17/09/2017 - 23:20

مصر: آثار الأقصر تنتظر زوارها

في السوق السياحية في مدينة الأقصر بجنوب مصر، يجلس أبو آية بجلبابه الرمادي الفضفاض أمام محله لبيع الملابس الفولكلورية والتذكارات ويتبادل الحديث مع أصحاب المحال المجاورة متحسرا على أيام مضت كان السياح خلالها يتدفقون بالآلاف على هذه المنطقة الأثرية العريقة.

مصر: آثار الأقصر تنتظر زوارها

مراكب الرحلات في نهر النيل بالأقصر تنتظر السواح (أ.ف.ب)

في السوق السياحية في مدينة الأقصر بجنوب مصر، يجلس أبو آية بجلبابه الرمادي الفضفاض أمام محله لبيع الملابس الفولكلورية والتذكارات ويتبادل الحديث مع أصحاب المحال المجاورة متحسرا على أيام مضت كان السياح خلالها يتدفقون بالآلاف على هذه المنطقة الأثرية العريقة.

ويقول أبو آية (47 عاما) "قبل عام 2011، كان جيب جلبابي يمتلئ بالدولار واليورو، أما اليوم فيجلس البائعون أمام محالهم يقرؤون الصحف لقلة الزبائن".

في السوق العتيقة الواقعة في حارة ضيقة مخصصة للمشاة بالقرب من مبنى محافظة الأقصر، تتراص المحال على الجانبين عارضة في واجهاتها هدايا مختلفة وأعشابا عطرية وتذكارات من التماثيل الفرعونية الصغيرة.

ويقول أحمد محمود (35 عاما) الذي كان يعمل مندوبا لشركة سياحية في المنطقة إن المعابد الفرعونية تبدو "حزينة" في مدينة الأقصر، إذ تفتقد أفواج السياح الذين كانوا يقفون في طوابير طويلة لزيارتها.

ولم يعد محمود يعمل في قطاع السياحة منذ 2015 وفضَل إعطاء الدروس الخصوصية لطلاب المدارس الثانوية ليتمكن من تدبير دخل لأسرته.

ويعاني قطاع السياحة في مصر، الذي يعمل فيه قرابة أربعة ملايين شخص، من تراجع كبير منذ ثورة العام 2011 التي أطاحت الرئيس السابق حسني مبارك، وما أعقبها من اضطرابات سياسية وأمنية.

وكانت المزارات السياحية الثقافية الأكثر تضررا، وعلى رأسها مدينة الأقصر بآثارها الفرعونية القديمة التي كانت تجتذب سياحا من كل أنحاء العالم.

ويقول منسق لجنة تسويق السياحة بالأقصر وأسوان، ماهر عبد الحكيم، إن أهالي الأقصر وبازاراتهم يعانون بسبب انخفاض عدد السائحين مقارنة بما قبل 2011.

ويوضح "كان السائح في الماضي يتجول في الأماكن الأثرية ويركب الحنطور ويشتري التذكارات والذهب والمنتجات الحرفية التقليدية... الجميع كان يربح".

المعابد خالية

في الفناء الأمامي لمعبد الأقصر المشيد منذ أكثر من 3400 عام، يسير عدد قليل من السياح ومواطنون مصريون بين الأروقة المزينة بالأعمدة المليئة بالنقوش الفرعونية القديمة.

بالقرب منهم، سائقو حناطير يلاحقون الزوار، ويعرضون عليهم رحلة في شوارع الأقصر، بأجرة قد تبدأ بمائة جنيه (5,6$) وتنتهي بعشرين جنيها، مكتفين بالقليل بدلا من لا شيء.

ويصيح أحدهم للزبائن في الشارع "سأقبل بأي سعر تعرضونه، أنا فقط أريد شراء العلف للحصان".

وبحسب محمود، فإن الغائب الأكبر هو السياح الفرنسيون الذين كانوا الأكثر ارتيادا لمناطق السياحة الثقافية في مصر وعلى رأسها محافظتا الصعيد الأقصر وأسوان.

