الإحتفاء بإصدار المجموعة القصصية "حياة في متر مربع " للكاتبة نهيل مهنا في غزة

الإحتفاء بإصدار المجموعة القصصية
أشرف سحويل:

أكدت الناقدة والكاتبة الدكتورة مي نايف أن كاتبة المجموعة القصصية " حياة في متر مربع " هي كاتبة بصرية تطل علينا بشكل سريع ولم تستطع ان تنفلت من واقعها الفلسطيني رغم إستخدامها الكثير من تفاصيل الحياة اليومية البسيطة جاء ذلك خلال أمسية إحتفائية نظمتها جماعة صالون نون النسوية بقاعة المؤتمرات فى جامعة الاقصى في غزة بمناسبة صدور المجموعة القصصية للكاتبة المبدعة الشابة نهيل مهنا والتي صدرت مؤخرا ً عن " مركز أوغاريت الثقافي " في رام الله / فلسطين وتعتبر المجموعة القصصية الأولى للكاتبة والتي جاءت بعنوان " حياة في متر مربع " ضمن منشورات مركز أوغاريت الثقافي لسنة 2008 .بحضور عدد من المثقفين والمهتمين.

وقدمت للامسية الكاتبة فتحية صرصور من صالون نون الأدبي حيث رحبت بالحضور وعرفت بالكاتبة وبمجموعتها القصصية وتناولت بعضاً من جوانب المجموعة التي احتوت على أربعة عشر قصة ما بين قصص قصيرة و قصص قصيرة جداً ، نذكر منها ( بعض ٌ من انفجارات ، ثلاثية الحب و البقاء ، السترة ، ألا أموت ضحكا ً ، أربع نساء ، حاذتني مخاصرة و غيرهم .... ) جاءت في 91 صفحة من القطع المتوسط وذكرت أن الكاتبة الشابة نهيل مهنا من سكان مدينة غزة في فلسطين مواليد (1982) درست علوم الحاسوب و تعمل في مجال التصميم وبرمجة مواقع الانترنت ، تكتب القصة و المسرح بالإضافة إلى الرسم وأشارت أن الكاتبة هي من قامت بتصميم غلاف مجموعتها القصصية .وفي بداية اللقاء قدمت الكاتبة مهنا قراءة شفهية لبعضاً من مجموعتها .

ومن جهتها علقت الكاتبة والناشطة النسوية دنيا الأمل إسماعيل والتي كانت قدمت المجموعة و أشارت إلى أن هناك تحول في الكتابات الشابة في قطاع غزة وان الكاتبة مهنا تعاملت مع تفاصيل إنسانية .وأضافت أنها لم تلحظ في قصص الكاتبة مهنا ارتباط بالسياسة وأنها لم تلحظ التعبيرات والصياغات اللغوية الفلسطينية التقليدية وأن المجموعة لا يوجد بها أدلة زمانية ومكانية أو حتى دلالات تفضي إلى جنسانية النص بالمعني رغم حضور الصوت الإنساني بمعناه الشمولي العام مما يعتبر إنتصاراً للنص وقالت أن أبرز ما يميز قصص الكاتبة مهنا الإبتعاد عن الشعبية التي غلبت الكثير على نصوصنا الأدبية رغم مزجها بين العامية واستخدامها لمفردات نستخدمها مثل "مسج "، "شات "،"الماسنجر" حيث باتت لغة التخاطب اليومي للشباب اليوم وأيضاً الابتعاد عن همومنا الكبرى في غياب متعمد لكل التفاصيل وإنها إستطاعت ان تأخذنا إلى منحى بعيد عن الطريقة التقليدية بالكتابة في ظل إغلاق وحصار قطاع غزة الذي بات المتنفس الوحيد للاتصال مع العالم الخارجي من خلال شبكة الإنترنت.وشددت على أن جنسانية النص غير واضحة على الاطلاق وهي غائبة لكن يغلب عليها الطابع الإنساني وصلت إلى مقاطع من حياة المجتمع الفلسطيني كاشفة عن آلامنا الإنسانية بسلاسة ممزوجة بواقعنا الانساني.

