09/11/2016 - 15:04

إبراهيم دسوقي... سائق الحافلة الذي أبكى أم الشهيد

لم يخطر في ذهن الشاب إبراهيم دسوقي (36 عامًا) وهو سائقُ حافلةٍ من مدينة الطيبة، ولو لبرهةٍ، أن تطأ قدماه خشبة المسرح ليستهل بطولة مسرحية خطّها بيديه.

إبراهيم دسوقي... سائق الحافلة الذي أبكى أم الشهيد

إبراهيم دسوقي

لم يخطر في ذهن الشاب إبراهيم دسوقي (36 عامًا) وهو سائقُ حافلةٍ من مدينة الطيبة، ولو لبرهةٍ، أن تطأ قدماه خشبة المسرح ليستهل بطولة مسرحية خطّها بيديه.

رغم حبه للمسرح في صغر سنه، وبسبب قلة الموارد والإمكانيات وانعدام المسارح والأطر الراعية لها، غاب عن ذهنه حلمًا تمنى أن يحققه في صغره، وعاش صراعا حتى التقى بالحلم المنشود، عن طريق الصدفة، صدفة خير من ألف ميعاد.

 

لبس صورة الشهيد رامي غرة من قرية جت، أمامه عوائل وأسر الشهداء يجلسون، شقت كلماته وحركاته قلوب أمهات الشهداء حتى تأثرن وانهمرت دمعاتهن حزنًا واشتياقًا لأبنائهن، كانت هذه لحظة نشوة، لن ينساها سائق الحافلة من الطيبة.

يعمل إبراهيم دسوقي وهو متزوج وأب لثلاثة أولاد سائق حافلة، حيث التقى بحلمه صدفة، حين دُعي ليمثل دور 'حنظلة' في مسرحية بعنوان 'الكيان والروح' مع الممثلة شام أبو مخ من باقة الغربية.

بعد تألقه في عرض مسرحية 'الكيان والروح' في عدة محافل، انتهز الفرصة ليكون بطل مسرحية 'لحظة عمر'، ليكتب سيناريو المسرحية وحده، والتي تجسد حياة الشهيد رامي غرة من قرية جت، الذي استشهد في أحداث هبة القدس والأقصى في العام 2000.

وقال إبراهيم دسوقي، لـ'عرب 48'، عن دخوله عالم المسرح والتمثيل: 'لم أتردد للحظة بسبب حبي للمسرح منذ الصغر، وكان عرض الفنانة شام أبو مخ بمثابة تحد كبير بالنسبة لي، وهذا ما يميزني بأنني أحب التحدي. في البداية كان الأمر صعبا جدا خاصة لأني أعمل سائق حافلة، فعملي يستغرق ساعات طويلة، وأنا لا أتقاضى أجرا من المسرح، كان صعبا بالنسبة لي أن أوفق بين العمل والمسرح ما اضطرني أن أقلص ساعات العمل علما بأنها تجربة أولى لي في عالم المسرح ويجب التركيز عليها جيدا'.

وأضاف: 'كنت أعتقد أن المسرح والتمثيل مجرد كلام تحركه الأفواه، لكن بعد التجربة لمست أن المسرح يحتاج إلى تدريب مهني وتركيز كبير ودقة، خاصة أن الممثل يجب عليه أن يؤدي دوره على أكمل وجه عندما يشاهده الكثير من الناس ليُخرج مشاعره العميقة لهم. في الحقيقة المسرح أعجبني جدا رغم صعوبة التأقلم به، لكنه عمل مثير جدا وفيه نوع من المسؤولية والحس الوطني، لذا سأستمر في هذا المجال وسأطور نفسي قدر المستطاع'.

وعن مسرحية 'لحظة عمر' التي كتبها وأدى دورا فيها، قال إنها 'من أجمل لحظات حياتي، واجهت فيها صعوبة كبيرة، نظرا لضيق الوقت الذي كان متاحا لي، لأتدرب وأحضر سيناريو جيّد يليق بالحدث، إضافة إلى أنها تجسد تاريخنا وتخلد شهداءنا الأبرار الذين ضحوا بدمائهم من أجلنا، وهذا أقل ما يمكن أن نفعله'.

وتابع أنّه 'عند كتابة السيناريو جمعنا تفاصيل شخصية حقيقية عاشها الشهيد رامي غرة. أردنا أن تكون مسرحية غير عادية، رفضت أن تكون كخطاب ملقى فقط، جمعت تفاصيل حياة الشهيد رامي غرة من عائلته، ومن خلالها كتبت السيناريو الذي كان بمثابة سرد لحياة الشهيد. في هذه اللحظة انهارت والدة الشهيد رامي بكاءً، وهذا المشهد كنت متوقعا مسبقًا، وكان بالنسبة لي مصدر توتر، في حين كنت أكتب النص، تأثرتُ جدًا وكنت أشعر بحجم الحزن والألم الذي سوف يُترك بمن سيشاهد السيناريو، فما بالك بأم الشهيد؟'.

وعن حياة الشهيد رامي غرة قال: 'وأنا أكتب التفاصيل الدقيقة كان الأمر محزن جدا، كان الشهيد رامي يشعر بما سيحدث له، أقدر المعلومات التي استلمتها من أهله، وفيها علمت حجم المأساة التي ألمت بهم، ليس فقط حين استشهاده، إنما الأحداث التي سبقت، إذ كانت والدته تتفقده قبل استشهاده بفترة، حيث أنه كان يتحدث بأشياء لم يفهمها أهله، وكان الشعور أنه سيفارق الحياة'.

وحول المسرح قال إن 'المسرح ليس فقط كلمات، إنما هو حياة بالنسبة لي. أثناء التدريب أعيش في عالم آخر، المسرح رسالة نقية إلى الأجيال القادمة، يعالج الكثير من القضايا من خلال النقد الساخر والعاطفة وغيرها، إضافة إلى أنه يدول التاريخ ويرسخ المفاهيم التاريخية الوطنية للأجيال الصاعدة'.

وعن طموحاته قال دسوقي إن 'حلمي أن أصل إلى عالم السينما، وأن أمثل في أحد الأفلام الكبيرة، وأن تكون فكرة الفيلم من خيالي، وأن يكون المجتمع العربي في بلادنا واعٍ لهذا المجال'.

وعن الصعوبات التي تواجهه قال إنه 'ينقص الكثير من الدورات المؤهلة في مجال المسرح، إضافة إلى شُح كبير في الميزانيات التي تخصص لمجال المسرح، ويمكن القول أن هذا ينبع من الجهل تجاه المسرح من قبل المسؤولين'.

ودعا الناس إلى 'الانخراط في عالم المسرح، حتى من لا يملك الموهبة، لأن المسرح علاج للمجتمع خاصة في هذه الزمن، إضافة إلى أنه تثقيف من نوع آخر، يعمل على معالجة القضايا الحارقة للمجتمع، وسبق أن قال أحد المفكرين (أعطيني مسرحا أعطيك شعبا عظيما)'.

التعليقات