتين في ذاتيهما وساميتين عند كل إنسان بما هو إنسان، هما: حاكمية العقل ومرغوبية اللذة.

وجرت آخر جلسات محور "سؤال الأخلاق"، والتي كانت بعنوان: "سؤال الأخلاق في الواقع العربي الراهن: أسئلة السياسة والفكر وأخلاق المجتمع الشبكي". وتناول خلالها الباحث نديم منصوري الأبعاد الأخلاقية في مجتمع الشبكة في المجال العربي. وحاول الإجابة عن السؤال الأخلاقي المرتبط بمجتمع الشبكة، فضلًا عن مناقشة الإشكالية الأخلاقية التي يفرضها هذا المجتمع من جهة السيطرة على الشعوب الأخرى، والسعي لفهم الأبعاد الأخلاقية التي تحكمه. وقد توصلت الدراسة إلى أنّ مجتمع الشبكة هو مجتمع تسلّطي، لا حيادي، انطلاقًا من النظريات المفسرة لمجتمع الشبكة التي أكّد معظمها أنّه يُعدُّ مجتمعًا استهلاكيًا، وأنّه متسبب بانهيار منظومة القيم، وصولًا إلى مساعي المبرمجين والمسيطرين على مجتمع الشبكة في صياغة مجتمع موحّد خاضع لتوجيهات عالمية، من دون إغفال الدور السلبي للمستخدمين في المساعدة على تحقيق هذه الأهداف. كما توصلت الدراسة إلى أنّ معالجة هذا الخلل الأخلاقي لا يتحقق إلّا من خلال وعيٍ شبكيٍّ يكتسبه مستخدم الشبكة، علاوةً على إستراتيجيات دولية متعلّقة بسَنّ قوانين سيبرانية تحمي المستخدم من المخاطر والخروقات الأخلاقية الخارجية والداخلية.

في هجرة الشباب: لغز انخفاض البطالة و"التنمية الطاردة"

في محور "الشباب العربي: الهجرة والمستقبل"، تناولت أولى جلستي اليوم الأخير من المؤتمر "الأبعاد الاقتصادية لهجرة الشباب". في ورقة بعنوان: "أنماط التنمية الاقتصادية والهجرة في البلدان العربية: دراسة قياسية"، يرى مقدّمها الباحث إبراهيم محمد علي أن عدم اكتمال تجارت التنمية الاقتصادية في العديد من الاقتصادات العربية أدى إلى استمرار هجرة الشباب العربي إلى العالم الرأسمالي المتقدم. وقد خلف ذلك هياكل إنتاجية غير متنوعة وغير مرنة، حالت دون استيعاب الزيادة المستمرة في قوة العمل في الكثير من البلدان العربية مثل مصر، والأردن، والعراق، وسورية، والجزائر والمغرب، وتونس ولبنان؛ فلجأ الكثير من الشباب العربي إلى الهجرة الدولية بحثًا في الأساس عن فرص عمل عجزت سياسات التنمية الاقتصادية الفاشلة عن توفيرها في أوطانهم. وخلصت الدراسة إلى أن اتخاذ إجراءات اقتصادية تُحدث تغييرًا هيكليًا إيجابيًا في جانبي الإنتاج والتوزيع يُمثّل الضمانة الرئيسة لتقليل أعداد المهاجرين من الشباب العربي للخارج.

وحاول الباحث مروان أبي سمرا فك لغز "انخفاض معدل البطالة في المغرب" على الرغم من التزايد في القوى العاملة ومحدودبة فرص العمل، متسائلًا إن كانت "الهجرة" هي المفسر لهذا اللغز. وينطلق البحث من تحليل الانخفاض الكبير في معدل البطالة في المغرب منذ نهاية التسعينيات القرن الماضي وتفسيره، وهو انخفاض يبدو غريبًا للوهلة الأولى. ذلك أنّه حصل في سياق يتميز بالتزايد الكبير في عدد الشباب ومن هم في سن العمل ونسبتهم من السكان من جهة، وبالتقلص الحاد في فرص العمل التي خلقتها القطاعات الاقتصادية المختلفة من جهة أخرى. فعلى خلاف التفسيرات الشائعة، يبيّن البحث أنّ انخفاض البطالة يعود إلى تضافر عاملين: الأول هو انخفاض معدلات النشاط الاقتصادي؛ نتيجة لإقصاء جزء متعاظم من الشباب والنساء من سوق العمل، أمّا الثاني والأهم فيكمن في قيام موجة جديدة هائلة من هجرة الشباب غير الشرعية إلى إسبانيا وإيطاليا. ويبرز البحث خصائص هذه الموجة الجديدة، ومساهمتها في تقليص فائض العمالة، وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية، ومساهمتها في خفض الفقر.

