30/05/2012 - 16:55

محمد عبلة في "الطريق إلى التحرير"

يُدافِع عبلة عن لوحاته التي رسمها بعد الثورة، معتبرًا إياها "واقعية"، وليست "حالمة أو تفاؤلية"، فالتفاؤل والأحلام هِيَ واقعُ المرفّهين، المحظوظين في الدنيا، والسعداءُ وهُم قِلّة، أما الفنانُ المُتعَب، فلوحاته صادقة حقيقية "وهذا هو الأهم"، من وجهة نظره.

محمد عبلة في

إنها الثورةُ المصرية التي أعادَت لأبناء النيلِ صوتًا ظلّ أسيرَ الانتظار، كما ردّت للفنانين التشكيليين في مصر اعتبارهم، وحررتهم مِن صمتهم، وغياب أعمالهم النقدية مِن قاعاتِ المَعارِض، وبينَ المبدعين، محمد عبلة، الذي اختتم مؤخرًا معرضه "الطريق إلى التحرير"، في قاعة "الباب" بمتحف الفن المصري الحديث "ساحة دار الأوبرا".

وشاهدَ الحضور خلال المعرِض، عددًا مِن اللوحاتِ التي لم ترَ فضاءَ المعارِض مِن قَبل، بسبب الحبسِ المُنفرد الذي فرضه النظام السابق، على الفنان صاحب اللوحات المتمردة الرافضة والمُستخفة بِكُلِ أنواع الفساد الذي مُورِس على مدار سنواتٍ طوال.

ووصفَ بعضُ النقاد المصريين لوحات الفنان عبلة بمعايشة الواقع، والرؤية العميقة للأعمال، وكأنما هي تستكشف مستقبلاً مُشرّفًا لِمصْرَ في "طريق التحرير"، لتتماهى الرسالةُ الفنية مَع اسم المعرِض..

ولمحمد عبلة الفنان التشكيلي باعٌ طويل في المشاكسة والتمرُد، لم تَكُن بسببِ تجربةِ الغُربة التي جعلته يُقارن مكانة الفنان في مصر وتلك التي عاشها في العالم الغربي، وإنما لأنّه شَهِدَ بأمِ عينه الظلم والفساد في ظلِ النظام السابق.

وكان لجزيرة القرصاية وأهلها، (البالغ عددهم 5 آلاف شخص، ومعظمهم من الفلاحين والصيادين)، دورٌ كبير في تعزيز إيمانه بضرورة مواجهة الظلم والفساد، فقد شاءَت الظروف أن يواجِه الفنان محمد عبلة نظام مبارك ورجاله، الذين حاولوا الاستيلاء على أراضي أبناء جزيرة القرصاية، وحرمانهم مِن حقهم بالعيشِ فوق أرضهم، واستطاعَ عبلة مِن خلال الفن، أن يستقطب اهتمام الشعب المصري والعالم الأجنبي، ليصدُر حكمٌ بأحقية أهل "القرصاية" بأرضهم.

ولا يرى عبلة "أنّ الوطن العربي يعيشُ الآن مرحلة استقرار، وهو شخصيًا لن يَشعُر بالرضى أبدًا، فالفنان بطبيعته يطمح دائمًا للأفضل، ويُثيره التحرك الدائم، لا الهدوءَ والاستقرار".

وعن قدرة اللوحة الفنية على كتابة تاريخ شعب يقول الفنان عبلة: "أعتقد أنّ أقوى وسيلة لنقل ثقافة وحضارة شعبٍ ما هي الأعمال الفنية المؤرِخة للواقع، لكنّ الأحداث السياسية الاجتماعية والنفسية والإنسانية الآنية للمجتمع، قَد يُغيّبُها الفنانون رَغمًا عنهم، لكنّ الشعوبَ نفسها هي التي تكتبُ تاريخًا لا يمحوه الزمن".