من جهتها باركت الناقدة والكاتبة الدكتورة مي نايف للكاتبة صدور مجموعتها الأولي وقالت ان "حياة في متر مربع"عنوان خرج من ضيق المكان مباشرة بكلمة وأن الكاتبة الشابة نهيل مهنا كونها فنانة تشكيلية قامت بتصميم غلاف مجموعتها فكان اول خروج لها من المربع هو لوحتها بشكل مستطيل حيث خرجت بمساحة مضيئة لنصفين "رجل وإمرأة " يكونان هذا المجتمع بكل ما يحمله من أسى وقسوة وأمل.

وقالت د.نايف أن المجموعة اعتمدت على المكان الضيق حيث تواجدت معظم عناوين قصص المجموعة كما اشتملت على الكثير من المفارقات التي دعمتها في كثير من السخرية بنصوصها رغم أنها كتبت كأي كاتبة في العالم لكنها لم تستطع أن تنفلت من واقعنا الفلسطيني المعاش بما يعانيه فجاءت عبر مفرداتها القصصية مستخدمة تفاصيل الحياة اليومية البسيطة.

أما بخصوص التقنية التي اتبعتها الكاتبة إنها بدأت كتاباتها من النهاية ومن ثم عادت بالتدريج للنص زمانياً بشكل دائري وذلك واضحاً بالنسبة لغالبية نصوصها القصصية كما تنوعت في تقنيتها الداخلية للنص فأحياناً تستخدم الرسائل والأيام وأرقام الأبراج لكن في الغالب على شكل حوار.

وأكدت د.نايف أن الكاتبة هي كاتبة بصرية جملها جريئة أرادت لنا أن نصل بشكل سريع مما يدفع القارئ ليجد نفسه يستخدم عبارات القصة حتى يصل إلى نهايتها.

كما استخدمت الكاتبة الشابة في قصصها دور الراوي العليم ولم تستخدم أي تقنية أخرى فهي تعرف أبطالها وتفاصيل حياتهم وهي التي تتحدث عن حياتهم وصولاً إلى نهاية القصة.

وأوضحت د. نايف أن كلمات القصة كانت مستمدة من حياتنا اليومية فشخصياتها في معظم القصص شخصيات شابة ربما تتكلم عن جيلها ولرسمها للشخصيات جاءت بوصف سطحي بسيط لا تدخل إلى أعماق الشخصية وإلى نفسياتهم وأن إهتمامها بالقصة لم يكن بالشخصيات بقدر إهتمامها بالحدث لذلك نجد أن قصصها مليئة بالأفعال على عكس الكتابات النسائية.

وكانت الكاتبة نهيل مهنا أهدت مجموعتها لـ " إليها وحدها من ألهبت المخيلة و شحذت القريحة و فجرّت الينابيع لتقذف حجارتها على شكل كلمات ، و لمن أهدي سواها ؟ .. تلك الوحدة كما وجاء اعتذارها إلى " من سرقت ُ تفاصيل من حياتهم واعانوها على تجسيد أفكارها ، إلى معاذ و نزار و انتصار و ثريا ومنيرة و كثيرين من وردت أسماؤهم في هذا الكتاب ومن لم ترد وبقيت محفوظة في ذاكرتها.

ومن أجواء المجموعة نقتطف إحدى القصص بعنوان " زلة لسان " .

ضباب ُ كلام ٌ كثيف يحلـّق في الغرفة ، نصف استفاقة ، رائحة البنج تزكم أنفاسه أنفاسه بطيئة تكاد تخرج من مسام الصدر ، تضج أذناه بحديث يدور حوله ، ينقـّل بصره بين الوجوه باحثا ً عن وجهها .

