30/05/2012 - 17:09

فادي وبسمات.. "صرخة" ثنائية الذات

وضع الرسامان الفلسطينيان اسمهما في قائمة الفنانين التشكيليين، حتى لو كانت هذه هي الخطوة الأولى، "فالآتي- سيكونُ أجمل، ولوحتي القادمة سيبدو طعمها مختلفًا، خاصةً بعد نجاح معرض "صرخة".

فادي وبسمات..

لم يجمعهما موضوع الدراسة فقط، بل همٌّ مشتركٌ هو "الذات"؛ الأنا الداخلي والحالةُ النفسية التي لا يُدركها إلا صاحبها، الهواجِسُ والأفكار والواقع الشخصي هو الذي جمع الفنانيْن: التشكيلي النصراوي فادي بتريس، وطالبة الفنون بُسمات حبقة من يانوح، ليقدما "صرخة" ثنائيّة تحكي قصة كلّ ذات.

- فادي بتريس وبسمات حبقة - 

في منتصف نيسان الماضي علّقا لوحاتهما بأنفسهما على جدران قاعة محمود درويش في الناصرة، لوحات تصرخ خبايا النفس.

هما فنانان بروحيْن مختلفين، ويكادان يسيران باتجاهيْن مُعاكسين، أحدهما يستخدِمُ ألوانًا حارةً، واضحةً، دونَ إضافاتٍ ولا ظِلال، لكنها لوحاتٌ عميقةُ المشاعِر، غامضةُ التفاصيل، هي لوحات فادي، التي اختار فيها أن يُجسِّد شخصيته منذُ الطفولة وحتى الشباب، بينما ترسُمُ بسمات بألوانٍ ممزوجةٍ وبإيحاءاتٍ مغلّفة بواقِعٍ مِن حياةِ مجتمعنا، بتفاصيلِه الدقيقة، إذًا هُما يتكاملانِ بالغموضِ والواقع، بالعُمقِ والشفافيةِ، يرسُمانِ وجعًا، لا يعرفه سواهما، لكنهما استطاعا من خلالهما أن يَلمِسا نجومَ السماءِ فرحًا بولادتِهِما الجديدة.

بسمات.. ترسمُ المرأة الصارخةُ المتمردة

في عامها الـ25، استطاعت الفنانة الشابة تلمُسَّ خطواتها الواثقة نحو الفن التشكيلي، ومن مجردِ هوايةٍ صارَ الرسم جزءًا أساسيًّا لا يُمكنُ لها أن تعيشَ بدونه.

وإلى جانبِ دراسة التصوير الفوتوغرافي، انشغلت بسمات بالرسم، لتعكس لوحاتها شخصيتها بصورةٍ دقيقة؛ فهي شخصية هادئة، ولوحاتها فيها من الشفافية والسكينة النفسية الكثير، لكنها في الوقت ذاته تتعلق بالصراع الموجود والضغوطات، وتظهر باحثة عن التنوّع، وطرح مضامين كثيرة، وأكثرُ لوحاتِ الفنّانةِ دلالة على عُمق وهدوء شخصيتها، لوحة القارب.

أما المرأة عند بسمات فهي، كما تقول، "شخصية غامضة، تعكس صورة الإنسان بتقلباته ومزاجيته، وفي بعض اللوحات، تُظهر مُشتتة الأفكار، تتخبط في ظلِ واقعٍ تعيشه، بينما تأتي لوحاتي لتبنى على أساس واقعٍ داخلي شخصي، ترسُم أفكاري وأحاسيسي".

وتؤكِد الفنانة الشابة، أنّها متأثرة بواقعها، وبالحيز العام، في الداخل الفلسطيني الذي عاشته طوال حياتها، ولن يكون الوضعُ مُشابهًا إن هي اختارت مسلكًا آخرَ بعيدًا عن واقعها هي.

وتؤكِد بسمات أنّ الفن بالنسبة لها، هي فلسفة وحكمة لواقعٍ معيّن.

وبعكس الأفكار النمطية عن ضعف المرأة، فإنّ بسمات تُظهر بطلات لوحاتها قويات، مكافحات في مجتمعٍ رجولي، يحاول طمسهن، لكنهن متمردات، تخرجن وتساعدن أزواجهن، بينما لا يزال المجتمع يعتبرهن ضعيفات.

ورغم استعمالِ الفنانة لجسدِ المرأة في لوحاتها، إلا أنّها تعرف تمامًا أنّ مجتمعها والمحيطين بها لم ينشغلوا بهذا الجسد، بل تعاملوا مع الجسد كجسمٍ ولحم، ويحملُ في أعماقه، مشاعر إنسانية، ولا بُدّ مِن تعزيزها.

فادي بتريس: المجتمع العربي يتلمس خطواته الأولى نحو المعارض!

يشعرُ الفنان النصراوي فادي بتريس أنه وضعَ حجر الأساس للوحاته في مدينة الناصرة، وهو الذي يعرف تمامًا أنّ مجتمعنا في طورِ البداية فيما يتعلق بالإلمام حول "الفنون الجميلة"، فهناك- كما يقول- نجاحٌ فرديٌ وآخر مشترك.

وضع الرسامان الفلسطينيان اسمهما في قائمة الفنانين التشكيليين، حتى لو كانت هذه هي الخطوة الأولى، "فالآتي- سيكونُ أجمل، ولوحتي القادمة سيبدو طعمها مختلفًا، خاصةً بعد نجاح معرض صرخة"، كما يقول بتريس.

ويؤمِن بتريس أن أساس نجاح المعارض هو الوعي الثقافي بالفن التشكيلي، وهي حديثة الولادة في البلدات العربية، وعلى الأخص الناصرة، التي استقبلت قبل فادي وبُسمات، فنانين تشكيليين، كانت لهم نجاحاتٍ شخصية أيضًا.

ورغم تخوفه الشديد مِن عدد الحضور، لكنه عادَ وشعرَ بالراحةِ التامة، عندما وجد نفسه بين والديه وأقاربه والجمهور المُشجع والمهتم، وهذا ما يُريح ويهدئ روعة المكان.

وفي نظرةِ عامة للوحات بتريس، نرى أنّ الفنان، يرسمُ طفولته، ثم يكبُر قليلاً ليبدأ بفهم نفسه وتقبُل ذاته. أما اللوحات الأكثر تعبيرًا عن شخصية راسمها فهي: "صرخة"، و"الضيق الرأسين".

بينما يرى آخرون أنّ أجمل لوحة لفادي بتريس هي "بوز"، والتي يقوم من خلالها بلمسِ إنسانية البشر، رغم عدم وجودِ رأسٍ ورجلين، وما هذا الاختيار إلا ليجري التأكيد على أنّ الرأس لا يهم كثيرًا، الأهم من ذلك هو الجسد والروح والأخلاق.

كما يُحاول فادي من خلال فكرته، أن يُشير إلى الارتباط القوي له مع الواقع، ومع الذات بذاكرتها، تؤكّد بُسمات "إنّه يصرخُ بصوتٍ عالٍ جدًا، ليتماهي مع الطفل الصغير المُشعشع داخله."

 

التعليقات