06/09/2019 - 18:27

النّاصرة تحتضن مرسم إلياس عاقلة ومعالمها القديمة تصدر لوحاته للعالم

وعلى الرّغم من التّنوّع الفنّيّ الّذي تطرحه فكرة المرسم، بين الرّسم والعرض والتعليم، إلّا أنّ مؤسّسه وصاحب المبادرة لإقامته هو ممرّض أوّلًا، لكنّه اختار دراسة الفنّ بشكل ذاتيّ، بعيدًا عن أروقة الجامعات وغرف صفوفها.

النّاصرة تحتضن مرسم إلياس عاقلة ومعالمها القديمة تصدر لوحاته للعالم

عاقلة مع جانب من لوحاته (عرب 48)

افتتح قبل نحو ثلاثة أعوام في مدينة الناصرة، أول مرسم خاص في المدينة، يضم معرض لوحات فنية، وينظم دورات لتعلم الرسم. ويقدّم المساعدة والدعم لطلّاب الفنون في الجامعات المختلفة.

وعلى الرّغم من التّنوّع الفنّيّ الّذي تطرحه فكرة المرسم، بين الرّسم والعرض والتعليم، إلّا أنّ مؤسّسه وصاحب المبادرة لإقامته هو ممرّض أوّلًا، لكنّه اختار دراسة الفنّ بشكل ذاتيّ، بعيدًا عن أروقة الجامعات وغرف صفوفها.

واختار الفنان والممرض إلياس عاقلة (40 عامًا) الذي ولد وترعرع في مدينة الناصرة، أن يقيم مرسمه الخاص داخل البلدة القديمة، وبجوار الجامع الأبيض تحديدًا، وهو أقدم وأعرق مباني المدينة، راميًا من خلال اختياره الموقع للمساهمة في إحياء وإنعاش الحركة الثقافية والسّياحية والاقتصادية في البلدة القديمة؛ وفق ما قاله لموقع "عرب 48" الّذي زار المرسم هذا الأسبوع.

وأوضح عاقلة أنّ اختياره للموقع جاء معتمدًا بشكل أساسيّ على الرّمزية الإيحائيّة الكامنة في البلدة القديمة في النّاصرة وسوقها، الّذي أبدع كبار الفنّانين في رسمه حين كان مزدهرًا، معتبرًا أنّ "فيها كل ما يشتهي أن يراه وأن يرسمه الفنان الانطباعي والواقعي".

خروج عن التقليديّ في تعليم الرّسم

 ترتكز اللقاءات الفنية في مرسم عاقلة، "على تغيير المفهوم السائد للمنظومة الفكرية لدورات الفنون في الكليات والجامعات المعتَمدة، والمرتكزة في أساسها على الممارسات لقوانين الرسم ودراسة التاريخ، دون التطرق إلى الأسس الفلسفية والفكريّة الّتي تعتمد عليها هذه الفنون"، بحسب ما قاله الفنان لموقع "عرب 48".

أثناء تعليم الرّسم لإحدى الطالبات (عرب 48)

واعتبر عاقلة أنّ "التطرق إلى تلك الممارسات بشكل مجرد دون الخوض في تحليل المفاهيم الفكرية التي انبعثت منها قد تشكل حاجزا أمام التطور الفكري للفرد، كما قد تخلق حاجز لبناء اللغة الخاصة به؛ ففي النهاية الفنّ هو لغة، ولاكتساب أيّة لغة على الإنسان أن يتعلّم حروفها ومفرداتها، ولكن لكي يبدع ويخلق فانه بحاجة لأن يدرك منظومته الفكرية الخاصة به، والتي بالضرورة تعتمد على الرؤية الخاصة به، وتستند على التحليل الفكري والنقدي".

دراسة ذاتيّة بعديًا عن الجامعات

أوضح عاقلة أنّ دراسته للفنون "كانت محدودة جدًّا"، مبيّنًا أنّه قبل عشر سنوات "التحقت بكلية الفنون في المدينة وتعلّمت فيها سنة واحدة، فأنا لست ممن يستقون الفن من القوانين الجافّة والمجرّدة، بل من التفكير النقدي، الذي يحتم وجوديّة الشك وحثّ التّفكير قبل البدء بالعمل، وبالتالي هذا يخدم المعنى الجوهري للفن بشكل عام".

اللوحة المشاركة في المعرض حول اللاجئين

واعتبر أنّ "الفن هو ليس في أن تسكب ألوانًا على لوحة، بل هو أبعد من ذلك بكثير، لذلك عندما أعددت لوحة عن اللاجئين والتي شاركت مؤخّرًا في معرض بسويسرا، عصفت الفكرة في ذهني لمدة تزيد عن الشهر حتى استطعت أن أسكبها من داخلي إلى اللوحة".