وجه أمه الصبوح يغطيه وشاح أبيض .

يطل عليه الطبيب بردائه الأبيض النقي وعلى شفتيه ابتسامة حانية متحسسا ًمكان الجرح فوق الضمادات .

- لا زلت تشعر بألم ٍ هنا ؟؟

يحاول أن يستفيق ..

يجمع خيوط ذاكرته بعد ذلك اليوم

حين صفعته الأيام بشراسة

..................................

* أنت ِ جديدة ٌ هنا ؟

- بالفعل ،وأريد أن أعانق قمم هؤلاء

وتشير إلى أطر خشبية تحتضن صورا معلقة لديكنز ودوستروفيسيكي و نجيب محفوظ على الجدران في دهليز الجامعة

لم يعرف تحديدا ًما الشيء الغريب الذي جذبه إليها .

بنفسج عينيها أم شعاعهما الذي يغطي فضاءه و يفيض أو ربما نكهة التحدي الكامنة في صوتها ؟

تتمختر فوق وريده بخفة محتضنة كراستها كأنها جنين ٌ جاءها بعد آلام أستمر ت شهورا ًأراد أن يراها ثانية ولن يقع فريسة صدفة قد تأتيه متأخرة .

أطبق أهدابه على صورتها ونام

.......................

* لم آت ِ صدفة ً كما أدعيت .

- عرفت ُ ذلك من مراقبتك َ لي منذ خرجت ُ من باب القاعة .

* كنت ُ أنوي تغيير موطن قدمي حتى تعثرت ُ بك ِ .

- أنتظر هنا . البحر يقذف رزقه متأخرا ً .

* انتهت ْ أيامي هنا ، وأنت ِ بالكاد ابتدأت ! ينتظرها كل يوم أسفل ضوء الساعة الثانية .

هو مولع بذلك الشرطي الذي يسكن علبة خشبية و يجول بها كل الروايات ، وهي أعجبتها بائعة الورد على حواف القبور وتلك العجوز المسنة التي تبيع العسل على ناصية الشارع ...........................

- أعجبتني الرواية ، فيها رومانسية ممزوجة بواقع الحياة المر .

* أعجبني أكثر حوار البطل في الصفحة الخامسة و الأربعين حين امتزجتْ نظراته بنظراتها

،واشتعلتْ الوجنتان معاً ومن أمامهما الشفق غامزا ً على استحياء ، وقتها همس في أذنها بأمنية ٍصغيرة .

بيت و أربعة جدران حانية .. نوم عميق على وسادة واحدة ..

صباح يغرد بآمال ٍ جديدة ثم طفل و من بعده طفلة لها لون عيني ّ أمها تذوب بهما أقراص العسل غافية في دلال

على صحن الخد .

قالت وهي تقلب صفحات الرواية :

- لم أجد هذه الكلمات بين سطور الحوار .

يقهقه بصوت سمعته أسراب العصافير من فوقهما ، خُيّـل إليه أنها تشاركه فرحة اعترافه الأول .كست ْ وجهها حمرة خفيفة أستأثرت ْ بضياء عينيها البهي .

تلعثمت ْ الأصابع هاربة إلى مكان تجد فيه برا ً لذهولها ، تعرى خيط أسود دقيق احتل المسافة بين نظراتهما كسر ابتسامتها ، أطرقت برأسها غاب الكون في تعب ٍو ركود للحظات ، أمسك بعجين الوجه بين كفيه ..

انسابتْ دمعتان ساخنتان

- أخشى شراسة الأيام القادمة تقتص منا الفرحة

* سأصفعها بشدة .

انتفضت :

- من ؟ الفرحة ؟ !

* بل ، شراسة الأيام القادمة يا مجنونتي ! تترك يديه وتذهب في طريق مرسوم أمامها بدقة ، تلوّح بيدها وتصعد أول سيارة تعترضها ..