ويقول "قبل ثورة 2011، كان 1500 سائح فرنسي يأتون إلى الأقصر في الأسبوع الواحد".

وسجلت أعداد السياح رقما قياسيا في 2010 عندما زار مصر نحو 15 مليون سائح.

ومنذ بداية العالم الحالي، تشير الأرقام إلى عودة النشاط نسبيا إلى القطاع السياحي المصري، لكن الأمور لا تزال بعيدة جدا عما كانت عليه من قبل.

وزار مصر في 2016، بحسب بيانات وزارة السياحة، 5,3 ملايين سائح.

ويقر أبو آية بأن السياح بدأوا يعودون منذ العام الماضي إلى المدينة، ولكن "هذا التحسن لم ينعكس بعد على أصحاب البازارات السياحية وأهالي البلد".

ويضيف "الأقصر بلد هادئ ليس به إرهاب وليس له علاقة بما يحدث في المناطق الأخرى، الناس هنا يتعاملون بسماحة كبيرة مع كل الضيوف على السواء".

ومنذ انقلاب الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، عام 2013، وعزله الرئيس الأسبق، محمد مرسي، تدور مواجهات بين قوات الأمن وبعض المجموعات المتطرفة التي تستهدف رجال الشرطة والجيش والمواطنين وأحيانا السياح في أنحاء معينة من البلاد، ما دفع بلدانا أوروبية إلى فرض حظر سفر على رعاياها إلى هذه المناطق.

وقالت آن زي، السائحة الصينية التي تزور الأقصر لأول مرة "أحسست بأن الأقصر أكثر سلاما من القاهرة، والأهالي هنا متعاونون ورائعون".

وقالت زي (28 عاما) "عندما رأيت معبد الكرنك أحسست بالتواضع أمام تماثيله وأتمنى أن أعرف المزيد عن هذا التاريخ الفرعوني وأن لا يكتب الناس شيئا على الآثار". وتابعت "لم أشعر أني غادرت بلدي هنا".

الصينيون في الأقصر

في إحدى رحلات البالون الطائر الذي يمكن منه رؤية معابد الأقصر الفرعونية مثل حتشبسوت والكرنك والرامسيوم من السماء، يقول أحمد حسن الذي يقود أحد هذه المناطيد إن معظم الأفواج التي تُقبِل على الرحلات الطائرة في الوقت الحالي ومنذ سنة تقريبا صينية.

ويضيف "أصبحت أتكلم الصينية، بسبب كثرة التعامل مع السائح الصيني". لكنه يضيف أن الاعتماد على السائح الصيني الآن "أشبه بأن تعتمد في طعامك على طبق واحد. إذا فرغ لن تجد ما تأكله".

توقعات بموسم شتوي جيد

ويتوقع الخبير الفندقي، ماهر عبد الحكيم، أن تصل إشغالات الفنادق في الأقصر إلى أكثر من 30% نهاية العام الجاري، مقابل 23% في عام 2016 و17% في 2015، خصوصا أن أعداد الزائرين ترتفع أكثر في موسم الشتاء.

وأرجع عبد الحكيم أسباب هذا الانتعاش المتوقع إلى "الأسواق الجديدة" للسياح الذين ينزلون في فنادق مدينة الأقصر والفنادق العائمة بشكل خاص، وخصوصا من الصين والهند. ويقول "نرى أيضا تحسنا في السياحة الخليجية التي كانت تقتصر على القاهرة وشرم الشيخ والغردقة".

وأشار الى أن هناك 116 فندقا عائما من أصل أكثر من 300 فندق كانت تعمل قبل 2011 عادت إلى العمل مجددا، مضيفا أن "المراكب تقوم بأعمال تجديد الآن استعدادا لموسم الشتاء".

ويتوقع مدير عام آثار الأقصر، مصطفى الوزيري "موسما شتويا جيدا".

وسجلت موارد السياحة ارتفاعا بنسبة 128% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وبلغت 1,3 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزي. وكان القطاع السياحي في مصر قد حقق إيرادات تقترب من 12 مليار دولار في عام 2010.

 

التعليقات