02/05/2023 - 21:55

توني سوبرانو: اللحظة التي غيّرت وجه الدراما الأميركيّة في نهاية التسعينات

بحسب باحثين فنّيين، فإنّ واحدة من أهمّ الطرق الّتي تغيّرت بها الدراما الأمريكيّة منذ مسلسل "سوبرانوز" هي تصوير الشخصيّات المعقّدة واستكشاف عيوبها، إذ كانت معظم المسلسلات قبل مسلسل "سوبرانوز" تضمّ شخصيّات إمّا جيّدة تمامًا أو شرّيرة تمامًا

توني سوبرانو: اللحظة التي غيّرت وجه الدراما الأميركيّة في نهاية التسعينات

شخصيّة توني سوبرانو من المسلسل (Getty)

منذ عرض مسلسل "سوبرانوز" لأوّل مرّة على شبكة HBO في عام 1999، شهدت الدراما الأميركيّة تحوّلًا كبيرًا، إذ أحدث هذا العرض الرائد، الّذي ابتكره ديفيد تشيس، ثورة في المشهد التلفزيونيّ من خلال تقديم شخصيّات معقّدة وغامضة أخلاقيًّا واستكشاف موضوعات الأسرة والهويّة والسلطة بطريقة لم تشهدها الدراما من قبل، ففي السنوات الّتي تلت مسلسل "سوبرانوز"، استمرّت الدراما الأميركيّة في التطوّر، مع عروض جديدة تدفع حدود ما هو ممكن من حيث سرد القصص وتطوير الشخصيّة والاستكشاف الموضوعيّ.

ويتحدّث المسلسل حول شخصيّة "توني سوبرانو"، وهو زعيم عائلة مافيا في نيوجرسي، ضمن صراعه النفسيّ الذي يؤثّر على عمله وعائلته، ويؤدّي إلى محاولات اغتياله لأكثر من مرّة.

وبحسب باحثين فنّيين، فإنّ واحدة من أهمّ الطرق الّتي تغيّرت بها الدراما الأمريكيّة منذ مسلسل "سوبرانوز" هي تصوير الشخصيّات المعقّدة واستكشاف عيوبها، إذ كانت معظم المسلسلات قبل مسلسل "سوبرانوز" تضمّ شخصيّات إمّا جيّدة تمامًا أو شرّيرة تمامًا، في المقابل، قدّم مسلسل "سوبرانوز" للمشاهدين شخصيّة "توني سوبرانو"، والذي كان رجل عائلة مافيا محبوبًا، إلّا أنّه فيه من الطيبة والشرّ ما هو متساوٍ، وأصبح هذا التعقيد في تطوّر الشخصيّة منذ ذلك الحين سمة مميّزة للدراما الأميركيّة، والذي أثّر في عروض كثيرة لاحقة مثل "بريكنغ بارد" و"ماد مين" و"ذا واير" وغيرها، والتي تتميّز بشخصيّات معقّدة مماثلة.

ووجدت دراسة نشرت في مجلّة "جورنال أوف بودكاستنغ" أنّ مشاهدي ومتابعي الدراما، لديهم ميل أكثر للاستجابة بشكل إيجابيّ للعروض التي تتميّز شخصيّاتها بتعقيدات إنسانيّة، مشيرة إلى أنّ "الشخصيّات المعقّدة تمّ تصنيفها على أنّها أكثر جاذبيّة وإرضاء من تلك الشخصيّات التي تمّ تصويرها بشكل واضح… إمّا شريرة أو طيّبة".

وكان لتأثير هذا المسلسل أكثر من جانب على الدراما الأميركيّة، مثل استعداده لاستكشاف الموضوعات المثيرة للجدل، إذ كان هذا أوّل مسلسل رئيسيّ يتعمّق في عالم الجريمة المنظّمة، ومنذ ذلك الحين، استمرّت الدراما الأميركيّة في دفع الحدود، وتناولت مواضيع مثل المرض العقليّ ، وإدمان المخدّرات في فيلم "ناركوس" مثلًا، والاعتداءات الجنسيّة، ووجدت دراسة الدراسة أنّ المشاهدين هم أكثر ميلًا للانخراط في العروض الّتي تستكشف الموضوعات المثيرة للجدل، كما غيّر المسلسل من طرق التوزيع المعهودة للمسلسلات، ففي السنوات التي سبقت عرضه، كان يتمّ عرض المسلسلات من خلال شبكة التلفزيون، خلال أوقات محدّدة، حيث كان مسلسل "سوبرانوز" من أوائل العروض التي تمّ توزيعها عبر "تلفزيون الكابل"، كما كان واحدًا من أوائل المسلسلات التي وزّعت عبر أقراص "دي في دي"، وتطوّر توزيع الدراما بعد ذلك ليتضمّن لاحقًا خدمات البثّ مثل "نتفلكس" و"هولو" في السنوات الأخيرة.

ويشير باحثون إلى أنّ التطوّر الكبير الذي أحدثه عرض هذا المسلسل، هو في طرق كتابة الدراما، إذ استخدم نموذج غرفة الكتّاب، حيث يتعاون مجموعة من الكتّاب لإنتاج كلّ حلقة، ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا النموذج ممارسة قياسيّة في التلفزيون، والذي استخدمته مسلسلات لاحقة مثل "غيم أوف ثرونز و"ذا واير".

وخلصت دراسة نشرت في مجلّة الأفلام والفيديو، أنّ استخدام غرف الكتّاب كان له تأثير كبير على جودة الدراما الأميركيّة، مشيرة إلى أنّ نموذج غرفة الكتّاب "يسمح بإدراج المزيد من الأصوات ووجهات النظر المتنوّعة في عمليّة إبداعيّة، ممّا يؤدّي إلى سرد قصص أكثر تعقيدًا ودقّة".

وتطوّر استخدام التقنيّات المرئيّة والسرديّة أيضًا في الدراما الأمريكيّة منذ مسلسل "سوبرانوز"، حيث اشتهر المسلسل باستخدامه المبتكر لتسلسل الأحلام والصور السرياليّة لاستكشاف نفسيّة الشخصيّة الرئيسيّة الداخليّة، ومنذ ذلك الحين، استمرّت الدراما الأمريكيّة في تجربة التقنيّات المرئيّة والسرديّة، باستخدام ذكريات الماضي، ومضيّ قدم، ورواية القصص غير الخطّيّة لإنشاء قصص أكثر تعقيدًا وجاذبيّة، وقالت الدراسة التي أجريت على آلاف من مشاهدي الدراما، أنّ استخدام تقنيّات سرد القصص المبتكرة يمكن أن يعزّز تفاعل المشاهدين ومتعتهم، مشيرة إلى أنّ "تقنيّات سرد القصص المبتكرة يمكن أن تجعل العرض أكثر تشويقًا، ولا ينسى للمشاهدين".

التعليقات