13/12/2021 - 11:05

المتحف الفلسطيني يختتم المؤتمر السنوي الثالث "فلسطين: إنتاجُ المعرفة، إنتاجُ المستقبل"

اختتم المتحف الفلسطيني مؤتمره السنوي الثالث "فلسطين: إنتاجُ المعرفة، إنتاجُ المستقبل" في جامعة بيرزيت، مساء الأربعاء الماضي، الذي كان بالشّراكة مع دائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة في جامعة بيرزيت، ومركز مدى الكرمل - المركز العربي للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة.

المتحف الفلسطيني يختتم المؤتمر السنوي الثالث

اختتم المتحف الفلسطيني مؤتمره السنوي الثالث "فلسطين: إنتاجُ المعرفة، إنتاجُ المستقبل" في جامعة بيرزيت، مساء الأربعاء الماضي، الذي كان بالشّراكة مع دائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة في جامعة بيرزيت، ومركز مدى الكرمل - المركز العربي للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة.

وجاء المؤتمر بالتّزامن مع معرض المتحف الفلسطيني الحالي "بلدٌ وحّدَهُ البحرُ: محطّات من تاريخ السَّاحل الفلسطيني (1748-1948)"، المُنطَلِق في سرديّتِه من صعودِ عكّا في القرن الثامن عشر، ثمّ صعودِ يافا في القرن التاسع عشر، ثمّ مركزيّةِ مدن السَّاحل الاقتصاديّة وتنامي النفوذ الأوروبّي، فالنَّكبة و"انكسار البلاد" في القرن العشرين.

وشكلّت الأوراق المقدّمة للمؤتمر بُنية أساسيّة نحو قراءة السَّاحل الفلسطيني اليوم، لإعادة موضعته ضمن السّياق الفلسطيني الأوسع، سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، ولربط واقعه ومستقبله بواقع فلسطين من البحر إلى النهر، ليتجلّى سؤال المؤتمر حول عمليّة إنتاج المعرفة فلسطينيًّا، وعلاقتها بالخِطاب التحرُّري المحلّي والعالمي وممارساتِه، مُستندًا إلى مجموعة من التساؤلات، على غِرار: كيف نُفكّر بفلسطين؟ وكيف نبحثُها؟ وكيف يتمّ إنتاجها وإعادة إنتاجِها بحثيًّا؟ ومُتناولًا خِطاب الأصلانيّة، الذي تطرحه دراسات الاستعمار الاستيطاني، بالنّظر إلى آفاقِه وحدودِه ومقارباتِه الثقافيّة والسياسيّة.

الجلسة الأولى

افتتحت مدير عام المتحف، د. عادلة العايدي- هنيّة، المؤتمر بكلمةٍ قالت فيها إنّ "هذا المؤتمر يأتي ضمن استراتيجيّة المتحف الجديدة التي بدأها قبل ثلاث سنوات، والتي أطلق بموجبها برنامجًا معرفيًّا يُعزّز رؤية المتحف المتمثّلة في إنتاج ونشر تجارب معرفيّة تحرّريّة عن فلسطين ثقافة وتاريخًا وشعبًا، وإنتاج المعرفة المتمثّلة في الجمع بين المعرفة الفرديّة المحكّمة والمادّة الوثائقيّة"، وأضافت أنّ "المتحف ينظّم فعاليّات أكاديميّة على مدار العام، ويستمرّ في تقديم منحٍ بحثيّة متعلّقة بالجانب الثقافي، ذهابًا إلى سدّ الفجوات المعرفيّة حول التاريخ الفنّي الفلسطيني".

وبدأ المؤتمر بمداخلةٍ قدّمها الكاتب والمؤرّخ ورئيس جامعة بيرزيت، د. بشارة دوماني، بعنوان "سرديّات المستقبل لتأريخ فلسطين"، قال فيها إنّ "السّرديّات التاريخيّة تتميّز بكونها تستمدّ وجودها من الحاضر وذات توجّه مستقبلي، لذا فإنّ الماضي يمثّل ميدانًا متنازعًا عليه بصورة مستمرّة بين أنماط إنتاج المعرفة التي تمنح امتيازًا لأزمان وأماكن وفئات اجتماعيّة معيّنة"، كما قدّم خلال مُداخلتهِ تأمّلات حول المعرض الحالي، وحول تجربة ظاهر العمر كشخصيّة أسّست لتحوّل تاريخي حديث.