ويعتقد عبلة أنّ أعماله الفنية التي سبقت الثورة، تنبأت بالتغيير الحاصِل في مصر، لكنه يعتقِد أنّ الفنان لا يستطيع أن يُغير بِما فيه الكفاية "لشعبٍ لا يزالُ الفنُ التشكيلي في دولته مهمّشًا"- كما قال.

ويبدو عبلة في أعماله متأثرًا إلى حدٍّ كبير بالتكنيك الآتي من الالكترونيات والانترنيت، فهُوَ خيرُ مَن طوّع تقنيات العصرِ الحديث بينَ يديه، واستفادَ مِن الفوتوشوب والبرامج المحوسَبة، بل إنه حوّل الويب سايت إلى معرضٍ ينشُرُ مِن خلاله أحدث أعماله، التي ظلّت أسيرةَ زوايا مرسمه لسنواتٍ طويلة.

ويُحاول عبلة من خلال أعماله الفنية أن يدمِج بيَن ذاته الشخصية وهموم الآخرين، فرغمَ أنّ ملامِحه الشخصية وهمومه الخاصة لا تبدو أبدًا للمُتلقي، لكنه شخصيًا يرى نفسه في كُلِّ عملٍ، و"لا يمكنه أن يكون صادقًا"، بل "يكذب على الآخرين" إنْ لَم يَكُن يُعبّر عن ذاته، وإن لم يَكُن يعيش الأحداث، ويَلمَح الشخوص التي يرسمها أمام ناظريْه"، وهو لا يرسمُ خيالات غير موجودة ولا أوهامًا مُخترَعة، بل يرسُمُ مِصْرَ وناسها بتفاصيلهم الموجِعة والبهيّة.

"أرسم ما أحبه"

المصريُ محمد عبلة يرى أنّ الفنان يرسم ما يحبه، وليسَ مُضطرًا لرسمِ شيءٍ لا يعجبه، فالـ"الفنان الحقيقي غيرُ مُرغمٍ على رسمِ ما لا يحبه، وأصلاً "أنا مش دايمًا مُمكن أرسم، أرسم ساعة في اليوم لكن بقية الوقت بقتنِص أفكار وأحاسيس مِن اللي حواليه"، هكذا قال، وأكدّ أنه يرسُم شهرين في العامِ فقط، "لصعوبةِ بلورةِ فكرةٍ تخطرُ ببالي، وأحبها."
ويعترِف الفنان عبلة أنّ مجموعة أعماله "الذئاب" التي رسمها بعد الثورة، كانت صعبةً جدًا وقاسية، فقد رسمها وهو "مشحونٌ" بالأحداث المؤلمة، وقد ارتكنَ في أعماله هذه على صور فوتوغرافية اشتهرت عن 25 يناير وما بعدها.

وقريبًا مِن مرسمه في وسط البلد، كانَ محمد عبلة، يُشارِك في ثورة التحرير منذ اليوم الأول، أكلَ مع الثوار، وشارك في التظاهرات، وأقامَ وُرشَ عملٍ وفعاليات كثيرة.

ورغمَ سخونة الأحداثِ مِن حوله، شعرَ عبلة بصعوبة التعبير عن المشهدِ الثائِر بالفن، "فالمشهدُ البشريُ والتلاحمُ بين البشر، في لحظةٍ واحدة، تاريخٌ مصريٌّ لا يُمكنُ وصفه أو رسمهُ أو تخيُّلُه".

"الثورة المصرية مستمرة"

ويؤمِن الفنان محمد عبلة أنّ ثورة 25 يوليو، غير متكاملة، وأنها لم تنتهِ بعد. وأنّها حقّقت مكتسباتٍ سياسية وثقافية ستبدو جليةً مَع مرور الوقتِ وتقدُّمِ الأجيال.

