14/11/2016 - 14:12

تطويع الصخور... لنحت التاريخ

في قرية الورهانية اللبنانية الجبلية بمنطقة الشوف في الجنوب الشرقي اللبناني، يطوّع ثلاثة أخوة الصخور لتغدو في خدمة التاريخ.

تطويع الصخور... لنحت التاريخ

في قرية الورهانية اللبنانية الجبلية بمنطقة الشوف في الجنوب الشرقي اللبناني، يطوّع ثلاثة أخوة الصخور لتغدو في خدمة التاريخ، تتجلى أعمالهم النحتية في متحف بيئي ثقافي سياحي فني، ليخلّدوا أمسهم وغدهم في آن واحد.

"الهم هو تحويل أي فكرة إلى حقيقة"، هذا ما استهل به الأخ الأوسط منصور عساف (46 عامًا) حديثه، ووصف ما يقوم به مع أخويه، "ملكنا هذا الفن بالوراثة عن آبائنا وأجدادنا، تعلمنا كيف نحول الصخور الصامتة إلى تماثيل ومجسمات ناطقة، فقررنا استغلال هذه الملكة في بناء متحف نحت وعمارة وسط بيئة خضراء تشبه لبناننا، فيها الهدوء والفيء والجمال ومياه نبع الصفاف العذب".

"في أوائل التسعينيات من القرن الماضي بدأنا بتحويل رسومات عادية إلى تماثيل ضخمة، وشاركنا في معرض للأعمال النحتية الفنية في الشارقة بالإمارات عام 1995 وفزنا بالمركز الأول، لكننا بعد ذلك قررنا أن نعرض أعمالنا النحتية في الجامعات والساحات العامة لا أن نتركها تنزوي في غرف البيوت وصالوناتها"، يضيف منصور.

وقال "كانت البداية الفعلية التي انطلقنا منها لفكرة بناء المتحف هي في أيلول/ سبتمبر عام 1999، حين أزحنا الستار عن تمثال الفيلسوف اللبناني ميخائيل نعيمة، بالقرب من منزله ومدفنه في قلب صخر جبل صنين بارتفاع 5 أمتار وبعرض 7 أمتار وبعمق 2.5 مترا".

ويعد تمثال ميخائيل نعيمة، الذي استغرق إنجازه عشر سنوات، فكرة مستحدثة، بحيث تدمج بين التجريد والواقع، على اعتبار أنه ليس تمثالًا من قطعة واحدة بل مقسم إلى 6 قطع، بحسب عساف عساف، الأخ الأكبر(55 عامًا).

وبعد هذا الإنجاز، عكف الأخوة الثلاث على بناء "متحف الطبيعة"، الذي استغرق افتتاحه وقتا وجهدًا كبيرين حسب منصور، الذي قال، "احتجنا لإنجاز هذا المشروع الذي بنيناه بأنفسنا أكثر من 12 سنة، ومن يرى المتحف اليوم يظن أننا اعتمدنا على أحدث المعدات، لكننا في الحقيقة ننطلق بأقل الإمكانيات الموجودة، لأكثر دقة معمارية ونحتية يمكن الوصول إليها".

واستدرك قائلًا، "لم تكن الفكرة بداية في أن هذا المكان سيتحول إلى مزار سياحي ومقصدًا للفنانين، لكن بعد إقبال كبير من محبي الفن وثقافة النحت رأينا أنه لا بد من توسيع المشروع أكثر ليشمل مستقبلا مبانٍ تحتضن تماثيل لأهم الشخصيات اللبنانية، فكرية، علمية، أدبية، فنية وسياسية".

وعن طموحهم المستقبلي، أوضح منصور "سنعمل في السنوات القليلة القادمة على إنجاز صالة عرض لاستضافة أعمال النحاتين الفنيين والمبدعين، وسنلحق المتحف أيضًا بمدرج ومسرح ضخم ليكون واجهة لأهم النشاطات اللبنانية الثقافية والمسرحية والشعرية كما الموسيقية".

يضم "المتحف العسافي"، كما يُلقّبه البعض، كناية عن اسم عائلة مؤسسيه، جناحًا خارجيًا تتوزع فيه التماثيل العملاقة وملحقا داخليا بني بالحجر اللبناني الطبيعي للمواءمة بين الفن والطبيعة، حسب الأخوة الثلاثة، الذين يعتبرون أن عنصر الطبيعة يتجلى في تفاصيل البناء والمكان.

وعن المعايير الأساسية التي بموجبها يتم انتقاء الشخصيات المنحوتة، قال منصور، "نحن نحاتون ومؤرخون في الوقت ذاته، فبعض وقتنا هو للنحت الفني والجزء الأكبر من الوقت يصرف في نحت التماثيل التاريخية والشخصيات اللبنانية التي قدّمت شيئًا للوطن، كما أننا نهتم بتجسيد الشخصيات التي لم تحظى بالاهتمام الذي تستحقه كالفنان المسرحي الراحل حسن علاء الدون المعروف بشوشو".

وأشار إلى أن المتحف يضم تماثيلا للأديب جبران خليل جبران والسياسي كمال جنبلاط إضافة إلى الموسيقار الراحل فريد الأطرش، القاضي عارف النكدي، الشاعر سعيد عقل، والطبيب مايكل دبغي وغيرهم.

وفي ما يتعلق بآلية العمل، أكد منصور أن "هذه الأعمال يحتاج إنجازها وقتًا ومراحل طويلة، بدءا من عملية التشكيل من الطين انتقالًا إلى الصب على الصلصال ثم نقل العمل بعد ذلك على الرخام الذي يتحمل دونًا عن الصخور الأخرى مستويات عالية جدًا من الحرارة، ولأننا نهتم جدًا بإبراز كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة نستخدم المبارد في مرحلة لاحقة". وعن الوقت اللازم لإنجاز التمثال الواحد، قال النحات "نعمل قرابة العشر ساعات يوميا ما يعني أن التمثال الواحد يستغرق إنجازه منا مدة تتراوح ما بين سنة وسنة ونصف، لكن المعيار لدينا ليس الوقت بل التميز في إظهار التمثال والشخصية، كما لم يفعل أحد من قبل".

يقول منصور إنه على الرغم من انقطاعهم "الأخوة الثلاثة"، عن التعليم الأكاديمي بسبب الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) إلا أن أخاه الأكبر عساف طُلب إلى الجامعة الأميركية ليكون مساعد أستاذ فنون.

ويرى منصور أنهم كأخوة "متأثرون بأعمال الفنان الإيطالي الرسام والنحات مايكل أنجلو، إلا أننا نحاول دائمًا تقديم أعمالنا بقالب مختلف وحديث"، وفق تعبيره.

رأي الأخوة أنه من المهم أن تطلع الدولة اللبنانية على المحاولات الفردية التي يقومون بها لإبراز هذا الفن وتدعمها وتشجعها لتضمن لها الاستمرارية.

اقرأ/ي أيضًا | الفنان فوزي الحاج: داعب بريشته ملامح الوطن

وختم منصور حديثه بلهجة لا تخلو من الحزن، "زارنا السياح والمثقفون والمهتمون، كما زارتنا وفود أجنبية شعبية ورسمية وزارنا أيضًا وزير ثقافة فرنسي خلال زيارته للبنان، لكن وزير الثقافة في بلدنا لم يفعل حتى اليوم، ما زلنا ننتظر زيارته".

التعليقات