الجلسة الثانية

انطلقت الجلسة الثانية بعنوان "نحو مساءلة المنهج"، بالشّراكة مع دائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة في جامعة بيرزيت، قدّمت فيها الأستاذ المُساعد في دائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة ومعهد دراسات المرأة في جامعة بيرزيت، د. لينة ميعاري، مداخلة بعنوان "الإنتاج المعرفي والمنهجيّات النسويّة المناهضة للاستعمار"، تحدّثت فيها عن استعماريّة المعرفة، والتواطؤ الأكاديمي مع الإمبرياليّة العالميّة، وأنّ عصر الاستعمار الجديد أتاح طرقًا أخرى للهيمنة المعرفيّة، فحتى الحوارات والمجادلات حول القضايا المعرفيّة في البلدان المستعمَرة تكون مُحدّدة أو مُستعارة من الغرب، وليس من الشعب الأصلاني، كما ركّزت على الإنتاج المعرفي النسوي التحرّري، وكيف تشتبك النسويّة المناهضة للاستعمار مع أنماط المعرفة المنتجة عن الواقع الاستعماري.

وضمن ذات الجلسة، قدّمت الأستاذ المُساعد في دائرة التاريخ في جامعة بيرزيت، ومديرة متحف جامعة بيرزيت، د. رنا بركات، مداخلة بعنوان "أصلانيّة أم أصلانيّ؟ سؤال المنهجيّة"، ركزّت ضمنها على طرح أسئلة أكثر من تقديم مادّة نظريّة أو توجّه محدّد، وأشارت إلى أنّها، كغيرها من الباحثات والباحثين، تركّز على مصطلح "إنتاج المعرفة"، لتعبّر، وبنقد ذاتي، عن أنّ الاستخدام الواسع لهذا المصطلح يُبطل معناه؛ بالتالي يُبطل المعرفة، كما أكّدت أنّه من المهم التفكير بالأسئلة التالية عند الحديث عن "إنتاج المعرفة"، وهي: لمن ننتج المعرفة؟ وكيف نستخدم كلمة أصلاني وأصلانيّة؟ كما طرحت تساؤلات من قبيل: لماذا التاريخ؟ لماذا استعمار استيطاني؟ لماذا أصلاني؟ لماذا استخدام أصلانيّة؟ وتعاملت معها في سياق فلسطين ككلّ.

وتحدّث الأستاذ المُساعد في الأنثروبولوجيا الثقافيّة، ورئيس دائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة في جامعة بيرزيت، د. علاء العزّة، في مداخلة بعنوان "الزمن والزمانيّة والمنهج في دراسة فلسطين والفلسطينيّين"، عن الفهم الثقافي للزمن وارتباطه بالعصر الحاضر، فاعتبر أنّ الزمن تمثيل للمجتمع وقراءة له، فهو يُخلق ويُفهم من خلال الأطر الاجتماعيّة. وفلسطينيًّا، يُفهم الزمن من خلال علاقات القوّة، وهناك إشكاليّة في تدفّق وتسارع الأحداث، فجزء من المجتمعات غير قادرة على التعامل مع هذا التسارع، فعدم القدرة على فهم الزمانيّة تؤدّي إلى جعل الذات حالة مُتشظّية، واختتم بالقول إنّ الماضي يُقرأ من عيون الحاضر ومن تصوّرات المستقبل.