كان منتعشا ً، لم يشعر ببهاء هذه اللحظة من قبل ، شعر كأنه يرى الأشجار خضراء و الطيور جميلة لأول مرة .

أرادت أن تحمل له مفاجأة اجتيازها سنتها الأولى واقترابها خطوة من قمم هؤلاء .أراد أن تكون أول من يعلم بأمر قبوله ووضعه أول حجر في كوخهما الصغير .

غمرت ْ عينيه الفرحة حين وجدها في انتظاره والبهجة تحيط بها ، عانقها ودار بها أرجاء الفضاء الواسع .

* البحر قذف أشرعته هذه المرة ، وشراعي ينتظرني هناك .كانت تعلم أن هذا اليوم لابد وسيأتي . طالما أحرق الساعات وهو يحدثها عن أحلامه المكدسة في نفسه ، وهاهو جاء بعد أن زرع قدميه في تربة الحلم .

هناك حيث كل شيء بارد جاف وخال من كل شيء .

- ستتركني وتذهب إلى رياح ٍغريبة ؟

* ستكونين لي قبل أن تسحبني رياحهم .تحاول أن تخفي حزنها حتى لا يعتلي فرحته العارمة ، مطلقة نظراتها إلى المدى ، موارية الدمع الماسي

.................................................

تتوقف فجأة يداه فوق يديها ، ترتجف الشفاه

. تبحلق العيون يعلو زفير الأنفاس ، للوراء يعود خطوة .

بل خطوتين

ينظر إليها مشدوها ً و قد لجمتها زلة اللسان ..

حين قالت له : مازال الوقت مبكرا ً

اذهب أنت َ أولا وليكن المسيح معك .. أقصد .!!!!

لم تكن تقصد ، ... حتما هذه مزحة من مزحاتها الكثيرة .. أو ربما كان حلما َ امتد بي وأنا على فراشي .

تقترب منه ، تلمسه

ينتفض كيمامة هالها لسع المطر

تنساب دموعها على الوجه .. والرمل

على الشهور و الساعات

.........................................

* أريني هذا العقد الذي يختبئ وراء القميص .

- لا ... لا أستطيع ، فهو سر لا يجدي معه الإفصاح .

* أخشى أن يكون أحدهم قد سبقني إلى قلبك ِ .

ضحكت بعذوبة أنسته معها أمر العقد .

وحده في البيت ، غدا هاربا ًمن وجهها .

جال الشوارع حتى استقر في بقعته ، ومن حوله الصور و الروايات والمواعيد .

يكاد رأسه ينفجر لا ، ليس يكاد .. بل أنفجر فعلا ً.

رمى كل ما وقع تحت يديه من تحف وهدايا و كتب متأنقة على الرفوف شاركتهما رعشة الحب .

كان يرمي بثقل تلك الأيام عن كتفيه ، قبع منهارا ً يرتجف و يلهث ، يجول ببصره أرجاء المكان متفحصا الدمار الذي حوله ..

استقرت عيناه فوق شيء حاد يلمع باستفزاز فوق الطاولة ..

لم يشعر بنفسه حين غرسها في الخاصرة .صرخ من الألم ثم غاب في حلقات من الهذيان .

دخل أخوه ووجده غارقا في بركة دماء ، وعلى شفتيه ابتسامة باهتة والكلام يخرج منه متقطعا ..

لا تقلق ... لقد كان مخمـ ـ ــ ـورا

و و هاجمني بزجـ ـ ـاجة ٍ فارغة ....................................................

استيقظ مجددا ً. البنج يستبيح أنفاسه ، وأصوات الأهل في أذنيه تعلو كدق الطبول .

كرر الطبيب :

- أمازلت َ تشعر بألم ٍ هنا يا بني ؟؟

أشار إلى جهة القلب :

* بل ألمي يكمن هنا .

غلبه التعب .

وغاب في غيبوبة جديدة .
.

التعليقات