يُدافِع عبلة عن لوحاته التي رسمها بعد الثورة، معتبرًا إياها "واقعية"، وليست "حالمة أو تفاؤلية"، فالتفاؤل والأحلام هِيَ واقعُ المرفّهين، المحظوظين في الدنيا، والسعداء، وهُم قِلّة، أما الفنانُ المُتعَب، فلوحاته صادقة حقيقية "وهذا هو الأهم"، من وجهة نظره.

ويُخفِض عبلة صوته وكأنما يتحدث إلى نفسه: "كيف لي ألا أتفاءَل وأنا الذي انهارت الدنيا أمام عينيْ عندما أكلت النيرانُ 500 لوحة من أعمالي التي أنجزتُها في 20 عامًا، كان ذلك في العام 1997، يومها انتابني شعورٌ كبيرٌ بالغربة وأنا أقِفُ عاريًا بلا تاريخٍ فني، وكانَ لي أن أبدأَ مِن جديد، أرسُمُ، وأتفاءَل خيرًا بالدُنيا".

ولا يُحب عبلة أن يكون على أعتاب الستين من عمره، ويتصرفُ كشابٍ مواكبٍ للعصرِ وتطوراته، ويتنقل مِن مكانٍ لمكانٍ ليُشارك الآخرين بروحٍ شبابية، تُنسيه أنّه "يجب أن يتصرف كعجوز"، فيتألَمْ.

ولا يُحِبُ القُبْحَ المتمثل بتناثُرِ الأوساخ والقمامةِ في أماكن مختلفة في مِصْرَ التي يُحبُ أن يراها "كالجنةِ على الأرض."

ولعلّ أكثرَ ما يُرضيه في هذا الزمن الصعب أن يتمكن الفنان محمد عبلة مِن بيعِ لوحاته، ليضمنَ بذلك جزءًا مِن دخله من المقتنيات، ويطيرُ أكثر مِن مرةٍ في العام إلى معارض في مصر وفي الدولِ الأوروبية، ليُضيفَ إلى مدخوله، كما يفعلُ ذلك مِن خلال القيام بتدريس موضوع الفنون في جامعاتٍ عالمية.

"لكنّ البيعَ بعد الثورة صارَ صعبًا، بسبب عدم الاستقرار والقلق ونقص الموارِد، تلك هي الحالُ التي تُسيطر على جزءٍ كبير من الشعب المصري، الخائف على ضياعِ مكتسباتِ الثورة."

.....................................................

محمد عبلة

- فنان تشكيلي، وُلد في مدينة بلقاس في محافظة المنصورة شمالي مصر، في سبتمبر / أيلول 1953.

- درس في كلية الفنون الجميلة في الاسكندرية، وحصل على شهادة البكالوريوس.

- درس في كلية الفنون والصناعات (النحت) في زيورخ بسويسرا.

- شغل منصب مدير قاعة الفنون التشكيلية في الأوبرا وعمل أستاذًا زائرًا للفنون في مدرسة أوربرو السويد.

- ترأس مجلس إدارة أتيليه القاهرة 2010.

- في العام 2010، صدر له كتاب يضم مختارات من أعماله .

- أقام أكثر من مئة معرض محلي وعالمي وحصل على جوائز عدة من بينها الجائزة الأولى في بينالي الكويت 1996.

- الجائزة الكبرى في بينالي الإسكندرية في دورته التاسعة عشرة.

- الجائزة الشرفية في ترينالي مصر الدولي الثالث لفن الغرافيك.

- عَملَ عبلة في: العلاج بالرسم، وبالتدريس أيضًا.

- تزوّج في سويسرا وعاد إلى مصر عام 1986 مُستقرًا بها نهائيًا، مع زوجته وابنيْه.

- أسّسّ مركزًا دوليًّا للفنون، اسمه مركز الفيوم للفنون، قبل 7 سنوات، مقره في الفيوم.

- افتتح متحفًا خاصًّا، قبل 3 سنوات، اسمه متحف الكاريكاتير المصري.

التعليقات