الجلسة الثّالثة

وجاءت الجلسة الثالثة بعنوان "مقاربات سياسيّة وثقافيّة للاستعمار الاستيطاني في فلسطين"، بالشّراكة مع مركز مدى الكرمل - المركز العربي للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة، تحدّث الأستاذ المُشارك في دائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة في جامعة بيرزيت، فيها د. أباهر السقّا، عن "كيف نقرأ الحالة الاستعماريّة/ المُستَعمريّة في المستعمرتَين الأولى 1948 والثانية 1967، معرفيًّا ومنهجيًّا، وبأيّة أدوات؟"، مُركّزًا على الصعوبات المنهجيّة المُرافقة للمقاربات البحثيّة، نظرًا لاختلاف التمثُّلات والممارسات في سياق استعماري واحد، إذ أحدث ذلك إفرازات قانونيّة وسياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة مُغايرة في المستعمرتَين على مستوى الخطابات والممارسات، وطارحًا أسئلة على غرار: هل نستمرّ في التعامل مع التكوينات والتشكيلات التي أفرزتها التصنيفات الاستعماريّة؟ وما الآليّات الممكنة لتجاوزها معرفيًّا وبحثيًّا ومنهجيًّا؟

أمّا الأستاذ المُساعد في دائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة في جامعة بيرزيت، د. مي البزور، فكانت مداخلتها بعنوان "مفهوم التطبيع ضمن بنية الاستعمار الاستيطاني في فلسطين"، تحدّثت فيها عن أنّ للتطبيع مستويات ضمن السياق العربي، ويختلف تعريفه داخل حدود "فلسطين الانتدابية" عن خارجها: منها المستويين الحكومي والشعبي، مُشيرة إلى وجود تسارع في وتيرة التطبيع الرسمي، إلّا أنّ الشعوب العربيّة ما زالت رافضة له، فنسبة 87% من الشعوب العربية ما تزال رافضة للتطبيع مع إسرائيل، وخلُصت ورقتها إلى أنّ ممارسات التطبيع الرسميّ ظهرت قبل البدء بتداول المصطلح، لكن لم تُوصم هذه الممارسات بالتطبيع في حينه.

وجاءت مداخلة مدير عام مركز مدى الكرمل، د. مهنّد مصطفى، بعنوان "الهبّة الشعبيّة في أيّار 2021 ومحو الخطّ الأخضر من الأرض والوعي"، تحدّث فيها عن أهميّة الانتفاضة عام 2000 باعتبارها الحدث الأهمّ بالنسبّة لفلسطينيّي الداخل المحتّل بعد النكبّة، فقد ظهرت في هذه المرحلة ثلاثة تحوّلات، الأوّل: الانتقال من حالة إخفاء الفلسطيني إلى حالة استحضاره الدائم، الثاني: التحوّل من حالة الفصل والإقصاء من المنظومة الاقتصاديّة والسياسيّة الإسرائيليّة إلى حالة من الاندماج في هذه المنظومات، الثالث: من سياسات الاستهتار الكامل بالثقافة إلى الاعتراف المستهتر، كما أنّها أنتجت تمثّلات تناقض الحالة الاستعماريّة كحدث مؤسّس وتاريخي في جوهره، بأنّ فلسطينيّي الداخل المحتّل جزء لا يتجزّأ من كل الحالة الاستعماريّة وليس حالة خاصّة، كما يشبّه ما حصل في الانتفاضة الثانية 2000 وما حصّل في هبّة أيّار 2021، بوجود مجتمع ومجموعة فلسطينيّة تتصرّف بشكل جماعيّ كحالة من فلسطينيّة جامعة.

الجلسة الرابعة

وقُدّمت الجلسة الرابعة بعنوان "الخطاب التحرّري والممارسة الثقافيّة"، تحدّث فيها القيّم المساعد أحمد الأقرع حول معرض "بلدٌ وحدّه البحر"، وركّز في مداخلته على الأقسام الثلاثة الرئيسيّة في المعرض، وهي: عُمران عكّا، وصعود يافا، والنَّكبة. ارتكز القسم الأوّل على حالة البناء التي أنتجها ظاهر العمر، أمّا القسم الثاني، الانتقالي، فكان عن التنظيمات العثمانيّة، وفيها برزت حالة قانون تسجيل الأراضي وأثرها على حياة المواطنين، أمّا القسم الثالث فهو بعنوان "يافا قلب المتوسّط"، اعتبرها أهمّ مدينة على السَّاحل الشَّامي، كما تحدّث عن الخريطة التفاعليّة في المعرض، التي تشرح المحطّات الثلاث، وتركّز على الحالة الاقتصاديّة، من عمليّات إنتاج القطن والبرتقال، وعلى التحوّلات المرتبطة، بها من هجرة السكّان، وغيرها.