ويبين البحث، في المقابل، أنّه في ظلّ النمو الاقتصادي وانخفاض البطالة، لم ينفك المغرب في الحقيقة عن مراكمة عوامل الطرد الدافعة للهجرة: فشل تنموي في الارتقاء بالقطاعات الإنتاجية بما يمكن من مجابهة تحديات التحول الديموغرافي؛ وتقلّص مستمر لفرص التشغيل ومعدلاته؛ واختلال هائل في سوق العمل؛ وتضخم العمل الهش وغير الرسمي. ويظهر البحث أيضًا أنّ معدل البطالة في سياق كهذا ليس مؤشرًا ملائمًا لتقييم أداء سوق العمل واختلالاتها، والضغوطات الدافعة إلى الهجرة. ويظهر كذلك أنّ النمو الاقتصادي ليس بالضرورة مؤشرًا على التنمية؛ فالمغرب يقدّم مثالًا على نموٍ ضحل في فرص العمل، ولا سيما العمل اللائق.

إعلان الفائزين في الجائزة العربية 2016/ 2017

ولئن كانت قد اختتمت جلسات عرض أوراق المؤتمر ومناقشتها، فسيشهد مساء اليوم الإثنين 20 آذار/ مارس 2017، إقامة حفل توزيع الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية في دورتها السادسة للعام 2016/ 2017. وهي جائزة أنشأها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات منذ عام 2011، بهدف تشجيع الباحثين العرب داخل الوطن العربي وخارجه، على البحث العلمي الخلّاق والمبدع في قضايا وإشكاليات تهمُّ صيرورة تطور المجتمعات العربية، وبنيتها وتحولاتها ومساراتها نحو الوحدة والاستقلال والديمقراطية والتنمية الإنسانية.

يذكر أن المؤتمر السنوي للعلوم الاجتماعية والإنسانية هو مؤتمر أكاديمي متخصص، وهو مناسبة للتعارف بين الباحثين والمفكّرين، ولتبادل الأفكار والأطروحات. ويجري اختيار موضوعات المؤتمرات وفقًا لالتزام المركز بالعمل على تحفيز الباحثين العرب على وضع أجندات البحث العلمي الاجتماعي في الوطن العربي، تلائم متطلبات المجتمعات العربية بخصوصياتها، وتشجيع الدراسات التطبيقية من دون الإغراق فيها، وأخذ النظرية في الاعتبار.

وكان المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات قد خصّص مؤتمره السنوي الأول للعلوم الاجتماعية والإنسانية الذي عقد في الدوحة في آذار/ مارس 20122 لموضوعَي: "الهوية واللغة في الوطن العربي" و"من النمو المعاق إلى التنمية المستدامة: أي سياسات اقتصادية واجتماعية للأقطار العربية؟"، وفي الدورة الثانية في عام 2013 في الدوحة اختار  المركز العربي مناقشة موضوعي: "جدليّة الاندماج الاجتماعي وبناء الدّولة والأمّة في الوطن العربيّ"، و"ما العدالة في الوطن العربيّ اليوم؟"، وعقد المركز المؤتمر السنوي الثالث للعلوم الاجتماعية والإنسانية في تونس في عام 20144، وناقش موضوعي: "أطوار التاريخ الانتقالية، مآل الثورات العربيّة" و"السياسات التنموية وتحدّيات الثورة في الأقطار العربيّة". واحتضنت مدينة مراكش في المغرب الدورة الرابعة من المؤتمر وتناولت موضوعَي: "أدوار المثقفين في التحوّلات التاريخية" و"الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي". وتناولت الدورة الخامسة من المؤتمر التي أقيمت  في الدوحة موضوعَي: "سؤال الحرية في الفكر العربي المعاصر"، و"المدينة العربية: تحديات التمدين في مجتمعات متحولة".

التعليقات