وأضاف الفنّان أنّ "الجدليّة في الفنون لا تتقبل الموجودات والمنظومات كأمر واقع لا يقبل التشكيك فيه، فهو طرح الأسئلة حوله. ومن هنا يفترض أن تطرح الأسئلة والشكوك ويثار الجدل لتصل في نهاية العمل إلى رؤية الصورة بوضوح، إذ أنّ هذا الوضوح هو الغاية من أي فعل تقوم به".

واقعيّة في الرّسم وبدايات سرياليّة

وعبّر عاقلة عن علاقته بالرّسم قائلًا: "في الواقع أنا أعتبر نفسي مولودًا والريشة في يدي! فسريعا ما اكتشفت نفسي بأنني فنان انطباعي واقعي"، موضحًا أنّه يرى في أسلوبه الواقعيّ تميّزه، إذ أنّه ليس من عشّاق الفنّ التّجريديّ، على حدّ قوله: "فأنا أحب أن أعكس من خلال فني الصورة التي أراها بمنظوري الخاص؛ فلوحة "عين العذراء" على سبيل المثال، لا الحصر، عندما تنظر إليها تعرف بأنها عين العذراء، وهذه هي الواقعية، ولكن حين ترى ألوانها سيمكنك أن تميّز ريشة الفنّان الّذي رسمها، وهذا هو الفن الانطباعي، أي أن يكون لك بصمة خاصة، تجعل المشاهد يرى عين العذراء بعيون الفنان".

وأضاف الفنّان التّشكيليّ أنّه إلى جانب لوحاته العديدة الانطباعيّة، فإنّه يتقن رسم البورتريه، وهو الرّسم الّذي يندرج تحت إطار الفنّ الواقعي؛ وعدا عن هذا، "فمنذ سنوات قليلة بدأت أدرس الأسلوب السُّريالي دراسة معمقة ولدي اليوم مجموعة من اللوحات السريالية المعروضة في المرسم".

مجموعة لوحات سريالية

الواقع في استلهام اللوحة، لا الصّورة عنه

ولدى سؤاله حول ما إذا كان يستعين بالصّور لمناظر المدينة في رسم لوحاته، أجاب عاقلة أنّه "في الحقيقة فأنا أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، بما أنّني فنان انطباعي، فإنني أخرج معظم الأحيان سواء لوحدي أو مع مجموعة من الطلاب إلى المَعلَم الّذي أرغب في رسمه، وأجلس في الزاوية المناسبة للمشهد، وأقوم بتخطيط الرسم وإعداد اللوحة، وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة للفنان الانطباعي، الذي يهتم بجعل انطباعاته عن المكان جزءًا من اللوحة.

نشاطات المرسم

وينظّم المرسم معارض فنية، كما تُعطى فيه دورات لتعلّم الرسم للمبتدئين والمتقدمين، وتقدمّ الخدمات للطلاب الفلسطينيين الّذين يدرسون في المعاهد والجامعات المختلفة في البلاد، وفيه أيضًا معرض لبيع اللوحات الفنية. والمرسم يقدم خدمات للفنانين لإقامة معارض لهم، كما يعمل المرسم مع المؤسسات المختلفة التربوية والتعليمية في إعداد رسومات لكتب الأطفال على سبيل المثال أو كتب التاريخ والتراث الفلسطيني وغيرها، بحسب عاقلة.

بين الفنّ والتّمريض

ولدى سؤاله حول التوّفيق والجمع بين عالمي الفنّ والتّمريض البعيدين كلّيًّا عن بعضهما، أجاب عاقلة: "نعم أنا الممرض المسؤول في قسم التّنفس الاصطناعي بمستشفى العائلة المقدسة، وهذه هي مهنتي ومصدر رزقي، بينما المرسم هو ‘أنا‘ وهو مشروع حياتي في الناصرة، أسعى من خلاله إلى للنهوض بالفن في بلدي، والفنّ الفلسطيني بالأساس، وأعمل على التّشبيك بين فنانين محليين أقدّر موهبتهم الفنية، مع معارض دولية وعالمية للحفاظ على التراث النصراوي والتثقيف الفني".

النّاصرة تجوب العالم.. في لوحة

وكانت لدى عاقلة عدّة مشاركات منذ بداية مشواره الفنّيّ في معارض مختلفة بينها معارض محلّيّة وأخرى عالميّة، منها معرض سويسرا الأخير، "الذي شاركت فيه بلوحة سريالية عن اللاجئين، وقبل ذلك شاركت في معارض بفرنسا وبولندا والولايات المتحدة وألمانيا وغيرها"، بحسب عاقلة.

التعليقات