وفي مداخلته تحدَّث المُمثّل والمخرج والمسرحي الفلسطيني، عامر حليحل، عن "مسرحة الذاكرة: ما بين الامتثال للفنّ والإخلاص للتاريخ"، قدّم فيها تأمّلات حول الكتابة المسرحيّة بمواضيع تاريخيّة، فقال: "لا يهمّني في التاريخ الأحداث أو الاحتفال بالبطولة، فالمسرح ليس المكان لتعلّم التاريخ، لم يُخلق لأستقي منه المعلومات عن فترة معيّنة، حتى لو شمل العمل معلومات تاريخيّة، الفنّ ليس أداة تعليميّة، فقد وُجد الفنّ للسؤال، في معنى الوجود ومعنى الحياة. الفنّان لا يملك القدرة عل الإجابة، فهو غير مهتمّ فنّيًّا في أي سنة، مثلًا، حُوصر ظاهر العمر، بل يفكّر ويهتمّ بماذا فكّر الزيداني ورفاقه حينها، يُغريني أن أعرف كيف تكلّموا، ماذا أكلوا، ومن كان مخلصًا في تلك الفترة، ومن خاف، وماذا كان يقول ظاهر لنفسه سرًا، لا أهتم بقادة الحرب وكيف انتصروا ومن ربح، بل أهتم بالجنود الذين خاضوا حروبًا أُنزلت عليهم ولم أدرِ كيف خاضوها".

أمّا المداخلة الأخيرة، فقدّمها الشاعر علي مواسي، وكانت قراءةً شعريّةً تحت عنوان "بحرٌ وقع على بلاط يافا"؛ تضمّنت قصيدتين، كتب إحداهما بعد زيارته لمعرض "بلدٌ وحدّه البحر"، نقتبس منها:

"وضعتُ مخدّتي في الشعر
وتركتُ للأحلامِ ضوءًا خفيفًا،
كي لا تخافَ إن استيقظَ ليلُها ولم تجدني،
تركّبُ على رنّةِ الشتوِ أغانيَ
تحشو بها بنادقَ المقاومينَ في تيمور الشرقيّةِ،
تطلقُها كوابيسَ في ليالي سفن البرتغالِ،
أمسحُ بنارِها بلاطَ بيتٍ بلّلهُ ماءُ يافا
في لحظةِ الهدمِ
الكبير".

وقد أثنى مواسي على مبادرة المتحف في تخصيص قراءة شعريّة ضمن مؤتمر أكاديمي، مؤكّدًا على أهمّيّة وجمال حضور الفنّ في مختلف المحافل المعرفيّة في فلسطين، وألّا ينفصل عنها.

يُذكر أنّ المتحف سيُصدر منشورًا يتضمّن الأوراق البحثيّة التي قُدّمت في المؤتمر في خريف 2022، سيتضمّن مجموعة من المداخلات البحثيّة والتأمّلات المعرفيّة التي قدّمها مجموعة من الباحثين والباحثات في البرنامج المعرفي والبحثي في المتحف الفلسطيني خلال الأعوام 2019-2022. تجدر الإشارة إلى أنّ مداخلات المؤتمر كاملةً ستتوفّر على قناة المتحف الفلسطيني على يوتيوب، ونُحيطكم علمًا أنّ معرض "بلدٌ وحدّه البحر" مستمرّ حتى نهاية تشرين الأول 2022، يرافقه برنامج عام وتعليمي ومعرفي متجدّدة كلّ شهر، وتشتمل فعاليّات ومواضيع متنوّعة.

التعليقات